مقتل صالح.. أسبابٌ وتداعيات .. كيف تنظر إليه مراكز الدراسات العربية والأجنبية؟

إعداد/ دائرة الدراسات والبحوث بالمركز 2-2

إيران فـي القصة

تحدثت بعضُ المراكز العربية عن أن مقتلَ صالح جاء بطلب إيراني، وقد جاءت هذه الكتاباتُ متأثرةً بالتوجه الجديد لبعض الدول العربية؛ لاعتبار إيران العدوَّ البديلَ عن العدو الصهيوني مسايرة، لرغبة الإدَارَة الأمريكية الجديدة والصديقة جداً لتل أبيب، فقد لوحظ مباشرة توجيه الاتهام لإيران بعد كُلّ فشل سعودي أَوْ أمريكي، فتم اتهام إيران بالوقوف وراء الصاروخ الذي ضرب مطار الملك خالد، وكانت الإدَارَة الأمريكية متحمسة جداً، ما حدا بالمندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن تعرض حطامَ صاروخ ادّعت أنه إيراني الصنع تم تهريبه إلى اليمنيين، وهي بذلك تضرب عصافير كثيرة أحدها صرف النظر عن فشل منظومة باتريوت فـي التصدي للصواريخ اليمنية (التي تعترف واشنطن بوصولها لأَهْدَافها بعد أيام من ادعاء اعتراضها).

بعض المراكز العربية تتحدث عن مصلحة إيرانية وراء مقتل صالح، وهي بذلك أَكْثَــر تقدماً من سابقتها، مركَز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يرى أن إيران استغلت مقتل صالح لتوجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة لقوى إقليمية ودولية معنية بأزمة اليمن.

لكن الملاحظ هو اتّفاق كثير من المراكز الغربية الشهيرة على محدودية علاقة إيران بما يجري فـي اليمن، خَاصَّــة أحداث فتنة الثاني من ديسمبر، فمثلا ًمركز كارنيجي يرى أن صالح كان عميلاً للسعودية، فيما يرى أن الحوثيين لم تكن تربطهم علاقة بإيران، وأن الحملاتِ الإعْـلَامية الضخمة عن علاقة إيران بالحوثيين لا تثبت أَكْثَــرَ من العلاقة المحدودة بين الطرفين، كذلك شكّك سايمون هندرسون من معهد واشنطن فـي الدعم الإيراني لأَنْصَار الله والذي يراه فـي أفضل الأحوال مقتصراً على الدعم الإعْـلَامي فقط.

من جهتها مجموعةُ الأزمات الدولية تؤكِّدُ أن “الحوثيين ليسوا من صنع إيران، ولكن نجاحهم فـي السيطرة على الشمال، فائدة لها، فالحوثيون حلفاء إيران وليسوا دُمَىً لها).

يتضح مما سبق أن مسألة حشر إيران فـي صورة ما يجري فـي اليمن لا يعدو كونه توظيفاً سياسياً يخدم سياسات معنية بالتصدي لمحور المقاومة وتندرج ضمن التحالف الجديد الذي تحدثت عنه نيويورك تايمز بين الرياض وتل أبيب لقيادة الشرق الأوسط الجديد. كما أن تركيز الإدَارَة الأمريكية والنظام السعودي على ذلك يعتبر شماعة تعلق عليها أخطاء وفشل السياسات السعودية الأمريكية فـي اليمن والمنطقة عموماً.

 

 التداعيات

ربما الكثيرُ من الكتابات أشارت بتشاؤم إلى تداعيات تتعلق بالانتقام والثأر واندفاع قواعد صالح الشعبية نحو صفوف العدوان، آخرون تحدثوا عن رفع الغطاء السياسي عن أَنْصَار الله باعتبار صالح من كان يوفره لهم، وبالغ البعض فـي أن الجبهات ستنهار خلال أيام؛ بسبب توقف الدعم المالي الذي كان يوفره صالح، كُلّ ذلك لا يبدو صحيحاً ولا واقعياً، بل ومبنيٌّ على حسابات غير دقيقة ومنطقية فقد أثبتت الأَيَّــام عدم تحقق تلك التنبؤات، لكن الأبرز فـي تلك التداعيات هو الحديث عن تأثير مقتل صالح على مآلات الحرب أَوْ السلام، فكثير من المراكز والكتّاب توقعوا استمرار العدوان والحصار ومواصلة السعودية لارتكاب المزيد من المجازر، وهو فعلاً ما يجري حالياً، حيث لا يزال الطيران السعودي يرتكب كُلّ يوم مجزرة بحق المدنيين ما حدا بالأمم المتحدة أن تعترفَ بسقوط أَكْثَــر من مائة مدني خلال 3 أيام!!!

سعيد كمال دهقاني من صحيفة “الغارديان” يرى أن الحرب ستطول وتصبح عصيةً على الحل أَكْثَــر مما مضى، بينما موقف أَنْصَار الله أَصْبَح قوياً على المدى القصير. وهو ما شاركه فـي الرأي سايمون هندرسون من معهد واشنطن إلا أنه يستدركُ أن “المجال يبقى مفتوحاً أمام خطوات دولية لإنقاذ اليمن قبل أن تنهار وتصبح جرحاً مفتوحاً فـي خصام سعودي/إيراني”، حسب قوله.

أليكسي سارابيف من المجلس الروسي للسياسات يتوقع أن تشدد السعودية -بعد مقتل صالح- من إجراءاتها فـي حدودها الجنوبية مع استرجاع الخطر الذي شعرت به الرياض بعد إطلاق الصاروخ فـي نوفمبر الماضي على مطار الملك خالد الدولي، فـي إشارة واضحة إلى استمرار العدوان فـي حربه المدمرة على اليمن.

– الكاتب آدم الطيب من المعهد المصري للدراسات وضع ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الأوضاع فـي اليمن:

1- السيطرة الحوثية الكاملة.

2 – استمرار القتال.

3- حسم القضية.

إلى غير ذلك من السيناريوهات والتوقعات.

تلك النظرة ربما منطقية إلى حَدٍّ ما، لكن الحقيقة واستقراء الواقع والملابسات المرافقة لمقتل صالح وما بعده من تصرفات العدوان تشي بغير ذلك:

ثمة إجماعٌ على أن ما حصل كان مؤامرة بين صالح وتحالف العدوان وأن السعودية على مضضٍ قبلت بخطة إماراتية بتوظيف صالح لقلب الطاولة على الحوثي وحشره فـي زاوية العنف بينما يقدم صالح مبادرته لما يسميه السلام (كانت مقررة فـي احتفال المؤتمر بمناسبة مرور 35 عاماً على تأسيس الحزب ولكنها فشلت بعدما اكتشف صالح أن حاسباته لم تكن دقيقة وتوقيتها لم يحن بعدُ).

أيضاً يمكن ملاحظةُ أن هذه الورقةَ (صالح) جاءت بعد ما يقرب من ألف يوم من العدوان الفاشل والمكلف والتدميري، فهي فـي الواقع تعتبر ورقة أخيرة “رابحة” وإن أثبتت الأحداث والوقائع أنها فاشلة ومحترقة بل وجاءت بنتائج عكسية تماماً _مجموعة الأزمات الدولية علقت بقولها: “إن سياسةَ التحالف فـي محاولة شق تحالف الحوثي/ صالح أثّرت عكسياً وأدى إلى انتصار الحوثيين، وهذا ما حذرت منه المجموعة فـي إحاطة سابقة.

كما ينبغي التنبيه على أن تلك الورقة تم استخدامها بعد فشل أَوْ بالأصح إفشال مفاوضات الكويت التي حكم عليها السفير الأمريكي بالفشل قولاً وفعلاً، وربما كانت الأنظار حينها متجهةً نحو الورقة الرابحة.

بعد فشل الخطة ومقتل صالح توجه الإماراتيون نحو عدوهم اللدود “الإصلاح” الذي تتهمه دوماً أبو ظبي بعرقلة الحسم والتبعية للأجندات القطرية، وهو ما يعكسُ الحالةَ التي وصل إليها التحالُفُ من التخبُّط واليأس والإرباك؛ ليتجه نحو الخيارات المجربة والتي أثبتت فشلها وهو الغباء بعينه الذي وصفه أينشتاين.

إنَّ توجُّهَ التحالف (الإمارات على وجه الخصوص) له آثاره السلبية على خارطة التحالفات اليمنية التي قام التحالف بنسجها، فتطبيع العلاقات الهشة بين أبوظبي والإخوان لم يرق كثيراً للجنوبيين الذين ينظرون بريبة إلى الثمن الذي قد يطلبه الإصلاح مقابل تحريك المياه الجامدة، ومدى تأثيره على أَهْدَافهم لبناء دولة ما يسمى بالجنوب العربي المستقل وفك الارتباط عن الشمال، كما أنهم يتخوفون من عودة سيناريو 94م خَاصَّــة بعد التحاق عدد من مرتزقة المؤتمر بإخوانهم المرتزقة من الإصلاحيين وعلي محسن الموجود باستمرار فـي ذاكرة أبناء الجنوب.

قد يركز التحالف فـي ترقيع الخارطة الممزقة على وتر العدو المشترك للجميع (الحوثيين) ولكن ذلك لا يبدو فعالاً، فإضَافَة إلى ما سبق، فإن تصاعد أعداد القتلى فـي صفوف أبناء الجنوب المقاتلين إلى جانب تحالف العدوان فـي جبهات أَصْبَحت توصف بالمحارق (حسب توصيف مواقع جنوبية) وتزايد أعداد القتلى والجرحى التي تصل إلى مستشفيات عدن من الساحل الغربي، وعدم الانسجام بين المكونات المتواجدة حالياً على خارطة التحالفات التابعة للعدوان كُلّ ذلك لا يشجع أبداً على نجاح هذه الاستراتيجية ما يعني أن التحالُفَ يخرج من أزمة ليقع فـي ورطة، ويقترب يوماً بعد يوم من الجدار الذي سيصطدم به حتماً.

من هنا نجد أن بعضَ الكتابات التي تؤيد السردية القائلة بأن مقتلَ صالح قد يعجل من الحل السياسي الجاد هي الرؤية الأَكْثَــر واقعية، فبعد مقتل صالح بساعات أطلق اليمنيون صاروخاً باليستياً على مفاعل “راكة” النووي فـي أبو ظبي، ولاحقاً أطلق الجيش واللجان صاروخاً باليستياً على قصر اليمامة رمز الحُكم السعودي ومقر إقامة الملك سلمان فـي رسالة باتت مفهومة لعدو لا يفهم سوى لغة واحدة.

على صعيد الجبهات لم يحقق العدو أيةَ تقدمات ملموسة تتناسَبُ وضخامةَ إعْـلَامه عن التحاق قيادات من مرتزقة المؤتمر إلى صفوف العدوان، ووعوده بتحولات فـي الميدان لصالحه، بل تحولت بعض الجبهات مثل جبهة الخوخة إلى محرقة حقيقية حوصر فيها الكثير من المرتزقة رغم الطيران الهيستيري الذي يحاول ليس الانتصار بقدر ما يحاول إيجاد مخرج لمرتزقته للهرب من “النار الحمراء” فـي الساحل الغربي عموماً.

فـي الجانب الاقتصادي فرض تحالف العدوان حصاراً وصف بـ “العار على المجتمع الدولي” من أجل أن يضغط على القوى الوطنية المقاومة ويدفع بالشعب اليمني المقاوم إلى النقمة والثورة على تلك القوى المقاومة، ولكن الشعب اليمني أدرك أن العدو هو من يحاصره ويمنع عنه مرتباته؛ لذلك تحرك اليمنيون على خلاف ما تشتهيه سفن العدوان، بأن دفع بالمزيد من الرجال إلى الجبهات لإيقاف العدو عن ارتكاب المجازر بحق المواطنين الأبرياء ورفع الحصار عن منافذه البرية والبحرية والجوية.

وهو ما أشارت إليه مجموعةُ الأزمات الدولية فـي تقرير لها بتأريخ 6 ديسمبر، أي بعد وأد الفتنة بيومين، حيث قالت: “إن رفع ذلك الغطاء (السياسي عن أَنْصَار الله بمقتل صالح) لن يشعل انتفاضة شعبية كما يأمل التحالف”.

من هنا تتضح أَكْثَــرَ واقعية الفكرةُ القائلةُ بأن سقوط ورقة صالح ستدفع أَكْثَــر بالتحالف إلى الحل السياسي الذي تنشده القوى الوطنية فـي الداخل لوقف المجازر السعودية بحق المواطنين ورفع الحصار، إلا أن يصر التحالف على تجريب المجرب وتطبيق الحلول التي أثبتت فشلها فهذا لن يقود إلى تحقيق أية أَهْدَاف للتحالف العدواني، بل ربما سيؤدي إلى زعزعة استقرار تلك الدول المشارك فيه؛ باعتبار الحروب المكلفة والعبثية أحد أسباب انهيار الممالك والدول.

الحديثُ عن عزل سياسي أَوْ رفع الغطاء عن أَنْصَار الله برحيل صالح إلى جانب الضربات الجوية المتصاعدة والمجازر اليومية فـي الأسواق اليمنية المكتظة بالبسطاء من الناس وتشديد الحصار والحملة الإعْـلَامية الهائلة، كُلّ هذه الأمور تندرج تحت سياسة التقرب غير المباشر التي تتضمنها الاستراتيجية غير المباشرة أَوْ اللامركزية فـي التكتيك العسكري والتي تقوم على توريط الخصم فـي معارك جانبية – عسكرية – اقتصادية – إعْـلَامية – تستنزف موارده وترهق معنوياته وتنال من صلابته وتماسكه. وهو ما يمارسه العدوان من أول يوم إلا أنه فـي الفترة الأخيرة وتحديداً بعد فشل مفاوضات الكويت ركز العدوان على هذه الاستراتيجية والتي لوحظت فـي الحرب الاقتصادية الخانقة التي مارسها العدوان بنقل البنك المركزي وإغْلَاق مطار صنعاء وقطع المرتبات وهي استراتيجية تعرف بأن “ألا تدع الخصم يستريح مطلقاً”. وهو ما يجب أن يفهمه الشعب اليمني جيداً ويتنبه له فـي معركته الفاصلة حتى يتمكن من مواجهة خصم استنفذ كُلّ قواه العسكرية ولجأ إلى الأساليب غير المباشرة علّه يحقق نصراً عسكرياً يحفظ له ماء وجه الذي أراقه بين أقدام المقاتل اليمني.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com