مقتل صالح أسباب وتداعيات ..كيف تنظر إليه مراكز الدراسات العربية والأجنبية

إعداد/ دائرة الدراسات والبحوث بالمركز 1-2

تباينت المراكزُ في تناولها مقتل الرئيس السابق صالح إثر انشقاقه وانقلابه المسلح على حليفه في الداخل “أَنْصَار الله” فيما بات يُعرف بفتنة الثاني من ديسمبر، حسب توجه كُلّ مركز أَوْ ربما لغموض وضبابية وناجمة عن نقص في المعلومات وضياع بعض جوانب الصورة.

يمكن القولُ إن البعضَ من تلك التناولات افتقرت إلى المعلومات الدقيقة عن الحادثة، وهو ما يستدعي توضيحاً لعدة جوانبَ تلقي الضوء على القضية وتكشف حقيقة ما جرى فـي الثاني من ديسمبر. بينما سنحاول أن نقدمَ عرضاً لتلك المواضيع والكتابات الصادرة عن مراكز الدراسات العربية والأجنبية، وكيف تناولت الموضوع ومدى المنهجية فـي تلك التناولات.

 

التحالفُ بين أَنْصَار الله وصالح

بعد انتهاء الحرب السادسة (2010م) وقع الطرفان صُلْحاً انتهت بموجبه الحرب السادسة وهي الأخيرة التي شنها صالح ضد أَنْصَار الله فـي صعدة وغيرها من المناطق، فـي بداية 2011 اندلعت انتفاضة شعبية واسعة ضد حكم صالح الذي دام 33 عاماً من الحكم الفردي المطلق تخلله كثير من الحروب خاضها صالح لتثبيت حكمه وتمكين عائلته وأقاربه من السلطة والثروة، تسارعت الأحداث بعد تعرض صالح لمحاولة اغتيال نفذها خصومه، وبعد تحسنه من الجراح التي أصيب بها فـي المحاولة الفاشلة رضخ صالح للمبادرة الخليجية التي قضت بتنازله عن السلطة لنائبه هادي، وبعد عدة مواجهات مع السلطة الجديدة (هادي والإصلاح) دخل أَنْصَار الله صنعاء بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014م والتي عقبتها مباشرة اتّفاقية السلم والشراكة بين الأطراف السياسية اليمنية، كان صالح خلال الفترة ما بين 2012 و2014 متوارياً عن الساحة تحت وطأة المبادرة الخليجية التي كبلت تحَـرّكه السياسي بشكل كبير (تمكن هادي من إغلاق جامع الصالح وقناة اليمن اليوم التابعة لصالح). إضَافَة إلى العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي عليه وعلى نجله (أحمد) بالمنع من السفر والحجز على ثرواتهما.

بعد انطلاق العدوان السعودي الغاشم على اليمن تباينت ردودُ الأفعال للقوى السياسية اليمنية بين مؤيد للعدوان ورافض له، على عادته فـي سياسته تصرف صالح بالرقص على الحبال المختلفة، فقام بالتريث أياماً ليعلن موقف حزب المؤتمر الرسمي برفض العدوان والوقوف إلى جانب أَنْصَار الله فـي مواجهته والتصدي له، لكن أعضاء بارزين فـي الحزب التحقوا بالرياض ولم يقم الحزبُ باتخاذ أي إجراء تنظيمي ضدهم!!!

خاض الفريقان -المؤتمر وأَنْصَار- معركة سياسية وديبلوماسية موحَّدة فـي مفاوضات جنيف والكويت والتي باءت بالفشل، فيما حافظ الفريقان على الوَحدة الداخلية للقوى الوطنية المواجهة للعدوان، بعد انتهاء مفاوضات الكويت ونقل البنك المركزي إلى عدن اتفق الطرفان على إنشاء مجلس سياسي أعلى يقودُ البلاد، وبموجبه تشكلت حكومة الإنقاذ التي بُنيت على أولوية مواجهة العدوان وتوفير الممكن من الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية.

بدأ صالح بسياسة التهرب من المسؤولية وتحميلها لأَنْصَار الله، خَاصَّـة ما يخص المرتبات، حيث مارس صالح دور السلطة والمعارضة فـي وقت واحد، رافق ذلك حملة إعلامية متدرجة ومركزة ومتصاعدة ضد أَنْصَار الله واتهامهم بالفساد والفشل ونهب المال … إلخ .

فـي 24 أغسطس أقام المؤتمر احتفالاً بمناسبة مرور 35 عاماً على تأسيسه -لم ينظم المؤتمر احتفاليةً مشابهةً على مدى تأريخه- وقبلها شهد المراقبون مغازلة صالح للعدو بخطابات وَدودة ومهاجمة أَنْصَار الله، وصولاً إلى وصف اللجان الشعبية بالميليشيات وضرورة استعادة الدولة، حسب قوله، كما قام أَنْصَارُه بتعليق صورة عَبدربه وهو يتسلّم السلطة من صالح فـي ميدان السبعين فـي العاصمة صنعاء، فـي إشارة واضحة إلى اتّفاق غير مُعلَن يقضي بعودته للسلطة بعد إعلان مرتقَب يوم الرابع والعشرين من أغسطس. ولكن أَنْصَار الله تنبّهوا لخطر المغامرة الخطرة – فكان خطاب السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي فـي العاشر من رمضان (1438هـ) – التي يقوم بها صالح، فحدثت بعض التوترات التي انتهت بوساطة من السيد حسن نصر الله ليعدلَ صالح خطابَه أمام جماهيره ويشكُرَ اللجانَ الشعبية ويعد برفد الجبهات بعشرة آلاف مقاتل.

فـي اليوم التالي بدأ صالح بإنشاء معسكر “الملصي” تحتَ يافطة التدريب لرفد الجبهات، وهو ما اتضح لاحقاٌ أنه لم يكن سوى معسكر يدرّب عناصرَ للانقلاب على حليفه.

خلالَ الفترة بين 24 أغسطس والثاني من ديسمبر حدثت عدةُ مواجهات عسكرية بين الطرفين، بينما كانت قنوات العدوان (السعودية والإماراتية وأتباعهم) يشنون حملة إعلامية ضخمة لتوسيع الخرق بين الطرفين. جاءت مناسبة المولد النبوي الشريف الذي يقيمه أَنْصَار الله كُلّ عام فـي احتفالية مركزية كبيرة فـي ظل توتر أمني كبير وحدثت قبلها بيوم مواجهاتٌ عنيفة انتهت بتهدئة هشّة ليتم الاحتفال بالمناسبة.

تصاعدت التوتراتُ بين الطرفين وصولاً إلى 2 ديسمبر حينما استبق صالح الأمرَ بإخراج ميليشيات تابعة له لقطع الطرقات فـي العاصمة وتقسيمها إلى مربعات وقطع الطرق على إمداد الجبهات – ميدي، صرواح، رازح وغيرها- واندلاع مواجهات عنيفة بين الطرفين، فـي صباح السبت 2 ديسمبر خرج السيد عَبدالملك الحوثي بخطاب ناشد فيه صالح بصفته زعيماً وطنياً وصاحب تأريخ وتعقل أن يوقف هذه الفتنة وأن لا يقدم خدمة للعدو الذي يتربص باليمن بأكمله، ليخرج صالح بعدها بخطابه الناري الذي أعلن فيه انشقاقه عن التحالف بينه وبين أَنْصَار الله، ودعا فيه إلى الخروج المسلح عليهم ووصفهم بالعصابات الإرهابية فـي تهور غير مدرك وغير محسوب، ووجه خطابه للعدوان بمد يده إليه و”فتح صفحة جديدة”!!

استمرت المواجهاتُ إلى حين خروج السيد عَبدالملك الحوثي بخطاب آخرَ مساء نفس اليوم السبت داعياً مرة أُخْـرَى لوقف الفتنة والتفاهم لتحصين الجبهة الداخلية، ولكن يبدو أن صالح لم يقرأ الخطابين بشكل صحيح، انهارت ميليشيات صالح بشكل متسارع وسيطر أَنْصَار الله على الوضع بشكل كامل بينما كانت أبواب الوساطة مشرعة لتأمين حلٍ لشخص صالح الذي رفض أيِّ حلٍّ سوى المواجهة العسكرية.

لم تفض الوساطةُ بين الطرفين إلى إقناع صالح بالعدول عن موقفه رغم أن الوساطة عرضت عليه تأمين حياته وعائلته مقابل خروجه من المشهد السياسي، ولكنه أصر على موقفه من المواجهة العسكرية.

يعتقدُ البعضُ أن اعتمادَ صالح فـي الفترة الأخيرة على بطانة شابة ومتهورة وذات نزعة تكفيرية، وإقصائه الكثير من ذوي الخبرة والعقل هو الذي جعله يمضي فـي مشروعه الانتحاري الذي انتهى بمقتله فـي طريقه إلى مأرب؛ هارباً من تلك المواجهة التي اختارها.

 

اليدُ الأمريكية دائماً

اعتبر سايمون هندرسون (من معهد واشنطن) أن “خطةَ إبعاد الحوثيين عن صالح هو السبيل الأوحد للحل السياسي”، مستخدماً مصطلحَ “الحل السياسي” لإضفاء طابع الإنْسَانية على حركة الانشقاق المسلحة التي قام بها صالح والتي كانت ستخلف حتماً صراعاً أهلياً داخلياً وانهياراً للجبهات وانتقال الفوضى التي تعاني منها المحافظات المحتلة إلى المناطق الآمنة فـي ظل سيطرة الجيش واللجان الشعبية. فيما لا يُخفـي هندرسون التواصل بين الرياض وصالح فإنه يتهم السعودية بالتخطيط غير السليم لهذا السيناريو القاتل، وما يؤكّدُ تورُّطَ واشنطن وحلفائها فـي الانشقاق والفتنة التي أشعلها صالح مطلع ديسمبر 2017 هو سعيها المتجدد فـي إحداث الشروخ فـي الكتلة الداخلية الصلبة لليمن، حيث يقترحُ الكاتبُ إحداثَ شرخ بين أَنْصَار الله والقبائل اليمنية .

إضَافَةً إلى ما أورده السفيرُ الأمريكي السابق لدى اليمن، ستيفن سيش، فـي مقال مشترك مع إريك بيلوفسكي فـي الـ 23 من يوليو الماضي فـي نفس المعهد عبّرا فيه عن ضرورة بذل “الجهود الديبلوماسية الأمريكية الفعالة” قائلين: “ويمكن أن يشمل ذلك المزيد من التعمق للبحث عن صفقة تسرّع تفكك التحالف بين الحوثيين وصالح من خلال كفاءة سياسية دبلوماسية”، فيما يعتبر المقال أن الدافع لصالح للتحالف مع أَنْصَار الله هو “ضمان نفوذ عائلته المستمر فـي الحياة السياسية فـي اليمن”.

قبلَ الفتنة بأشهر مركز كريتيكال ثريتس الأمريكي التابع لمعهد المشروع الأمريكي (إنتربرايز) هو الآخر تبنى نفس الفكرة عندما أصرَّ على ضرورة إيجاد الشرخ بين الفريقين للوصول إلى نتيجة للتحالف المتعثر فـي حربه على اليمن. وبعد وأد الفتنة لاحظ المراقبون تصريحات السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر المتشنجة التي دعا فيها القبائل اليمنية إلى الانتفاضة ضد أَنْصَار الله، فضلاً عن تصاعد الغارات الجوية على اليمن وخَاصَّـة تلك التي طالت منازل ومقرات صالح وعائلته.

 

إخفاقُ المؤامرة

ركّزت العديدُ من الكتابات على أن ما حصل كان “مؤامرةً فاشلةً” افتقرت إلى التخطيط السليم، كما أنها لم تُضمِّنْ خطتَها إمْكَانيةَ فشل صالح أَوْ تمكن أَنْصَار الله من الإمساك بزمام المبادرة أَوْ أن راسمي الخطة تجاهلوا ذلك عمداً؛ ربما لأنهم أرادوا تحقيقَ إحْدَى الغايتين (إما نجاح صالح وتفجر الأوضاع وانهيار الجبهات والفوضى، وهذا يصب فـي صالح العدوان، أَوْ التضحية بصالح ككبش فداء يمكن استثمارُ موته لصناعة حالة من الغضب والتحشيد ضد أَنْصَار الله داخلياً واستقطاب ما أمكن من القيادات المؤتمرية المتعاونة مع العدوان إلى صفوف المرتزقة) .

فـي مقال له بروس ريدل المستشار السابق لأربعة من الرؤساء الأمريكيين يصف ما حصل بالإخفاق الذريع للمؤامرة السعودية لفك الارتباط للتحالف (المتشنج) والمبني على مصالح لكل طرف.

ريدل أيضاً يرجع سبب الإخفاق إلى ما أسماه الافتقار إلى “استراتيجيّة كان لا بدّ من تطبيقها لدى انقلاب صالح على الحوثيّين”. وعليه يلقي باللائمة على السعوديين فـي مقتل صالح الذي وثق بهم بينما لم يستعدوا بأية خطة لمساعدته وأَنْصَاره سوى بعض الغارات الجوية بعد مقتله”.

يشاركه الرأي مركَزُ رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي، حيث يرى أن إخفاق المؤامرة فوّتْ على السعودية والإمارات خروجاً مشرّفاً من الحرب حين فشلت فـي توظيف صالح كعنصر داخلي يضمن لها ذلك.

من مركز كارنيغي للشرق الأوسط الشهير اعتبر الكاتب مارك لينش أن مصيرَ صالح يُفصِحُ عن محدودية الحروب بالوكالة فـي الشرق الأوسط، وأن تلك “الانتفاضة” فيما لو نجحت كانت ستضع حداً للورطة السعودية فـي اليمن، لكن نتائجها جاءت عكسية ووصفها بالمغامرة، حيث خسرت السعودية آخر ورقة لديها وباتت مجردة من أية استراتيجية سوى مواصلة الحرب المكلفة. فلم تكن آفاق “فصل صالح عن الحوثيين” واعدة كثيراً، إلا أنها وفّرت إحْدَى الوسائل الضئيلة لوقف الحرب عبر الطرق الدبلوماسية حسب رأي المركز. وأن السعودية وبفشل خطتها لم يعد أمامها سوى مواصلة الحصار والحملة العسكرية لتدمير اليمن!!

فورين أفيرز، وعبر الكاتب “أشر أوركابي” أشارت إلى أن سبب فشل الخطة هو الأساس الذي بنى عليه صالح تحالفه مع أَنْصَار الله وهو حنينه الدائم للسلطة التي لم يستطع التخلص من رغبته فيها يوماً. ورغم مهارته فـي المراوغات إلا أنه وحسب الكاتب كانت حساباته قاتلة هذه المرة.

على الضفة الأُخْـرَى مركز كاتيخون الروسي أرجع سببَ فشل الخطة التي وصفها بالانتحار إلى “خيار سياسي صعب التبرير” بقياس خطاب مناهضة العدوان السعودي الذي واظب عليه صالح لثلاث سنوات ثم انقلب عليه فجأةً.

المركَزُ أَكَّـدَ أن طريقَ صالح الوحيد للبقاء كان أن ينتصرَ وتنتصرَ معه السعودية ومن ورائها الحلفُ المساندُ لمشروعها وحربها. أما فـي حال الفشل فيصير الانتحار قدره، ويصير الاستسلام انتحاراً، والفرار انتحاراً، وإطلاق الرصاص على رأسه بيده أَوْ بيد سواه أيضاً نوعاً من الانتحار”.

العدو الصهيوني وعلى صفحة “ها أرتس” الصهيونية وبقلم الكاتب الصهيوني زفـي بارئيل وصف الفشل بالضربة المؤلمة لمحمد بن سلمان وأن السعودية انزلقت منزلقاً خطراً فـي محاربتها لإيران.. كسابقيه يرجع بارئيل السبب فـي فشل المؤامرة إلى عدم اشتمال المؤامرة السعودية فـي اليمن على خطة الفصل الأخير والنهاية المدروسة، وهو ما جرى أيضاً فـي لبنان حسب رأيه من الفشل السعودي المستمر فـي المنطقة.

(الملاحظ أن الصحيفة هي الوحيدة التي أشارت إلى مناشدة السيد لصالح لوقف الفتنة إلى آخر لحظة).

بينما فـي مقالٍ آخر للصحيفة الصهيونية وتحت عنوان (الأسباب الرئيسية لمقتل صالح) ترى أن فشلَ المؤامرة أثمَرَ “دفعة معنوية قوية للحوثيين وضربة مؤلمة للتحالف” الذي تقوده السعودية، حيث خسرت “الأمل الذي تم شراؤه لقلب الطاولة على الحوثيين”أساس حسب وصفها.

الخبيرُ فـي الشؤون اليمنية آدم بارون والزميل الزائر فـي المجلس الأوربي للدراسات اعتبر أن التحالُفَ أخطأَ فـي وضع سيناريو هذه المؤامرة حين وضع كثيراً من بيضه فـي سلة صالح التي اتضح أنها لم تكن محصَّنة وسريعاً ما سقطت وسقط معها رهانُ التحالُف.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com