الإعلامُ السعودي والإعلامُ الصهيوني.. وجهان لعُملة واحدة

أَكْثَر من ألف يوم من العدوان وَالتضليل

عبدُالرحمن محمد حميد الدين

الدعايات المضللة كأحد أساليب القوى الاستعمارية:

على مر التأريخ كانت القوى الاستعماريةُ تستخدمُ (التضليلَ والدعاياتَ) لتحقيق انتصَارات وهمية تجاه الشعوب المستضعفة؛ في محاولة لاختراق الجبهة الداخلية، وقد كان للإمبراطورية العجوز (بريطانيا) النسبةُ الكبرى خلال الحربين العالميتين وعصر ما يسمى الانتداب في معظم دول المنطقة العربية، حيث مارست بريطانيا سياسةَ [الدعايات المضلِّلة] على العرب حكوماتٍ وشعوباً، وقد تنوعت تلك الدعاياتُ ما بين: أيديولوجية وسياسية وعسكرية واقتصادية، والتي من خلالها استطاعت احتلالَ العديد من البلدان العربية والإسْلَامية، خَاصَّــةً مع انعدام [جبهة إعلامية] تنطلقُ من ثقافة المجتمع العربي المسلم وتجعل من أيديولوجية القُــرْآن الكريم الذي -تؤمن به- منطلقاً محورياً في مواجهة دعايات وتضليلات الإعلام الصهيوبريطاني في تلك الحقبة..

وفي عصرنا الحديث كان للولايات المتحدة الأمريكية الدورُ الأبرزُ في تشويه الحقائق وتضليل المجتمعات والشعوب والتي بحق تستحق أن تدخل [موسوعة غينتس] في تضليل الأمم وخداع الشعوب، حيث كانت الأكاذيب والدعايات هي القاعدة الوحيدة التي وقفت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما لتبرير غزو أفغانستان والعراق، وهذا ما تجلى لاحقاً من خلال الحقائق التي تلت غزو هذين البلدين.

 

الحربُ النفسية والسيطرةُ على العقول:

إنها الحربُ النفسيةُ أَوْ الحربُ المعنويةُ وحربُ [السيطرة على العقول] التي أَصْبَـحت من أشدِّ الأسلحة الفتاكة في العصر الحديث، خَاصَّــةً مع الثورة الصناعية وعصر التكنولوجيا الذي حول العالم إلى قريةٍ صغيرة من خلال وسائل الاتصال الفضائية والمعلوماتية، حيث يقول الشهيدُ القائد السيد / حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في الدرس 22 من دروس رمضان:

((العدوُّ الذي يمتلكُ أفتكَ الأسلحة يرى بأنه ليس مستغنياً بل مضطرٌّ إلى أن يسلك الوسائل الأُخْـرَى في الحرب، الحرب الثقافية، الإعلامية، الحرب النفسية، أليس هذا شيئاً واضحاً؟ فكيف أَصْبَـحنا لم نعد نفهم حتى الصراع ما هو، أَصْبَـحنا لم نعد نفهم الجهاد ما هو!)).

كما قال (رضوان الله عليه) في الدرس 14 من دروس رمضان:

((ولهذا نقولُ أَكْثَرَ من مرة: يجبُ أن نعرفَ، نتلمس ما يعملون ونعرف بأن بإمْكَاننا أن نعمل أشياءَ كثيرةً في مواجهتهم لأنهم في المقابل يركزون على الأشياء الأُخْـرَى على الحرب النفسية والحرب الثقافية الاقتصادية، أشياء كثيرة، الحرب الإعلامية يركزون على وسائل أُخْـرَى بحيث ماذا؟ لا يبدون على أمة من الأمم إلا وَقد هي منهارة لأنهم خوافين جداً من موضوع القتال)).

وَلذلك نقول إنه لولا الحرب النفسية المرتكزة على الدعايات المضللة والإعلام المزيف لما استطاعت أمريكا تحقيق أيٍّ من أهدافها العسكرية والاقتصادية والثقافية، فالأكاذيب وَليُّ عنق الحقيقة ليس جديداً على ماكينة الدعاية والإعلام الغربي، وخَاصَّــةً الأمريكي.

 

المشروعُ الصهيونيُّ واستعطافُ الشعوب الغربية:

ولأن اليهودَ الذين أخبرنا اللهُ سبحانه وتعالى عنهم بأنهم يُلبِسون الحق بالباطل ويزيفون الحقائق؛ لذلك فإنهم اعتمدوا على الكذب و[الدعايات المضللة] لتحقيق كافة مآربهم، ولم يكن احتلالهم لأرض فلسطين سوى (وسيلة) لتحقيق سيطرتهم على العالم أجمع، حيث أن [الصهيونية العالمية] رفعت شعار: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)!! واستطاعت من خلال هذا الشعار الزائف استعطاف الشعوب الغربية لتحقيق حلمها في إنشاء دولة يهودية لجمع شتات يهود العالم في فلسطين المحتلة، ومن ثم أستطاع الصهاينة تقديم ما يسمى بدولة إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة بين دول المنطقة العربية والإسْلَامية..!! رغم أن هذا الكيانَ يمتلكُ رصيداً مَهولاً من الوحشية والإجرام بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنّ هذا الكيانَ المصطنعَ تمكّن من ترويج ديمقراطيته بين الشعوب العربية، وتسويق جرائمه ومجازره باعتبارها [دفاع عن النفس]!! وحالة استثنائية في تأريخه..! وظل هناك من يواصل الترويج لهذا الانطباع في وسائل الاعلام العربية وبطريقة غير مباشرة، من قبل صحفيين ومثقفين، ومراكز دراسات وأبحاث، يؤدون وظيفتهم ضمن منظومة متكاملة تقودها ممالك الرمال الخليجية وخَاصَّــة المملكة السعودية والإمارات.

 

أهمُّ الدعايات والأكاذيب لقوى العدوان السعودي الأمريكي خلال عدوانها على اليمن:

منذُ بداية العدوان السعودي الأمريكي على اليمن لعب إعلام العدوان، ولا يزال، دوراً محورياً؛ لتحقيق ما عجزت عنه ميليشياتُه ومرتزِقتُهُ على أرض المعركة، حيث سخّرت دولُ العدوان ملياراتِ الدولارات؛ لإطلاق عشرات القنوات الفضائية ودعم البعض الآخر منها، وشراء الذمم لمئات الإعلاميين والصحفيين اليمنيين والعرب والأجانب، فضلاً عن إطلاقِ عشرات المواقع الإلكترونية للعمل على التغطية على جرائمها ومجازرها اليومية بحق النساء والأطفال وتدمير البنية التحتية لوطن عربي مسلم!!، فضلاً عن تمرير مختلف الأكاذيب والفبركات اليومية التي تهدفُ لزعزعة تماسك الجبهتَين الداخلية والميدانية، مستعينةً بـ “قاعدة” جوزيف غوبلز ‏وزير الدعاية السياسية النازية الذي قال: إنك إذَا كررت الكذبة ألف مرة، فإنها تصبح حقيقة..!! ومنه جاء قوله: اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس..!! وهذا هو شأن قناتَي الحدث والعربية السعوديتين وقناة سكاي نيوز الإماراتية وغيرها من القنوات المدفوعة الأجر ضمن الفلك الأمريكي السعودي..

وكان من أبرز تلك الدعايات المضللة التي عمل عليها هذا الإعلام المسخ:-

 

الانقلابُ على ما يسمى “شرعية هادي”:

كانت هذه الحُجّة التي روّج لها العدوانُ السعودي ومن خلفه الشيطان الأَكْبَر أمريكا وعملاؤه، وقد تم التسويقُ لما أسموه بشرعية هادي رغم ضعف هذه الحجة وهشاشتها، حيثُ أنه من المعلوم للجميع وخَاصَّــة لأبناء شعبنا اليمني أنَّ الفارَّ هادي تولى الرئاسة بطريقة مخالفة للدستور أصلاً، ناهيك عن كونه قدّم استقالتَه هو وحكومته دون أية ضغوطات؛ رغبةً في تحقيق فراغٍ سياسي لم يُكتب له النجاح، حيث استمر القتل والقصف اليومي تحت مبرر هذه الشرعية المصطنعة، رامين بعرض الحائط نصوص الدستور اليمني والقانون الدولي التي لا تعترف بهكذا شرعية ولا بهكذا مبررات.

 

السيطرةُ على مُؤَسّسات الدولة:

كانت مهمةُ تأمين مُؤَسّسات الدولة اليمنية إحدى الحُجَج التي من خلالها مررت ماكينة قوى العدوان الإعلامية العديد من الفبركات والدعايات المضللة تحت ما أسموه “احتلال مُؤَسّسات الدولة”، متناسين أنّ حشودَهم لعصابات بلاك ووتر ومرتزقة القرن الأفريقي وبعض دول الخليج كان بحد ذاتها احتلالاً لم ينقل له التأريخُ مثيلاً..!!، حيث كان من الطبيعي ونتيجة لاستقالة “حكومة بحاح” أن يتم ملئ الفراغ الحاصل وخَاصَّــة الفراغ الأمني الذي قد يهدد مُؤَسّسات وقطاعات الدولة التي تعود ملكيتها للشعب، ومن أجل ذلك كان من الضروري أن تقوم اللجان الشعبية المنبثقة من ميادين ثورة 21/ سبتمبر 2014م بواجبها وحماية مكتسبات الشعب التي كانت أشبه بإقطاعية في أيدي القوى العابثة والعميلة للنظام السعودي والإمبريالية الأمريكية والتي كشفت عن قناعها بتأييدها بل ومشاركتها الفاعلة في العدوان السعودي الأمريكي على اليمن.

 

الخطرُ الإيراني

كثيراً ما كان ولا يزال يتحدَّثُ إعلامُ قوى العدوان السعودي الأمريكي عن ما يطلقون عليه بالخطر الإيراني في اليمن، حيث أَصْبَـحَ هذا التضليلُ ضمن مسلسل الكذب اليومي للإعلام السعودي والإماراتي، وكان أحد المبررات التي تم الترويج له للعدوان على الشعب اليمني.. وإذا تحدثنا عن خطر إقْليْمي أَوْ أجنبي فلنا أن نتحدَّثَ بل ونحذّر من [الخطر الأمريكي] الذي يخرق السيادة اليمنية بشكلٍ يومي ويقوم بقتل أبناء الشعب اليمني في القرى والطرقات، والذي لم يعد يخفى على أحد مطامعه الاستراتيجية في باب المندب وخليج عدن، ومطامعه الاستعمارية في نشر الفوضى عبر القاعدة وداعش، وتقديم نفسه لاحقاً كـ(منقذٍ) للشعب اليمني من خطر ما يسمى الإرْهَاب!! كما يمارس اليوم هذا الدور المضلل في سوريا والعراق وليبيا..!!.

 

إنقاذُ الشعب اليمني أَوْ إعادة الأمل:

كانت هذه الحجة أحد أفضح وأوضح (تضليلات) قوى العدوان التي كان ولا يزال يروج لها في وسائل إعلامه وعبر ألسنة مرتزقته المحسوبين على الصحافة والإعلام..!! حيث تم تغيير مسمى (عاصفة الحزم) إلى (إعادة الأمل) بغية ترسيخ هذا المفهوم في أوساط الشعب اليمني الذي كان واعياً لهكذا تضليل من خلال معايشته اليومية لقتل الأطفال والنساء والمدنيين تحت ركام بيوتهم.. فأيُّ أمل يكونُ بعده مجازر يومية؟! وأيُّ أمل يكون بعده تجويع وحصار جوي وبري وبحري؟! وأيُّ أمل يكون بعده تدمير البنى التحتية لوطن تعاقبت عليه حكومات الفساد والتجويع؟! وَأيُّ أمل يكون بعده تدمير كافة مقدرات الحياة؟!!!

 

معركةُ صنعاء والزحف نحو العاصمة:

كانت هذه السيمفونيةُ التي عزف عليها تحالُفُ قرن الشيطان منذ الأيام الأولى للعدوان، ولكنها تحولت إلى اسطوانة مشروخة أفقدت كافة وسائل إعلام دول التحالف مصداقيتها ووضعتها في خانة السخرية، وقد أثبتت ميادين المعركة أن ما أسموه بالزحف على صنعاء يشبه حلم إبليس في الجنة، ولو كان بإمْكَانهم دخول صنعاء لما لجأوا إلى الدخول في مفاوضات بين الفينة والأُخْـرَى مع أنصار الله، ولما فتحوا عشرات الجبهات في الشرق والغرب والجنوب والشمال..

 

تدميرُ قدرات الجيش اليمني وتحييدُ الصواريخ الباليستية:

بعدَ أسبوع من العدوان تقريباً صرّح مهرج تحالف العدوان، أحمد عسيري، بأنّ الضربات الأولى لطائراتهم الحربية قد دمرت قدرات الجيش اليمني ومخازن الأسلحة بنسبة 90% وأنها أيضاً قامت بتحييد الصواريخ الباليستية التي يمتلكها اليمن..!! ولكن سَرعانَ ما أثبتت الأيامُ في ما بعدُ أنها أَكْبَرُ كذبة في تأريخ الكيان السعودي، حيث أنّ عمليات الجيش اليمني واللجان الشعبية صعدت من قدراتها شهراً بعد آخر، وفاجأت العالم بقدرتها على تصنيع وتطوير وإطلاق [الصواريخ الباليستية] المتنوعة بين اليوم والآخر وبوتيرة تصاعدية.

 

ضرورةُ الوعي وعدم الانجرار وراء الدعايات المضللة:

من خلال الرصيد الهائل من تأريخ الحروب الاستعمارية النفسية والإعلامية في عصرنا الحديث، كان لزاماً بل ومسؤولية تتطلبُ من أبناء شعبنا اليمني أن يكونَ واعياً لما يُحاك ضده في هذه المرحلة، خَاصَّــة تجاه ما يشنه إعلام النظامين السعودي والإماراتي وحلفائهما من المنافقين، وبعض وسائل الإعلام العربية التي ارتضت لنفسها أن تكون بوقاً لتمرير المشروع الأمريكي في المنطقة.

ومن المهم أن تكونَ تحدياتُ ثلاثة أعوام من العدوان السعودي الأمريكي كافية للاستفادة من خوض [تجربة مريرة] رفعت الأقنعة وكشفت حقائق [الديمقراطية الأمريكية] و[حقوق الإنْسَان الأممية] المزيفة والتي تجلت بوضوح في المجازر اليومية بحق أطفال ونساء اليمن. كما كشفت حقيقة النظام السعودي الذي يتقمص التدين ويرتدي عباءة الإسْلَام تحتَ عنوان [خدمة الحرمين الشريفين] والذي أثبت عدوانُه على اليمن أنه بحق [خائن الحرمين الشريفين] وخائن للدين والأخلاق والقيم والأعراف السماوية والبشرية..

وبالرغم من تمويل النظامين السعودي والإماراتي لعشرات القنوات الفضائية، والصحف المقروءة، والمواقع الإلكترونية والتي تم تسخيرها ودعمها بعشرات المليارات من الدولارات خلال ثلاثة أعوام من العدوان، إلا أن فشلها الذريع وانكشاف أقنعتها لا يقل عن فشلها في جبهات القتال.. لكن يظل [الوعي] تجاه تلك الوسائل التضليلية مهم جداً، والأهم هو مواجهتها بما يكشف زيفها ويفضح تضليلها اليومي..

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com