اليمن فرض معادلته الخاصة على السعودية والإمارات 

المسيرة: إبراهيم السراجي

لا يمكِنُ حصْرُ التداعيات السلبية بالنسبة لقوى العدوان السعودي الأمريكي على خلفية القضاء على الفتنة في صنعاء وبعض المحافظات في وقت قياسي ؛ لأن الرهان على تلك الورقة كان الرهان الأخير وجاء في توقيت خلط كُلّ الحسابات وقضى على كُلّ آمال العدوان التي تقف دُوَلُه اليوم أمام أكثر من فشل في الوقت الذي يتكشف لتلك الدول وخصوصاً السعودية والإمارات الكثير من “العورات” الدفاعية فيما يتعلق بالمنظومات التي يفترض أن تتصدى للصواريخ الباليستية أَوْ الوافد الجديدة من صواريخ كروز المجنحة التي طالت الإمارات، وهي العورات التي كشف عنها بيان البيت الأبيض وتقريرٌ لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

تناولت العديدُ من الصحف الكبرى على مدى العقود الماضية في تقاريرها عن حكام السعودية، إيْمَانهم المطلق الذي كانوا ينقلونه لمَن يخلفهم، بأن عدم استقرار اليمن يعني استقرارَ السعودية ودول الخليج، ومع تنامي هجمات قوات الجيش واللجان الشعبية، بما فيها الصاروخية ضد السعودية والإمارات بدا لهاتين الدولتين أن استقرار الكتلة السكانية العظمى في اليمن ضمن سيطرة الجيش واللجان هو الخطر الذي يهدد استقرارهما، وبالتالي فإن إشعال الفتنة في صنعاء والمحافظات الأخرى كان هدفاً رئيسياً بالنسبة لهما، بحيث تتحول لمناطق فوضى أمنية معها يصبح من الصعب استمرار أَوْ تصاعد العمليات العسكرية لقوات الجيش واللجان والقوة الصاروخية.

ومع سقوط ورقة الفتنة بسرعة مفاجئة كان لا بد أن تعود المعادلة إلى سياقها العكسي، استقرار صنعاء وصاروخ كروز يضرب أبوظبي لأول مرة بعد ضربة تجريبية، وبعدها أطل قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي في الخطاب الذي أعقب انهيار مليشيات الخيانة؛ ليؤكد للعالم وينصح المستثمرين بوضع أموالهم في أية دولة، باستثناء السعودية والإمارات؛ لأنهما بالكامل تحت مرمى الصواريخ اليمنية، فَارِضاً هذه المرة معادلةً جديدةً ليس فيها أي سوء كما لدى حكام النظام السعودي، وهي المعادلةُ التي تقول إن السعودية والإمارات لن ينعما بالاستقرار طالما استمر العدوان على اليمن، وبالتالي استقرار اليمن مقابل استقرار السعودية والإمارات واستقرار العاصمة صنعاء مقابل استقرار الرياض وأبوظبي.

• الصواريخُ كلمةُ السر

بعد كارثة سقوط الفتنة بانهيار مليشيات الفتنة، كانت السعودية والإمارات ومعهما الولايات المتحدة على موعد مع كوارث أخرى تتعلق بانهيار جدار الدفاع الأول عن الرياض وأبوظبي وانتكاسة أسطورة المنظومات الدفاعية لصانعتها الولايات المتحدة راعية العدوان على اليمن.

وفي هذا السياق، وعندما أطلقت القوة الصاروخية اليمنية، يوم الأحد الماضي، صاروخاً مجنَّحاً “كروز” على محطة البراكة النووية في أبوظبي كاشفة الستار عن أول استهداف عملي لعاصمة العدوان وعن منظومة صواريخ مجنحة تنضم إلى منظومة الباليستيات، ومن هناك تؤكد المصادر أن الصاروخ أصاب هدفَه بالدقة المطلوبة، إلا أن النظام الإماراتي وتجنباً للاعتراف بالهزيمة الاستراتيجية زَعَم أنه لا صاروخ وصل إلى عاصمته، ومؤكداً أن محطته النووية محصَّنة بأنظمة دفاعية، وهي المزاعم التي أسقطها “سهواً” بيانُ البيت الأبيض، أمس السبت.

صاروخُ كروز اليمني حقّق عدة أَهْدَاف المباشر منها هو الهدف التدميري من خلال إلحاق ضرر بالمحطة الإماراتية، أما الأَهْدَاف الاستراتيجية فكان منها سلب عاصمة العدوان عنصر الاستقرار، وبالتالي تهديد الاقتصَاد والاستثمارات، وهو ما انعكس على شكل مخاوفَ طالت المستثمرين، لتُظهِرَ الأرقامُ هبوط البورصة الإماراتية ومعها السعودية.

البيت الأبيض، وفي سياق تعبيره عن “الغضب” الناتج عن سقوط آخر أوراق العدوان بسقوط مليشيات الفتنة والتخريب، أصدر بياناً، أمس السبت، يعبّر عن إدانته لمقتل زعميها وهو –أي البيان- إدانةٌ واضحةٌ لسقوط الفتنة التي تمّت المراهنةُ عليها لإنقاذ العدوان من الهزيمة المستمرة لنحو ثلاثة أعوام، ويدعو في ذات الوقت لحل سياسي في عبارة ربما من باب إدراك الهزيمة أَوْ كعبارة يستخدمُها البيت الأبيض بشكل روتيني، كما يفعل مجلس الأمن.

كما أدان بيانُ البيت الأبيض ما وصفه “الهجمات الصاروخية المتهورة للحوثيين” ضد السعودية والإمارات. تلك الإدانة بالنسبة لقوات الجيش واللجان الشعبية لا تقدِّمُ ولا تؤخر، لكن ما سقط عن ذهن مسؤولي البيت الأبيض أنَّ هو أداتهم الإمارات أنكرت تعرُّضَها لقصف بصاروخ يمني، وبالتالي كان البيانُ مهمّاً لإثبات أن صاروخَ كروز اليمني فعل فعلتَه المطلوبة.

• بركان يُنهي حياة الباتريوت

في سياقِ الكوارثِ التي حَلَّت بقوى العدوان كانت هناك كارثة امتدت لترعب الولايات المتحدة الأمريكية وتبُثُّ الشكوك لدى حلفائها في كُلّ دول العالم التي تراهن على الحماية الأمريكية، تولى الكشفُ عنها أبرزُ أربعة خبراء عسكريين يعملون في قسم التحقيقات العسكرية لدى صحيفة نيويورك تايمز ليعلنوا بالأدلة فشَلَ منظومة “باتريوت باك3” الأمريكية في التصدي لصاروخ بركان 2H الباليستي الذي تمكن من ضرب مطار الملك خالد في العاصمة السعودية الرياض رغم أن المنظومةَ الدفاعية استخدمت 5 صواريخ لاعتراضه دون جدوى.

وبناءً على ما توصل إليه الخبراءُ نشرت الصحيفة الأمريكية تقريراً ترجَمَه الزميل أحمد عبدالرحمن بعنوان “هل فشلت الدفاعات الصاروخية الأمريكية في السعودية؟” تضمَّنَ رسوماتٍ تفصيليةً وفيديوهاتٍ وصوراً مدعمةً لمطار الملك خالد ومقاطعَ مصوَّرَة لإطلاق الصواريخ الاعتراضية وأعمدة الدخان التي تصاعدت من داخل المطار.

واستهلت الصحيفة تقريرَها بتباهي النظام السعودي بنجاحه في اعتراض الصاروخ اليمني وقول الرئيس الأمريكي “لقد بعثر نظامُنا الدفاعي الصاروخ في الجو”.

وتضيفُ الصحيفةُ قائلة “لكن تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي نُشرت على وسائل الاعلام المختلفة لهذه الضربة تُشير إلى أن هذه القصة خاطئة، فعلى العكس مما قيل، أظهرت الأدلة التي حلّلها فريق بحثي من خبراء الصواريخ بأنَّ الرأس الحربي للصاروخ حلّق دون أية عوائق من الدفاعات السعودية وأصاب هدفه، مما جعل المسافرين في صالة الانتظار يقفزون من مقاعدهم”.

وتشيرُ الصحيفةُ إلى رفض المسؤولين السعوديين الإجابةَ على تساؤلاتها، وأن مسؤولين أمريكيين “شكّكوا حول ما إذَا كان السعوديون قد تمكنوا فعلاً من إصابَة أي جزء من الصاروخ، قائلين بأنه لا يوجد دليل على أي اعتراض”.

وفقاً للصحيفة فإن الخبراء توصلوا إلى نتيجة تقول بأن من وصفتهم “الحوثيين” قد “تمكنوا من تطوير القوة ما يكفي لضرب أَهْدَاف رئيسية كُبرى في السعودية”.

جيفري لويس الخبير الذي قاد فريق البحث قال “إن الحكومةَ تكذِبُ علينا بخصوص فاعلية هذه المنظومات، أَوْ أنه قد تم تزويدهم بمعلومات خاطئة ومضللة”، مضيفاً بأن هذا الأمر “يجب أن يقلقنا بشكل كبير جداً جداً”.

ولتفسير الغموض حول مشاهدة سقوط أجزاء من صاروخ بركان قال خبراء الصحيفة إنه “من أجل أن يبقى الصاروخُ على مساره الصحيح في الرحلة التي تصل إلى ما يقرب من 600 ميل، فإنه قد صمم بالتأكيد لينفصل إلى قطعتين عندما يصبح بالقرب من هدفه، حيث يسقط الأنبوب الذي يدفع الصاروخ معظم مساره، ويستمر الرأس المتفجر بمواصلة طريقه إلى الهدف ومن الصعاب إصابته بصاروخ دفاعي”.

ويقولُ خبراءُ الصحيفة إن على الولايات المتحدة أن تقلق كَثيراً لفشل منظومتها الدفاعية المتطورة “باتريوت باك3” في اعتراض الصواريخ؛ لأن ذلك يعني “نهايةَ حياتها”.

وقال أحد الخبراء الأربعة “هل يمكنك أن تتصور إطلاق خمسة صواريخ دفاعية على هذا الصاروخ وإخفاقها كلها في إصابته، هذا أمر مثير للصدمة”، وأضاف “إن هذا أمر مروِّع؛ لأن هذا النظام الصاروخي من المفترض أن يعمل بشكل أفضل من ذلك”.

• اليمن يفرض المعادلة

كان السعوديون والإماراتيون يعلمون أكثر من غيرهم أن الباتريوت فشل في اعتراض صاروخ بركان الذي ضرب مطار الملك خالد وأن صاروخ كروز المجنح أصاب هدفه في أبوظبي رغم ما قدمه النظامان من روايات كاذبة، إلا أن الضربتين وقعتا في وقت متقارب بالتزامن مع وصول الرهان على نجاح الفتنة المخطط لها في صنعاء إلى ذروته ربما جعل النظامين يؤملان باقتراب الخلاص من سطوة الصواريخ اليمنية.

وفي أكثر تعبير عن الاستسلام للأمر الواقع قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يوم الجمعة في تصريحات صحفية إن الإدارة الأمريكية أبلغت حليفتها السعودية بتغيير سياستها المتهورة في المنطقة خصوصاً في اليمن ولبنان وأن تتروى قبل أن تتخذ الخطوات التي تقدم عليها، في أول انتقاد أمريكي حاد للحليف السعودي في عهد ترامب.

وفي ضوء هذه المتغيرات، يبدو واضحاً أن اليمن، ممثلاً بقوات الجيش واللجان الشعبية والقوة الصاروخية ومن ورائها الشعب والقبائل، فرض المعادلة على قوى العدوان، وهي التي لخصها قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي بأنه لا استقرارَ للسعودية والإمارات إلا باستقرار اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com