السيدُ عبدُالملك الحوثي في محاضرته الرَّمْضَـانَية الـ13 في ذكرى استشهاد الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، الجزء الثاني: يجبُ علينا أن نتطَّلَعَ إلى الإمام عَلِـيّ باعتباره النموذجَ الإيْمَاني الأرقى والأكمل في أُمَّة محمد وحلقة الوصل ما بيننا وبين نبيّنا

 

  • ظَل عَلِـيٌّ بعد النبي مقاتلاً ومؤتمناً على الإسلام وحريصاً على الأمة وعلى وحدتها ومدافعاً عنها

  • امتلك الإمامُ عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ قابليةً عاليةً في نفسه وفي مداركه ومشاعره وإحساسه وفي وجدانه وقدراته وطاقته

 

صدى المسيرة| خاص:

أشار السَّيِّـدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي، إلى أن الحديثَ عن الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ يمثّلُ أهميّةً بالنسبة لنا كمسلمين في علاقتنا بهذا الرجل العظيم وتلك العلاقة الإيْمَانية التي يتحتم علينا فيها أن نكون مُحبين له؛ كون حُبه إيْمَاناً وبغضه نفاقاً، موضحاً إلى أنه يجب علينا أن نتطلع إليه باعتباره النموذج الإيْمَاني الأرقى والأكمل في أمة محمد ومن أتباع محمد ومن تلاميذ محمد رسول الله خاتم النبيين صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين، وأن نتطلع إليه باعتباره حلقةَ الوصل ما بيننا وبين نبينا وفيما ما بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وحمله راية الإسلام ولمشروع الإسلام في روحيته وفي معارفه وفي علمه وفي أخلاقه وفي مواقفه.

وقال قائدُ الثورة، في محاضرته التربوية الرمضانية الـ13 يوم الخميس 20 رمضان، بعنوان “ذكرى استشهاد الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ” الجزء الثالث، بأن الإمامَ علياً عَلَـيْهِ السَّلَامُ في الوقت الذي صدَّق فيه برسالة النبي وسبق إلى ذلك كُلّ أبناء الأمة لم يكن قد سبق إسلامُه شرك ولم يكن قد سبق إيْمَانَه تلوثٌ بدنس الجاهلية ورجسها، والنبي نفسه كذلك صلوات الله عليه وعلى آله كان موحداً ما قبل مبعثه رسولاً وكان على الحنيفية على دين إبراهيم عَلَـيْهِ السَّلَامُ، فقد كان طاهراً وكان زكياً وكان يحظى برعاية وطهارة وصون من الله سبحانه وتعالى، لافتاً إلى أن الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ من خلال التربية والنشأة داخل بيت النبوة في ظل الجو الراقي والإيْمَاني فقد حُفظ من أن يسجد لأي صنم أو أن يعبُدَ غير الله سبحانه وتعالى، ولذلك تعارفت الأمة أن تقول عن الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ، كرَّم الله وجهه.

وأوضح السَّيِّـدُ عبدالملك الحوثي، بأننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى أن نستفيدَ من علي كيف كان في مرحلة عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله جندياً مخلصاً تلميذاً متميزاً وإنساناً راقياً في إيْمَانه وفيما بعد النبي مقاتلاً ومحافظاً على تأويل القرآن ومؤتمناً على الإسلام وحريصاً على الأمة وعلى وحدتها ومحافظاً عليها ومدافعاً عنها وعن الإسلام ليبقى الإسلام للأمة في كُلّ مراحل تأريخها، فكان قاتله كما قال النبي أشقى الآخرين، أشقاهم كما كان عاقرة ناقة ثمود كان أشقى الأولين.

ولفت قائدُ الثورة، في محاضرته التربوية، إلى بطولات الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ وإسهامه الكبير في مواجهة أعداء الإسلام وفي الدفاع عن الإسلام وعن الأمة وفي إقامة هذا الدين، فقد كان جهاده وإسهاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في سبيل الله واستبساله وفدائيته العالية جداً في سبيل الله سبحانه وتعالى وطول مسيرة الإسلام وفي كُلّ المشاهد والمقامات والمواقف الكبيرة في الإسلام كان كُلّ ذلك متميزا بين أتباع الرسول أكثر من أي شخص آخر بين المسلمين، مبيناً أن هذا نتاج لتلك التربية من النبي صلوات الله عليه وعلى آله التي لم تَضِعْ جهود النبي في تربيته ولم تضع عبثا أبدا، فهذه الجهودٌ أثمرت ثمرة عظيمة، مبيناً أن هناك عظماء أيضاً برزوا من الصحابة في إيْمَانهم وعطائهم وجهادهم وصبرهم، ولكن ليس بمستوى ما كان عليه الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ وليس بمستوى ما وصل إليه الإمام علي عَلَـيْهِ السَّلَامُ، والنبي صلوات الله عليه وعلى آله أولاه اهتماماً خاصاً وفي نفس الوقت كانت قابليته أعلى من قابلية غيره، ولم يمتلك أحد من المسلمين من قابلية بقدر ما امتلك هو من قابلية عالية في نفسه وفي مداركه وفي مشاعره وفي إحساسه وفي وجدانه وفي قدراته وفي طاقته إلى آخره، فكان جهادُه ومسيرتُه الجهادية، موطئه الجهادي على نحو عظيم.

 

وفيما يلي تنشُـرُ “صدى المسيرة” نَصَّ المحاضرة:

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النَّبِـيّين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، وتقبَّلْ اللهُ منَّا ومِنَّكُمُ الصِّيَامَ والقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ.

نتحدَّثُ في هذه المحاضرة استكمالاً لما بدأناه بالمحاضرة السابقة من الحديث عن الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ؛ بما لذلك من أهميّة بالنسبة لنا كمسلمين في علاقتنا بهذا الرجل العظيم، تلك العلاقة الإيْمَانية التي يتحتمُّ علينا فيها أن نكونَ محبين له، حبُّه إيْمَانٌ وبغضُه نفاقٌ، وأن نتطلع إليه باعتباره النموذجَ الإيْمَانيَّ الأرقى والأكمل في أُمَّة مُحَمَّــد ومن أتباع مُحَمَّــد ومن تلاميذ مُحَمَّــد رَسُـوْل الله خاتم النبيين صَلَّـى اللهُ وَسَلَّـمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطاهرين، وأن نتطلع إليه باعتباره حلقةَ الوصل ما بيننا وبين نبينا، ما بعد وفاة نبينا صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ في حمله راية الإسْلَام ولمشروع الإسْلَام في روحيته وفي معارفه وفي علمه وفي أَخْـلَاقه وفي مواقفه.

 

الإمامُ عَلِـيّ.. منهجٌ ومدرسةٌ متكاملة

واليوم مثل ما تحدثنا بالأمس عن بعضٍ وقليلٍ من النصوص الشهيرة التي نقلتها الأُمَّـة بشأن الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ فيما تَـدُلُّ عليه تلك النصوصُ والأحاديثُ التي أجمعت الأُمَّـةُ على صحَّتِها ونقلتها الفِرِقُ والمذاهب المختلفة فيما تَـدُلُّ عليه من مقامه ومن دوره ومن كماله الإيْمَاني العظيم، نتحدث اليومَ بشيء محدود ويسير عن سيرته وحياته عَلَـيْهِ السَّلَامُ، وكما قلنا بالأمس لا يمكن أن تتسعَ محاضرةٌ أَوْ كلمة للحديث عن الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في كُلّ أبعاد حياته وشخصيته، لا.

الإمامُ عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ منهج متكامل، مدرسة متكاملة تلتقي به وأنت تتعرف عن الإسْلَام في أحكامه وشرائعه، تلتقي به كنموذج عظيم في موقع القدوة والأسوة في اتباع الرَّسُـوْل صَـلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ تلتقي به في التراث الإسْلَامي في كُلّ المجالات وفي كُلّ الجوانب.

 

نرى فيه إبداعَ الرَّسُـوْل وثمرة جهده

ولكن للذكرى وللاستفادة، الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ حينما نتحدث عنه من أهمّ ما نستفيدُه بشأنه عَلَـيْهِ السَّلَامُ أننا نرى فيه إبداعَ الرَّسُـوْل صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وثمرةَ جُهده.. الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ هو تربيةُ رَسُـوْل الله صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، هو الذي ربّاه، هو الذي علّمه، هو الذي اهتمَّ به، فكُلُّ ما نراه من عظمة في شخصية عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ فيما نراه من أَخْـلَاق، فيما كان عليه من علم، فيما كان عليه من ارتقاء أَخْـلَاقي وإنْسَاني وكمالٍ هو شاهدٌ للنبي صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، هو أثرٌ للنبي صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، هو نتاجٌ لجهود النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، هو دلالةٌ على عظمة النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فالنَّبِيُّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ واحدٌ من تجليات وآثار عظمته وآثاره وأَخْـلَاقه ما نجده في الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، وإذا أتينا لنتحدث وباختصار شديد عن الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ وفي محطات محدودة عن ولادته ونشأته وفي محطات محدودة من حياته كشواهدَ ونماذجَ، هذا هو المهمُّ كشواهد ونماذج نستفيد منها ونتطلعُ من خلالها إلى غيرها وإلى ما وراءها.

 

خصوصياتٌ عجيبة للإمام عَلِـيّ

الإمامُ عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان له خصوصيات عجيبة جِـدًّا، فمنذ ولادته كان عَلَـيْهِ السَّلَامُ وليدَ الكعبة، كان شخصيةً امتاز حتى بهذه الميزة، أن كان مولده في الكعبة المشرفة، ففي السِّيَر وفي الأخبار أن والدتَه رحمة الله عليها عندما أصابها الطَّلق والمخاض ذهبت إلى الكعبة لتدعو الله أن يسهل عليها ولادتها، فأخذها طلقُ الولادة ومخاض الولادة وأشرفت على الولادة وألجأها ذلك إلى الدخول إلى الكعبة، فما إن دخلت إلى داخل الكعبة إلا ووضعته فور دخولها إلى الكعبة، فكان وليد الكعبة، وهذا كان من لطف الله به وصنيع الله له.

 

نشأً في كَنَفِ النَّبِيّ: اختصاصٌ لم يكن لغيره

كان أَيْضاً من صنيع الله له ولطف الله به ورعاية الله له والإعداد له لدور كبير ودور مهم في إطار النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وفيما بعدَ وفاة النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أنه كان له من الاختصاص بالنَّبِيّ ما لم يكن لغيره، فالنَّبِيّ صلى الله عليه وآله أخذه وهذا كان قبل مبعثه رَسُـوْلاً، أخذه في مرحلة طفولته، أَوْ لا يزال طفلاً، وذلك ليخفف عن والده، ليخفف عنه نفقة العيال وهَمِّ المعيشة، ولتدبير من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتهيئة إلهية ورعاية إلهية، أخذ علياً منذ طفولته عنده، فاهتم بتربيته، الرَّسُـوْلُ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ كان في طفولته في إطار كفالة عمه أبي طالب؛ لِأَنّ النَّبِيّ نشأ يتيماً، في مرحلة يُتمه وطفولته اهتم به جده عَبدالمطلب إلى أن توفي والنَّبِيّ ما يزال طفلاً صغيراً، وتولى كفالته والعناية به عمه أبو طالب، النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ قابل هذا الجميل، وأخذ عليا لديه وبتدبير وتهيئة إلهية، وهو ما يزال طفلاً صغيراً، فاعتنى به واعتنى بتربيته وتنشئته وعني به فيما يتعلق بأَخْـلَاقه، وتحدث الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ عن هذه المسألة فقال عَلَـيْهِ السَّلَامُ: (وقد علمتُم موضعي من رَسُـوْل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد)، فالنَّبِيّ أخذه لديه منذ طفولته، إلى أن يقولَ: (ولقد كنتُ أتبعه اتباعَ الفصيل أثر أمه)، يعني ألازمه، كما كان ولد الناقة يلازم أمه، فكانت ملازمته له ملازمة مستمرة لا ينفك عن ملازمته، وملازمة فيها اتباع فيها اقتداء فيها اهتداء فيها تأثر بأَخْـلَاقه، قال عَلَـيْهِ السَّلَامُ: (يرفع لي في كُلّ يوم من أَخْـلَاقه عَلَما، ويأمرني بالاقتداء به)، فكان في كُلّ يوم يحرص على أن يترك أثرا من أَخْـلَاقه في الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، والإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في نفس الوقت وقد حظي بهذه الدرجة بهذا الفضل الكبير، بتربية مباشرة وعناية وتنشئة خَاصَّـة برَسُـوْل الله صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، قابلها من جانب الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ قابلية عالية جِـدًّا، وهذه مسألة مهمة، مثلا قد يمكن أن تحظى باهتمام تربوي وأَخْـلَاقي، لكن إذا لم يكن لديك قابلية كبيرة قد يعاني من يهتم بك، قد يعاني من يعمل على تربيتك، قد يعاني من مدى تقبلك، من مدى تفاعلك، من مدى ومستوى تأثرك، أما الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ فإنه في الوقت الذي حظي بأن يكون من يعتني به وبتربيته الرَّسُـوْل صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بكمال أَخْـلَاقه؛ لِأَنّ النَّبِيَّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ ما قبل مبعثه رَسُـوْلاً حظي برعاية خَاصَّـة وعناية وإعداد إلهي خاص، ما قبل مبعثه رَسُـوْلاً كان يحظى منذ ولادته، الله أعده خصيصا لمهمة كبيرة عالمية وعظيمة هي الرسالة، والرسالة في أكبر مستوياتها، في أكبر مراحلها، في أهمّ مراحلها، وخاتم النبيين، وهو سيد المرسلين، فإذن النَّبِيّ في كماله العظيم اعتنى بالإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، وفي نفس الوقت كان هناك قابلية جِـدًّا وتأثر كبير كالأرض الطيبة الخصبة جِـدًّا التي ينبت فيها ما بُذر فيها، (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خَبُث لا يخرج إلى نكدا).

 

الأثرُ العظيمُ للتربية العظيمة

الإمامُ عَلِـيّ كان كالأرض الطيبة الخصبة جِـدًّا، ما ألقي فيها من بذور نبتت فيها ونمت فيها وكانت مثمرة فيها، فهذه القابلية العالية جِـدًّا التي تجعله يتفاعل، يتأثر تأثرا كبيرا، ينتفع انتفاعا كبيرا بما يبذله النَّبِيّ من جهود في تربيته، ونتاج هذه التربية كما قال: (وما وجد لي كذبةً في قول ولا خطلة في فعل)، فكان لها هذا الأثر في الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، ارتقاء على نحوٍ عجيب منذ الطفولة، استقامة على نحو عجيب، وما وجد لي كذبة في قول، ولا حتى كذبة واحدة، الكذبة الواحدة في الكلام، أَوْ التصرف غير اللائق، ولا خطلة في فعل، ولا أي تصرف سيء أَوْ تصرف غير حكيم، أَوْ تصرف لم يكن عن رَوِيَّة وعن تفكير وعن تصرف صحيح، ولا خطلة في فعل، هذه النتيجة هذا الأثر العظيم، هذه التربية العظيمة في شخص متقبل، منتفع، واستمر على هذا الأساس في إطار النبي، في إطار تربيته صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ إلى مبعث النَّبِيّ رَسُـوْلاً صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وحينما بُعث النَّبِيّ رَسُـوْلاً كان عَلِـيٌّ لا يزالُ لديه عنده في منزله، يحظى بتربيته، يلازمه.

 

لهذا السبب تعارفت الأُمَّـة على اختصاصه بقول “كرَّم اللهُ وجهَه”

وبالتالي كان الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ مع خديجة زوجة الرَّسُـوْل صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، والنَّبِيّ بُعث كما في الأخبار والآثار يوم الاثنين وفي يوم الثلاثاء عرض عليهما الإسْلَام فأسلما وصدقا به وآمنا به رَسُـوْلاً من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في الوقت الذي صدَّق فيه برسالة النبي، وسبق إلى ذلك كُلّ أَبْنَاء الأُمَّـة لم يكن قد سبق إسْلَامُه شرك، ولم يكن قد سبق إيْمَانَه تلوثٌ بدنس الجاهلية ورجسها، لا، النَّبِيّ نفسُه كذلك صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، النَّبِيّ كان موحداً ما قبل مبعثه رَسُـوْلاً، وكان على الحنيفية، على دين إبراهيم عَلَـيْهِ السَّلَامُ، لم يسبقه في إيْمَانه أَوْ في مبعثه رَسُـوْلاً من عند الله لم يسبق ذلك شيء من الشرك والعبادة للأصنام أَوْ التلوث أَيْضاً بشيء من رجس الجاهلية، لا، كان طاهراً وكان زكياً وكان يحظى برعاية خَاصَّـة من الله وطهارة وحفظ وصَون من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في ظل هذه التربية وهذا الاختصاص بالنَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم ما قبل مبعثه رَسُـوْلاً، كذلك حُفظ في هذه التربية في ظل هذا الجو الراقي والإيْمَاني، حُفظ من أن يسجد لأي صنم، أَوْ أن يعبُدَ غيرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك تعارفت الأُمَّـة أن تقول عن الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، كرَّم اللهُ وجهَه، من باب الاختصاص له، يُقالُ عنه، على وجه الخصوص، يتحدث مثلاً عن بعض الصحابة يقال رضي الله عنه إلى آخره، لكنَّ الإمامَ عَلِـيّاً أَيْضاً يقال عنه كرم الله وجهه، يقال؛ لِأَنّه من هذه الكرامة، كرم الله وجهه لم يسجد لصنم قط، كان الكثير ممن أسلموا والتحقوا بالإسْلَام فيما بعد، كان الكثير منهم سبق إسْلَامه شرك، عبادة للأصنام، بل كان البعض حتى من كبار الصحابة قد انقضت مدة شبابهم في عبادة الأصنام، يعني كانوا كُلّ ما مضى من حياتهم في حالة عبادة للأصنام وفي تلوث وغرق بين دنس الجاهلية إلى أن جاء الإسْلَام فتطهّروا بالإسْلَام وشَرُفوا بالإسْلَام ووحدوا، ودخلوا في دين الإسْلَام وتركوا الأصنام، كبار من الصحابة كان كُلّ شبابهم كُلّ حياتهم فيما مضى في ظل عبادة للأصنام، في ظل غرق وتأثر بالبيئة التي عاشوا فيها، البيئة الجاهلية، بكل ما فيها من خمر ومن متاهات وملذات وشهوات وعادات وتقاليد، حتى جاء الإسْلَام فتطهّروا بالإسْلَام.. الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، لا، نشأ نشأة طاهرة، نشأة صالحة، نشأة زكية، لم يتلوّث فيها بأي من رجس الجاهلية ولا بكل ما كان فيها من أشياء سيئة بصفة تقاليد أَوْ بصفة عادات، أَوْ بصفة اعتيادية للناس في طعامهم وشرابهم وغير ذلك.

 

الإمامُ عَلِـيٌّ وفضيلةُ السبق إلى الإسْلَام قبل كُلّ الأمة

في ذلك الجو الطاهر النظيف نشأ عَلَـيْهِ السَّلَامُ وتربّى وبقابلية عالية ومع هذه السلامة تربية وتنمية أَخْـلَاقية، ليست فقط مجرد سلامة من تلك الأرجاس ومن تلك العادات وبقاء في وضع عادي، يعني يَسلَم ولكن يبقى على وضعية طبيعية، على فطرته وبالحد الأدنى من أَخْـلَاقه ومن مستوى الصلاح والزكاء، لا، تنمية عالية وارتقاء كبير في كُلّ مكارم الأَخْـلَاق، وحميد الصفات وجميل الصفات، ارتقاء مستمر، فحينما أتى مبعثُ النَّبِيّ رَسُـوْلاً صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، سرعان ما التحق وآمن وصدق به رَسُـوْلاً من عند الله من غير سابقة شرك ولا دنس الجاهلية ولا رجسها، ولذلك ورد فيما ورد من أثر: (إن أولَ هذه الأُمَّـة وروداً على الحوض)، يعني يوم القيامة، (أولها إسْلَاماً عَلِـيّ بن أبي طَالِب)، فضيلة السبق إلى الإسْلَام وأن يكون أول الأُمَّـة إسْلَاماً وسابقة، هذا فضل كبير، هذا شرف عظيم، هذه منزلة كبيرة وعالية، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في كتابه الكريم: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم)، السابقون لهم فضيلة عند الله، لهم منزلة عالية عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، اختصاص بمقام عال عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكان هو في سابقي الأُمَّـة أسبقهم، السابقون من أَبْنَاء هذه الأُمَّـة هو أسبقهم، أسبقهم في الإسْلَام والتصديق لرَسُـوْل الله رَسُـوْلاً ونبيا من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول الله في آية أخرى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، ففضيلة السبق إلى الإسْلَام فضيلة كبيرة جِـدًّا ولهذا أُثير اللغط في بعض كتب التراث وفي بعض الآثار وعند بعض الكتاب والمؤلفين خُصُوصاً الذين انشغلوا بالجدل، ركزوا على أن يثيروا الجدل في من هو أول الأُمَّـة إسْلَاماً، ولكن الثابتَ في الاستقراء التأريخي والشيء الطبيعي جِـدًّا وهو لدى النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أنه أول الأُمَّـة إسْلَاما، لهذا كان الإمام عَلِـيّ يقول: (اللهم إني لا أعرف أن عبداً لك من هذه الأُمَّـة عبدك قبلي غير نبيك مُحَمَّــد صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم)، فكان له مع الاختصاص، ولذلك الجو التربوي، والاختصاص بالنَّبِيّ على نحو ليس لغيره، كان له فضيلة السبق أَيْضاً ودخل في الإسْلَام هذا الدخول الذي سبقه تهيئة تربوية وروحية وأَخْـلَاقية عالية، وبالتالي كان خُطاه كان مسيره في هذا الإسْلَام مسار ارتقاء، كان مساره مسار ارتقاء نحو الأفضل نحو الأعلى، وتنامياً إيْمَانياً عظيماً وراقياً.

 

جهادُه في سبيل الله: شرَفٌ كبيرٌ ومنزلةٌ عالية

جانب آخر من جوانب حياته عَلَـيْهِ السَّلَامُ ومن جوانب إيْمَانه وارتقائه الإيْمَاني هو جهادُه في سبيل الله، إذا أتيت إلى القُـرْآن الكريم لتعرف جوانبَ الإيْمَان ومجالات الإيْمَان تجد أن من أهمّ ما في الإيْمَان من أَخْـلَاق وأعمال ومسؤوليات ويرتبط به أشياء كثيرة هو الجهاد في سبيل الله، وهو أَيْضاً فضيلة عظيمة وشرف كبير ومنزلة عالية عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفيه أَيْضاً الدلالة التي تدل بوضوح على حقيقة الإيْمَان فنجد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القُـرْآن الكريم يتحدث عن الجهاد في سبيله كصفة إيْمَانية من أهمّ الصفات الإيْمَانية، ونجده يتحدث عنه كمنزلة رفيعة وعالية (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً).

 

متميزٌ من بين أتباع الرَّسُـوْل

الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان جهادُه في سبيل الله وإسهامُه الكبيرُ جِـدًّا في مواجهة أَعْدَاء الإسْلَام وفي الدفاع عن الإسْلَام وعن الأُمَّـة وفي الإسهام الكبير في إقامة هذا الدين كان متميزاً نستطيعُ القولَ: ما بعد النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، ليس لأحد من أتباعه ولا من أصحابه ولا من أنصاره ما هو للإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في هذا الجانب، فكان جهاده وإسهاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في سبيل الله واستبساله وفدائيته العالية جِـدًّا في سبيل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وطول مسيرة الإسْلَام وفي كُلّ المشاهد والمقامات والمواقف الكبيرة في الإسْلَام كان كُلّ ذلك متميزاً بين أتباع الرَّسُـوْل أَكْثَر من أي شخص آخر بين المسلمين.

 

المعلّمُ والمُربّي هو النبي

وهذا أَيْضاً نتاجٌ لتلك التربية من النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، لم تُضِعْ جهود النَّبِيّ في تربيته، لم تضع عبثاً أبداً، جهودٌ أثمرت أيما ثمرة عظيمة، وأثمرت أيما أثراً عظيماً، وكانت في نفس الوقت شاهداً على عظمة الإسْلَام نفسه؛ لِأَنّ علياً هو صنيعة الإسْلَام، أثر الإسْلَام، كُلّ ما فيه من أثر هو أثر أَخْـلَاق الإسْلَام، لقيم الإسْلَام لمعارف الإسْلَام، وبجهد من النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وبسعي من النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وبتربية من النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فالمعلم والمربي هو النبي، والذي رباه به وعلمه به وأنشأه عليه هي أَخْـلَاق الإسْلَام، معارف الإسْلَام، قيم الإسْلَام، فكان شاهدا للنبي وشاهدا للإسْلَام وعلى عظمة هذا الإسْلَام، وتجلت فيه قيم هذا الدين وأَخْـلَاق هذا الدين على أرقى مستوى، هناك مسلمون عظماء، هناك أَيْضاً من الصحابة من برزوا عظماء في إيْمَانهم في عطائهم في جهادهم، في صبرهم، ولكن ليس بمستوى ما كان عليه الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، وليس بمستوى ما وصل إليه الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، والنَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أولاه اهتماما خاصا وفي نفس الوقت كانت قابليته أعلى من قابلية غيره، لم يمتلك أحد من المسلمين من قابلية بقدر ما امتلك هو من قابلية عالية في نفسه وفي مداركه وفي مشاعره وفي إحساسه وفي وجدانه وفي قدراته وفي طاقته إلى آخره، فكان جهاده ومسيرته الجهادية، موطئه الجهادي على نحو عظيم، ولذلك تستطيع الحديث عن الجانب الجهادي بالنسبة للإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ من جوانب متعددة.

 

قوةٌ معنويةً عالية لبطل الإسْلَام

أولاً هو بطل الإسْلَام، بين تلامذة الرَّسُـوْل بين أتباع الرَّسُـوْل ما من أحدٍ بين المسلمين وأتباع رَسُـوْل الله ما من أحدٍ يصل إلى مستوى الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في بطولته في ثباته في سجاعته في قوته المعنوية، كان يمتلك قوةً معنويةً عالية، وصنعها فيه الإسْلَام والرَّسُـوْل، ووهبه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه الهبة العظيمة والعالية، فالإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان يمتلكُ طاقةً معنويةً وقوةً معنويةً عالية جداً؛ لأنها ليست فقط قوةً غريزية البعض يمتلكون شجاعةً غريزية أكيد يتوفر الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ الشجاعة الغريزية، ولكن قد تكون القوة الغريزية فيك والفطرة الربانية قد تكون بمستوى معين، إنْ أنتَ قمت بتنميتها وتنشئتها والرفع من مستواها والإعلاء من شأنها كانت لديك القابلية ونمت وتعاظمت وتجذرت وتمكنت وأثمرت وإن أنت لم تنمِّ هذه الفطرة ولم تسعَ إلى التفاعل معها تبقى في مستوى محدود وأحياناً الإنْسَان قد يضرب فطرةً معينة في نفسه قد بضربها أصلاً فلا يستفيد منها وتكاد أن تنعدمَ فيه، فكُلٌ منا يمنحه الله في فطرته أشياءَ عظيمةً أشياءَ مهمة أشياء ذات قيمة وكل الملكات اللازمة للإنْسَان التي يحتاج إليها في حياته للصلاح وللخير وللتقوى وللرشد وللارتقاء الإنْسَاني والأَخْـلَاقي كلٌ منا يمنحه الله في فطرته ذلك، لكن إذا كان إلى جانب هذه الفطرة تنمية وتنشئة وبناء وارتقاء نمت وتعاظمت وأثمرت، وهذا هو ما كان بالنسبة للإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ إلى جانب ذلك كان له الأثر الإيْمَاني إلى جانب الفطرة التي فطره الله عليها ونَمَت وتعاظمت بفعل التربية بفعل التنشئة الإيْمَانية المباركة والتنمية الأَخْـلَاقية والتنمية الإنْسَانية والبيئة الراقية التي تربّى فيها إلى جانب ذلك الأثر الإيْمَاني؛ ولذلك قدّم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا الاستبسال في سبيل الله هذه الفدائية العالية في سبيل الله وهذه الطاقة المعنوية العالية في سبيل الله قدمها القُـرْآن تقدمةً إيْمَانية قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).

 

سبقٌ في كُلّ الفضائل: الأول من أَبْنَاء الإسْلَام ومن أتباع النَّبِيّ

يذكر المفسّرون وبرواية الرواة أن أول وأعظم مصاديق هذه الآية من أَبْنَاء الإسْلَام من أتباع الرَّسُـوْل هو الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ، أول مصاديقها من أَبْنَاء الأُمَّـة ومن أتباع النَّبِيّ هو الإمام عَلِـيّ ونعني بأنه أول مصاديقها أن الآية لا تخصه وهي لا تعنيه فقط (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) هي تشمل كُلّ من يبيع نفسه من الله ويتجه هذا التوجه (ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) من اتجاه صحيح وفي اتجاه صحيح وسليم لا تشوبه شوائب باطلة ولا محبطة، ولكن أرقى من فعل ذلك أعلى شأناً من ذلك أكمل إيْمَاناً من فعل ذلك أصدق من فعل ذلك من أتباع رَسُـوْل الله من الأُمَّـة الإسْلَامية وأولهم في المرتبة الأولى الأول من أَبْنَاء الإسْلَام من أتباع النَّبِيّ هو عَلِـيّ بن أبي طَالِب، فأنت تتطلع إليه كجندي من جنود الإسْلَام إذا أنت تجاهد في سبيل الله تتطلع إلى هذا الجندي الذي سبقك من جنود النَّبِيّ من جنود الإسْلَام وهو عَلِـيّ بن أبي طَالِب كيف كان على هذا النحو وكيف كان السابق أيضاً، وسبق عَلِـيّ في الإسْلَام كان سبقٌ إليه في التصديق بالنَّبِيّ رَسُـوْلاً وسبقٌ في كُلّ فضائل الإسْلَام في كُلّ مجالات العمل الإسْلَامي العظيمة والمهمة كان سباقاً صداقاً سباقاً يحمل روحية السبق في كُلّ مجالات الإسْلَام حينما يدعو النَّبِيّ إلى شيء ويأمر بشيء ويحث على شيء فهو من يسبق إلى فعل ذلك.

 

استبسالٌ ومواقفُ بطولية وَفدائية

سجّل التأريخُ وسجّلت السِّيَر للإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ من المواقف البطولية والفدائية ومواقف الاستبسال في سبيل الله ما لم يسجل لغيره، حتى برز الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ وعُرف بين الأُمَّـة الإسْلَامية وبين البشرية كافة بأنه بطل الإسْلَام عظيم الإسْلَام في جهاده عظيم أتباع النَّبِيّ عظيم رجال النَّبِيّ عظيم جنوده بطل جنوده صفوة جنوده.

ونتحدث بإيجازٍ جداً يعني؛ لِأَنّ المعول لأَنّ يستفيد الناس من التأريخ ومن السير في هذا الشأن ومن التراث الإسْلَامي فيما ورد، من المواقف التي سجّلها التأريخ وسجّلتها السير ليلة المبيت على فراش النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بعد أن تآمر الأَعْدَاء على قتله؛ لِأَنّه بعد أن أتى البعض من الأوس والخزرج من الأنصار إلى مكة وأسلموا وعزم النَّبِيّ على الهجرة فتفاقم القلق لدى المشركين والكافرين في مكة، واتخذوا قراراً بقتل النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ والتخلص منه قتلاً وأذن الله له بالهجرة، فالليلة التي تآمروا فيها على قتل النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وفق خُطّة أعدت سَلَفاً جمعوا فيها من كُلّ بطن من بطون قريش مقاتلاً شرساً فتّاكاً يحمل سيفاً حاداً بُغية أن يقتلوا النَّبِيّ بضربة واحدة بسيوفهم فحسب قولهم يتفرق دمه في القبائل فيعجز بنو هاشم عن الثأر له، ففي تلك الليلة بعد أن أعدوا خطتهم هذه وجهزوا لتنفيذها وأرسلوا أولئك المقاتلين للتنفيذ، جبريل عَلَـيْهِ السَّلَامُ بوحي من الله أخبر النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ مسبقاً، وأعطاه الإذن والأمر من الله بالهجرة ولكن لنجاح عملية الهجرة والخروج من منزل النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ سيما والمكان الذي كان يبيت فيه النَّبِيّ كان مكاناً مكشوفاً يتضح ما إذا كان النَّبِيّ موجوداً أَوْ غائباً كان لا بد من عملية تمويه حتى يتوهم أولئك أن النَّبِيّ لا زال موجوداً بينما يتمكن هو بالخروج والهجرة، فالنَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ عندما أخبر الإمام علياً عَلَـيْهِ السَّلَامُ بذلك كان جاهزاً لافتداء النَّبِيّ وقال نعم الكرامة وفرح بذلك واستبشر جداً أنه سيحظى بهذه المهمة الفدائية التي يبيت فيها في فراش النَّبِيّ حتى يتوهم أولئك الأَعْدَاء أن النَّبِيّ لا يزالُ في فراشه وأنه يبيت في منزله فينتظروا حتى اللحظة التي حددوها لقتله فينقضوا عليه لقتله وحينها يكون النَّبِيّ قد خرج، وبات علياً عَلَـيْهِ السَّلَامُ في فراش النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وعندما هجم أولئك مع طلوع الفجر تفاجأوا وثار فيهم الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ تفاجأوا بأن الموجود هو عَلِـيّ بن أبي طَالِب أما النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فلم يكن موجوداً وكان قد خرج، قصة شهيرة في التأريخ وفي السِّيَر والحديث عنها وما قبلها وأثناءها وبعدها حديثٌ واسع.

 

مواقفُ باهى اللهُ بها بعضَ ملائكته

هذه الليلة سُجّلت في التأريخ وورد عن النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بشأنها مواقف أن الله باهى بعلي بعض ملائكته كيف بقي تلك الليلة في موقفٍ فدائي يجهز نفسَه للشهادة ويعد روحَه للشهادة وحاضر للشهادة في سبيل الله في تلك اللحظة وفي ذلك الموقف ونزل الله قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) فكان علياً أول المؤمنين أول جنود النَّبِيّ من طبّق ذلك فعلياً مع النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.

 

حاملُ الراية يوم بدر

نأتي إلى مقامات أخرى كذلك باختصار شديد، يوم بدر يوم بدر عندما قال الله (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ).. وكان أعظم هؤلاء المؤمنين أثراً يوم بدر وعطاء وجهداً، كان هو الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ هو تميز بذلك وعرف يوم بدر ببطولته وثباته واستبساله استبساله العجيب في سبيل الله وجدية العالية في القتال وأداءه المتميز عرف بذلك كله وكان عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ حامل الراية راية النَّبِيّ صلوت الله عليه وعلى آله راية الإسْلَام في يوم بدر وفي مشاهد النَّبِيّ كلها التي حضرها كان هو حاملُ الراية وكان دائماً وفي العادة يوكل حمل الراية إلى من يعرف بثباته واستبساله وشجاعته وتماسكه وإقدامه وصبره والإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان هو حامل راية النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.. في يوم بدر كان أول ما حدث في المعركة أن برز من جانب المشركين ثلاثة مقاتلين هم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبه وولده الوليد كبار المشركين ومن أبطالهم أبطال الشرك والكفر وتقدموا للمبارزة فقال النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.

 

حاصدُ النصف من قتلى مشركي بدر

القصة طويلة نأتي إليها باختصار.. قم يا علي يا حمزة وقم يا عبيدة بن الحارث فقام الثلاثة ودخلوا في أول مبارزة في المعركة ونتج عنها مقتل الذين خرجوا من المشركين ونزل قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ).. خصومة في ربهم على الإسْلَام وعلى الحق وعلى الدين الإسْلَامي.. إلى آخر الآيات بما فيها من ثناء على المؤمنين بما فيها أَيْضاً من كلام ووعيد لأَعْدَاء الله الكافرين.. في يوم بدر من أعجب ما نقله المؤرخون أن علياً عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان له أكبر إسهامٌ مع أنه كانت أول معارك يخوضها لكن كان له أكبر إسهام في القتال لدرجة أن البعضَ من المؤرخين وأصحاب السير أحصوا في إحصائية للقتلى من المشركين أن علياً قتل قرابة النصف من قتلى المشركين يعني نصف المعركة حسبت عليه.. قرابة النصف من قتلى المشركين كان هو من قتلهم وكان معروفاً عنه أنه قَتَل صناديدهم.. صناديد الأَعْدَاء وأبطالهم ومقاتليهم الأشداء، بل إن بعضَ مقاتليهم الأشداء عندما تقدم كان البعضُ من المسلمين يتهرب من مواجهته فيكون عَلِـيّ من يتقدم ويواجه.

 

ثباتُ يوم أُحُد: لا سيفَ إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

أما في يوم أُحُد وما أدراك ما يوم أُحُد؟!، عندما انهزم المسلمون وهرب الكثير منهم قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) وكذلك قال: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ).. الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان له موقف متميز جِـدًّا بثباته مع النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يوم أُحُد وفي صبره ومرابطته واستبساله العجيب جِـدًّا ما قبل الفرار قبل الهزيمة وهروب الكثير من المسلمين هروب الأَكْثَر وما بعد أَيْضاً ما بعد ما هربوا ما قبل الفرا منهم وما بعد الفرار.. ما قبل الفرار كان هو قاتل أصحاب الرايات من المشركين فقتل معظمهم ومواقفه في ذلك مسجلة.. قتل فلاناً وفلاناً وفلاناً.. يذكرون بالأسماء من الأبطال الذين يعتمد عليهم الأَعْدَاء في بطولتهم في دورهم القتالي في شجاعتهم في إقدامهم.. ثم ما بعد الفرار من جانب المسلمين كان صموده كذلك صمودا أسطوريا وعجيبا جِـدًّا صموداً لا نظير له ثبت مع النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ واستبسل هو كسر جفن سيفه؛ لِأَنّه في البداية شاعت شائعه عن استشهاد النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وهرب الكثير من المسلمين فكسر الإمام عَلِـيّ جفن سيفه وكان هذا صنيع من يريد أن يستشهد وليس في أمله أن يعيد سيفه إلى جفنه.. يريد أن يقاتل حتى يستشهدَ وحمل حبله على الأَعْدَاء حتى كشفهم فوجد النَّبِيُّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ جريحاً ومغمىً عليه ودافع عن في استبسال حتى عاد النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وخرج من حالة الإغماء وأفاق واستبسل الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ مع قلة قليلة جِـدًّا من الصابرين والثابتين يحصون بالعدد اليسير جِـدًّا على اختلاف في الروايات في ذلك.. من الثابت والمجمع عليه في التأريخ ثبات الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ لم ينهزم في مَن انهزموا واستبسل استبسالاً عجيباً جِـدًّا ومنحه الله عوناً منحه الله عوناً عجيباً جدا.. وهتفت له الملائكة وهو يستبسل ذلك الاستبسال في ما أَصْبَـح معروفاً ومنقولاً لدى الأُمَّـة.. لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

 

منقبةٌ عظيمةٌ تدُلُّ على علاقة الإمام عَلِـيّ بالنَّبِيّ

في ما يروى من أحداث أحد ما يروى عن النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم أنه في أثناء المعركة وهي محتدمة جِـدًّا ما بعد هزيمة المسلمين وما بعد بقاء النَّبِيّ بقلة قليلة من الثابتين وأبرز موقف كان هو موقف الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ بعد استشهاد حمزة واستشهاد من استشهدوا من أبطال المسلمين قرابة السبعين شهيداً.. كان الأَعْدَاء يحرصون في تلك اللحظات على قتل النَّبِيّ كهدف رئيسي هدف رئيسي لهم، فكانت تتقدم كتيبة كُلّ آونة تتقدم كتيبة لهذا الهدف للاقتحام والسعي على قتل النَّبِيّ مباشرة صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.. كان النَّبِيّ جريحاً ومثخناً بجراحه وكان على جانبه جبريل عَلَـيْهِ السَّلَامُ والبعض من الملائكة حاضرين، فكان النَّبِيّ يقول للإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ يا عَلِـيّ ويأمره أن يتجه إلى تلك الكتيبة ويجهه أن يواجه تلك الكتيبة.. كلما أقبلت كتيبة أمر علياً بالتصدي لها.

كان عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ يتجه إلى كُلّ كتيبة تسعى للاقتحام على النَّبِيّ وقتله فيقتل فارسها وقائدها وبطلها وأهم الفرسان فيها فسَرعانَ ما تتراجع.. تأتي كتيبة أخرى يقتل قائدها سَرعانَ ما تتراجع تأتي كتيبة ثالثة وهكذا.. لا ينفك يتصدى لهذه الكتيبة ثم يتحول إلى تلك الكتيبة في قتال واستبسال بشكل عجيب فقال جبريل عَلَـيْهِ السَّلَامُ إن هذه لَهي المواساة. فقال النَّبِيّ إنه مني وأنا منه فقال جبريل وأنا منكما.. هذا شرف لا يفوقه شرف أبداً فضيله هذه ومنقبة عظيمة جِـدًّا تدل على علاقة الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ بالنَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.. أَيْضاً مما يدلنا على الموقعية إذا جاز التعبير أَوْ المكانة التي يحتلها الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في طبيعة الدور الذي ينهض به لمناصرة النَّبِيّ والجهاد معه والإسهام في إقامة الإسْلَام وفي نصرة النَّبِيّ صَـلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.

 

مقصودٌ بقوله تعالى “وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ”

آية قرآنية مهمة تحدثنا عنها في كلمة من الكلمات.. عندما قال اللهُ جل شأنُهُ في سورة التحريم مخاطباً اثنيتن من نساء النبي: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ).. الله هنا يتحدث عن الأنصار أنصار النَّبِيّ أن النَّبِيّ يتمتع بعظيم مقامه وعظيم فضلة وطبيعة دوره بأنصار وبحماية عجيبة وبتأييد عجيب مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مولاه جل شأنه وناصره ومُعينه وحافظه مؤيده.. إلى آخره. والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سخّر له وأعانه أَيْضاً بأنصار من هذا المستوى من هذه الدرجة جبريل ثم يقول هنا ما بين جبريل لاحظوا ما أعجبه من موقع وما أخصه من منزلة ما بين جبريل وما بين بقية الملائكة فيدخل من في الوسط صالح المؤمنين صالح المؤمنين من هو صالح المؤمنين هذا؟.. الروايات والآثار والواقع يقول علي.. يقول عَلِـيّ بن أبي طَالِب، هو صالح المؤمنين، هو المقصود أَيْضاً في هذه الآية، والملائكة بعد ذلك ظهير، هذا يدل على عظم الدور الذي قام به الإمام عَلِـيّ بن أبي طَالِب عَلَـيْهِ السَّلَامُ، لنصرة النَّبِيّ صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.

 

مبارزةٌ شهيرة يوم الأحزاب والرايةُ في خيبر لرجل كرار غير فرار

يومَ الأحزاب اشتهر الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ في مبارزة لعمر بن ود العامري، واسهاماته الكبيرة، وعندما قال النَّبِيُّ: (برز الإيْمَان كله للشرك كله)، وفي خيبر عندما قال النَّبِيّ (لأعطين الرايةَ غداً لرجل يُحِبّهُ اللهُ ورَسُـوْلُهُ ويُحِبُّ اللهَ ورَسُـوْلَه، كرار غير فرار)، حتى هذا الوصف العجيب، الكرار غير الفرار الذي لا يعرف الفرار، إلى آخره كم تتحدث في هذا الجانب.

ندخل إلى جانب آخر وباختصار أيضاً، الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ بقدر ما كان في دوره الجهادي واسهاماته الكبير في إقامة الإسْلَام، ومن واقع إيْمَانه العظيم يتحَـرّك فيه كان أَيْضاً شخصية متكاملة شخصية إيْمَانية متكاملة في جهاده شجاعته في بطولاته، في صبره في استبساله في سبيل الله في روحه العالية.

 

تلميذُ النَّبِيّ: أعلمُ الأُمَّـة بعد نبيها

أيضا جانب آخر من أهمّ الجوانب، علمه، الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان هو أعلمُ الأُمَّـة بعد نبيها، هو تلميذُ النَّبِيّ الذي استفاد منه بما لم يستفِدْه غيره، مثلما كان على اختصاص كبير النَّبِيّ صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ في المجال التربوي استفاد على نحو أَكْثَر من غيره والنَّبِيّ بعد أن نزل قوله تعالى “وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ”، قال فيما روي عنه ورواه المسلمون عنه، سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي.. فكان الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ أول مصداق لهذه الآية، أول مصداق وأرقى مصداق من المسلمين من اتباع النَّبِيّ لهذه الآية، الأذن الواعية التي تستوعب وتسمع تتلقف الهدى وتستوعبه ولا ينسى لدعاء النَّبِيّ له لم يكن ينسى ما حفظة وتعلمه من معارف وعلوم وإلى آخره.

والإمامُ عَلِـيّ كان في مدى اهتمامه في أن يتعلم وأن يستفيدَ إلى درجة عالية من قال عن ذلك، قال عَلَـيْهِ السَّلَامُ: ما دخل نومٌ عينيَّ ولا غمض رأسي على عهد رَسُـوْل الله حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبريل عَلَـيْهِ السَّلَامُ من حلال أَوْ حرام أَوْ سنة أَوْ كتاب أَوْ أمر أَوْ نهي وفي من نزل.

 

ما ينام إلا وقد استوعب ما نزل على النبي

لاحظوا هذه اهتمام كبير جداً، أُذُن واعية يستوعب يحفظ ما ينسى ما استوعبه يمنحه الله الحفظ لذلك بدعاء النَّبِيّ له، في نفس الوقت عناية، عناية اهتمام كبير، جد، ما ينام إلا وقد استوعب ما نزل في ذلك اليوم من جبريل عليه الإسْلَام من حلال أَوْ حرام أَوْ سنه أَوْ كتاب أَوْ أمر أَوْ نهي وفي من نزلـ ارتقاءه العملي هو الذي أوصله إلى قول النَّبِيّ أنا مدينة العلم وعلي بابها، ثم هو أُهّل، أُهّل ليكون له الدور المستقبلي في الأُمَّـة ليكون ناقلا لهذا العلم، ومؤتمنا على معارف الإسْلَام يحتاج إلى يؤتمن عليها كم يدخل في من ينطق عن الإسْلَام من محرفين من كاذبين من دجالين من مفترين من قائلين على الله مالم يقل، ومن مفترين على الإسْلَام ومن مفتين على الإسْلَام مالم يقله اليوم كم تعاني الأُمَّـة من شخصيات كبيرة تقدم نفسها على أنها تنطق باسم الإسْلَام وليس هو مؤتمنا على الإسْلَام فكان عَلِـيّ المؤتمن بعد رَسُـوْل الله صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، على هذا الإسْلَام فيما يقدمه من معارف، عن هذا الإسْلَام وفيما يتخذه من مواقف وقرارات وفيما أَيْضاً يحمله من أَخْـلَاقيات وفيما يحمله من روحيه تعبر وهي أثر هذا الإسْلَام.

هذا جانبٌ وهذا الجانبُ أَيْضاً له مجالاتُه الواسعة، وفيه الكثير والكثير لكن لا يتسع لنا الوقتَ لنخلصَ أَيْضاً في ختام كلامنا إلى جانب آخر عطائه وإحسانه ورحمته هذه من أهمّ الجوانب التي يجب أن تتصل بها النفسية المؤمنة وهو جانب أَيْضاً إنْسَاني وأَخْـلَاقي وإيْمَاني.

الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ كان في هذا الجانب متميزاً وراقياً على الآخرين من اتباع النَّبِيّ صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وسجّل له القُـرْآنُ الكريم والتأريخ، في ذلك ما فيه دلائلُ مهمةٌ و دروسٌ مهمة.

 

إيثارٌ بطعام لا يمتلكون غيرَه مع صيام

من ما سجل في هذا الجانب قصة الإطعام للمسكين واليتيم والأسير والإيثارُ لهؤلاء بالطعام الذي كان عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ والزهراء عليها السلام وجاريتهما فضة لا يمتلكون غيرَه مع صيام، كانوا في حالة صيام، وكان عليهم نذر، نذر بالشفاء للحسن والحسين عليهما السلام كانا مريضَين، فنذر عَلِـيّ والزهراء بالصيام والشفاء تقرب إلى الله وتوسلا إليه بالصيام أن يشفيا الحسن والحسين وصاموا، عند الإفطار كان لهما ثلاثة أقراص من الشعير لم يكن لهما غير هذه الثلاثة أقراص من هذا الشعير، فعندما أتى وقت الإفطار، أتى أولاً المسكين فطرق الباب وأعطياه قرصاً، لم يلبث أن أتى بعده اليتيمُ فأعطياه القرص الثاني ولم يلبثا أن أتى الأسيرُ، كُلٌّ منها يسألهما ويطلب منهما فأعطياه القرصَ الثالثَ وبات في حالة جوع!.

نزلت الآياتُ القُـرْآنية، أن تلك الأسرة الطاهرة هي أول مصاديق هذه الآية، وفي هذه الآية المباركة وفي الآيات دلائل مهمة لا يتسع لنا الحديث عنها في إيْمَانهما في بِرِّهما هو والزهراء عَلَـيْهِ السَّلَامُ في روحيتهما الإيْمَانية الراقية، في خوفهما من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، في إخلاصهما لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مدرسة من الأَخْـلَاق والقيم والمبادئ التي يحتاج إليها الإنْسَان المؤمن.

 

تصدّق بخاتمه وهو راكعٌ

نزل فيه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) يوم تصدّق بخاتمه وهو راكع وهذا الشي رواه المفسرون من الفريقين في الأمه الإسْلَامية ومشهورة القصة ولها دلالة مهمة، دلالة مهمة، روحية عجيبة؛ لِأَنّه يُقيمُ الصلاةَ هو مقبلٌ على الله، ولكن مع كُلّ ذلك انتبه لذلك السائل الذي دخل المسجد ولم يعطه أحد شيئاً، فأومأ له بخاتمه فأخذه ونزلت الآية القُـرْآنية قصة أَيْضاً لها دلالتها التي لا يتسع لنا الحديث عنها.

 

شخصيةٌ إيْمَانيةٌ راقية

نزل أَيْضاً في قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) قالوا: كان أول مصاديقها الإمام عَلِـيّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ من أتباع النَّبِيّ كان ينفق أمواله في الليل وفي النهار سر وعلانية إلى غير ذلك.

الإمامُ عَلِـيٌّ عَلَـيْهِ السَّلَامُ شخصيةٌ إيْمَانيةٌ راقية، تجلى فيه عظمة الإسْلَام وعظمة الرَّسُـوْل وعظمة القُـرْآن؛ لِأَنّه أثر من صنعة الإسْلَام من قيم الإسْلَام ومن أَخْـلَاق الإسْلَام ومن تربية النبي، شاهد للنبي, لعظيم ما تركه فيه من أثر، ولذلك كانت الجناية عليه جناية على الأُمَّـة، جناية على الحق، جناية على القُـرْآن وهو قرينه، جناية على الحق وهو قرينه، جناية على الإسْلَام وهو رمزه، جناية على الأُمَّـة والأمة في أمسّ الحاجة إلى عَلِـيّ، إلى هدى عَلِـيّ، إلى أَخْـلَاق عَلِـيّ، إلى أمانة عليٍّ على الإسْلَام وعلى الدين وعلى الحق.

 

قاتلُه أشقى الآخرين

اليوم نحن في أمسّ الحاجة إلى لنستفيد من عَلِـيّ كيف كان في مرحلة عهد النَّبِيّ صَلَّـى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ جندياً مخلصاً، تلميذاً متميزاً وإنْسَاناً راقياً في إيْمَانه ما بعد النَّبِيّ، مقاتلاً على تأويل القُـرْآن ومؤتمناً على الإسْلَام وحريصاً على الأُمَّـة وعلى وَحدتها ومحافظاً عليها ومدافعاً عنها وعن الإسْلَام ليبقى الإسْلَام للأمة في كُلّ مراحل تأريخها، فكان قاتلُه كما قال النَّبِيّ أشقى الآخرين، اشقاهم كما كان عاقرة ناقة ثمود كان أشقى الأولين.

نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكم لما يُرضيه عَنَّا.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com