تحقيق ميداني: مضاعفة الحصار عبر استهداف ميناء الحديدة: توحُّـشٌ ضد الإنسان في اليمن!

400 صنف من المواد ممنوعة من الدخول إلى اليمن من بينها بعض الأدوية

في الطريق إلى خنق اليمن وتكثيف تبعات الحرب على اليمنيين لم تكتفِ قوى العدوان بسياسَة التجزير في المدنيين، فصوبت حرباً شرسةً على الاقتصاد اليمني لم تتوقف عند حدود خلق بيئة طاردة للاستثمار في اليمن، بل تجاوزت ذلك إلى فرض حالة من الحصار الشامل، بدءً بتقييد حركة التجارة من وإلى اليمن، في هذا المنحى عمد العدوان إلى شل الأنشطة اليمنية المختلفة الموجّهة للتصدير، بالتزامن مع حظر النسبة الكبيرة من الواردات السلعية والخدمية وحتى الأدوية والمعدات الطبية الضرورية وفق التأكيدات التي وردَت في هذا التحقيق مع رئيس المُؤسّسة العامة لموانئ البحر الأحمر الكابتن محمد أبو بكر إسحاق وجورج خوري مدير مكتب الأمم المتحدة في اليمن ود. مازن غانم الناطق الرسمي للهيئة العامة للنقل الجوي قبل أيام قليلة.

 

صدى المسيرة| تحقيق ميداني ــــ عبدُالحميد الغرباني

رئيسُ المُؤسّسة العامة لموانئ البحر الأحمر: الحديثُ عن أن ميناءَ الحديدة ممر عبور للأسلحة اتهامٌ باطلٌ وسخيف والميناء يمتثلُ للمنظومة الدولية لأمن الموانئ

اخترنا ونحن نبحَثُ عن حقيقة ما يحدث في ميناء الحديدة أن نزورَ رافعات الميناء التي تم اسْتهدَافها بغارات جوية عدة عطلت عدداً منها وألحقت أضراراً بعدد آخر، كما أوضح ذلك رئيس مُؤسّسة مواني البحر الأحمر، الكابتن محمد أبو بكر إسحاق، الذي افتتح حديثه بالتأكيد على أن “ميناء الحديدة استراتيجي هام يعتبرُ رافداً اقتصادياً لليمن يحرك عجلة التنمية في كامل أقطار محافظات الجمهورية، لكن الحرب الجائرة على اليمن عطّلت ذلك وراهناً يكاد يكون الميناء شرياناً وحيداً لإمداد اليمن بالمواد الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية والمساعدات الإنْسَانية”.

وفي سياق الكشف عما يتعرض له الميناء يقول رئيس المُؤسّسة العامة لموانئ البحر الأحمر: “هذه المرحلة التي يمر بها الميناء تعد من أصعب المراحل التي مرت عليه منذ إنشاء الميناء في الستينيات إلى حد الآن، على رغم الصعوبات الكثيرة التي كان يمر بها الميناء”. ويتابع: “إن التدمير الممنهج للميناء أنهى معظم القدرات وخَاصَّـةً محطة الحاويات التي هي الأساس لعملية حركة الصناعات الحديثة، فصناعة النقل البحري تعتمد الآن على الصناعات التحويلية وعبر سفن الحاويات، وفي أغسطس 2016 تم تدميرُ كامل الرافعات الجسرية بأكملها، خَاصَّـة رافعة الجسرية التي كان يعتمد عليها الميناء تم قصف كامل المستودعات حتى معدات تداول الحركة تم قصفها”.

ويضيف إسحاق: “أَكْثَر من 60% من قدرة الميناء أصبح مشلولاً، مع ذلك أخذنا على عاتقنا كقيادة مُؤسّسة وكموظفين وكعاملين أن يتم تشغيل الميناء بالحد الأدنى من المعدات القائمة.. ونحن نعمل في الحقيقة من تحت الركام وكما يرى الزائر، إن المعدات محطمة، وحتى المعدات القديمة التي كانت تشغل الميناء تم قصفها وخسائر ذلك باهظة. إن اسْتهدَاف موانئ البحر الأحمر أَدّى إلى شلل معظم المنشآت الصناعية والتجارية باعتباره ممراً للحركة التجارية من وإلى اليمن”..

زرنا تقريباً كُلّ آثار الدمار والتعطيل لميناء الحديدة باعتبار ذلك التدمير رأس الحربة في تعطيل حركة التجارة من وإلى اليمن، ولاحظنا أثناء الزيارة أَيْـضاً أن مُؤسّسة موانئ البحر الأحمر تعمَلُ بالحد الأدنى التشغيلي لإيصال المساعدات الغذائية والمشتقات النفطية والمواد الغذائية للمواطنين، وحين واصلنا الاستفسار كانت الإجابة من رئيس المُؤسّسة تحذّر من القادم، حيث يقول إسحاق “في الوقت الراهن نحن نفاجأ بحرب أُخْرَى ممنهجة، منها محاولة تحويل كامل السفن عن ميناء الحديدة من سفن الحاويات ومنها أَيْـضاً محاولات خلق حالة حرب حقيقة حول محيط الميناء، مما يسبب أن بقية السفن والخطوط الملاحية تتجنب الميناء”.
ويتابع إسحاق بلكنة استنكار: “إن القانون الدولي يقول إن هذه المنافذ البحرية التي تخدم الحالات الإنْسَانية يجب أن تحيَّدَ عن مناطق الصراع، لكننا لا نجد رد فعل على المستوى المطلوب؛ باعتبار أن هذا الميناء هو الشريان الحقيقي للحياة”.

 ألقينا على رئيس مُؤسّسة موانئ البحر الأحمر ما يثيره العدو من زوابع عدة، ومنها أنه بالإمكان أن يلعب ميناء عدن الدور المناط بموانئ البحر الأحمر، فكان رده ساخراً، لكنه في ذات الوقت يدحَضُ ذلك بمجموعة من الشواهد الهامة، حيث يقول: إن “إيجاد مبرّرات لموضوع أنه بالإمكان أن تدخل المواد الغذائية من منافذ أُخْرَى سواء من عدن أَوْ المكلا أمر غير حقيقي، فمعظم الكثافة السكانية تتركز في المحافظات الشمالية، ومعظم الواردات التي تصلُ لليمن تدخل من ميناء الحديدة.. 70 % من الواردات تعبر من ميناء الحديدة وحتى واردات المشتقات النفطية لأَكْثَر من تسع محافظات عبر ميناء الحديدة”.

الزوبعة الأُخْرَى التي ألقيناها على طاولة الكابتن أبو بكر إسحاق هي تهمة أن ميناء الحديدة ممر للأسلحة التي يستخدمُها الجيش واللجان الشعبية فكان رده أن “الحديث عن ميناء الحديدة كممر عبور للأسلحة اتهام باطل وسخيف لعدة اعتبارات وفي مقدمتها أن الميناء يمتثل للمنظومة الدولية لأمن الموانئ (ISPS)، وأيضاً كُلّ السفن التي تقدم إلى الميناء تخضَعُ لإجراءات رقابية صارمة من قبل الأمم المتحدة ولا تدخل إلى اليمن إلّا بعد تراخيص تُمنح من (UNVIM) رغم مخالفة ذلك للقوانين الدولية، فضلاً عن عملية التفتيش والتصاريح الأولية من قوى العدوان”، ويستطرد رئيس موانئ البحر الأحمر قائلاً: “ميناء الحديدة حين يتوقف عن العمل يعني ذلك أن المصنع يتوقف وأن المنشآت التجارية تتوقف والتداعيات تتزايد ويلتحق الكثيرُ من العاملين في اليمن بطابور البطالة، ومع تحويل خط السفن إلى أي ميناء آخر يرتفع التأمين وتكلفة النقل أَيْـضاً ويؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع والمعاناة تلحق المدنيين في حالة اقتصادية صعبة يمر بها اليمن”، ويضيف إسحاق وهو يركز على بيان تداعيات مضاعفة الاسْتهدَاف لميناء الحديدة: “لا نجد تفسيراً لمحاولة تحويل خط السفن عن ميناء الحديدة إلى موانئ أُخْرَى، لكننا نستطيع القول إنها محاولة لتركيع اليمن وإخضاع اليمنيين وتقويض صمودهم عبر اسْتهدَاف ما يعتبر شريانَ الحياة الرئيسي لميناء الحديدة ومن هنا ليس لليمن خيار إلا الصمود في وجه هذا التوحش ضد الإنْسَان في اليمن”.

تشعبنا في الاستفسارات والتساؤلات مع الكابتن محمد أبو بكر إسحاق وركّزنا على إيضاح الآلية التي يتم من خلالها تصوير محاصَرة اليمن كأمر مشروع فكان ردُّه بالإيضاح أن الآلية المتبعة مزدوجة ولا إنْسَانية وغير مشروعة وتتجاوز مسألة منع بعض السفن التجارية إلى اليمن وتأخير السفن المسموح بها إلى فرض قيود مباشرة على بعض الأصناف والسلع، وبعد جهود مضنية للتخفيف من وطأة الحصار المفروض على اليمن وضعت الأمم المتحدة آلية تنصُّ على عدم منح التراخيص لأية سفينة إلّا بعد فحصها مجدداً في جيبوتي، والحقيقة ذلك أَدّى إلى منع أصناف كثيرة من الدخول إلى اليمن ــــ أَكْثَر من أربع مائة صنف منعت عن اليمنيين بما فيها بعض الأدوية المهمة ـــ، وعلى الرغم من جور هذه الالية باعتبار أن كُلّ موانئ العالم لديها نظام امني لا يسمح بخروج أي ممنوعات عبر الميناء”.

ويردف إسحاق قائلاً “آلية الأمم المتحدة وقبلها تصرفات قوى العدوان التي تعترض السفن التجارية القادمة إلى اليمن، تسبب كَثيراً من التأخير وتعرض اليمنيين لمزيد من المعاناة، ومن غير المعقول أن تستمر قوى العدوان في تعطيل السفن التجارية التي منحت تراخيص منهم، ونحن نؤكد أن حركة الأمم المتحدة في هذا الجانب بطيئة ولا ترقى للمستوى المطلوب وغير فاعلة أحيانا”.

ويؤكد رئيس المُؤسّسة العامة لموانئ البحر الأحمر أن منع قوى العدوان لدخول الرافعات المتنقلة التي منحت لميناء الحديدة من برنامج الغذاء العالمي لتسهيل العمل، فيه دليل على ما يصفه هو بتباطؤ للأمم المتحدة التي كانت محطة ثانية من محطات هذا التحقيق الذي لوحظ من خلاله أن تقييد حركة التجارة من وإلى اليمن أخذ أَكْثَر من طابع وسلوك، ولم يقتصر على اسْتهدَاف مختلف منافذ اليمن بحراً وجواً وبراً وتعطيلها لحساب موانئ العدوان التي تستفيد من هذا الاسْتهدَاف لليمن وبداية بموانئ دبي وُصُولاً إلى موانئ جيبوتي والسعودية أيضاً.

 

جورج خوري: إذا أردنا أن نوقفَ تهديدَ المجاعة في اليمن فيجبُ أن تعمَلَ الموانئ وكل المنافذ وبطاقتها القصوى

تسنّى لنا الالتقاءُ بمدير مكتب الأمم المتحدة في اليمن جورج خوري خلال زيارته لميناء الحديدة عقب الحملة الشرسة التي استهدفت ميناء الحديدة عبر الآلة الإعْلَامية للعدوان.. المسؤول الدولي عبّر عن قلق أممي تجاه اسْتهدَاف الميناء، وذهب إلى أن مضاعفة اسْتهدَافه سيذهب باليمن إلى مجاعة مروعة، وقال: “نحن قلقون من أن ميناء الحديدة لا يعملُ بكامل طاقته وقدراته التشغيلية، وقد شاهدنا أن هناك الكثير من أرصفته والمرافئ فيه خالية تَماماً من السفن، وهذا يعني أن الميناء لديه القدرة على العمل بشكل أسرع وإدخال القمح والمواد الغذائية، وتعطيله مصدر قلق لنا في الأمم المتحدة؛ لأننا إذا أردنا أن نوقف تهديد المجاعة التي قد تضرب اليمن فيجبُ أن تعملَ الموانئ وكل المنافذ البرية والجوية والبحرية وبطاقتها القصوى لإدخال المواد الغذائية إلى اليمن”.

وأضاف مديرُ مكتب الأمم المتحدة في اليمن: “نؤكد من جديد كمنظمة دولية أن ميناء الحديدة هو شريان الحياة الأساسي، وهو خط الامداد الحيوي للمواد الغذائية وللأدوية والسلع، وأيُّ تعطيل للميناء ستكون له تداعيات كارثية على الوضع الإنْسَاني وسيؤدي إلى رفع معاناة المدنيين، ونحن ندعو إلى تحييد هذا الميناء الهام من الاسْتهدَاف وكذلك كامل البنية التحتية”.

 

د. مازن غانم: إغلاق المطارات اليمنية يمثل سابقةً على المستوى الدولي

حسناً، إذا كان العدو يربط اسْتهدَاف موانئ اليمن بخوف كاذب من تسلل شحنات أسلحة إلى اليمن فلماذا تم اسْتهدَاف قطاع النقل الجوي اليمني؟
خلال عامين من العدوان وحتى اللحظة ما يزال مطار صنعاء الدولي تحت الحصار دون أي مسوغ قانوني، حسب كلام رئيس الهيئة العامة للنقل الجوي د. مازن غانم الذي الذي قال: “ما من شك أن اسْتهدَاف المطارات اليمنية المدنية وتدميرها لا مبرر له قانوناً، ومعلومٌ أن هذا الاسْتهدَاف المباشر حرم المواطن اليمني البسيط من خدمات هذه المطارات، بما فيها حرية التنقل التي كفلها القانون الدولي، لقد سبّب اسْتهدَافها كارثةً إنْسَانية في اليمن والمعاناة ما تزال تتفاقم”.

ويضيف غانم بلكنة لم تخلُ من الحرقة “إن اغلاق المطارات اليمنية يمثل سابقة على المستوى الدولي فلم يحدث دولياً أن أغلقت مطارات مدنية ذات طابع إنْسَاني”.

سألناه عن الثمن غير المباشر الذي ترتب على الاسْتهدَاف المباشر للمطارات اليمنية واتضح وفقاً لكلامه أن ذلك “ساهم في تقييد حركة التجارة من وإلى اليمن، فهناك أصنافٌ عديدةٌ من الأدوية كانت تدخل اليمن عبر المنافذ الجوية نتيجة لحساسية تلك الأدوية والمحاليل الطبية، فضلاً عن بعض المعدات الطبية، بالإضافة إلى تعطل نقلها أَيْـضاً على المستوى الداخلي في محافظات الجمهورية”..، فضلاً عن كون “إغلاق المطارات حال دون عودة آلاف من اليمنيين العالقين في بعض الدول العربية والخارجية وهناك مغتربون أَيْـضاً وطلبة دارسون وجدوا أنفسهم وبشكل مفاجئ ممنوعين من العودة إلى ديارهم دون أي مسوغ وآخرين لا يجدون طريقاً آمناً للسفر لمواصَلة دراستهم في الدول الخارجية أَيْـضاً”، ثم يضيف “إن تضرر الطيران المدني يؤدي إلى تضرر قطاعات أُخْرَى وفي مقدمتها القطاع السياحي والتجاري وقطاع السفريات وقطاع أنظمة الحجز الآلي والشحن الجوي كآثار غير مباشرة.. لقد فقدت هذه القطاعات ما يصل إلى تسعين في المائة من أنشطتها، وإذا ما عرفنا أن النقل الجوي في اليمن يساهم في التنمية الاقتصادية للبلد يمكننا اعتبار اسْتهدَاف المطارات اليمنية المدنية جزءً من اسْتهدَاف الاقتصاد الوطني”.

 

 العدو ينتقلُ من سياسة الخنق إلى النيران المباشرة!!

وضمن سياسَة خنق اليمن وضع العدوان منفذ الطوال البري وحركة التجارة التي تمر عبره تحت نيران العدوان وعلى مدى عامين من العدوان توقفت حركة التجارة عبره.
 لقد فرض العدو ثنائيةَ التدمير والتعطيل على ميناء الطوال البري، أما بقية الموانئ البرية فخرجت عن السيطرة التي تتيح استخدامها بما يخدم المواطن اليمني بشكل عام تَماماً، كما خرجت عن السيطرة بعض الموانئ البحرية ومنها ميناء عدن، التجويع المنظّم لليمنيينَ على مدى عامين لم يفلح حين أدرك العدو هذا الأمر، وقد مارس لرفده حرباً شعواءَ على الاقتصاد اليمني شملت الحرب النقدية، بدا له أن نقل المعركة باتجاه السواحل الغربية لليمن واسْتهدَاف ميناء الحديدة هو الحل الأنجع لذلك، وأن كسر عظم اليمن الذي أبدى صموداً أسطورياً قد يحدث عبر التعطيل الكلي للحركة التجارية المتبقية إلى ميناء الصليف والحديدة وتحت ذرائع المواجهات العسكرية المستجدة، كما سيتذرع العدو لاحقاً وما بين الأمرين القاتلين وإن كان الأمر الأول بالتقسيط، والثاني سيكون بشكل غزير إذا ما حدث يوصي مراقبون أبناءَ اليمن بالحشد لمعركة الحديدة كما ينبغي وإحباط مؤامرة قسر اليمن على رفع راية بيضاء للعدو ولليمنيين، مؤكّداً في هذا السياق ما قيل قديماً “إذا لم يسالمك الزمان فحارب”، وكذا ما قالته العرب “وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبُه”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com