تقريرٌ يلخِّـــصُ أَسْبَـاب الأزمة الاقتصادية ويضعُ معالجاتٍ فوريةً أمامَ الجهات المختصة

تقريرٌ لـ مقاربات يلخص أَسْبَـاب الأزمة في:

سحْب وتهريب الريال اليمني – احتجاز إيرادات الموازنة العامة من الضرائب والجمارك والنفط والغاز – استهداف تحالف العدوان للمطارات والموانئ وشبكة الطرقات، وتدمير منشآت ومشاريع القطاعين العام والخاص – تراخي أجهزة ومُؤَسّسات الدولة عن القيام بواجباتها خلال الأشهر المنصرمة من الحرب

 

خبراءُ اقتصاديون يدقون ناقوسَ الخطر ويضعون معالجاتٍ فوريةً أمامَ الجهات المختصة:

يجبُ الإسراع في تشكيل حكومة خبراء وتوافر الإرادة لإنقاذ الاقتصاد

  • الاقتصادُ اليمني ريعي وضعيفٌ من حيث هياكله الإنتاجية
  • برنامجُ الإصْـلَاح الاقتصادي غلب عليه طابعُ الانْتقَائية وأخفق في تغيير واقع وهياكل الاقتصاد واقتصر على الإصْـلَاحات السعرية
  • قطاعُ البنوك ضعيفٌ منذ فترة ما قبل الحرب وعجز الموازنة العامة للدولة خلال 2015م والأشهر الماضية من عام 2016م بلغ مستويات قياسية هدد الاسْتقرَار المالي والنقدي للبلد
  • التقريرُ أوصى بالإسراع في تشكيل حكومة خبراء وتوافر الإرادة السياسية بحتمية إنقاذ الاقتصاد بإصْـلَاحات عاجلة غير قابلة للتأجيل

 

صدى المسيرة: خاص

لخص تقريرٌ صادرٌ عن مركَزِ الدراسات الاسْترَاتيجية والاستشارية اليمني (منتدى مقاربات)، أَسْبَـابَ الأزمة المالية التي تواجِهُ الاقْتصَاد اليمني في العدوان والحصار وما يندرج ضمن العدوان والحصار من عناوين كـمنع الصادرات اليمنية عموما والصادرات النفطية والغازية على وجه الخصوص، ومنع تدفق إيرادات الموازنة العامة للدولة من العملة المحلية، وتدمير المنشآت والمشروعات الاقْتصَادية العامة والخَاصَّـة، ومنع وصول موارد النقد الأجنبي من القروض والمساعدات الخارجية، ووضع العوائق أمام تحويلات المغتربين من الخارج.

 

الاقْتصَادُ اليمني اقْتصَاد ريعي:

قدّم التقريرُ الصادر في 16 من نوفمبر الجاري لمحة عن الاقْتصَاد اليمني، حيث أكّد أن الاقْتصَادَ اليمني من الاقْتصَادات الضعيفة من حيث هياكله الإنتاجية رغم ما يمتلكه من طاقات كامنة غير مستغلة، ويعتمد بدرجة كبيرة في توفير الاحتياجات على الاستيراد من الخارج، وفي مقدمة ذلك متطلبات السكان الأَسَـاسية من الغذاء والدواء، وكذا مدخلات الإنتاج، ويواجه بسبب ذلك عجزاً مزمناً في موازينه مع العالم الخارجي.

وأضاف التقرير أن الاقْتصَادَ اليمني اقْتصَاد ريعي يعتمدُ على النفط والغاز منذ ثمانينيات القرن الماضي، سواءً في ناتجه المحلي الإجمالي، أَوْ في توفير الموارد من النقد الأجنبي، وكذا في الأهمية التي تحتلها الصادرات من النفط والغاز من إجمالي صادرات البلد إلى الخارج، وبالنسبة للموازنة العامة للدولة تصدرت عائدات النفط والغاز النسبة الأكبر من مواردها خلال العقود الماضية خَاصَّـة في ظل الأعوام التي كانت فيها أسعار النفط مرتفعة في الأسواق الدولية.

وبصورة تواجه الموازنة العامة على الدوام عجزاً سنوياً مزمناً، وتتصف موازنة الدولة بالعديد من الاخْتلَالات والتشوهات ولعل من أبرزها أنها مثقلة بفاتورة المرتبات والأجور وكذا بالمبالغ السنوية الكبيرة التي تدفع منها لسداد فوائد وأعباء الدين العام الداخلي والخارجي المتراكم والمرحل أغلبه على البلد منذ سنوات.

 

إخفاقاتُ الإصْـلَاح الاقْتصَادي:

يشير التقرير إلى نتائج برنامج الإصْـلَاح الاقْتصَادي منذ العام 1995م مع الشركاء الدوليين والذي نظمت له مؤتمرات للمانحين حيث يقول التقرير إن برنامج الإصْـلَاح حقق نجاحات نسبية في اسْتقرَار بعض المؤشرات المالية والنقدية والاقْتصَادية إلا أنه أخفق في تغيير واقع وهياكل الاقْتصَاد ووضعه على طريق النمو المستدام والذي ينعكسُ في شكل تحسن ملموس في مستوى معيشة المواطنين.

ويضيف التقرير أن برنامجَ الإصْـلَاح الاقْتصَادي غلب عليه طابع الانْتقَائية في تنفيذ الإصْـلَاحات وأعتمد بدرجة أَسَـاسية على الإصْـلَاحات السعرية.

 

محدوديةُ وتواضُعُ قطاع البنوك والمصارف

يتحدث التقرير عن قطاع البنوك والمصارف، مؤكداً أنه قطاع ضعيف بطبيعته منذ ما قبل الحرب حيث يتسم بمحدودية الإمكانيات والأدوار والانتشار، فالملاحظ أنه أسهم مع المُؤَسّسات المالية في الناتج المحلي الإجمالي للاقْتصَاد اليمني بحوالي (%2.9) فقط، وذلك كمتوسط خلال الفترة (2014-2010).

وبالأرقام فإن القطاع بمجمله يتكون فقط من عدد (17) بنكاً، متركزة في المناطق الحضرية، منها (13) بنكاً تجارياً و(4) بنوك إسْلَامية، (4) بنوك منها تمتلك (% 59) من إجمالي فروع البنوك. وللدلالة على محدودية وتواضع قطاع البنوك في اليمن فإن عددَ الحسابات المفتوحة في البنوك في حدود (مليون وستمائة) ألف حساب فقط من إجمالي السكان الذين يتجاوز تعدادهم الـخمسة وعشرين مليون نسمة.

يضيف التقرير أن قطاعَ البنوك والمصارف يتعرض لأزمة سيولة مالية حادة جراء العدوان والحصار، وأن البنوكَ تحديداً واجهت تحديات كبيرة خلال الفترة الماضية منها تحديات غير مباشرة كـ انخفاض نسبة الودائع لأجل وودائع الادخار، وفي المقابل ارتفاع نسبة الودائع تحت الطلب مما شكل ضغوطا على البنوك حد من قدرتها المالية، ومن جانب آخر استحواذ عجز الموازنة العامة للدولة على النسبة الأكبر من استثماراتها (أذون خزانة وسندات دين وصكوك إسْلَامية مع صعوبة في تسييلها).

 

 

مظاهرُ وأَسْبَـابُ الأزمة المالية:

وحول ما تعانيه البلادُ من أزمة خانقة حصر التقرير مظاهر وأَسْبَـاب هذه الازمة إلى 14 سبباً ومظهراً أبرزها عجز الموازنة العامة للدولة خلال العام المنصرم.

وفي هذا يقول التقرير إن عجز الموازنة العامة للدولة خلال 2015م والأشهر الماضية من عام 2016م بلغ مستوياتٍ قياسيةً هدد الاسْتقرَار المالي والنقدي للبلد بدءاً بالقطاع الحكومي (مالية الدولة والبنك المركزي)، ولجوء الدولة خلال أشهر الحرب الماضية إلى تغطية ما يقارب الـ 70% من نفقاتها من خلال التمويل بالعجز، حتى تتمكن من الوفاء بـ (المرتبات والحد الأدنى من النفقات التشغيلية للجهاز الإداري للدولة لكافة محافظات الجمهورية اليمنية)

وبسبب تقطع الإيرادات فقد تم مواجهة نفقات الموازنة العامة للدولة من خلال السحب على المكشوف من البنك المركزي (في صورة دين على الحكومة)، ما أدى إلى استنفاذ مخزون النقد لدى البنك المركزي من العملة المحلية، مع تعثر عملية طباعة عملة جديدة، وأدى هذا الوضع مع مرور الوقت إلى أن فقد البنك المركزي القدرة على التدخل والتحكم في العرض النقدي.

كما كان لعجز الموازنة أَيْضاً دوره في مفاقمة أزمة السيولة التي واجهها قطاع البنوك التجارية والإسْلَامية، والذي ساهم بدوره القطاع في تمويل عجز الموازنة العامة 2015م بما يقارب 16% تَقريباً عبر أذون الخزانة، ليس ذلك فحسب بل امتدت أزمة السيولة في البنك المركزي ونفاذ مخزون النقد لديه، لتحد من قدرة البنوك على تسييل أذون الخزانة لمواجهة الأزمة التي تمر بها. مع العلم أن حوالي 74% من استثمارات القطاع البنكي كانت في أذون خزانة والتي مولت بها الحكومة عجز موازنة 2015م.

ويأتي بعد العجز أزمة السيولة في البنوك التجارية والإسْلَامية حيث كان من أَسْبَـابها حسب التقرير إحجام التجار عن إيداع أموالهم في البنوك كما هو المعتاد، والاحتفاظ بها في خزائنهم الخَاصَّـة بسبب القيود التي فرضها تحالف العدوان على البنوك، ونتج عنها عدم القدرة على فتح الاعْتمَادات المستندية للتجار المستوردين الذين اعتمدوا على الصرافين بدلاً عن البنوك، مما جعل جزء كبير من السيولة المالية بالعملة المحلية تقع خارج البنوك التجارية والإسْلَامية، حيث حل عدد من الصرافين المرتبط بعضهم بالتحالف محل البنوك في القيام بمهامها.

 

فيما تمثلت المظاهر والأَسْبَـاب الأُخْــرَى في:

–        تهافت البنوك على شراء الدولار الأَمريكي والريال السعودي بداية العدوان مما راكم موجوداتها من العملات الأجنبية (دولار وَريال سعودي)، وخلق لديها أزمة سيولة بالريال اليمني.

–        سحب وتهريب الريال اليمني إلى خارج اليمن، وضعف الرقابة على قطاع الصرافة من قبل الأجهزة المختصة.

–        احتجاز إيرادات الموازنة العامة من الضرائب والجمارك في المحافظات الجنوبية والشرقية والامتناع عن توريدها للبنك المركزي في العاصمة.

–        احتجاز إيرادات مبيعات النفط والغاز في محافظة مأرب لدى حزب الإصْـلَاح.

–        عدم تحصيل موارد الموازنة العامة للدولة من الرسوم والضرائب وفق الأوعية القانونية النافذة.

–        اسْتمرَار ظاهرتي التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، وغياب التنسيق الفاعل بين الجهات الإيرادية والجهات الأمنية في مناطق الحزام الأمني، وتواضع عمل لجان الرقابة الجمركية.

–        تحويل الواردات من السلع والبضائع بعيدا عن ميناء الحديدة بعد استهدافه من قبل تحالف العدوان، بغرض تحويل موارد الموازنة من الضرائب والجمارك إلى المحافظات الجنوبية والشرقية والتي يسيطر عليها الاحْتلَال السعودي الإمَارَاتي مع ما يسمى بالمقاومة والحراك والجماعات المتطرفة.

–        استهداف تحالف العدوان للمطارات والموانئ وشبكة الطرقات، وتدمير منشآت ومشاريع القطاعين العام والخاص، وعدم انتظام وصول المشتقات النفطية للقطاعات الإنتاجية والخدمية، كُلّ ذلك أثر سلبا على النشاط الاقْتصَادي العام للبلد، ومن ثم انعكس سلبا على إيرادات الموازنة العامة للدولة من الرسوم والضرائب وساهم في تفاقم الأزمة المالية وأزمة السيولة لدى قطاع البنوك.

–        تساهل قيادة البنك المركزي في إنجاز طباعة عملة جديدة منذ ظهور البوادر الأوْلَى للأزمة، بعيدا عن هادي وفريقه في الرياض.

–        فتح الباب على مصراعيه أمام الواردات من الخارج وإغراق البلد بالبضائع السعودية والإمَارَاتية والصينية وغيرها والتي لا حاجة ولا قيمة لها سوى استنزاف عملات وموارد البلاد بالعملة المحلية والأجنبية.

–        عدم إيلاء الوضع المالي والنقدي والاقْتصَادي المتدهور بطبيعته ما يلزم من الاهتمام خلال فترة العدوان، وعدم تدارك الكثير من المشاكل والتحديات البارزة والتي كان في مقدمها تراجع إيرادات الموازنة العامة للدولة، وارتفاع عجز الموازنة العامة إلى نسب ومعدلات كبيرة جداً، كانت لها تداعياتها الخطيرة على الاسْتقرَار الاقْتصَادي والاجتماعي وقبل ذلك المالي والنقدي، دون أن يُلتفت إليها وإلى نتائجها الكارثية من قبل الجهات المختصة بحزمة معالجات وإصْـلَاحات اقْتصَادية ومالية ونقدية وإدارية، باستثناء ما يتعلق بتقليص النفقات من معظم أبواب الموازنة العامة للدولة والتي تعد الأسهل من بين الإجراءات المطلوبة.

–        تراخي أجهزة ومُؤَسّسات الدولة عن القيام بواجباتها خلال الأشهر المنصرمة من الحرب، وفي مقدمتها وزارة المالية ومصالحها الإيرادية وبقية الجهات الإيرادية في النفط والاتصالات وغيرها، وكذا البنك المركزي اليمني الذي نجح في جوانب وأخفق في جوانب أُخْــرَى، وقبل ذلك مجلس القائمين بأعمال الوزراء الذي أخفق في حماية الاقْتصَاد الوطني حتى بالحد الأدنى من الإجراءات الحمائية التي تقوم بها الحكومات في أوقات الحروب والأزمات الاقْتصَادية.

 

 

الرؤية والمعالجات

على عكس الكثيرِ من التقارير التي تناولت الاقْتصَاد اليمني أثناء فترة العدوان فإن التقرير الصادر عن منتدى مقاربات قدم مصفوفة من المعالجات التي يمكن للجهات ذات العلاقة الاسترشادُ بها والاستنادُ إليها وهي بصدد وضع الخطط الكفيلة بإيقاف التدهور الاقْتصَادي حيث أشترط التقرير توافر الإرادة السياسية والإجماع الوطني لدى القوى السياسية المناهضة للعدوان بأهمية وحتمية إنجاز إصْـلَاحات اقْتصَادية ومالية وإدارية ونقدية غير قابلة للتأجيل، معتبراً أن ذلك من أجل إنقاذ الاقْتصَاد وتدارك ما تبقى من أَوْضَـاع وبحيث يتم تجاوز الاخْتلَالات والتحديات القائمة وتثبيت حالة التدهور المتسارعة.

وأوصى التقرير بـ الإسراع في تشكيل حكومة خبراء، أَوْ إذا اضطر الأمر تشكيل (حكومة مصغرة) توكل إليها مهمة إدارة الشأن الاقْتصَادي بدرجة أَسَـاسية؛ باعتبار ذلك أولوية لا تحتمل التأخير أَوْ التأجيل لأيّة اعتبارات كانت سواء داخلية أَوْ خارجية، لارتباط الشأن الاقْتصَادي بحياة المواطنين، وببقاء الدولة وقيامها بوظائفها الأَسَـاسية ولمواجهة العدوان والحرب الاقْتصَادية التي تشن على اليمن.

وَتتولى الحكومة المشار إليها وضع رؤية وبرنامج إصْـلَاح اقْتصَادي ومالي ونقدي وإداري عاجل، يوقف حالة التدهور القائمة، وتتولى مهامها بدعم وإشراف من المجلس السياسي الأعلى، وبالعمل مع مجلس النواب الذي تحتاج إليه لإقرار سياساتها وتشريعاتها القانونية اللازمة لإنفاذ مهامها والإصْـلَاحات التي تتبناها.

 

وقدّم التقريرُ معالجاتٍ أُخْــرَى تتمثل في الآتي:

–        معالجة حالة الفراغ القائم في قيادة البنك المركزي لتتمكن من العمل بفاعلية في إدارة وتنفيذ السياسات النقدية والاشراف على قطاع البنوك والمصارف

–        خلق وعي وشراكة مجتمعية تدعم أي عملية إصْـلَاح قادمة تتشارك فيها الدولة والمجتمع.

–        دراسة كافة المشاريع والإصْـلَاحات المقدمة من جميع الأطراف الرسمية ولأكاديمية والنقابية والتي قدمت لحكومة القائمين بالأعمال أَوْ المقدمة للمجلس السياسي الأعلى، والخروج من ذلك ببرنامج إصْـلَاحات قصير وَمتوسط وطويل المدى

–        اتخاذ إجراءات حمائية عاجلة توقف حالة الاستنزاف القائمة للنقد الأجنبي وإعداد موازنة نقد أجنبي وموازنة سلعية تتحدد على ضوئها الحاجات الضرورية التي ينبغي أن يقتصر عليها الاستيراد من الخارج.

–        إيقاف عمليات إحراق وإتلاف البضائع المهربة التي يتم مصادرتها والاستفادة من قيمتها لصالح الموازنة العامة للدولة وأن يتم مراجعة وإلغاء النص القانوني المتعلق بالإتلاف للمهربات على أن يكتفى بعقوبة المصادرة والتغريم.

–        إجراء مراجعة شاملة لأَوْضَـاع قطاع البنوك والصرافة لإصْـلَاح أوجه الخلل الذي شاب مهامها ووظائفها، والعمل على مساعدتها لتجاوز الصعوبات التي تواجهها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com