بين “الخَرَفِ” و”المراهَقة”: المملكة تغرق!

صدى المسيرة: إبراهيم السراجي

بعدَ قانون جاستا الأَمريكي ذهب النظام السعوديّ إلى خسارة حلفائه، واحداً تلو الآخر، في دراما سياسيةٍ تعيدُ للأذهان نهايات الممالك والدول على مَرّ التأريخ، ويتضح جليّاً أن اليمن حَمَلت الشرف العظيم بأن قادت هذا النظامَ نحو الهيستيريا الأخيرة إلى جانب سوريا، فنظامُ “سلمان الحزم” يبدو هشاً أَكْثَر من أَيّةِ مرحلةٍ عاشتها السعوديّة في عهود أسلافه؛ لأن الرجل الذي بدأ عهده بتكويم التحالفات بات يُنهي هذا العصر مبكراً باستعداء حلفائه من مصر إلى لبنان والاستسلام لنتائج الواقع في سوريا واليمن، ليس هذا وحسب، بل إن تلك الهيستيريا التي أصابت ما تبقى من عقل “سلمان الحزم” الذي نهش “الزهايمر” الجزء الأكبر منه، ولذلك فإن الرجل وحاشيته لم يكتفوا بخسارة الحلفاء بل يذهبون اليوم لاستعداء “الحياد” الذي تمثله سلطنة عمان.

لا تقتصرُ كتابةُ النهاية بالنسبة للنظام السعوديّ على ما سبق بل إن الحظ السيء الذي رافق عصر “الحزم” السعوديّ هو أن كُلّ تلك العوامل تزامنت مع بدء الانهيار الاقتصادي وظهور “المراهقين” في أعلى قمة القيادة، والتي يمثلها “بن سلمان” الذي كسر كُلّ الحواجز وتخطى “صفقة الحكم” القائمة بين ملوك وشعوب الخليج القائمة على تفرد الأسر الحاكمة بالقرار السياسي مقابل تمتع الشعوب بعائدات الثروة والحياة المجانية، لكن ذلك “المراهق” بدأ يفرض ضرائب على السعوديّين ويلغي بدلات الموظفين ويرفع الدعم عن السلع والمشتقات النفطية بداعي “التقشف” في وقت تكشف صحيفة نيويورك تايمز الأَمريكي أن هذا المراهق أطلق عصر التقشف بشراء “يخت” بقيمة تفوق 500 مليون دولار.

 

لبنان: الحريري يُزيلُ “السكسوكة السعوديّة”

p03_20161021_pic1امتلك لبنانُ مكانةً كبيرةً من التجاذُبات الدولية عليه، ووقوعه بالقُرب من الكيان الصهيوني رغم أنه بلد صغير لا يمتلك مقومات جغرافية تعطيه هذه الأهمية الجيوساسية. ولذلك كان التحوُّلُ الذي صنعه رئيسُ تيار المستقبل “سعد الحريري” بإعلانه ترشيح العماد “ميشال عون” رئيساً للبنان بمثابة زلزال سياسي هزّ المنطقة وكتب الفصل الأخير للنفوذ السعوديّ الذي كان قد تصرف بسمات “عصر الحزم” بتحويل لبنان من بلدٍ حليفٍ إلى بلد “تحت العقوبات” السعوديّة. هكذا تتصرّف السعوديّة الجديدة في كُلّ المِلَفّات بشكل ينُــمُّ عن “عصبية” شخصية أَكْثَر من كونها سياسةَ دولة.

ظهر الحريري، الذي يملك الجنسية السعوديّة، أمام أعضاءِ تياره في مجلس النواب والشخصيات السياسية من تيار المستقبل الذي يقودُه، بعد أن أزال “السكسوكة” وأطلق لحيتَه وكأنه ينطق بمظهره بأنه لم يعُدْ سعوديّاً قبل أن يطلق قنبلته ويقول إن “ميشال عون” هو “مرشحنا لرئاسة لبنان”. بالنسبة لمن يجهل التركيبة السياسية في لبنان ويجهل طبيعةَ التحالفات السياسية الداخلية والخارجية فيكفيه أن يفهم أن ما فعله الحريري كان بمثابة ضربة قاضية وأخيرة لما تبقى من النفوذ السعوديّ في لبنان.

ورغم أن الخيارات كانت قد ضاقت بـ”الحريري” ووجد أن السعوديّة “المفلسة” لم تعد قادرةً على منحه مكانةً في لبنان ما لم يقدم تنازلاتٍ تنقذ حياته السياسية بتغيير التحالفات على مستوى الداخل والتحالف مع “أعداء الماضي”، إلا أن كثيراً من المراقبين رأوا أَن الحريري حسم خيارَه أخيراً بعد أَكْثَر من عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي في لبنان، وذلك بعد “القنبلة” التي فجّرها سيناتور أَمريكي والذي كشف أن السعوديّة هي من قامت باغتيال “رفيق الحريري” بالشراكة مع إسرائيل.

 

مصر: الخروجُ الاضطراري من العباءة السعوديّ

259641_large_20140815092110_11تحتاجُ مصر في الوقت الحالي إلى الكثير من الجهد لاستعادة عافيتها، وبالتالي استعادة دورها القيادي في الوطن العربي، ورغم أن ذلك ما يزال بعيدَ المنال إلا أَن هناك اتفاقاً في الأوساط السياسية العربية على أن ذلك يبدأ بالخروج من العباءة السعوديّة والتخلص من التبعية للنظام السعوديّ التي أضرت بمكانة مصر التأريخية، غير أن ذلك وحدَه لا يحقق تلك العودة.

يواصل النظام السعوديّ الحفاظَ على سمته في عصر “الحزم” الذي لم يشهد اكتسابَ السعوديّة لحليف جديد بل خسارات مستمرة، وفيما يعتقد البعضُ أن تصويت مندوب مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي بشأن سوريا على عكس ما تريده السعوديّة، بأنه كان بداية الخلافات المصرية-السعوديّة التي عبرت عنها الأخيرة باستخدام ورقة النفط وقطع إمداد مصر بالمشتقات النفطية، لكن الخلافات في حقيقة الأمر أعمقُ من ذلك بكثير، وما ذلك إلا مشهد تعبيري عن طبيعة تلك الخلافات التي توضح أَن البلدين في طريقهما للوصول إلى “مفترق طرق”.

في تحليل نشرته وكالة رويترز للتأكيد على عُمق الخلافات المصرية السعوديّة بشكل يتجاوزُ مسألة التصويت في مجلس الأمن، ومقابلة ذلك بقطع الشحنات النفطية لمصر، حيث أن طبيعة الخلافات ترتبط بقضايا استراتيجية مصيرية وتتسم بالتضاد بين الرياض والقاهرة.

بحسب رويترز، تقول مصادرُ من مصر والسعوديّة إن شقاقاً بينهما يتسع وينبُعُ من الخلاف بشأن قضايا سياسية إقليمية. فحتى قبل التصويت في مجلس الأمن التابع للأُمَـم المتحدة كانت مصر تتودّد لتحسين العلاقات مع روسيا خصم السعوديّة في الصراع السوري.

وتقول رويترز إنه في “اليمن كانت الرياض تريد أن تلعب القاهرة دورا رئيسيا في حربها على الحوثيين ولكن القاهرة التي تساهم بقوة بحرية، أحجمت عن إرسال قوات برية إذ لا يزال مستنقعاً يمنياً سابقاً حاضراً في ذهنها”.

بالنسبة للنظم السياسية في مصر فإن الصحافة كانت وما زالت لسان حال النظام الذي يعبر بالوكالة عما يغضب النظام أَوْ يسعده لذلك يورد تقرير رويترز جانبا من التحول المصري إلى الهجوم ضد السعوديّة.

وفي مقالِ حاد اللهجة بشكل غير معتاد (أورده تقرير رويترز) قال رئيسُ تحرير صحيفة الأهرام المصرية المملوكة للدولة إنه حان الوقت لإنهاء المساعدات الأجنبية التي تتسبب في التعامل مع مصر “بلغة التركيع”. وأضاف “الأجدى لنا أن نتحدى الظروف المحيطة وأن نعلن مراجعة كُلّ ما من شأنه أن يمثل عبئاً على صانع القرار وأن نعمل وأن ننجز”.

 

العراق: عندما تتعامل السعوديّة بأنها “الحاكم” وتجني “الطرد”

saudi_embassador_23567

تكمن إحدى مشاكل النظام السعوديّ في عدم قدرته على استيعاب المتغيرات وهذه المرة في العراق عبر عن هذا الجهل بصورة واشحة عندما عين في بداية الأمر سفيراً له في بغداد وهو السفير سامر السبهان الذي منذ وصوله إلى بغداد وحتى مغادرتها لم يبدُ عليه أن يفهم أصول العمل الدبلوماسي وكان يعتقد أنه الحاكم للعراق ومندوب السعوديّة وراح يطلق التصريحات الطائفية هناك وهناك وليس ذلك فحسب، بل أنه كان يأمر وينهي ويطلب اقصاء الحشد الشعبي العراقي من معارك طرد تنظيم داعش، غير آبهٍ بتنبيهات الحكومة العراقية التي اضطرت في نهاية المطاف لإعلان أن الرجل لم يعد مرغوبا به وطالب الرياض باستبداله.

في العراق لم تتغير سياسَة السعوديّة في عصر “الحزم” واستجابت لطلب الحكومة العراقية وسحبت السبهان واستبدلتها بقنصل، أَي أنها خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي، وأَصْبَحت مستعدة لخسارة بلد عربي آخر انتصارا لسفيرها السبهان قام النظام بتعيينه وزيرا للدولة السعوديّة، وكأن الأمر مجرد مقامرة شخصية بين السبهان ودولة العراق.

 

استهدافُ سلطنة عُمان: مهمة سعوديّة لتدمير مجلس التعاون

يبدو أن سعوديّة سلمان لن تتوقفَ عند تفكّك التحالف الذي انشأته للحرب على اليمن ومعول التدمير بدأ يمتد إلى تفكيك مجلس التعاون الخليجي عبر استهداف سلطنة عمان التي اختارت عدم الانخراط في العُـدْوَان على اليمن، وباتت هدفاً للسعوديّة التي تسعى لمعاقبة هذا البلد المسالم على حياده ذلك.

مؤخراً تماهى الدور السعوديّ والأَمريكي مجدداً ولكن هذا المرة بسهام موجّهة إلى سلطنة عُمان عبر اتهامها أولاً بتهريب الأسلحة إلى اليمن والتركيز على ذلك على مستوى الإعْلَام السعوديّ والأَمريكي رغم أَن الخارجية العمانية نفت ذلك نفيا قاطعا، إلا أن المُخطّط يتجاوز إثبات تورط عمان من عدمه ليصل إلى معاقبتها على اكتساب احترام اليمنيين.

الشيء الآخر الذي يتم التخطيط له سعوديّاً وأَمريكياً ضد عُمان هو الاهتمام الإعْلَامي المكثف بخصوص صحة السلطان قابوس والحديث عن خلافات حول من يخلفه في الحكم بهدف خلق اضطراب في السلطنة وتدشين مرحلة المطامع على الحكم.

 

نيرانُ آل سعود تأكُلُ بعضها: شبحُ الإفلاس يرعب السعوديّين

%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%88%d8%b1%d8%b5%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9

منذ ثورة النفط إلى قبل سنوات لم يكن بإمكان حتى خصوم السعوديّة أَن يتحدثوا عن إفلاسها، فذلك البلد الأغنى على مستوى العالم لم يكن من المنطقي أَوْ القابل للتصديق الحديث عن خطر الإفلاس فيها، بل لم يكن منطقياً الحديث عن إمكانية أَن تمر سنة كاملة على السعوديّة دون أَن تسجل فائضاً مالياً بمئات المليارات.

ولكل ذلك كان مطلع العام الجاري 2016 بمثابة حدوث زلزال اقتصادي كبير في السعوديّة التي أعلنت لأول مرة عجز موازنتها بمبلغ يصل إلى 100 مليار دولار، وهذا ما لم يكن يصدق أَوْ يحدث لولا انهيار أَسْعَار النفط بشكل غير مسبوق. لكن الغريب أن السعوديّة كانت هي الأداة التدميرية لذاتها هذه المرة عندما أغرقت السوق العالمية بالنفط ورفضت خفض الإنتاج؛ بهدف الإضرار بالاقتصاد الروسي والإيراني نتيجة دعمهم لسوريا، لكن الضرر الأكبر ارتد على السعوديّة التي أَصْبَحت اليوم تستجدي إقناع إيران وروسيا بخض انتاجهما من النفط بغرض رفع الأَسْعَار.

الصدمة الأكبر بالنسبة للسعوديّين في عصر “الحزم” حدثت قبل أيام عندما بدا الحديث عن افلاس السعوديّة خلال 3 سنوات، وهذه المرة لم يأتِ الخبر من أعداء السعوديّة بل من قبل نائب وزير الاقتصاد السعوديّ.

وأثارت تصريحات نائب وزير الاقتصاد السعوديّ ضجة كبيرة في السعوديّة عندما قال إن استمرَار انهيار أَسْعَار النفط يعني افلاس المملكة خلال 3 أَوْ 4 سنوات ما لم يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة.

وقال محمد التويجري في مقابلة مع قناة ام بي سي المملوكة لمستثمر سعوديّ إن إعلان إفلاس المملكة سيكون أمراً حتمياً خلال 3 أَوْ 4 سنوات، حال لم يتم اتخاذ إجراءات لترشيد النفقات.

على مواقع التواصل الاجتماعي سجل هاشتاق افلاس_السعوديّه_بعد_3سنوات أعلى مستوى من المشاركات في

أوساط المغردين ومستخدمي الفيسبوك السعوديّين وسط حالة كبيرة من الانقسام بين مشكك بكلام المسؤول السعوديّ وبين من يعتقد أنه يجب عدم التشكيك ودعم الإصْلَاحات وآخرين يعتقدون أَن المملكة قادرة على تجاوز هذه الأزمة. غير أن كُلّ ذلك لم يمنع من انتشار الرعب بشكل غير مسبوق في السعوديّة ولدى السعوديّين الذين كانوا في السنوات الماضية أَن مثل هذا الحديث عن بلدهم ليس إلا ضربٌ من الخيال لا يمكن حدوثه لكنه حدث في عهد “سلمان الحزم” الذي أثبت بشكل نموذجي أن يسلك طريقَ الملوك الذين اختصوا بتدمير ممالكهم وإنهاء وجودها على مَرّ التأريخ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com