بعيون دولية ودبلوماسية: الدور الأمريكي وتواطؤ المبعوث الأممي أفشلا المفاوضات

صدى المسيرة: إبراهيم السراجي

 

حوّلت الولايات المتحدة أكثر من 90 يوماً من المفاوضات في الكويت إلى مسرحية هزلية لم يسدل الستار عليها إلا بعد أن ظهر المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في هيئته التي أعد لها “دمية” أمريكية، وهذه المرة ليس بشهادة مجروحة لأطراف المفاوضات بل ظهرت الأصوات من داخل مجلس الأمن عبر السفير الروسي الذي عرّى ولد الشيخ ودوره وكذلك من داخل أروقة الأمم المتحدة حيث وصف ولد الشيخ بأنه الأسوأ في تاريخ مبعوثي المنظمة الأممية على الإطلاق على لسان دبلوماسي غربي بالمنظمة الأممية.

 

عندما جرى الإعلان عن رفع الجولة الأولى من المفاوضات لقضاء إجازة العيد التي كان مفترضاً أن يعود المفاوضين خلالها للتشاور مع قياداتهم والعودة لبلورة وتوقيع اتفاق كان على ولد الشيخ ان يصيغه بموجب ما تم خلال الجولة الأولى، غير أن تلك الاجازة جاءت بغرض بلورة المخطط الأمريكي لنسف كل ما تم إنجازه.

 

في مؤتمره الصحفي بختام الجولة الأولى من المفاوضات في 30 يونيو الماضي قال ولد الشيخ متحدثا عن احاطته لمجلس الأمن انه عرض رؤيته التي تضمنت تشكيل حكومة توافق تتولى تنفيذ الاتفاقات في المجالات العسكرية والأمنية، هذه الرؤية التي غادر أعضاء الوفود في العيد لأسبوعين يقوم خلالها المبعوث الأممي بصياغة الرؤية على شكل اتفاق، وتعود الوفود للتوقيع عليها وليس مناقشة ما اتفق عليه لكن ومع الجلسة الأولى في 16 يوليو الماضي كشف ولد الشيخ عن رؤية أخرى هي نتاج مؤتمر لندن بين الامريكان والبريطانيين ونتاج ورقة حل سعودية سبق رفضها.

 

بين الرؤية الأولى والثانية أسبوعين عمل السفير الأمريكي خلالها على تقديم خيار الحرب على السلام بصورة أصبحت مفضوحة للعالم كله قبل اليمنيين.

عندما قدم ولد الشيخ رؤيته الأولى لمجلس الامن المتضمنة لتشكيل حكومة توافق بدأ العمل الأمريكي وفجأة ظهر الفار هادي في مأرب بزيارة “لصوصية” لم تستغرق أكثر من ساعتين إلا أنها كانت كافية ليعلن عدم العودة للمفاوضات إذا أصرت الأمم المتحدة على رؤيتها. تغيرت تلك الرؤية الى لعبة أمريكية وضعت بغرض إعلان رفضها وإفشال المفاوضات وليس لمناقشتها، وقبل أيام أدلى المبعوث الأممي بإحاطته لمجلس الأمن متهماً أنصارالله والمؤتمر بعدم التعاون مع رؤيته الجديدة ولم يحدث المجلس بتهديدات وفد الرياض وانصياعه للضغوط الأمريكية التي أجبرته على نسيانها وطرح حل عسكري غير مقبول ليطالب مجلس الأمن ببيان يدعم موقفه، وهناك وقف المندوب الروسي “فيتالي تشوركين” ليعلن على الملأ أن المسرحية الامريكية لن تمر.

واحتوت مداخلة مندوب روسيا لدى مجلس الأمن على حقائق كشفت هذه المرة من منظور دولي الدور الأمريكي ودور دول العدوان باستخدام المبعوث الأممي في الانقلاب على الحل السياسي.

القوى الوطنية التي كانت قد استشعرت أن الأمريكيين في طريقهم الى تبديد أي أفق للحل السياسي، تحركت وأعلنت ووقعت في صنعاء على اتفاق بتشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة البلاد وفي الوقت الذي أصبح معروفا بأن المبعوث الأممي في طريقه لإصدار بيان برفع المفاوضات مساء السبت كانت القوى الوطنية صباح ذات اليوم تخطو خطوتها الصحيحة بإعلان أعضاء المجلس، فالبلد لم تعد تحتمل البقاء رهناً للإرادة الأمريكية.

 

  • المندوب الروسي في مجلس الأمن يكشف المؤامرة على المفاوضات

 

فيتالي تشوركينانسحب السفير الروسي الدائم لدى مجلس الأمن فيتالي تشوركين من الجلسة التي خصصت للاستماع لإحاطة إسماعيل ولد الشيخ حول المحادثات اليمنية والتي شهدت مداخلات وتدخلات أغضبت المندوب الروسي وهي التي صدرت من قبل الدول المنخرطة في التحالف السعودي او المتحالفة معه فيما نال المبعوث الأممي توبيخا غير مسبوق من قبل المندوب الروسي الذي وصفه بالأناني والمضلل.

عقب انسحاب المندوب الروسي غاضبا من جلسة مجلس الأمن وزعت البعثة الروسية مداخلة مندوب روسيا على الصحفيين وحملت هجوما كبيرا من قبله على ما يمكن وصفه بـ”معسكر التحالف السعودي وحلفاؤه” وعلى المبعوث الأممي.

وقال المندوب الروسي في مداخلته أن النقاشات التي شهدتها جلسة مجلس الأمن بشأن اليمن كانت صعبة للغاية وذلك بسبب انهيار المحادثات اليمنية.

وأضاف ان المبعوث الأممي ولد الشيخ يجتهد ويثابر في عمله ويواصل جهوده وقد قام بتطمين المجلس ” بأن اتصالاته مستمرة وأنه سيعمل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن”.

وواصل المندوب الروسي حديثه عن المبعوث الأممي وهذه المرة بدا واضحا انه يتهمه بتضليل مجلس الأمن عندما قال في مداخلته باسم روسيا لمجلس الأمن أن هناك سوء فهم تسبب به المبعوث الأممي.

وأوضح المندوب الروسي أنه وبينما هناك أنباء واردة من الكويت تقول أن “ولد الشيخ قدم مقترحا يتضمن الحل العسكري المتمثل بضرورة انسحاب الحوثيين وأنصار صالح من المدن وتسليم السلاح ” مضيفا أن رؤية ولد الشيخ لم تتضمن الحلول السياسية .

وأشار المندوب الروسي أن روسيا تفهمت موقف وفد صنعاء وأنها “لم تتفاجأ برفض الحوثيين والمؤتمر لرؤية ولد الشيخ لأنها لم تتضمن الحل السياسي”.

وتابع المندوب الروسي فيتالي تشوركين قائلا ان هناك تقارير أخرى تقول بأن المحادثات شهدت انهيارا جديد.

وكشف تشوركين عن جزئية هامة تقول إن ولد الشيخ أبلغهم أن رؤيته للحل التي قدمها في الكويت (قبلها وفد هادي ورفضها وفد الحوثيين والمؤتمر) أنها تتضمن الحل السياسي الشامل إلا أنه –أي ولد الشيخ_ قال إنه لم يكشف عن الجانب المتعلق بالحل السياسي في العلن.

وفي هجوم واضح ولاذع على التحالف بقيادة السعودية وكذلك الولايات المتحدة قال تشوركين أنه من المؤسف أنه وبعد 16 شهرا من الحرب ما تزال هناك تحديات ومشاكل خطيرة في وقت ما تزال هناك أطراف لا تريد ان يكون هناك تسوية سياسية في اليمن.

ووصف تشوركين الحرب على اليمني بأنها “حرب منسية” وأن مجلس الأمن جرى إبلاغه اليوم (الثلاثاء) بأن الكلفة الإنسانية للحرب على اليمن باهظة مشيرا إلى أنه لا يمكن مقارنة أي جانب آخر من حيث ضرورة مناقشته في مجلس الأمن أكثر أهمية من معاناة الشعب اليمني.

وأشار تشوركين في مداخلته بأن روسيا اقترحت ان يكون هناك بيانا صحفيا فيما اقترحت بريطانيا بعض الأمور الأخرى.

وأضاف بأن الأسابيع الماضية في مجلس الامن شهدت عدة محاولات لإصدار بيان بشأن اليمن وأن روسيا كانت تقدم مقترحاتها فتحاول بعض الأطراف الدولية داخل المجلس اقحام إضافات تغير ميزان البيان كونها تتضمن انتقادا لطرف ما او مدحا لطرف آخر. وأضاف:” لقد سئمت من تلك التصرفات ولذلك انسحبت من الجلسة.

واختتم تشوركين مداخلته بالإشارة الى ان مجلس الامن كان قريبا جدا من اصدار بيان مشترك يدعم العملية السياسية في اليمن إلا أن محاولة بعض الأطراف ادخال بعض الإضافات التي وصفها تشوركين بـ”الانانية” مشيرا إلى أنه لا يستغرب بعد كل ذلك أن تنتهي جلسة مجلس الأمن دون التوصل لنتجية”.

 

  • حلقات المشاط: خطوات التحرك الأمريكي في سطور

مهدي-المشاطعضو الوفد الوطني عن أنصارالله مهدي المشاط كان له كلمة أراد من خلالها إطلاع الرأي العام بشفافية عما حدث في الكويت وكيف وصلت الأمور إلى طريق مسدود.

وقال المشاط أنه وخلال الجولة الأولى من المفاوضات تلخصت أفكار الحل في تشكيل “سلطات تنفيذية(رئاسة وحكومة )بالتوافق ولجنة امنية وعسكرية وترتيبات امنية وعسكرية بالإضافة الى وقف العدوان ورفع الحصار الظالم والقيود التي اضرت باقتصاد البلد”.

واشار الى انه كان هناك اتفاق ان يقوم المبعوث الأممي بصياغة تلك الافكار على شكل اتفاق خلال اجازة العيد لتعود الاطراف بعد الاجازة للتوقيع على الاتفاق بعد صياغته وفقا للأفكار التي طرحت وليس لمناقشتها”.

وأوضح المشاط إلى أن الحل لم يكن في صالح الامريكيين واقترابه دفعهم للتحرك وافساد ما تم الاتفاق عليه.

وشرح التحركات الامريكية تلك قائلا:” حرك (السفير الامريكي) اياديه وأمر المبعوث بان يذهب خلال الاجازة لمناقشتها مع حليفته السعودية وقوبلت الورقة بالرفض لانه كان مرسوم لهم ان يرفضوا وصعدوا عبر منافقيهم اليمنيين لأنه كان مرسوما لهم ان يصعدوا والا والله ما مع ابوهم خبر لا السعودية ولا المنافقين لكن أمروا فنفذوا”.

وأضاف: “حصل تصعيد خلال العيد وقد لاحظتم تصريحات المنافقين بقيادة هادي الذي زار مأرب المهم في الاخير حدثت ربكة ورأوا بأنهم اما م وقت ضيق ولا يريدوا ان تطلع قوى العدوان بقيادة امريكا والسعودية هي الرافض للحل عملوا مع المبعوث الاممي”

وتساءل “كيف عمل الامريكان مع المبعوث الأممي وكيف اتفقوا على الاخراج بالشكل الذي لا يحمل قوى العدوان مسؤولية رفض الحل ؟” وأجاب المشاط عن ذلك التساؤل قائلا: “قدموا للمبعوث ورقة يعرفون انها ليست ورقة الحل الحقيقي ليخرجوا من الورطة التي أظهرتهم رافضين للحل الشامل وقام المبعوث باستلام تلك الورقة وقام بتقديمها في المفاوضات باسم الأمم المتحدة”.

 

  • تقييم دبلوماسي: المبعوث الأممي لليمن، الأسوأ في تاريخ الأمم المتحدة

كان انقلاب المبعوث الأممي على رؤيته بتشكيل حكومة توافق باليمن وتبنيه الرؤية الأمريكية التي لم تأتي حتى من أجل إيجاد حل مجحف بل جاءت من أجل استمرار العدوان، هذه المحطة كانت نقطة التحول التي ارتفعت بعدها الأصوات التي تحدثت عن سوء المبعوث ولد الشيخ وانحيازه.

 

في هذا السياق علق دبلوماسي غربي على استسلام المبعوث الأممي الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ للضغوط بأنها لم تحدث في تاريخ الأمم المتحدة.

ونشرت صحيفة رأي اليوم اللندنية تلك التصريحات أثناء تناولها لمضمون رؤية المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ والتي قالت الصحيفة أنها حصلت على نسخة سرية منها ونقلت عن مصادر دبلوماسية وأممية رأيها حول الرؤية التي وصفت بالمتحيزة وغير المنطقية.

وبحسب الصحيفة وصفت مصادر دبلوماسية من داخل الأمم المتحدة مضمون الورقة، بأنه “ملكي أكثر من الملك” ورجحت أن يكون “رسالة استرضاء للسعودية التي تشعر بالامتعاض من فشل ولد الشيخ في اجتراح حل سياسي وباتت تفكر جديا في تغييره”.

 

الصحيفة نقلت أيضا عن المصدر الدبلوماسي ذاته أن “ورقة ولد الشيخ لا تشبه في شيء حلول الوساطة التي تقدمها الأمم المتحدة في العادة، لأنها أخرجت أحد أطراف الأزمة وهو الرئيس هادي من معادلة الصراع وجعلته حكما، كما أنها تبنت بالكامل وجهة النظر الحكومية”.

وأضاف الدبلوماسي الذي فضل عدم الكشف عن هويته “عندما تقوم بوساطة وفق معايير أممية، لا يمكنك إصدار أحكام قيمة على أطراف النزاع أو الاتفاق مع أحدهم والاختلاف مع الآخر. كل ما يجب القيام به هو إيجاد أرضية وسط تنهي الأعمال العدائية وتحيي العملية السياسية من خلال دفع الطرفين إلى تنازلات متبادلة. وهذا للأسف غير موجود في ورقة ولد الشيخ”.

وأعرب الدبلوماسي عن استشعاره بوجود “صياغات من خارج الأمم المتحدة في متن الوثيقة” في إشارة إلى دور محتمل قد تكون لعبته السعودية والولايات المتحدة في الضغط على ولد الشيخ.

وأضاف “لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة أن استكان وسيط أممي إلى هذه الدرجة إلى ضغط دولة أجنبية هي طرف في النزاع. لم يحدث ذلك حتى مع الأمريكيين بعد غزوهم للعراق رغم ضغوطاتهم المستمرة على ممثل الأمم المتحدة آنذاك سيرجيو دي ميلو”.

  • الانحياز للوطن من العاصمة صنعاء

أمام اللعبة المكشوفة والإرادة الأمريكية التي سيرت وفد الرياض انتهت مسرحية الكويت بإعلان موعد آخر بعد شهر من الان في دولة سيعلن عنها لاحقاً، فقد قابل ذلك جدية من قبل القوى الوطنية التي حرصت على السلام الذي لم يتحقق فكان ضروريا أن يرى المجلس السياسي الأعلى النور وهو ما حدث صباح السبت في خطوة تطلع اليها اليمنيون أكثر من تطلعهم أو أملهم بنجاح المفاوضات.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com