كرة السلام في ملعب العدوّ والعد التنازلي مُستمرّ: لا التزامات بشأن استمرار الهدوء

البخيتي: أية جولة تصعيد قادمة ستكون مختلفةً عما سبق

بن عامر: مؤشرات التوصل إلى حَـلّ أقلُّ بكثير من حجم التوقعات

الوساطةُ العُمانية تعودُ محملةً بتأكيدات حاسمة على ثبات الموقف الوطني وتحذيرات من “قلب الطاولة”

 

المسيرة | خاص

بعدَ سلسلةِ لقاءاتٍ وصفتها صنعاءُ بـ”المثمرة” من ناحية الأفكار والتصورات، غادر وفدُ الوساطة العُمانية العاصمةَ اليمنية محمَّلاً بتأكيدات حاسمة على استحالة التنازُل عن استحقاقات ومطالب الشعب اليمني الإنسانية والقانونية، وفي مقدمتها صرف الرواتب من إيرادات النفط والغاز، إلى جانب رسائلِ إنذار واضحة بـ”قلب الطاولة” في حالة التعنُّت أَو الإقدام على أية خطوات عدوانية جديدة على المستوى الاقتصادي أَو العسكري، لتعود الكرة إلى ملعب تحالف العدوان ورعاته الذين كان ولا يزال قرار إنجاح جهود السلام بأيديهم، لكن هذه المرة بدون أية مساحة للمراوغة أَو لإعداد حِيَلٍ جديدة؛ لأَنَّ الوقت لم يعد يكفي إلَّا لقرار حاسم ونهائي.

تصريحاتُ رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام لـ “المسيرة” مع انتهاء زيارة الوفد العماني، أعطت انطباعًا واضحًا بأن صنعاء أكملت وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالمطالب والاستحقاقات وفرص تجديد الهُدنة، وبعبارة أُخرى: أوضحت للوسطاء أن هذه ستكون الفرصة الأخيرة لإحراز تقدم حقيقي فيما يتعلق بمسار التهدئة؛ لأَنَّ الوضع سيتغير تماماً في حال أصر تحالف العدوان على موقفه المتعنت، أَو لجأ إلى حِيَلٍ جديدة لكسب الوقت والالتفاف على متطلبات المرحلة.

عبد السلام وصف اللقاءاتِ التي أجراها الوفد العماني مع القيادة الثورية والسياسية والعسكرية بأنها “مثمرة” فيما يتعلقُ بطرح وتبادل الأفكار والتصورات، لكن ذلك لا يعني إحرازَ تقدُّم مؤثر؛ لأَنَّ صنعاءَ وسلطنة عُمان يبذلان بالفعلِ جهوداً جادةً وصادقة منذ أشهر لتجديد الهدنة، ولكن المشكلة تقع على الجانب الآخر من الطاولة والذي يجلس فيه تحالف العدوان ورعاته، وهو الجانب الذي يستطيعُ أن يسمحَ للقاءات المثمرة في صنعاء بأن تتحوَّلَ إلى برنامجِ عمل.

هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده الرسائلُ الواضحة التي سمعها الوفد العُماني من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بشأن “قلب الطاولة” في حالة أقدم تحالف العدوان على اتِّخاذ أية إجراءات تستهدف الوضع في اليمن، بحسب تصريح محمد عبد السلام الذي أكّـد أَيْـضاً أنه “لا توجد أية التزامات فيما يتعلق بوقف إطلاق النار” وحذّر من العودة إلى “نقطة الصفر“.

هذه الرسائلُ تؤكّـدُ أن زيارة الوفد واللقاءات الإيجابية لن تكونَ كافيةً لتجنُّب عودة التصعيد إذَا لم يتخذ تحالفُ العدوان ورعاته قرارًا عاجلًا وواضحًا بتلبية مطالب الشعب اليمني المتمثلة بصرف المرتبات على ميزانية النفط والغاز لعام 2014، ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات، وقد عزز وزير الدفاع هذا التأكيد بتصريح واضح أنذر فيه من استئناف ضرب العمق الجغرافي لدول العدوان واستهداف المنشآت الحساسة.

تحذيراتٌ وتأكيداتٌ حاسمة سيحملُها الوفدُ العُماني إلى دول العدوان ورعاتها ليتخذوا قرارَهم الذي سيكون نهائيًّا بغَضِّ النظر عن ماهيته؛ لأَنَّ اللجوء إلى مراوغات إضافية سيُقرأ من جانب صنعاء كرفض قاطع للمطالب، لتنطلق بعد ذلك جولة أُخرى اضطرارية من التصعيد تنهي حالة اللا حرب واللا سلام، وتثبت للعدو كارثية خياراته وسوء تقديراته لموقف صنعاء.

وبخصوص المؤشرات على موقف تحالف العدوان ورعاته، أوضح عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البخيتي في حديث لقناة الميادين، أن “ما قدمه العدوّ لا يلبي مطالب صنعاء، وموقف دول العدوان غير واضح حتى الآن بشأن صرف الرواتب”، مُضيفاً أنّ “دول العدوان تسعى إلى إثارة الخلافات الداخلية اليمنية بطرحها دفعَ الرواتب لجزءٍ من الموظفين”.

ويعزز هذا التصريحُ المعلوماتِ التي تداولها البعض خلال الأيّام الأخيرة بشأن إصرارِ تحالف العدوان على تجزئة عملية صرف الرواتب ومحاولة فصلها على إيرادات النفط والغاز، الأمر الذي يعتبر مؤشرًا واضحًا على عدم استعداد دول العدوان لاتِّخاذ القرار المطلوب لإنجاح جهود تجديد الهدنة.

هذا أَيْـضاً ما رجّحه نائبُ مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، العميد عبد الله بن عامر، الذي كتب بدوره أن “مؤشرات التوصل إلى حَـلّ أقل بكثير من حجم التوقعات المعلنة ولعل الخيارات البديلة هي ما يفضّلها الكثير من اليمنيين الذين لم يثقوا يوماً بالمعتدي فقد جرت التجربةُ معه على لُغة القوة فوحدَها مَن أجبرته على طلب الهُدنة قبل أشهر ووحدَها من ستجبره على تجديدها برؤية اليمنيين وشروطهم”.

وبالتالي فَـإنَّ احتمالاتِ عودة التصعيد لا تزال مرتفعةً بنفس القدر الذي كانت عليه قبل زيارة الوفد العماني إلى العاصمة صنعاء وذلك؛ لأَنَّ الكرة كانت ولا زالت في ملعبِ تحالف العدوان ورعاته الذين سيكون إصرارُهم على المماطلة والتعنت دليلًا واضحًا على أن خيارات الردع والرد هي الخيار الوحيد الفعال، خُصُوصاً أن هذه الخياراتِ قد أثبتت فاعليتَها الكبيرةَ أكثر من مرة، آخرها عندما لجأ تحالفُ العدوان إلى الهُدنة لتجنُّب تصاعد تداعيات عمليات “كسر الحصار” العابرة للحدود.

وبشأن الجولة القادمة من التصعيد والتي من المتوقع أن تنطلقَ إذَا رفض تحالفُ العدوان ورعاتُه الاستجابةَ لمطالب صنعاء، أكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البخيتي أنها “ستكون مختلفة عن الجولات السابقة؛ لأَنَّ صنعاءَ قد طوّرت قدراتها الصاروخية والجوية ولن تقف مكتوفةَ اليدين بدون الرد على الحصار” مُضيفاً أن “القواتِ المسلحة اليمنية قادرةٌ على توجيه ضربات دقيقة في عمق دول العدوان بعد ما حدث من تطوير للقدرات”.

تصريحٌ يضافُ إلى سلسلة رسائلَ مهمة وجّهتها صنعاءُ خلال الفترة القصيرة والماضية وركّزت فيها بشكل ملفت على تأكيد جهوزية القوات المسلحة اليمنية لبدء خطوات تفوق في شدتها ونوعيتها واتساع تأثيراتها كُـلّ توقعات العدوّ، كما أكّـدت فيها على أن الجبهة البحرية ستكون ذات أولوية في المرحلة القادمة.

وهكذا فَـإنَّ تحالفَ العدوان يعودُ مرةً أُخرى لمواجهة خيارين محدّدين لا مجال لإيجاد خيار ثالث فيما بينهما، فإما الإصغاء لما سينقله إليه الوفد العُماني من تأكيدات ورسائل وتصوُّرات وأفكار للمضي في مسار التهدئة والتقدم نحو سلام فعلي، أَو مراجعة تحذيرات وإنذارات صنعاء بشأن التصعيد القادم على أمل “الاستعداد” له.

وعلى أية حال فَـإنَّ مجمل الرسائل والتصريحات السياسية والعسكرية التي أطلقتها صنعاء خلال الأيّام الماضية يؤكّـد أن الوضع الراهن يمثل نقطةَ تحول نحو وضع جديد كليًّا سواء في اتّجاه السلام أَو في اتّجاه الحرب، كما تؤكّـد أن صنعاء جاهزة للاتّجاهين، وهو ما لا يمكن قولُه عن تحالف العدوان ورعاته الذين يخاطرون بمواصلة الحِيل والمراوغة في الوقت الذي يعلمون فيه جيِّدًا عجزَهم عن احتواء أي انفجار للوضع، سواء من ناحية قدراتهم التي أصبحت -رغم تطورها- عاجزةً عن مواجهة القدرات والتكتيكات اليمنية، أَو من ناحية المتغيرات العالمية التي ستضاعف أثر أية ضربة يتعرضون لها عدة مرات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com