خياراتُ الحرب ضد إيران.. أهمُّ الفرضيات لمعارك البحار والمحيطات المقبلة (الحلقة التاسعة)

 

المسيرة – عباس الزيدي*

مياه الخليج الدافئة من مناطق الصراع الكبرى ليس فقط ما بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهةٍ أُخرى، بل هي منطقة صراع خفي وحساس ما بين بريطانيا وأمريكا، وهذه المنطقة ستشهد صراعات ذات أوجه مختلفة تبعاً للأطراف المشاركة، وفي نهاية المطاف لها أولوية تفوق مناطق الاهتمام الأُخرى، كونها خزان نفط كبير وسوق استهلاكية، ومع وجود قواعد وأساطيل متعددة في الخليج.

وأهميّة تلك المنطقة في السلم والحرب نتوقع أن تكون الحروب البحرية فيها على الشكل التالي:-

أولاً: أحادية.

ثانياً: على شكل تحالفات.

فأما الأحادية منها، فهي بين أمريكا من جهة، وأحد الأطراف التالية من جهةٍ أُخرى، فكل من روسيا، أَو الصين، أَو إيران وحتى بريطانيا على أمدٍ بعيد.

وأما التحالفات ربما تكون ثنائية، أَو ثلاثية، أَو أكثر مثلاً بين الصين وروسيا من جهة، وأمريكا والناتو من جهةٍ أُخرى، أَو ما بين الأخيرة يضاف لها إسرائيل ودول الخليج، وبين إيران ومحور المقاومة.

وفي كُـلّ الأحوال هناك أهداف ثابتة للحرب من أهمها:

1- تأمين تدفق الطاقة من النفط والغاز وضمان أسواق تلك المنطقة في السلم والحرب.

2- حماية الكيان الصهيوني اللقيط واندماج إسرائيل ونجاح مشاريع الاستكبار التي نختصرها بالإبراهيمية.

3- القضاء على محور المقاومة وعمقها الاستراتيجي المتمثل في جمهورية إيران الإسلامية.

4- والهدف الأكبر هو استمرار هيمنة أمريكا وبقائها على رأس النظام العالمي أحادي القطبية.

ومن هنا أخذت منطقة الخليج الأولوية والأسبقية في درجة الصراع المحتمل للحرب العالمية الثالثة، أَو من غير ذلك الاحتمال.

وجبهة الخليج تميزت عن غيرها من الجبهات (البلطيق والهادي والأطلسي والمتوسط والأسود… إلخ) بسمة التداخل سواءً السياسي أَو الجغرافي.

 

أولاً: التداخل الجغرافي:

مع انتشار الأساطيل وحركة القطع البحرية ووجود الكثير من القواعد الأجنبية والجزر والبحار والمضائق فهذا يعني أن أية معركة بحرية في منطقة الخليج سوف:

1- تمتد إلى اليابسة.

2- حرب الخليج يعني تمدد حرب البحار في كُـلّ من بحر العرب والأحمر والمتوسط.

 

ثانياً: التداخل السياسي المتمثل بالتحالفات ومنها:

1- الصين وروسيا من جهة وأمريكا والناتو من جهةٍ أُخرى.

2- أمريكا ودول الخليج وإسرائيل من جهة وبين إيران ومحور المقاومة من جهةٍ أُخرى ويعني هذا اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

وفي كُـلّ الأحوال لن تقف الحرب على طرف أَو جبهة أَو مستوى معين؛ لأَنَّ الملفات متداخلة وهناك قضايا تفرضها قواعد الاشتباك وحسابات النصر والهزيمة، حَيثُ يكون للزمان والمكان الأثر البالغ على نتائج الحرب وفق حسابات منظريها وقادتها بل ذلك من متطلباتها الضرورية.

وعلى ضوء ما تقدم من البحث والدراسة وللأسباب المذكورة أعلاه وما ذكرناه سابقًا من أسباب يترشح لدينا أن أسبقية العدوان والحرب ستكون في منطقة الخليج وتحديداً على جمهورية إيران الإسلامية ودول محور المقاومة.

وقبل التطرق إلى أشكال تلك الحرب وسيناريوهاتها المحتملة (محدودة أَو خاطفة أَو شاملة) علينا ذكر بعض الحقائق التي تساهم في استشراف نتائج تلك الحرب ومنها:-

أولاً: ما يخص محور المقاومة:

1- بعد المعادلة الجديدة (النظرية) التي طرحها سماحة السيد حسن نصر الله -أعلى الله توفيقاته- فَـإنَّ محور المقاومة يتحَرّك وفق استراتيجية الردع الشامل.

2- اعتماد بلدان المحور على سياسة دفاعية تسلب العدوّ مقومات تحقيق النصر يتمثل باحتلال مكان أَو تحقيق هدف ويصعب فيها تدمير قوات المحور ويفقد العدوّ خاصية التأثير على الرأي العام.

3- إمْكَانية توجيه ضربة إلى أحد مراكز ثقل العدوّ المختلفة التي تؤثر على مسار المعركة من قبل المحور وفقدان العدوّ لتلك الخاصية.

4- إن التعامل بالصبر الاستراتيجي من قبل المحور أفقد العدوّ للعديد من عناصر المعركة ومنها عنصر المفاجأة، وبذلك أصبح المحور هو من يحدّد قواعد الاشتباك.

5- في الحرب الحديثة لا يمكن تحديد نتائجها ونهاياتها أَو استمراريتها وتصميمها وفق حسابات النصر والهزيمة على مستوى التدريب والتسليح فقط بل يكون للأهداف السليمة ذات القيمة العليا ومنها العقائدية الدور الكبير في عملية الاستمرار أَو الحسم.

6- المواقع الجغرافية لبلدان محور المقاومة وتأثيراتها على واقع الصراع والحرب سواءً على مستوى المنطقة أَو العالم.

7- تأثير المقاومة في صراع المحاور والنظام العالمي بالقدر الذي يجعل منها موضع اهتمام المعسكرات سواءً بالضد أَو مع ذلك الحلف أَو المعسكر، بل حتى في تحييدها لما لها من ثقل مؤثر في نتيجة الصراع.

8- تنوع وتعدد فسيفساء أبناء المحور -ثقافات وأيديولوجيا وأديان ومذاهب وأعراق وقوميات يضيف أبعاداً كبيرة وآثاراً إيجابية في ماهية الصراع ونتائجه.

ثانياً: على مستوى إيران وصعوبة هزيمتها وفق الأسباب التالية:-

1- على مستوى بلدان المنطقة ليست لإيران أطماع عكس ما يشاع وهي تمارس سياسة الاحتواء وتدعو إلى التعاون وإبعاد التدخل الأجنبي مما يجعل بلدان وشعوب المنطقة في انقسام حاد تجاه الجمهورية والحرب معها مما يؤثر بطريقةٍ مباشرة على نتيجة الحرب أَو الصراع، وبالتالي لا يوجد بد من انصهار دول المنطقة في استراتيجية دفاعية واحدة وإبعاد شبح الحروب عنها.

2- الشعب الإيراني قادر على امتصاص الصدمة في حال حصول عدوان، على العكس من شعوب دول العدوان.

3- إيران دولة مترامية الأطراف فسيحة الأرجاء وهي أقوى من خصومها داخل حدودها، أَو خارجها، لذلك عملية غزوها، أَو اجتياحها بحاجة إلى جيوش وملايين العناصر المقاتلة والآليات.. إذن هذا الخيار غير وارد البتة.

4- خيار الحرب الخاطفة على إيران أَيْـضاً غير وارد؛ لأَنَّ حجم ردة الفعل والخسائر سيكون كَبيراً على تحالف العدوان وهو لا يريد تكرار تجاربه الخاسرة سابقًا.

5- إيران تحولت في سياساتها وتعاملاتها إلى المستوى الاستراتيجي بالقدر الذي شاركت فيه بقوة في صناعة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب وحسب ما تفرضه موازين القوى العالمية فَـإنَّ أي طرف يريد المغامرة بعدوان على إيران لا يمكن أن يغيب عن حساباته ذلك الأمر.

6- موقع إيران وإطلالتها على الخليج وتأثيراتها على أبعد من ذلك، حَيثُ بحر العرب والأحمر والمحيط الهندي وتحكمها بالكثير من العقد البحرية.

* كاتب عراقي – رفيق الشهيد أبو مهدي المهندس

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com