المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية المهندس محمد المداني في حوار مع صحيفة “المسيرة” لن نرضى بسقف تحقيق الاكتفاء الذاتي ولدينا طموح بأن نكون من الدول المصدرة في العالم

المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي

قال المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية المهندس محمد المداني: إن العمل التشاركي الحكومي-المجتمعي أنجز بخطى واعية وثابتة أربع مراحل ثورية على مستوى الجبهة التنموية، رغم ظروف الحرب والعدوان والحصار الأمريكي السعوديّ التي تكبل المشاريع الوطنية بشحة الموارد.

وأكّد المداني في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة” أن  سقف الطموح يبقى عالياً، ولن نرضى بسقف تحقيق الاكتفاء الذاتي فحسب، ولدينا طموح أكبر في أن ننضم إلى قوائم الدول المصدرة في العالم، منوهاً إلى وجود مشاكل لكن سيتم التغلب عليها إذا توفر وعي وبصيرة وإدراك للمسؤولية، ومن أهم مسارات التغلب على مثل هذه التراكمات هي اتباع توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي-يحفظه الله- بوجوب استغلال القدرات والامكانيات المتاحة لخوض معارك المواجهة الاقتصادية.

 

إلى نص الحوار:

-بدايةً.. ما النتائج والثمار التي أنجزها العمل التشاركي الحكومي-المجتمعي في تفعيل وتحفيز وإدارة المبادرات المجتمعية كتجربة رائدة تحث القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى على ضرورة توطينها في مسار إحياء وتفعيل دور المشاركة المجتمعية في التنمية؟

بدايةً يمكن القول إن  تجربة العمل التشاركي الحكومي-المجتمعي، بدأت بتفعيل العمل الطوعي من خلال بعث وإحياء روح المبادرة والعطاء لدى الطاقات الشابة والنفسيات النقية التي لم تتلوث بالحزبية أو المذهبية أو تنخرط في التعامل أو العمل مع أهداف وسياسات المنظمات الأجنبية، وكانت نقطة البداية من “وادي مور”، وتحديدًا في مديرية الزهرة، تلك المديرية التي كان أبناؤها يعيشون تحت وطأة كارثية بسبب الأمواج الكبيرة من سيول وادي مور التي كانت تأتي على الأرض والقرى وتجرف معها الأخضر واليابس، بسبب تعطل الصيانة عن قنوات وادي مور، وهذه الصيانة كانت ترصد لها موازنات مهولة إبان حكومات ما قبل 21 من سبتمبر 2014 ، والمواطنون لم يكن لهم من دور سوى التسابق إلى صناعة النفوذ داخل الجهات المعنية بهذه الصيانة وفي الحكومة والسلطات المحلية من أجل فرض حصص الاستئثار بأكبر قدر من المياه لسقي مزارع نافذين في تواكل تام على الحكومة في أي تكليف صيانة حتى للقنوات الخاصة بالمزارعين أنفسهم.

والواقع أن ظروف العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ حجبت عن المنطقة هذه الميزانيات، وأصبحت القنوات الرئيسة والفرعية عرضة لتجمع الترسبات وظهور أشجار السول والأعشاب الأخرى، حتى طمرت كلياً، وباتت أراضي ومساكن القاطنين على جنبات الوادي معرضة للهلاك والدمار الشامل مع كلّ موسم أمطار.

ومن هنا-بدأ التحرك مع مجموعة من المعنيين في السلطة المحلية بالمديرية وهيئة تطوير تهامة وبعض الشخصيات والأعيان نحو تفعيل مجموعة من الشباب المبادر، وكانت الحصيلة تشكيل غرفة طوارئ “وادي مور”، هذه الثلة من الشباب تم تغذيتهم بمنهجية “ذي القرنين”، وتم تدريبهم وتأهيلهم على أساليب التوعية في أوساط المجتمعات المتضررة من مزارعين وسكان بأهمية المشاركة المجتمعية في التنمية من خلال تفعيل وتوظيف المتاح والممكن من القدرات البشرية والامكانيات المادية في مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص، حيث تمكن الشباب من بعث روح استشعار المسؤولية بأن بناء المشاريع وصيانتها ليست -بالضرورة- مهمة حكومية بحتة، كما أنها ليست “هبة” تمنحها منظمات الإغاثة الدولية بقدر ما هي مسؤولية جماعية تبدأ من أصحاب المصلحة الحقيقية في مشروع وادي مور وبدرجة أساسية، وما دون ذلك، فتدخلات ثانوية تكميلية.

وكان تجاوب المجتمع -هنا- فوق المتوقع، فقد هب الجميع بلا استثناء إلى حمل المعاول والمجارف والكريكات والفؤوس والمفارس، وخرجوا في صعيد واحد وبجهود عضلية ذاتية، وما هي إلا أيام من انطلاق المبادرة حتى تم إصلاح معدات من تلك التي تعرضت للأعطال وقصف العدوان في هيئة تطوير تهامة، وبتبرعات سخية من الميسورين، بل ومن كلّ معسر من أبناء المناطق المستهدفة، وتكاملت الجهود الشعبية مع الامكانيات الرسمية لتعود قنوات الوادي تؤتي ثمارها بقدرات أقوى وأوسع انتشاراً وعدالة في التوزيع.

هذه “البذرة”، أخرجت عشرات من “بيوت المبادرة” في “عشرات” المديريات المجاورة من محافظات حجة والحديدة، فعمران وصعدة والمحويت وصنعاء، فذمار وإب والضالع والبيضاء، وريمة، وفي الأمانة، وتوسعت روح المبادرة لتعم كلّ مجالات الطرق والصحة والتعليم والإغاثة، بل وانتقلت بتسارع فاق التوقعات إلى التنمية الزراعية والأسر المنتجة، والإبداع والابتكار، بل عمت كلّ أرجاء اليمن، وأصبح من الضرورة أن يتم احتواء هذا الحراك في أطر مؤسسية وقنوات إدارة ممنهجة أوسع وأكثر صلاحية من بيوت المبادرات واللجان الزراعية ووحدات الحراثة والشق… إلخ، ليتم جمع كلّ هذه الأطر في مؤسسة واحدة هي الجمعية التعاونية في كلّ مديرية وربطها بإشراف مباشر بمدير المديرية في مسار تكاملي ينسق بين كلّ القدرات البشرية والامكانيات في المديرية الرسمية والشعبية.

ويمكن القول إن الفكرة تعرضت للكثير من المضايقات وسوء الفهم، لا نرى ضرورة الخوض في تفاصيلها، ويكفي أن نركز على نجاح مراحل الانتقال في تطوير مبادئ وسياسات العمل التشاركي الحكومي-المجتمعي وتعدد منهجياته وربطها بهدف إيجاد مجتمع اقتصاد مقاوم يؤسس لخلق تنمية مستدامة قائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة، ويهدف إلى خفض فاتورة الاستيراد عن طريق دراسة الوضع الراهن، وسلاسل القيمة ودراسة جدوى عكس قيمة فاتورة الاستيراد من جيب المزارع الأجنبي إلى دعم وإسناد المزارع اليمني وتحسين جودة المنتج المحلي، ووضع آلية تسويق حديثة ومواكبة لمخرجات الحراك التنموي المتسارع نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزيز الأمن الغذائي.

 

-ماذا عن  تفاصيل “برنامج المحليات”، والخطوات التي تم انجازها في إطار توجيهات القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى بهذا الشأن؟

أود أن أشير أولاً إلى أننا حالياً في طور من أطوار المرحلة الثالثة للثورة الزراعية، والتي نركز فيه على عقد ورش ودورات تدريبية لأعضاء الحكومة والسلطات المحليات والتنفيذية، وفيها يجري مناقشة سبل وآليات تنفيذ توجيهات القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى وعكسها في قوانين ولوائح وخطط استراتيجية تهيئ المناخات المناسبة لتوطين مبادئ وسياسات فرسان التنمية في العمل التشاركي الحكومي-المجتمعي، من أجل توحيد مسار ومنهجيات إدارة العمل التنموي على طريق ايجاد تنمية مستدامة قائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة.

ولعل الزيارات التفقدية التي قام بها وفد كلف من قبل القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى برئاسة عضو المجلس السياسي الأعلى أ. محمد النعيمي، وعضوية وزير الاعلام أ. ضيف الله الشامي، وقيادة المؤسسة، وممثلين عن الشركاء إلى  مديريات في 6 محافظات، قد ركزت على إبراز أهمية التوجه نحو توطين العمل التنموي التشاركي الحكومي-المجتمعي بوصفه استجابة لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، ورئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط، نحو العمل على تحقيق أهداف الرؤية الوطنية لبناء الدولة الحديثة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في أولويات اللجنة الاقتصادية العليا الثلاث، الغذاء والملبس والدواء.

وقد جرى في الزيارات متابعة مخرجات المرحلة الأولى من برنامج تدريب المحليات على التنمية المستدامة القائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة في 17 مديرية، ويستهدف قرابة 250 مديرية، ومدى تنفيذ خطط المبادرات التنموية للمديريات والجمعيات التعاونية وفرسانها.. فيما استهدفت الزيارات تحفيز وتكريم المبرزين في العمل التشاركي “حكوميين ومجتمعيين” في السلطات المحلية والجمعيات وفرسانها.

كما جرى التأكيد على أهمية التحول من الدعم المركزي إلى الدعم المحلي عبر وحدات التمويل للمشاريع الزراعية، والإشارة إلى ضرورة تفعيل كافة المكاتب التنفيذية في السلطات المحلية في مسارات المتابعة والتقييم كل في مجال اختصاصه، والاهتمام برفع قدرات الموظفين الحكوميين والمتطوعين والجمعيات في التعامل مع مبادئ وسياسيات ومنهجيات العمل التشاركي وفق مبادئ التنمية القائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة.

 

  -إذا ما تحدثنا عن انجازات العام 2020م، تخبرنا الاحصائيات عن 1500 مبادرة تمت في عموم المحافظات الحرة، ماذا عن إنجازات العامين 2021-2022م، وفقاً لما تفضلتم به حول الحراك التنموي المتسارع؟

نود الإشارة إلى أننا في مؤسسة بنيان التنموية نركز على بناء الإنسان وتنمية قدراته على كافة المستويات، وفي هذا المسار تمكنت المؤسسة عبر أكاديمية بنيان للتدريب والتأهيل وبإسناد شركاء التنمية في اللجنة الزراعية والسمكية ووزارة الإدارة المحلية ووزارة الزراعة والري ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والاتحاد التعاوني الزراعي والوزارات والمؤسسات والهيئات والجامعات والكليات والمعاهد ذات العلاقة ومشاركة واسعة من كافة السلطات المحلية والفعاليات الاجتماعية والشعبية- من تأهيل (17.607) فارس لإدارة الحراك الثوري التنموي (8.991 فرسان التنمية، و100 فارس سواحل، و15 فرسان المحاسبة، و76 فرسان إقراض، و42 فارساً في الإبداع، و143 فارس دراسات وبحوث، 52 فرسان إعلام، و534 فارس محليات، 678 سفراء التنمية، 16 فارس محاماة، 207 من الجرحى، 102 مساعدين ثقافيين، 433 فرسان إرشاد زراعي مجتمعي، 137 فرسان وحدات ديزل، 18 فارس دواء، 721 فارس صحة حيوان، و362 فارس اصلاحيات، 4.550 فرسان مسح ميداني، 57 فارس ري، 224 فرسان البذور، 45 فرسان التنمية الصناعية، 44 فرسان الأودية، 44 فرسان التسويق، 26 فرسان الهندسة الميكانيكية، وأخيراً 20 فرسان الهندسة المدنية).

 

 -يجري الحديث عن نمو وتطور حركة زراعية بشكل واسع.. ما الدور الذي لعبته هذه الكوكبة متعددة المهام من الفرسان خلال المراحل الثلاث للثورة الزراعية؟ كما نود أن نطلع القارئ وبلغة الأرقام عن الجدوى الاقتصادية التي حققته هذه الانجازات في مسار خفض فاتورة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي؟

بفضل الله وتوفيقه، ثم إسناد ودعم شركاء التنمية الحكوميين والمجتمعيين وكان لهذه الكوكبة الفضل في تنفيذ 10.086 من المبادرات المجتمعية في مختلف المجالات الخدمية والتنموية، بلغ إجمالي التكاليف التقديرية لهذه المبادرات قرابة 19 مليار ريال، ساهم المجتمع بما يزيد عن 92% منها، حيث نفذت 74 دراسة اجتماعية واقتصادية، و277 من الأنشطة البحثية الزراعية وعدد من دراسات سلاسل القيمة.

وعلى مسار تفعيل الجمعيات التعاونية، فقد بلغ عدد الجمعيات التي تم إنشاؤها أو تفعيلها 190 بعضوية 56.749، حجم رأس مال الجمعيات 1.333.960.000.

وفي مجال الإرشاد الزراعي المجتمعي، تم إنشاء 245 مدرسة حقلية في 17 محافظة من المزارعين، ليبلغ بذلك عدد المستفيدين من التوعية في المجال الزراعي النباتي والحيواني 579.478، وبلغ عدد الشتلات الزراعية التي تم زرعتها 5.700.949، وفي مجال القروض الزراعية تقديم 8.651 قرضاً حسناً في مجال الثروة الحيوانية.

وفي مجال تنمية الثروة الحيوانية، قام فرسان الصحة الحيوانية بتنفيذ 74 حملة بيطرية، تم خلالها رعاية 4.251.657 رأس ماشية صحياً.. كما تم تقديم 8.651 قرضاً حسناً في مجال الثروة الحيوانية بإدارة فرسان الإقراض، ويجري العمل على تحسين آلية التسويق الزراعي والحيواني ومناحل العسل عبر فرسان التسويق.

وفي مسار استغلال وحصاد مياه الأمطار، تمكنت المشاركة المجتمعية من إعادة تأهيل وإنشاء 254 من السدود والحواجز والخزانات والكرفانات وقنوات ري منها 201 حاجز وخزان تتبع الحكومة تم إعادة تأهيلها بمبادرات مجتمعية خالصة.

وساهمت المشاركة المجتمعية في زيادة حجم المساحة المروية بالمياه، حيث تم من خلال هذا المشروع ري 126 ألفاً و500 هكتار خلال هذا العام، مقارنة بـ 65 ألف هكتار في عام 2020م، نتيجة إجراءات الصيانة لمنشآت الري وقنوات التوزيع.

ونجحت المشاركة المجتمعية في برنامج زراعة الصحراء في سهل تهامة، ومحافظة الجوف، ومحافظة حجة، وحققت مؤشرات كبيرة جدا، حيثُ تم زراعة 31 ألفاً و200 معاد بمحصول متوقع 5 آلاف طن من محصول الدخن.. وفي سهل تهامة تم زراعة 90 ألف معاد بمحصولي الدخن والذرة.. وفي صحراء الجوف زرعت 9 آلاف هكتار من محصول القمح بقدرة إنتاجية للهكتار ما بين 6-7 أطنان، إلى جانب 4 آلاف و921 هكتاراً بمحصول الذرة الرفيعة.

 

-هل تعتقدون أن ما أنجز خلال مراحل الثورة الزراعية كاف لتحقيق الاكتفاء أو نسبة من ذلك؟

يبقى سقف الطموح عالياً، ولن نرضى بسقف تحقيق الاكتفاء الذاتي فحسب، لدينا طموح أكبر في أن ننضم إلى قوائم الدول المصدرة في العالم، ولا نحتاج لتحقيق ذلك الكثير من العدد والعدة بقدر الحاجة الماسة إلى روح تكاملية وتنسيق الجهود بين كل القطاعات الحكومية والمجتمعية والخاصة.. هناك تراخ في الأداء وخاصة في الجانب الرسمي حيث لا تزال الكثير من المفاهيم التي غرستها السياسات الخارجية بأن اليمن بلد غير مؤهل لأية نهضة زراعية، ومن خلف ذلك تأتي ضغوطات على الرأس المال التجاري، ومعوقات نفسية وإدارية يمكن للجميع أن يتغلب عليها إذا توفر وعي وبصيرة وإدراك للمسؤولية، ومن أهم مسارات التغلب على مثل هذه التراكمات هي اتباع توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله بوجوب استغلال القدرات والامكانيات المتاحة لخوض معارك المواجهة الاقتصادية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com