الشهيد أبو زين العابدين حجر.. قاصمُ الجماعات التكفيرية

للشهيد بصماتٌ أمنية في انتزاع العبوات الناسفة التابعة للعناصر التكفيرية وساهم بشكلٍ كبير في القبض على مطلوبين من قيادات تنظيم القاعدة الإجرامي
استشهد في مواجهة مع العناصر التكفيرية في مريس بعد استبسال كبير وتباهت قناة الحدث بمقتله وقالت إن صفحته طويت

ارتبط بالناس والمجتمع بكل أخلاق ومحبة وقدم الإحسانَ لمن يعرفه ومن لا يعرفه

 

المسيرة | أيمن قائد- عبد القوي السباعي

مع كُـلّ قصة شهيد حكاية أُسطورية خالدة، نعرج من خلالها في سماوات الكرامة في أجواء الدهشة والتأكيد على المضي على ذات الطريق التي سلكها أُولئك الشهداء العظماء، والذين عبدوا الطريق نحو الحرية والاستقلال واختاروا مسار التضحية والفداء بدلاً عن الذلة والاستكانة، ووجدوا أن ما عند الله هو الخير الكثير لهم، فقد أصبحوا في سعادة أبدية مستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم من بعدهم.
وهنا قصة تاريخية لحياة بطلٍ من أبطال اليمن الذين ساهموا في القضاء على أوكار المجرمين، وقدموا النموذج الراقي للتضحية والفداء بعد حياة ممتلئة بمواقف استبساليه وشجاعة منقطعة النظير، وجسّدوا الإحسانَ بين الناس وإن من أرقى مراتب الإحسان هو الجهاد وبذل الروح في سبيل الله؛ مِن أجل أن ينعم الآخرون في أمنٍ واستقرار، وهذا الشهيد هو المجاهد محمد بن محمد بن محمد حجر، من أبناء مديرية بني الحارث محافظة صنعاء، واسمه الجهادي أبو زين العابدين وهو من مواليد 1985م، متزوج ولديه اثنان أولاد، ومستواه العلمي جامعي تخصص محاسبة.

النشأةُ والالتحاقُ بالمسيرة
نشأ محمـد حجـر منذُ صغره نشأةً صالحةً وتربى وترعرع على الأخلاق والصلاح وتقديم العون لمن يحتاجه، فكان رغم طيبته وهدوئه في الكثير من المواقف إلَّا أنه اتصف أَيْـضاً بالجلافة والخشونة كلما استدعى ذلك، وامتلك شخصية قيادية، ورجولية، وكان بحكم قرب منزلهم من الكلية الحربية في الروضة دائماً ما ينظر إلى الطلاب وهم يخرجون في إجازتهم الأسبوعية وتتماهى إلى مسامعه أصواتهم وهم يتدربون ويهتفون بالشعارات الوطنية والحماسية فيتمنى أن يصير واحداً منهم، وظل حلم الدخول إلى الكلية الحربية أملاً يراوده منذ الصغر.
وعندما أكمل دراسته الثانوية بمعدلٍ عالٍ كان أول ما ذهب إلى التنسيق في الكلية الحربية غير أن طلبه رفض رغم اجتيازه بنجاح لكل اختبارات القبول، فذهب بعدها إلى البحرية، فالكلية الجوية، وانتهى به الأمر بكلية الشرطة لكن دون جدوى، فنظام عفاش في تلك الفترة وسابقتها كان قد أدخل ضمن توجّـهاته برامج الهندسة الاجتماعية الذي فهمها محمـد فيما بعد.
تحطم حلم محمـد وتبخرت طموحاته لكن والديه شجعاه وحفزاه على المواصلة في السلك المدني وحتى لا تضيع عليه السنوات دفعوه للتسجيل بجامعة صنعاء، فدرس وتخرج بامتيَاز وتوظف، فكان شديد الانضباط والحرص على الدوام وعلى المال العام وتميز بعلاقةٍ طيبة مع زملائه في العمل ومع مرؤوسيه الذين كانوا يثقون به في تنفيذ المهام الصعبة على مستوى العمل.
كانت تراوده الكثير من الأفكار حين يسمع من الإعلام أَو الزملاءِ عن الأحداث في صعدة وعن التوجّـه القادم منها المتمثل بالمسيرة القرآنية والشهيد القائد والسيد القائد فأدرك حينها ماهية الهندسة الاجتماعية التي أرادها نظام عفاش، وَفي تاريخ 16/6/ 2014م، كان يومها ذاهباً كالعادة إلى العمل، فالتقى بمجموعةٍ من أصدقائه المجاهدين السباقين من أبناء الحي، وسألهم عن وجهتهم فأخبروه أنهم ذاهبون إلى صعدة للزيارة، فقرّر هذه المرة أن يضع النقاط على الحروف وأن يذهب ليشرب الماء من منبعه كما يقال.
اتصل بالبيت وأخبرهم متعللاً بأنه ذاهب في مهمة عمل 10 أَيَّـام، وذهب معهم في أول زيارة له إلى صعدة لتكون هذه الزيارة هي بداية التغيير الجذري لحياة محمد محمد حجر أبو زين العابدين.
قرأ أبو زين العابدين ملازمَ الشهيد القائد، فتأثر تأثراً عجيباً، وسمع قصص وحكايات المجاهدين من الرعيل الأول وعن الملاحم البطولية التي كانوا يصدرونها وهم قلة قليلة مستضعفة، ومنها انخرط في عدة دورات ثقافية وعسكرية، وصار كثير الاحتكاك بالمجاهدين والتأثر بهم، وكان دائم الالتقاء بهم والحضور معهم في كُـلّ المواقف والمناسبات وفي كُـلّ المسيرات.

أعمالُه الجهادية

عندما دخل المجاهدون صنعاء اشتغل محمد ضمن مربع مديرية بني الحارث لمدة 8 أشهر، منفرداً يقوم بالتحشيد والتعبئة الثورية وعمل النقاط الأمنية إلى جانب التوعية بأهداف المسيرة القرآنية والتحَرّك في الأوساط الشعبيّة لحلحلت المشاكل والنزاعات داخل المجتمع في نطاق جغرافيته، حتى جاءت التوجيهات والأوامر بدمج مجاميع أبو زين العابدين حجر ضمن قوام قوات النجدة ليكون بعدها قائداً لـ28 نقطة أمنية توزعت على طول مديرية بني الحارث، وارتبط بالناس والمجتمع في علاقة حميمية لا يمكن وصفها لما كان تمثله من أخلاق وسلوكيات وما يقدمه من إحسان لمن يعرفه ومن لا يعرفه.
ولما كان لأبو زين العابدين من مواقفَ بطوليةٍ ومساهمات وإنجازات أمنية ميدانية، جاءت الأوامر بتعزيز الأجهزة الأمنية في محافظة إب؛ كونها في تلك الفترة تعاني ليس القليل من الاستهداف المباشر من العناصر التكفيرية التابعة للعدوان، فانتقل أبو زين العابدين ليشغل منصب قائد فريق التدخل السريع في أحد فروع أجهزة أمن المحافظة والذي كان بمثابة رافد مهم للأجهزة الأمنية هناك، فكان دائم التنقل بين مديرياتها المختلفة مثل بعدان، العدين، السبرة، ميتم، في عملٍ مُستمرّ ومتواصل، فاذا قام بضبط أحد العناصر التكفيرية في منطقةٍ ما لم يهدأ له بال حتى يقوم بالمتابعة والتحري وجمع الاستدلالات إلى أن يتمكّن من ضبط كامل الخلية التي ينحدر منها هذا العنصر أَو ذاك.
ووثقت قناة المسيرة العديد من الإنجازات الأمنية في إب والتي كان لأبو زين العابدين الدور الأبرز فيها، وقد ظهر في أكثر من مشهد ضمن مقاطع توثق انتزاعه لأكثر من 80 عبوة ناسفة في أوقاتٍ متفرقة كانت قد زرعتها العناصر التكفيرية في مناطقٍ مختلفة من المحافظة، إلى جانب إسهامه بالقبض على مطلوبين أمنيين منذ العام 2007م ولم تستطع الأجهزة الأمنية في الحكومات السابقة ضبطها أَو حتى الاقتراب من مناطق تواجدها وكانوا عبارة عن قيادات في تنظيم القاعدة.

مشهد استبسالي
وذات يوم وبناءً على المعلومات الأمنية التي تفيد بوصول أحد قادة عناصر القاعدة الإجرامي من مريس في محافظة الضالع إلى ريف محافظة إب، تم إبلاغ أبو زين العابدين للتحَرّك وإلقاء القبض عليه والذي كان بحسب التقارير الاستخباراتية في منزلٍ منفرد بإحدى القرى المتاخمة ما بين الضالع وإب.
تحَرّك أبو زين العابدين ومعه فريق الاقتحام والمعزز بطقم من قوات المكافحة التابعة للأمن المركزي في إب، وحينها لم تكن الأجهزة الأمنية خالية من الاختراق 100 %، فقد تم إبلاغ ذلك الإرهابي بعزم الأجهزة الأمنية على اعتقاله عبر فريق التدخل المؤهل والمكلف بالمهمة.
وقبل وصول أبو زين العابدين إلى منطقة الهدف تم التوقف لأداء صلاة الفجر وشرح خطة الاقتحام وباشر بإسناد الواجبات وتوزيع المهام.
وقبل شروق شمس (17 /7/2018م) وصل المجاهدون إلى منطقة الهدف الذي كان هو الآخر قد أعد كميناً محكماً محصوراً في طريقٍ بين تبتين، وفاجأهم العدوّ بإغلاق الطريق بالحجارة الكبيرة وجذوع الأشجار، وقبل أن يهم السائق للنزول لإزالة الأحجار بدأ العدوّ بالهجوم من الجوانب والأمام، وانهالت الرصاص من كُـلّ الجهات، فترجل الجميع على صيحات أبو زين الذي يأمرهم بأخذ مواقعهم للقتال والاشتباك.
وفي جوٍ صاخب بأزيز الرصاص ينطلق أبو زين محفزاً أفراده بادخار الذخيرة وعدم الرد إلَّا على مصادر النيران.
وبينما هو يمضي زاحفاً نحو التبة على يمينه والقريبة منه والتي كان يتمركز فيها عنصر إرهابي كان أخوه الأكبر عمار يغطيه برشقات من بندقيته، حتى وصل أبو زين إلى مسافة صفر مع العدوّ في التبة، وبالفعل تمكّن من إرسال طلقة اخترقت رأس العنصر، مرسلةً إياه إلى الجحيم.
أخذ أبو زين العابدين معدل الشيكي الذي كان بحوزة العدوّ، وبدأ يمشط مصادر النيران؛ كي يخفف الضغط على طقم الأمن المركزي كي يتقدم الأفراد نحو التبة الأُخرى في عملية التفاف، وبمُجَـرّد خروج الطقم عن الطريق الأسفلتي حتى أعطبه لغماً أرضياً أَو عبوةً ناسفة كانت قد زرعتها الخلية الإرهابية في وقتٍ سابق، وتفرق الأفراد، فمنهم من صعد إلى جوار أبو زين العابدين ومنهم من ظل متستراً خلف الطقم المعطوب.

كان أبو زين العابدين واسع العلاقات ودائم الاتصال بالمجاهدين في مختلف القرى والمناطق التي تشكل تهديداً للأمن والاستقرار والسكينة العامة، وهنا في الأثناء تواصل مع بعض المجاهدين في القرية القريبة لإسنادهم معلماً إياهم بالموقف، وانطلق مُشيراً على صديقه حسين منصور الهياشي القريب من التبة اليسرى كي يلتف حولها، انطلق المجاهد حسين في عملية التفاف، وقبل أن يغيب عن ناضري صديقه العزيز محمد أبو زين باشرته طلقة قناص متخفٍّ ومحصَّن بشكلٍ عملي في داخل العبارة القريبة، إذ كان العدوّ قد جهز نفسه لكل الاحتمالات، صاح أبو زين لصديقه الذي ارتقى شهيداً على إثرها، فتقدم أبو كتاف العقبي محاولاً انتشال جثة رفيقة غير أن طلقة ثانية صادرة عن نفس القناص أصابته في الرأس فارتقى شهيداً، وبعدها تقدم أبو زين العابدين بعد أن نزل مهرولاً من التبة الأُخرى مع رفيقه أبو حرب العياني باتّجاه الجثتين كان أبو زين قد وجه أبو حرب بأنه سيزحف لانتشال الشهيدين بينما هو يتعامل مباشرةً مع القناص أثناء إخراج رأسه ومحاولة الإطلاق عليه.
وبالفعل تقدم أبو زين كطعمٍ، فخرج القناص الذي فاجأه أبو حرب بطلقةٍ في الرأس أرداه قتيلاً، لكن ما زال هناك قناص آخر بين أشجار القات نالت رصاصته من قلب أبو زين العابدين، الذي ارتقى على إثرها شهيداً، وصاح أبو حرب العياني بالجميع: “أبو زين استشهد، وحاول سحب جثث الشهداء الثلاثة غير أنه أُصيب بطلقةٍ رابعة ارتقى جوارهم شهيداً”.
فيما اندفع ثلاثة من المجاهدين صوب الجثث المكشوفة على مزرعةٍ للقات والمنزل المقصود، قام الأفراد البقية بالتغطية على عمار حجر الذي استطاع بصُعوبة بالغة من انتشال الجثث الأربع إلى فوق طقم أبو زين العابدين، وقرّر الجميع الانسحاب بعد استشهاد قائدهم ومع وصول المجاهدين من القرية فرت العناصر التكفيرية تاركين قتلاهم وراءهم.
وقبل ظهر ذلك اليوم خرجت القنوات الفضائية التابعة للعدوان بإعلانها واستبشارها في نبأ استشهاد أبو زين العابدين حجر، والذي وصفه الإعلام المعادي بالقول على قناة الحدث السعوديّة والمذيعة منتشية: “مصرع القيادي البارز في جماعة الحوثي أبو زين حجر، وبذلك طويت صفحته إلى الأبد”، وإن كانت وسائل الإعلام المعادية قد زعمت بطي صفحة أبو زين ورفاقه إلَّا أن اليمن ولَّادةٌ بأبنائها العظماء وشهدائها الأبرار سيظلون شاهداً حياً على كُـلّ البطولات والمآثر التي اجترحوها عن إيمَـانٍ وصدق تولٍّ وحب لليمن الأرض والإنسان، فسلامٌ من الله على هذا الشهيد البطل وعلى سائر الشهداء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com