هم الأحياء..بقلم/ د. فاطمة بخيت

 

آثروا الحياةَ الباقيةَ على الحياة الفانية، انطلقوا بصدقٍ وإخلاصٍ مع خالقهم، شَرَوا منه أنفسهم وأرواحهم، سالت دماؤهم الطاهرةُ على تراب هذه الأرض الطيبة فروت تربتَها وأنبتت أشجارَ النصر والتأييد وأثمرت عزةً وكرامة، حتى أصبحت ذكراهم محطةً نستلهمُ منها الدروسَ والعبر.

لقد لفتت تضحياتهم أنظار العالم الذي أصبح ينظر إلى هذا الشعب نظرة إعزاز وإجلال لعظيم ما سطّره من بطولات ستُخلَّد على صفحات التاريخ البيضاء جيلاً بعد جيل، وستتعلم منه الأجيال المعنى الحقيقي للحياة، وكيف تواجِهُ قوى الطاغوت والضلال، وترفُضُ أنواع الظلم والفساد مهما بلغ حجمُ التحديات والمعاناة.

إنّها ليست ذكرى عابرة تمر علينا كُـلّ عام، بل ذكرى حية في قلوبنا تزداد وهجاً في هذا الشهر من كُـلّ عام، لتكون لهم محطة تختص بهم دون غيرهم، لتخلد ذكراهم، كأقل واجب تجاه ما قدموه، وتقدم لنا دروساً نتعلم منها الصبر والثبات على الطريق الذي سلكوه والنهج الذي اختاروه، فتجسدت فيهم أرقى النماذج في البذل والعطاء، ليتبوَّؤوا مكانةً مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، حتى أصبحت كُـلّ أسرة تفاخر أن لديها شهيداً ضحى بروحه دفاعاً عن الدين وعن تراب هذه الأرض، ولم يقبل بحياة الذل والهوان والخضوع للمعتدين والمحتلّين، ولم يتأثر بترغيب أَو ترهيب، وظل شامخاً ثابتاً مقاوماً حتى لقي الله شهيداً.

لقد كان لأُولئك الرجال الصادقين بالغ الأثر في أسرهم وفي محيطهم الذي عاشوا فيه؛ لما تحلوا به من كرم الأخلاق وعالي الصفات، حتى أصبح من عرفهم يقطع على نفسه العهود أن يسير على خطاهم وأَلَّا يحيد عن نهجهم، فأصبحوا قُدوةً لغيرهم ممن سلك الطريق ذاته.

ثقافةُ الجِهاد والاستشهاد غدت جزءاً من ثقافة هذا الشعب بفضل الله ثم بفضل المسيرة القرآنية التي عرّفت الناس معنى الانطلاقة في سبيل الله والعمل لمرضاته، ليكون رضوانه تعالى أسمى غاية يسعى إليها الإنسان في هذه الحياة، دون أن تثنيه التحديات والمعاناة التي يعانيها في سبيله، بل قد يراها متعة؛ لأَنَّها في سبيل الله لا في سبيل أحد سواه، لتهون كُـلّ معاناة وألم في سبيله تعالى.

وستظل هذه الثقافة جزءاً من هُــوِيَّة يمن الإيمَـان والحكمة الذي قدم وما زال يقدم التضحيات ويقدم قوافل الشهداء، حتى يحقّق اللهُ له النصرَ ويكتُبَ على يديه تحريرَ كُـلّ شبر من تراب هذه الأرض، وتحريرَ كُـلّ المقدسات الإسلامية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com