العملُ الطوعيُّ في الخطاب الإمبريالي..بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني

 

طالما حمل الخطاب الإمبريالي عدداً من المفاهيم والسلوكيات الإنسانية، ليقدم نفسه من خلالها، ويجعلها دليلاً على سبقه الحضاري ورقيه الإنساني، ولعل التطوع والمبادرات والأعمال الطوعية، أبرز تلك المفاهيم والسلوكيات، التي بلغ بها مرتبة الترف الحضاري، متجاوزاً سلم القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، مدعياً حالة متقدمة جِـدًّا من المثالية، لم يجرؤ أفلاطون – نفسه – على التفكير فيها.

كان التطوع في الخطاب الإمبريالي، صورة أُخرى من صور الهيمنة، وإعلاء شأن الذات، وتكريس دونية الآخر مطلقاً، ولم تتوقف ممارسة التطوع، في مجالات التنمية والوعي المجتمعي، والارتقاء بالفرد والمجتمع فكرياً واقتصاديًّا، نظراً لتحقّق السيادة الاقتصادية التنموية والفكرية، مسبقًا حسب زعم تلك القوى الإمبريالية، التي وجهت الأعمال الطوعية والمبادرات الفردية والجمعية، نحو الاهتمام بحقوق الحيوانات، والمبادرة في تأمين السكن والغذاء اللائقين، للقطط والكلاب المشردة، والعمل على توفير كُـلّ أسباب السعادة والرفاهية لها، وتجنيبها سماع الأخبار التي قد تؤثر سلباً على نفسيتها، أَو المشاهد الصادمة، التي قد تحتوي على العنف أَو العنصرية ضدها، وكل ما من شأنه تعكير مزاجها أَو إصابتها بحالة اكتئاب لا سمح الله.

ذلك؛ لأَنَّ كُـلّ حقوق الإنسان لديهم، أصبحت من البديهيات المفروغ منها، وكل وسائل الراحة والرفاهية للإنسان، قد حصل عليها وزيادة، ولم يعد في بال الإنسان الغرب أُورُوبي، ما يقلقه غير إسعاد تلك الحيوانات، والتطوع في مجال المطالبة بحقوقها، وضمان حياة كريمة لها ولأولادها، ليكتمل بذلك النموذج الحضاري الإمبريالي المتعالي، والغريب أن تلك الخدعة الإمبريالية، قد انطلت على كثير من الناس، في المجتمعات المتحضرة والمجتمعات المتخلفة على السواء، حَيثُ سارع كثير من الأغبياء إلى تبني تلك المبادرات، والقيام بتلك الأعمال، لإثبات التفوق الحضاري لديهم، ولاكتساب المعطى الحضاري، في مجتمعاتهم، وبذلك أثبت الفكر الإمبريالي، أنه ما زال قادراً على قيادة القطيع، وإحكام سيطرته وهيمنته على جميع الشعوب، وخَاصَّة الشعوب العربية والإسلامية، من خلف البحار والمحيطات، متجاوزاً لآلاف الأميال، والجغرافيا الشاسعة الفاصلة، ليعود عدو الأمس في ثياب صديق اليوم، ويمارس من خلال مشروعه الحضاري المزعوم، وتفوقه التكنولوجي الزائف، مهنة القتل والتسلط ذاتها، التي لا يجيد سواها، ومن خلال استراتيجية التحكم والتلاعب بالعقول، استطاع لفت الأنظار عن جرائمه ومخطّطاته الاستعمارية، وتحويل الاهتمام الجمعي نحو القطة (لوسي) التي بلغت سن الزواج، واحتارت في اختيار الزوج المناسب، بين عشيقها (بسبس) الوسيم، وابن خالها (نونو) الجميل، وقد نتج عن حيرتها أنها فكرت في الهروب والتشرد مجدّدًا.

وبهذا المستوى من التسفل والانحطاط، صنعت قوى الهيمنة والاستكبار، مسارات اشتغال العقل وأطر التفكير، التي لا يُسمح لأحد بتجاوزها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com