العربُ بين شرف المسؤولية وخطورة التفريط

 

المسيرة| يحيى المحطوري

ليست المثليةُ أولَ جريمة فساد أخلاقي ينشرها الأمريكيون وليست الأخيرة، فالتوجُّـهُ اليهودي الساعي في الأرض فسادًا لن يتوقف عند حَدٍّ.

لكننا حين نقرأ أن أمريكا فرضت قوانينَ المثلية وضغطت على أنظمةِ أكثرَ من سبعين دولةً لتبنيها، رغم رفض الشعوب لفكرة الشذوذ أصلاً لتنافيها مع فطرة الله التي فطر الناسَ عليها ولتجريمها في كُـلّ الأديان السماوية عبر تاريخ البشرية.

(عندما نقرأ كُـلَّ ذلك، ثم لا نغضَبُ، ثم لا نعمل أن يكون لنا موقفٌ أمام كُـلّ هذا الباطل القبيح، فلسنا بعيدين عن أن نكون شُركاءَ في المسؤولية عن انتشار هذا الفساد.

إذن فمن الذي يتحمَّلُ مسؤوليةَ أن يوقفَ اليهودُ عند حدودهم حتى لا يملؤوا الأرض بالفساد؟

هم المسلمون هم العرب، العرب بالذات هم الذين كان يُراد منهم أن لا يفسحوا المجالَ أمام اليهود ليفسدوا البشرية كلها، أن يسبقوا هم بنور الإسلام إلى بقاع الدنيا قبل أن يسبق اليهودُ بفسادهم في الدنيا كلها.

إذن فكُلُّ فساد جاء من قِبَل اليهود في الدنيا كلها العرب شركاءُ معهم فيه؛ لأَنَّهم قصروا، وهم مَن أفسحوا المجال بتفريطهم في مسؤوليتهم بالنهوض بدين الله حتى تمكّنَ اليهودُ من أن يسيطروا في العالم ويُفسِدوا العالم، ثم يهيمنوا على المسلمين، ثم يستذلوا المسلمين ثم يستذلوا العرب.

وهكذا وجدنا أنفسنا تحت أقدام اليهود والنصارى.

الكثير الذين لا يعرفون وضعيتَنا هذه، ولا يعرفون أين موقعُنا أمام الله سبحانه وتعالى.

إنه موقعٌ تحت موقع اليهود والنصارى، إن كنتم تفهمون هذه، تحت اليهود والنصارى؛ لأَنَّنا أضعنا، والزيدية بالذات تقع المسؤولية الكبرى عليهم أكثر من غيرهم، هؤلاء الذين نتحدث معهم ثم يستغربون كُـلَّ ما نقول، الذين نتحدث معهم ثم يروننا نتحدث عن شيء لا أَسَاس له؛ لأننا أصبحنا الآن نعيش في حالة من التّيه كما عاش بنو إسرائيل.

بنو إسرائيل عاشوا بعد أن قال لهم نبيهم موسى: {ادْخُلُوا الأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21) فرفضوا.

قالوا في الأخير: {فَاذْهَبْ أنت وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: من الآية24)

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أربعينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض} (المائدة:26).

عندما ترى نفسَك أنك لا تتعقَّل ما يقال لك، أنك لا تهتم بما يُطرح أمامك، أنه لا تثيرك الأشياءُ هذه التي تشاهدها في الساحة العالمية فاعلم بأنك تائهٌ، أنت واحدٌ من التائهين، أنت واحد ممن ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

نحن عندما فرَّطنا في مسؤوليتنا كعرب، ونحن عندما فرّطنا في مسؤوليتنا كزيودٍ أصبحت جريمتُنا أكبرَ من جريمة اليهود والنصارى). من ملزمة لا عذر للجميع أمام الله.

وفي ملزمة خطورة المرحلة: (أليس هذا شرفاً عظيماً للعرب؟ ألم يُمنح العرب أكثر، وأعظم مما مُنح بنو إسرائيل؟

منحهم في لحظة واحدة أكثرَ مما مَنح بني إسرائيل.

كتاباً هو مهيمنٌ على الكتب كلها، بين أيديهم، وبلغتهم، يحملون رسالته.

ونبي هو سيد الرسل، وخاتم الرسل.

ودينه أعظم الديانات، للدنيا إلى نهاية أيامها، وإلى آخر أيامها.

أليس هذا أعظم مما آتى بني إسرائيل؟.

إنه شرفٌ عظيمٌ، شرفٌ عظيمٌ للعرب، شرفٌ عظيمٌ لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) شرف عظيم لآل محمد،

ألم يقل اللهُ سُبحانَه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف44) شرفٌ عظيمٌ أن كان الإسلامُ بكتابه، ونبيه نزل بلغتنا، وبعث بين أظهرنا، ومن أنفسنا.

ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران110)

كنتم أيها العرب -وإن كان البعض يفسرها بالنسبة للمهاجرين، عندما انطلقوا إلى المدينة- هي جاءت بعد الحديث عن آيات حول بني إسرائيل وهو يتحدَّثُ عن تأهيل المؤمنين ليكونوا في مستوى المواجهة، يذكِّرهم بمسؤوليتهم أنها مسؤولية عالمية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أخرجت للناس جميعاً.

فنحن عندما فرّطنا كعرب في هذا الشرف العظيم، عندما فرّطنا كعرب في هذا الرسالة العظيمة التي كان المراد أن نكون نحن من نحمل شرف حملها إلى الآخرين في مختلف بقاع الدنيا.

وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا صفوة هذه الأُمَّــة، الزيدية.

وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا نحن عترة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

نحن فرطنا في مسؤولية كبيرة، أتاحت الفرصة لليهود أن يتحَرّكوا هم، وبمختلف الفئات الضالة والمضلة في هذه الدنيا، أن تتحَرّك هي فتمتلئ الدنيا فساداً، وظلماً، ويكون الباطلُ هو الذي يسود، ويكون الفساد هو الذي يحكم، وهو الذي ينتشر، وهو الذي يمتلك القوة، ويمتلك الهيمنة.

أنا أعتقد أنه لولا أن هناك مسؤوليةً جسيمةً جِـدًّا علينا أَدَّى التفريط فيها إلى أن يصبح التفريطُ ذلك جريمةً أعظمَ مما عليه الآخرون لما استحقينا أن نكونَ تحت أقدام من قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

أليس العرب الآن أذلَّ من اليهود؟

أليس العرب الآن أذلَّ من النصارى؟

أولسنا نحن الزيدية، ونحن أهل البيت أذل العرب؟

حقيقة.

عندما نتأمل نجد أنفسنا في وضعية سيئة ومخزية لماذا؟؛ لأَنَّنا فرطنا في مسؤولية كبيرة، فرطنا في شرف عظيم، أعرضنا، أهملنا).

وفي سياق الحديث عن طبيعة الصراع في مواجهة أهل الكتاب في الدرس الرابع من دروس آل عمران: (كلام مهم أيضاً يدفع هذه الأُمَّــة إلى أن تنطلق فعلاً في ميدان العمل، وفق ما هداها الله سُبحانَه وتعالى إليه، في مجاهدة أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، من يشكلون أعظم خطر على البشرية؛ لأَنَّهم كما قال الله عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً} (المائدة: من الآية64).

فنرى كيف اجتمعت عمليةُ الدفع بالناس، الدفع بالمسلمين، بالعرب، بأهل البيت.

وتجد المسؤولية أَيْـضاً على درجات الأولوية داخل هذه الأُمَّــة.

العرب يتحملون مسؤولية كبيرة أعظم من غيرهم.

أهل البيت وشيعتهم يتحملون مسؤولية كبيرة أعظم من غيرهم.

أهل البيت بالذات يتحملون مسؤولية كبيرة أعظم من غيرهم.

حينما نتأمل نجد من خلال هذه الآيات ثلاثة عوامل مهمة للدفع بالناس إلى أن ينطلقوا، إلى أن يهتموا بالقضية.

في البداية: ذكَّر بخطورة القضية، الخطورة البالغة، التي تصل بالناس إلى درجة أن يكفروا، أن يكفروا بالله وبرسوله من حَيثُ لا يشعرون.

الشيء الثاني: خطورة إذَا لم يعملوا على تأهيل أنفسهم، ليكونوا بمستوى المواجهة، الخطورة البالغة، بالعذاب العظيم، عندما قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105).

الدافع الثالث: تذكير الله لنا بأنه هو سيهيئ الأجواء التي يمكن أن تفتح انفراجات كبيرة أمام العاملين في سبيله، في هذا الميدان، كما يقول: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:108- 109).

العامل الرابع: التذكير بالنعمة والمسؤولية الكبرى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: من الآية110)

أليس هذا وسام شرف عظيم جداً؟

أنتم من أنيط بكم حمل هذه الرسالة.

أن تتحَرّكوا فعلى أيديكم تُطهَّرُ الأرضُ من فساد مَن يسعون في الأرض فساداً، وعلى أيديكم يتم إعلاء كلمة الله، على أيديكم يكون إصلاح عباد الله.

فضيلة السبق فضيلة عظيمة.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

مقارنة بالأمم الأُخرى، في ذلك العصر، وفي هذا العصر.

مسؤوليتكم تتمثل في هذا.

الاصطفاء لا يأتي لمُجَـرّد الاصطفاء إنما يناط به مسؤولية كبرى.

الاختيار لا يكون لمُجَـرّد الاختيار، إنما يناط به مسؤولية كبرى، مسؤوليتكم هي: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية110)

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو إطار واسع، يشمل العمل في كُـلّ مجالات الحياة، في سبيل إعلاء كلمة الله، وتطهير الأرض من الفساد والمفسدين).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com