تُجَّـارُ الأبد..بقلم/ احترام المُشرّف

 

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) من سورة التوبة- آية (111).

يقولون لماذا تحيون ذكرى الشهداء، وهل نحن إلا بهم مذكورون وبفضلهم موصوفون وهل بمقدورنا أن نحصيَ فضائلهم أَو أن تستكمل الأبجدية مناقبهم؟! هم وما أدراك من هم وما هي صفاتهم، إنهم رجال الرجال الذين أحسنوا التجارة والبيع مع الله، إنهم نجوم الأرض المزروعة في روضات الشهداء من بفضلهم نزهو على الأعداء بعزة الكرامة التي منحونا إياها وبأمان جادوا بأرواحهم لكي يهبوه لنا، وبشموخ وانتصار صنعوه لنا، إنهم الكرماء بل أكرم الكرماء وكيف بمن جاد بمهجته وبذل روحه أن يكون له نظير بالكرم إلا من كان مثلهم وفي دربهم.

ومهما كتبنا عنهم ووصفناهم يظل ما كتبناه قليلاً في حقهم، وعندما نحيي ذكراهم فهذا فيه خيرٌ لنا نحن الذين ما زلنا نتوه ونغتر بدار الغرور ونتجاذب عليها وتلهينا وتخدعنا وننخدع بها وقد علمنا بأنها فانية فانٍ من عليها إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، ومن هنا كان في إحياء ذكرى الشهداء خيرٌ كَبيرٌ لنا وكأنهم يقولون لنا خيرنا عليكم ونحن أحياء بينكم بالذود عنكم وحمايتكم وخيرنا عليكم ونحن شهداء بإحياء ما مات من قلوبكم وتلين قسوتها..

إنهم فعلاً تجار الأبد الذين تجارتهم في نماء وتزايد في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنهم من نفخر بهم ونعلم بأننا صغار بجانبهم وأما عن أُمهاتهم فماذا عسى أن نقول عنهن، إذ كيف نستطيع أن نصفهن فمنهن من بذلت فلذت كبدها وزرع فؤادها ووهبته في سبيل الله فهي العظيمة وهي الكريمة وهي من ستحشر إلى جانب سيدات نساء العالمين.

إن الشهداء غادروا بعد أن حملونا أمانة ألا نضيع جهادهم وتضحياتهم وألا نبيع برخص ما دفعوا أرواحهم فداءً له، وألا نفرط بما تركوا أُمهاتهم ثكالى، وأولادهم يتامى، وزوجاتهم أرامل لأجله، إنه الوطن الأغلى والأبقى من كُـلّ شيء، إنه تراب الأرض الذي لا يحق لمن فرط فيه ولم يسقيه من دمه أن يدفن فيه، إنه الوطن الذي من خانه فقد خان أهله وعرضه وشرفه وخان الأمانة التي تبرأت من حملها السماوات والأرض والجبال، إنه الوطن الذي من فرط فيه فقد فرط بكل شيء ولم يعد يملك شيئاً أَو يساوي شيئاً.

الوطن الذي في سبيله امتلأت الروضات بالشهداء، إنه الوطن وصية الآباء للأبناء وعهد الشهداء للأحياء ولهذا ومن أجل هذا نحيي ذكرى الشهداء لنحيي بهم وبذكرهم الولاء للوطن والتضحية للوطن الذي ترابه طاهرٌ مزكَّى بدماء شهدائه.

السلام على الشهداء، والسلام على أُمهات الشهداء والسلام على أوطان الشهداء والخزي والعار لمن خان وطنه وخان دماء الشهداء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com