باحثون وخبراء سياسيون وعسكريون لصحيفة “المسيرة”: زيارة السفير الأمريكي إلى حضرموت استخباراتيةٌ عسكرية بعد فشل مخطّطات العدوان على اليمن

الأصبحي: مساعي واشنطن حثيثة لوضع اليد على منابع الثروة وإخضاع البلد وتجريد الشعب اليمني من حقوقه في أرضه ومقدراته

القدسي: زيارة وتصريحات السفير الأمريكي توضح قلق أمريكا المتزايد من فشل مخطّطاتها بعد أن أصبحت قوة الجيش واللجان الشعبيّة هي صاحبة القرار

عثمان: توسيعُ دائرة الوجود العسكري لإحكام السيطرة الكاملة على السواحل الجنوبية الشرقية لكلٍّ من المهرة وحضرموت وشبوة وُصُـولاً إلى عدن وباب المندب

 

المسيرة – محمد الكامل

تحوّلت المحافظاتُ اليمنيةُ الجنوبية والشرقية الواقعةُ تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعوديّ إلى مسرحٍ للتواجد العسكري الأمريكي البريطاني، في ظل تحَرّكاتٍ مكشوفة تخدم أجندة العدوان الحقيقية على اليمن.

وخلال الفترة الماضية كان لافتاً وصول القوات الأمريكية إلى حضرموت وزيارة السفير الأمريكي برفقة جنرالات عسكريين وخبراء استخبارات يتبعون سي آي أيه، حَيثُ يؤكّـد عددٌ من الباحثين والخبراء السياسيين والعسكريين أن زيارة السفير الأمريكي لمحافظة حضرموت لها الكثير من الدلالات، حَيثُ تسعى أمريكا إلى عسكرة هذه المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي من جهة وضمن المحافظات الثلاث المعروفة (المثلث الأسود شبوة حضرموت مأرب) ضمن الجغرافيا الغنية بالنفط والغاز، وتوسيع التواجد في السواحل الجنوبية للجمهورية اليمنية والسيطرة عليها والتحكم بها وفق أجندة محدّدة تصب جميعها لخدمة المصالح الأمريكية والغربية.

 

محطة أولى

ويوضح الباحثُ في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان، أنه ومن خلال تقييم التوجّـه الأمريكي في هذه الظروف تجاه المناطق الجنوبية التي يحتلها عبر أدواته السعوديّة والإمارات وجحافل المرتزِقة ومنها محافظة شبوة وحضرموت وعدن والمهرة وَأَيْـضاً الجزر والسواحل الجنوبية الشرقية كجزيرة سقطرى وميون، تظهر مخطّطات ومشاريع عدوانية جديدة يجري العمل عليها أمريكياً بمستوى عالي من الاهتمام والتركيز وضمن مسار ميداني متصاعد.

ويضيف عثمان في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن عمليات إعادة نشر قوات المارينز في شبوة وحضرموت والمهرة والزيارات المكثّـفة التي تبعتها للوفود الأمريكية العسكرية (جنرالات وخبراء حرب) كانت معطيات أولية للمخطّط المرسوم.

ويتابع حديثه: “ونأخذ مثلاً محافظة شبوة وحضرموت التي تحولت بصورةٍ مباشرة إلى قواعد مفتوحة لاستقبال قوات المارينز وعمليات الإنزال الجوي والبحري المنظم التي تديره الإدارة الأمريكية لنقل مجموعات من قوات مشاة البحرية والمعدات العسكرية (قوات مدرعة ومجموعة من المعدات الخَاصَّة بالتجسس والمخابرات) وإعادة تموضعها بصورةٍ مُستمرّة في أكثر من نقطة تمركز وموقع عسكري سواءً بالقواعد البرية المستحدثة والموانئ والمطارات وغيرها”.

ويؤكّـد أن محافظة حضرموت قد ظهرت كمحطة أولى يتم تكثيف التحَرّكات الميدانية فيها وعسكرتها أمريكياً بزخمٍ كبير ومتصاعد آخرها كان وصول دفعات من القوات ووفد أمريكي مكون من السفير الأمريكي ومعه جنرالات عسكريين وخبراء استخبارات يتبعون سي أي إيه، موضحًا أن ما تخطط له أمريكا وتحاول فرضه في الجنوب وهذه المحافظات خُصُوصاً هو مرتكز على عدة أهداف جوهرية والمرتبطة بشكلٍ رئيس بأجنداتها الاستعمارية والعدوانية ونحصر منها: السيطرة على هذه المحافظات وعسكرتها أمريكياً والتحكم بها بصورةٍ مباشرة؛ كونها تشكل أهميّة وعمقا استراتيجيا وكونها ضمن الجغرافيا الغنية بالنفط والغاز (المثلث الأسود شبوة حضرموت مأرب) نظراً لاحتوائها على عشرات الحقول النفطية والغازية، وكذلك إحكام القبضة الأمنية على الثروات النفطية بشكلٍ عام وتأمين عمليات النهب المنظم لها عبر الشركات الأجنبية العاملة فيها، مُضيفاً أن توسيع دائرة التواجد العسكري لإحكام السيطرة الكاملة على السواحل الجنوبية الشرقية لكلٍّ من المهرة وحضرموت وشبوة وُصُـولاً إلى عدن وباب المندب وتثبيت السيطرة الأمنية على خطوط التجارة الدولية والملاحة البحرية الممتدة من البحر العربي جنوباً إلى باب المندب والبحر الأحمر غرباً والذي يعتبر ضمن أهم الأولويات والأهداف الاستراتيجية لأمريكا.

ويزيد بالقول لذلك فما تحاول أمريكا تمريره اليوم في الجنوب عُمُـومًا أَو شبوة وحضرموت هو مخطّط عدواني وتصعيد لا يتوقف عند التقديرات التي يفترضها البعض، فأمريكا التي تقود العدوان على اليمن منذ 2015م ملقيةً بأفتك أسلحتها للسيطرة على اليمن ونهب ثرواتها ما زالت تتحَرّك وتخطط اليوم لنفس الأهداف ولكن هذه المرة بطريقةٍ مباشرة أكثر استفزازاً وأكثر وقاحةً وجرأة.

 

قلقٌ أمريكي

من جانبه يؤكّـد الخبير العسكري العميد نبيل القدسي، أن السياسة الأمريكية تعيش حالةَ ضعف وتخبط وفشل على مستوى الصعيد العالمي وهي مؤشر لإخفاقات كبيرة نتيجة الغطرسة المفضوحة بالأطماع الأمريكية في الاستحواذ على مقدرات الشعوب الحرة.

ويوضح القدسي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن الداخلَ الأمريكي يمُرُّ باحتقانٍ سياسيٍ متزايد وركودٍ اقتصاديٍ مؤثر على قوة الاقتصاد الأمريكي وخَاصَّةً بعد ارتفاع أسعار الطاقة وتذمر الشعوب الأُورُوبية من الحرب الأوكرانية الروسية التي تغيرت بفعلها اقتصاديات الدول الأُورُوبية وبدأ يكتوي بها الشارع الأُورُوبي وكل ذلك نتيجة السياسة الأمريكية، مُشيراً إلى أن تصريحات السفير الأمريكي في حضرموت هي فقط لتجميل الوجه القبيح للإدارة الأمريكية وبنفس الوقت هي لرغبة واشنطن في طمأنة مرتزِقتها في المنطقة من مهلكة آل سعود والإمارات وكذلك مرتزِقتها في اليمن.

ويضيف: “فبعد تشظي مرتزِقة أمريكا داخل اليمن وظهور ذلك بالاقتتال الداخلي والاغتيالات المتبادلة واحتدام الصراع بين فصائل مرتزِقة السعوديّة والإمارات والسقوط المدوي لقوة تحالف العدوان والانتكاسات العسكرية الكبيرة لقوى العدوان وهشاشة حماية العمق السعوديّ والإماراتي أمام الضربات القوية للجيش واللجان الشعبيّة وتساقط كُـلّ أوراق العدوان وانفضاح الأطماع السعوديّة الإماراتية إلى العلن أتت تصريحات السفير الأمريكي لتوضح قلق أمريكا المتزايد من فشل مخطّطاتها بعد أن أصبحت قوة الجيش واللجان الشعبيّة هي صاحبة القرار وهي من يمتلك اليد الطولى للحفاظ على سيادة اليمن ومصالحه وثرواته النفطية”.

 

زياراتٌ استخباراتية

بدوره يؤكّـدُ الباحث والمحلل السياسي الدكتور أنيس الأصبحي، أن زيارات السفير الأمريكي المتكرّرة لمحافظة حضرموت والتي تتجاوزُ المهامَّ الدبلوماسية إلى الاستخباراتية والعسكرية أكبر المحافظاتِ اليمنيةِ مساحةً وأغناها ثروةً، والمتتبعُ لنشاطِ وزياراتِ المسؤولينَ الأمريكيين بأبعادِها الأمنيةِ والاقتصاديةِ تأكيد وإثبات مساعي واشنطن الحثيثةِ لوضع ِاليدِ على منابع ِالنفطِ والثروةِ بعد سنواتٍ من دعمِ تحالفِ العدوان لإخضاع البلدِ وتجريد الشعب اليمنيِّ من حقوقِه في أرضِه ومقدراتِه، وُصُـولاً إلى تجريمِ الدفاعِ عن النفس أمام آلاتِ القتلِ والتدميرِ والتجويعِ.

ويشير الأصبحي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن الأطماع الأمريكية جعلت محافظة حضرموت تحتل واجهة اهتمام الإدارة الأمريكية المتعاقبة، والتي أظهرت اهتماماً استثنائيًّا بمحافظة حضرموت ليس منذ بدء العدوان على اليمن في العام 2015م بل منذ العام 2011م وهو ما بدا جليًّا من خلال الزيارات المتكرّرة للسفير الأمريكي لحضرموت وتدخلاته في أمورها، موضحًا أن هذه الزيارة امتداداً للزيارات السابقة التي قامت بها القوات الأمريكية عندما تم كشف الانتشار العسكري للقوات الأمريكية وظهور جنود أمريكيين ترافقهم كلاب بوليسية ومدرعاتٌ في شوارع غيل باوزير بمحافظة حضرموت المحتلّة في 2021م.

ويؤكّـد أن عدداً كبيراً من الجنود الأمريكيين يتمركزون وينتشرون في حضرموت مع قوات كبيرة من المدرعات والأسلحة والمعدات العسكرية والاستخبارية، منوِّهًا إلى أن المعلومات تكشف عن وجود طائرات متعددة، وتسجل المصادر رحلات عسكرية أمريكية شبه يومية من مطار الريان ذهاباً وإياباً، بعدما حولته القوات الأمريكية إلى قاعدة عسكرية محتلّة.

ويوضح بقوله انتشرت قوات من البحرية الأمريكية في مدينة غيل باوزير مدججة بالكلاب والمدرعات والأسلحة والكاتمات، ونصبت يوم 13 أُكتوبر نقاط تفتيش وحواجز مسلحة في شوارع وطرقات المدينة وقامت بتفتيش السيارات والمارة من المواطنين.

ويضيف وترجمةً لتوجّـهات واشنطن وسيناريوهاتها التوسعية، تحولت مدينة المكلا خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى محطة رئيسية للأمريكيين، ووجهةٍ لتحَرّكاتهم المكثّـفة والمتلاحقة قام بها أمريكيون خلال الفترات الماضية إلى حضرموت التي استقبلت وفوداً أمنية وعسكرية أمريكية، أظهر الأمريكيون خلالها أنهم ليسوا في حاجة لأخذ الإذن أَو حتى إبلاغ حكومة المرتزِقة.

ويؤكّـد أن الأطماع الأمريكية في محافظة حضرموت ليست وليدة اليوم، بل ظهرت منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، والتي بدأت ترجمتها من خلال إرسال شركات للتنقيب عن النفط بالتعاون مع المستعمر البريطاني في جنوب اليمن، وفي مقدمة تلك الشركات شركة “بان أمريكان” والتي أعلنت في العام 1961م وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، موضحًا أن إعلان الشركة النفطية أثار الأطماع الأمريكية، فوجهت السعوديّة، التابع الأكثر ولاءً لها، للعمل على ضم وإلحاق منطقة ثمود النفطية بأراضيها، وهو الأمر الذي عزز رغبة السعوديّة في ضم المديرية إليها ودفعها لاختلاق خلافات بين أبناء تلك المناطق اليمنية.

ويتابع الأصبحي حديثه ووفقاً للمصادر التاريخية، فقد أوعزت الرياض لتجار حضرموت الحاملين للجنسية السعوديّة، القيام بعملية شراء أراضٍ واسعة في ثمود، وبعد ذلك حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهة القومية عام 1967م.

ويضيف “العقود الماضية وقفت السعوديّة عبر أياديها المختلفة أمام عدم استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها وأن أوقفت كافة أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شروره وحضرموت طيلة العقود الماضية، وها هي اليوم تعود إلى المحافظة وتعيد معها أمريكا وأطماعهما في السيطرة على حضرموت”.

ويشير إلى أن حالةَ اللا سلم واللا حرب، والمراوحات الجارية في مفاوضات الحل السياسي ما هي إلا محاولات لصرف الأنظار عن قطف الولايات المتحدة لثمار العُـدْوَان السعوديّ الأمريكي، بالشروع في تنفيذ مخطّطات انتشار قوات الاحتلال الأمريكي في المحافظات الجَنُـوْبية، وَتحقيق الهيمنة العسكرية عليها، من خلال إنشاء غرف عمليات مركزية تابعة للجيش الأمريكي في محافظتي حضرموت ولحج، تمهّد الطريقَ لمشروع القاعدة العسكرية الأمريكية في محافظة أرخبيل سقطرى.

ويؤكّـد أن سلطات الاحتلال في المحافظة تتحمل مسؤولية الانتهاكات الأمريكية للسيادة الوطنية والتواطؤ مع تلك الممارسات الانتهازية والتدخلات الأمريكية في شأن المحافظة والتي تتناقض مع الأعراف والقوانين الدولية، مُضيفاً وندعو إلى إدراك المخاطر ومواجهة المؤامرات الأمريكية والبريطانية والسعوديّة، ونؤكّـد وقوف الجميع مع أحرار حضرموت لإسقاط الأجندة الاستعمارية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com