“الشيطانُ السياسي” في استضافة قطر لكأس العالم..بقلم/ عباس الجمري*

 

أصبحت الرياضةُ سلاحاً ناعماً في يد الدول، وخُصُوصاً ذات الطابع الدولي، إذ تعد مصنعاً للترويج والسمعة، وجاذباً للإعلام، ومنمياً للاقتصاد وتسويق العلامة التجارية، ولو لم تكن ذات صيت.

مورست ضغوط كثيرة على قطر عنوانها كأس العالم، بعض تفاصيلها ما قيل إنه تمييز ضد بعض الفئات، في إشارة إلى موقف الدوحة من المثليين، لكن هل وراء الأكمة الإعلامية أذرع سياسية تتخذ من هذه الذرائع وشاحاً تغطيها، وفي الوقت نفسه تضغط على أهم حدث عالميًّا في هذا الوقت، وهو كأس العالم، الذي يؤثر بطبيعة الحال اقتصاديًّا وتنموياً في البلد المضيف، ويضعه في تموضع مهم من حَيثُ المكانة والمقبولية، سواء على مستوى السياحة أَو الاستثمار أَو السياسة؟

صحيح أنَّ لوبيات المثلية في الغرب مارست -ولا تزال- ضغطاً لإحراز هدف ملموس ضد قطر، مثل التأثير في الفرق الهولندية والإنكليزية والويلزية ودفعها إلى التعبير عن معارضتها للالتزامات التي أعلنتها الدوحة في مراعاة التقاليد، وإعلان عزمها على ارتداء شارات تؤيد المثلية خلال مشاركتها في البطولة. كُـلّ ذلك صحيح بلا شك، لكن ثمة أسباب مضمرة لا تفوح رائحتها في واجهة الحملة الإعلامية.

 

الشتاءُ والغازُ القطري

هناك رأي يقول: لا يمكن اقتطاع حاجة أُورُوبا إلى الغاز عن هذا المشهد، وخُصُوصاً أنَّ الحملة ضد قطر غير مسبوقة، كما أن الشتاء يقرع أبواب القارة العجوز تزامناً مع نقص حاد في الطاقة وارتفاع قياسي في التضخم، وأُورُوبا التي طلبت من الدوحة شراء -في وقت سابق- حصة شركات آسيوية من الطاقة (أغلبها صينية) قوبلت بالرفض؛ لأَنَّ طبيعة عقود الغاز طويلة الأجل ولا يمكن كسرها.

كما أنَّ حصة الغاز المخصصة للعقود الفورية لا تسدّ حاجة أُورُوبا هذا الشتاء. يعضد هذا الرأي تماسكه بالقول: تزداد الأزمة الأُورُوبية بعد توقف الصين عن تسيير الغاز المسال إلى أُورُوبا لحاجة الصناعة الصينية إلى ذلك الغاز، فهل هذا الرأي سليم كلياً؟

 

النهضة والتموضع الدولي

قد تضيفِ أزمة الطاقة العالمية ضغوطاً أكثر على قطر بلا شك، لكن من المؤكّـد أنها ليست السبب الجذري في مسلسل الضغوطات الحاصلة منذ ترشّح الدوحة لنيل هذه الاستضافة عام 2010، أي قبل 11 عاماً من الآن، ما يؤكّـد أن الأزمة ليست وليدة المستجدات الحالية التي نشبت مع العملية العسكرية الخَاصَّة الروسية في أوكرانيا.

الدول التي تتسابق على الظفر بإجراء الفعاليات الرياضية الدولية تنظر إلى ما تنتجه صناعة الرياضة من منتجات اقتصادية وتسويقية ومالية، كما أن الصناعة الرياضية اليوم تدفع الدول المضيفة إلى حيثية الإنجاز والتموضع الكبير في سياقات عديدة، مثلما حصل حين تنافست قطر في 2009 مع دول كبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية، وأُخرى ذات اقتصاد ونفوذ كبيرين، كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.

وقد نشر مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس باسكال بونيفاس دراسة في تشرين الأول/أُكتوبر 2013 بعنوان “الدبلوماسية الرياضية لدولة قطر والقوة الناعمة”، قال فيها: “اعتمدت قطر الرياضة بعداً أَسَاسياً لاستراتيجية بناء الصورة الذهنية التي تتبناها كواحدة من استراتيجيات سياستها الخارجية للتعريف بها وتعزيز مكانتها في المحافل الدولية، فكانت القيادة السياسية في الدولة المسيّر الرئيس لإدارة الرياضة، وهي التي تحدّد توجّـهاتها العريضة، ولا سيما ما يتعلق بالترشح إلى المنافسات الرياضية الدولية”.

أصبحت الرياضة سلاحاً ناعماً في يد الدول، وخُصُوصاً ذات الطابع الدولي، إذ تعد مصنعاً للترويج والسمعة، وجاذباً للإعلام، ومنمياً للاقتصاد وتسويق العلامة التجارية، ولو لم تكن ذات صيت. كمثال على ذلك، يرجح اقتصاديون أن ترتفع أسهم شركة “SponixTech” القطرية؛ لأَنَّها ستشرف على بعض تقنيات المونديال، كإعادة اللقطات بما يعرف باسم “تقنية الواقع المعزز”، كما أنَّها ستشرف على الإعلانات الافتراضية، ما يغير تموضعها ويعولمها بشكل سريع.

لذلك، استثمرت قطر 220 مليار دولار لإنشاء بنية تحتية شاملة ومتينة وذات درجة استيعابية عالية لاستيعاب العدد المتوقع أثناء المونديال، وهو مليون ونصف مليون زائر في الفترة الواقعة بين 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري لغاية 18 كانون الأول/ديسمبر المقبل.

 

أولُ دولة عربية وشرق أوسطية

من خلال ما تقدم، نفهم جزءاً من الحملة الشعواء على دولة قطر، التي تُرجمت في حزمة من المقالات والتقارير التلفزيونية، تركز معظمها في الصحافة البريطانية. وقد نشرت الصحيفة الفرنسية “لوكانار أنشينيه” في عددها الخاص بكأس العالم رسماً كاريكاتورياً يصوّر لاعبي فريق قطر بأنّهم إرهابيون، ما يخرج الرياضة عن شكلانية الحيادية التي افتقدتها فعلياً مع روسيا حين عوقب القطاع الرياضي الروسي.

ورغم أنَّ قطر حليف مهم للدول الغربية، فَـإنَّ الأخيرة لم تستطع أن تخفي عنصريتها تجاه أول دولة عربية وشرق أوسطية تفوز باستضافة أهم فعالية رياضية على مستوى العالم، وخُصُوصاً أن بعض التقارير تتحدث عن بنية تحتية تتفوق على مثيلاتها في بعض البلدان التي استضافت كأس العالم مسبقًا.

كما أن الموضوع أبعد من حدود الفترة التي يقع فيها المونديال؛ لأَنَّ ثقة المستثمرين بالدولة المضيفة لهذا الحدث الكبير ستتضاعف لعدة أسباب: ستكون الدعاية والإعلام متركزين فيها، وستنتقل رؤوس أموال ضخمة إلى البنوك القطرية لغرض السياحة والاستثمار وغير ذلك، وستنشأ استثمارات جديدة بعيد المونديال لوجود بيئة مناسبة لذلك.

وبذلك، قد يفاخر العربي بأن دولة عربية تستضيف هذا الحدث المهم عالميًّا، لولا أن الدوحة فتحت المجال الجوي لكيان الاحتلال، وسهلت تنقل المستوطنين بأريحية إلى الدولة الخليجية، ما يعيد مفهوم العربي بما هو عربي ويحمل مبادئ ذات أَسَاس متين إلى الواجهة.

وبذلك كمن الشيطان العنصري في تفاصيل حملات الغرب على قطر، كما كمن الشيطان المُطبّع في حاجة قطر لفتح الأجواء للإسرائيليين لتخفيف الضغوط عليها.

* كاتب وباحث بحريني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com