الانتحاءُ الأيديولوجي..بقلم/ منار الشّامي

 

“حتى يسهُــلَ عليك إيقاعُ العدوّ شتت انتباهه واهجم عليه” استراتيجيةٌ عسكريّة يستخدمها الخبراء العسكريون في جعلِ المعركةِ ناجحة من حَيثُ قلّة الكُلفة التي تتزامن مع الإنجاز السريع، تتميّز هذه الاستراتيجية بالنتائج المثمرة؛ كونها تحصرُ العدوّ في قبضتها كلّما كان غافلًا، غير أنّ مفهومها تطوّر قليلًا ليصبحَ متاحًا لمعارك غير تلك التي تُستخدمُ فيها المعدّات العسكرية، تلك التي تهدفُ إلى غزو الفكر قبل الجسد!

“أن تريدَ أنت ما أريدُ أنا” عناوينُ برّاقة تُقدمها دراساتٌ غربيّة للتطبيقِ العمليّ حتى تنال نصيبها التطبيقيّ في أهداف مُعيّنة كخطوةٍ تالية في خِضمِّ معركةٍ شاسعة!

تصبِحُ الخطوةُ التالية لِما بعد تشتيتِ الانتباه وتوسيع آفاق الأفكار الدخيلة والمتباينة ووضعها في دوائر لا متناهية من حَيثُ الإبهام والاستغفال وانعدام الأَسَاس، هي أن يبدأ الأعداء من اليهودِ والنصارى التابعين لهم بقاداتهم الغربيّة بوضعِ خطٍّ محدود بعد إبهامٍ طويل، أي أنهم بعد جعلِ الإنسان راضخًا للأفكار التي يُقدمونها بشكلِها المُحرّف والمنحرف كالدّين الإسلاميّ وعقائده ونظرياته بالمجمل يُسلّطون الضوء على أفكارهم الهدامة بشكلٍ براقٍ وبطريقةٍ معسولة بعد رحلاتِ التشويه التي تطالُ بالعادة الإسلام بشكلٍ عام، لتشرعَ تلك الأجهزة ببرامجِها الإلكترونية ببثِّ سمومِها عبر أكوابِ العسل مكوِّنةً فكرًا جديدًا مجوّفًا.

تحَرّك العدوّ في العالمِ الرقميّ من جوانب عِدّة بعد أن كانت أهدافهُ متشكلةً على النحو التالي بشكلٍ تقريبيّ:

– تشتيت الذّهن وتشويه الفكر.

– بثّ الشكّ والريبة، وتقديم اليقين على شاكلةِ أفكار صاغتها عقولهم.

– السيطرة على الخصمِ فكريًا حتّى يُريدَ ما يُريدُ هو.

يقول الدكتور المُفكّر الشهيد علي شريعتي في كتابه النّباهة والاستحمار: فمعنى الاستحمار إذاً في تزييف ذهن الإنسان وتغيير مسيره عن “النباهة الاجتماعية” و”النباهة الإنسانية”.

ويكمنُ قصدُ الشهيد الدكتور في جعلِ العقول غافلة عن التيقّظ للمؤامرات التي تُحاكُ لنا كشعوبٍ مستهدفة وكقضايا الأُمَّــة الكبرى، وكذلك الانهيار الإنسانيّ في جعلِ الصّورةِ الدينيّة مشوّهة، فكلّما قلّ الدين قلّت الإنسانيّة!

استحمارٌ تدريجيٌّ للعقول حتى تضحو في ولادتها الجديدة راضخةً لِما تمّ إملاؤه عليها، بعد أن خُلِقَ لها عالمٌ آخر لا انسجام له مع العالمِ الواقعيّ؛ بهَدفِ إبعادِ الناس عن الأصل واقتيادهم إلى الزّيف، وهذا تحديدًا ما ذكره الدكتور نديم منصوري في كتابه “الاستحمار الإلكتروني” عندما قال: لقد أحدث الفضاء المعلوماتي تغييرات جمّة في حياة البشر، وفي طبيعة العلاقات التي تنوعت بين الإنسان والآلة، بينه وبين مستخدم آخر في الفضاء نفسه، كما ساهم في إنشاء فضاءات متخيلة لا حصر لها.

لقد فرض علينا الفضاء المعلوماتي الدخول إلى المجتمع العالمي، بثقافته الجديدة وما تحويه من اقتصاد جديد، وعادات وتقاليد ولغة ونمط عيش مختلف عن ما تربينا عليه في مجتمعاتنا الإنسانية.

دراسةٌ جامعيّة تنشرها الصحف العلميّة قبل عدّة أعوام تقولُ: إنّ 77.5 % من إجمالي الشباب العرب المسلم بات تحت سيطرة القوة الفنية الأجنبية، التي تهدفُ إلى تشتيت قدرات المقاومة وتجويف العقول وسلب الإرادَة، وعلى هذا الأَسَاس فَـإنَّهم إمّا قد يكونوا خاضعين للحضارةِ المزعومة بما فيها من انفلات أخلاقيّ في العلاقاتِ اللامشروعة بمختلفِ أنواعها والتي تُهيّجُها المواقع الإباحيّة بعد جذبِهم إليها لقلِّة الإيمان وانعدام الفِكرِ الإسلاميّ بفطرتهِ الصحيحة، وإمّا مخدوعةً بالعناوين الّلامعة التي تزعمها المنظمات الغربيّة بعد محو العقائد الدينيّة والروحيّة للإنسان وطمسِها وخلق حالة من الفراغ التي يُشبعونها بمثلِ هذه الانحرافات الفكريّة عبر آليات التفريغ والتجويف والتعبئة.

يقول كلٌّ من مارك دوغان وكريستوف لابي في كتابِهما “الإنسان العاري”: لقد استطاعت الصناعة الإلكترونية أن تُبرمج سلوك الناس وتحَرّكهم وفق ما تودّه الآلة الاستهلاكيّة، إنّهم يعرفون عنّا كُـلّ شيء: سلوكنا وعاداتنا في الاستهلاك وميولاتنا الجنسية الصريحة والخفيّة، ورغباتنا وآراؤنا في السياسية والاجتماع والايديولوجيا.

لقد تحَرّك العدوّ بفسادهِ الكبير من جوانب عدّة صبّت جامَ حقدها على الإسلام بأفكاره وعقائده السليمة، ولهذا فاليهود هم وراءَ كُـلّ انحراف فكريّ في العالم بما في ذلك المنظمات والمكوّنات التي من شأنِها إفساد الفكر الإسلاميّ ومحاربته ولو على حسابِ مصالحها كالشيوعيّة والماسونية وغيرها من الحركات التي تتبنّى العِداء للإسلام بشكل عام.

ملاحظة: يُقصَدُ بالأيديولوجيا مجمل الأفكار المتنوّعة سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، أي أنّها تحصرُ الأفكار، وعليه فَـإنَّها تشخيصٌ لما أملِكهُ أنا في موسوعتيّ الفكريّة كما تملكهُ أنت، أمّا الانتحاء فيعني المُضيّ نحو ناحيةٍ مُحدّدة، وقد اشتقّت من أصل “نحو” أي بمعنى إلى جهة، ولهُ مقامات علميّة كعمليةِ “الانتحاء الضوئيّ” في علمِ الأحياء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com