المارُّون بينَ الكلمات العابرة..بقلم/ عبد الكريم الوشلي

 

في الزخمِ الجِهادي الواعِدِ المتعاظِمِ للفعل المقاوِم لشر أعتى طغاة العصر الصهاينة وحاضنِهم الاستكباري الإجرامي العُنصري الغربي الأمريكي.. تبرز ملامحُ قويةٌ لافتة، لواقعِ صراعِ شعوب أمتنا المرير مع هؤلاء القتلة الماكرين المخادعين وعملائهم وذيولهم النابتين كالفطر السام من داخل نسيجنا الوجودي كأمَّة وهُــوِيَّة وثقافة وحضارة مستهدفة.

تلك الملامح تتضحُ أكثرَ في ضوء الوعي الأكثر نضجاً الذي بات في متناول أمتنا؛ بفعل الدروس المستخلصة من تجربة الصراع الطويلة المريرة مع الأعداء، والضوءِ المتدفق من ثنايا حركة أحرار الأُمَّــة وشُرفائها (محور المقاومة) في قلب معادلة الصراع.

ولعل من أهم ثمار التحول المرموق هنا، ما يفيد في تصويب البُوصلة التعريفية بالعدوّ، وتعرية خبايا حقائقِه التي يلُفُّها ظلامٌ تضليلي مدروسٌ متعمد ومبتكَر بعناية!

وهنا نلجُ من بوابةٍ شعريةٍ عتبةَ القصد:

“أَيُّها المارُّون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءَكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتِكم من وقتنا، وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زُرقةِ البحر، ورملِ الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صورٍ؛ كي تعرفوا

أنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجرٌ من أرضنا

سقفَ السماء”.

ما أروع تعريف محمود درويش للأعداء المحتلّين الغزاة الطغاة، ومَن على شاكلتهم..!

فهم وفقَ هذا التعريف الشعري العميق (المارون بين الكلمات العابرة).. هم الذين يمُرُّون بإجرامهم وقتلهم وتدميرهم وكلّ فواحشهم واقترافاتهم بحقِّ الشعوب المظلومة المقهورة المسحوقة تحتَ رحى إجرامهم وعدوانهم.. عبرَ الكذب والخِداع والدجل والمكر والتضليل، واللغة المستخفَّة بالعقول والحقائق والوقائع.. اللغة الخائنة لمعانيها ومدلولاتها الحقيقية.. لغة (الكلمات العابرة)، التي تسمي الأشياءَ بغير أسمائها، والتي دِينُ وديدنُ أصحابِها المعتدين أنهم “يحرِّفون الكلم عن مواضعه” كما وصفهم الله في كتابه الكريم.

ولغتُهم المزيِّفة المزوِّرة المضلِّلة الفاجرة هذه هي لغةُ (الكلمات العابرة)، التي هي كالعلاقات العابرة.. فجوهرُهما هو الخيانةُ والتعدِّي على الحقوق، والعبوديةُ للذات الأنانية العدوانية ومصالحها ورغائبها النافية لحقوق الآخرين ومصالحهم ومقدراتهم. وهذا من أبشع صور الظلم والجور التي ترتبطُ بالصور الأُخرى: الاحتلال، والقتل والتدمير، والعدوان، والسطو على الأرض والثروات والموارد.. وكُلُّها في صميمِ ممارساتِ المجرمين (المارين بين الكلمات العابرة)، الغربي والأمريكي المستكبر والصهيوني.. وأتباعهم وأدواتهم وعملائهم.

هؤلاء هم الذين سلّطوا الخرابَ والفسادَ والحروبَ والفتنَ والجوعَ، وزرعوا سرطاناتِ الفكر المفجِّر الذبَّاح المنحرف على شعوب أمتنا وأقحموها في شتى الأوضاع المأساوية المميتة.

لقد عَمَّ وباءُ عدوانهم الكوني وإجرامهم المتمادي ليس-فحسب- أرجاء هذه المعمورة، بل أطبقَ في تفشيه الوَرَمي القاتل على كُـلِّ مجالات حياة وفكر ووعي الإنسان فيها، منتِجاً أجيالاً من الأوبئة الفرعية المتناسلة المرعبة، والتي لم تسلمْ من بعضِها حتى اللغة! حيث بات عالمُنا يعاني من “خرف لُغوي” مريع تتسعُ رقعتُه باتساع جغرافيا عدوان وجرائم مبتكري فيروسه البغيض، وهم ذاتُهم (المارون بين الكلمات العابرة) الذين يسمون جرائمَهم وعدوانَهم واحتلالَهم.. تحريراً وتمدُّناً وتحضُّراً.. ويدْعون المقاومةَ المشروعة لهم ولشرِّهم “إرهاباً”! بينما يخطفون المصطلحَ ذاتَه “المقاومة” من بيته وقُدْسِ معناه الطبيعي، ليضعوه قسراً وتعسفاً في خدمةِ أقذر من ابتليت بهم الأوطان وهم الخونة وممتهنو الارتزاق لدى الغازي الأجنبي ضد أوطانهم فيصبحون بقدرة قادر “مقاومين”!.. وعلى ذلك يقاسُ الكثيرُ والكثيرُ من الشواهد على أن أُولئك الشياطين المعتدين هم، بحق، (المارون بين الكلمات العابرة)، الذين لن يكونَ مآلُهم النهائي خارجاً عن حتم المسنونِ الإلهي المقرّر في قول الله سبحانه: “إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ”..

وهذا ما يؤكّـده شاعرنا بقوله في رائعته الشعرية ذاتها: “أيها المارون ببن الكلمات العابرة.

آن أن تنصرفوا..

ولتموتوا أينما شئتم، ولكن

لا تموتوا بيننا

فلنا في أرضنا ما نعملُ

ولنا الماضي هنا

ولنا صوتُ الحياة الأول

ولنا الحاضرُ والمستقبلُ

ولنا الدنيا هنا والآخرة”..

فرحمةُ الله على شاعرنا العربي شاعر فلسطين والأمَّة.. محمود درويش.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com