الهُــدنةُ والثروة بعيون أمريكا: بيعة سارق..بقلم/ عبدالخالق القاسمي

 

يقال “هُــدنة إنسانية في اليمن”، وتتردّد هذه الجملة في وسائل الإعلام، لكن الشعب اليمني لم يرَ الإنسانية فيها.

فمن هو الشعب في العالم الذي إن قرّر السفر إلى دولة تحد بلاده يحتاج أن يسافر إلى دولة أُخرى ومن ثم من تلك الدولة إلى الدولة التي تجاور بلده؟ من هو الشعب غير الشعب اليمني الذي يقال: إن في بلاده هُــدنة إنسانية، بمعنى هُــدنة للنظر في احتياجات الإنسان وتلبيتها، وكما التنقل والسفر من وإلى خارج الدولة حاجة لمختلف الشعوب يحتاج شعبنا للسفر؛ مِن أجلِ الدراسة والعلاج والسياحة وغيرها من الأسباب التي مهما تكن لا يحق لأحد أن يمنعه، لكن الإنسانيون يحرمون الشعب اليمني من حق السفر إلا لفئة المرضى ولمرة في الأسبوع وإلى دولة واحدة، وعلى الرغم من ذلك يحدث أن تلغى الرحلة بشكل مفاجئ في أحيانٍ كثيرة.

وللسفر من اليمن إلى سلطنة عمان القريبة على سبيل المثال يلزم السفر إلى الأردن التي لا يربطها باليمن أي حدود، أليس هذا استفزازاً للسيادة اليمنية؟ بل السفر إلى السعوديّة ممنوع إلا عبر وجهة الأردن.

وهناك مَـا هو أدهى، فالهُــدنة قامت على أَسَاس رفع الحصار البحري كذلك والسماح لسفن الدواء والغذاء ومشتقات النفط بالوصول إلى ميناء الحديدة، والذي يحدث أنه وحتى هذه اللحظة تم احتجاز حوالي 3 سفن تم تفتيشها من قبل لجنة اليونيفيم وحصلت على تصاريح عبور.

أما البر فكما هو معروف تمتد نقاط مرتزِقة العدوان على امتداد المحافظات من مأرب إلى الضالع إلى اليمن كُـلّ اليمن، ويتم اختطاف المسافر لمُجَـرّد حمله لقباً هاشمياً أَو لانتمائه إلى محافظة شمالية أَو لمُجَـرّد حمله بعض الأموال.

وفي هذا الملف يتحجج الطرف الآخر بالطرق التي توصل من مدينة تعز إلى مدينة الحوبان وغيرها، ويرفضون الحديث عن الطرق المغلقة من جانبهم في بقية المحافظات، ومع أنه تم تقديم مقترح بفتح ثلاث طرق تقلل ساعات السفر من خمس إلى ساعتين فيما يتعلق بتعز إلا أن الطرف الآخر رفض، وعلى الرغم من ذلك وحرصاً على تخفيف معاناة المواطنين تحَرّك فريق من صنعاء لتهيئة الطرق البديلة ولكنه تعرض لإطلاق نار من قبل المرتزِقة الذين يتحدثون عن مشقة السفر وأعباء المواطن ويزايدون بشكلٍ مقزز.

إلى ما يتعلق بإيقاف النار وتثبيت نقاط التمركز في الجبهات والوضع العسكري عُمُـومًا من هذه الهُــدنة الإنسانية.

فمنذ الساعات الأولى لهذه الهُــدنة ما برحت طائرات العدوان التجسسية تغادر سماء المحافظات، وتم بعد يومين تقريبًا من الهُــدنة شن زحف واسع في مديرية الوادي بمحافظة مأرب مسنود بالطيران التجسسي المقاتل، لكنه كُسِر وتقهقر.

كما تم إسقاط العديد من الطائرات الاستطلاعية والتجسسية المقاتلة في حجّـة وفي مأرب بل وفي أمانة العاصمة صنعاء المكتظة بالمدنيين.

وطوال أَيَّـام الهُــدنة خلال ستة أشهر رُصِدت مئات الخروق في الشريط الحدودي وفي الساحل الغربي بالقصف والاستطلاع واستحداث التحصينات وغير ذلك.

مع كُـلّ هذا تبقى الهُــدنة إنسانية وفق تعبير الأمم المتحدة ووسائل الإعلام المنافقة التي تصور أن هذه الهُــدنة في صالح الشعب اليمني، بينما استخدموها غطاءً لتحَرّكاتهم في المحافظات النفطية للنهب والسلب وبناء القواعد العسكرية، ولا يخفى على الجميع أعداد السفن التي غادرت اليمن بملايين البراميل من النفط اليمني المسروق لتباع في الصين وتايلاند ومصر وغيرها من الدول بقيمة سخيفة لا تتناسب مع الأسعار العالمية، ولكنها “بيعة سارق”، ومع كُـلّ هذا ذهبت الإيرادات البالغة ملايين الدولارات إلى البنك الأهلي السعوديّ ولم يستفد منها الشعب اليمني، وهذا بإقرار واعتراف محافظ محافظة مأرب المرتزِق المعين من قبل السعوديّة عضواً في مجلس غير شرعي لحكم البلاد، حَيثُ قال على قناة البي بي سي إن الإيرادات تذهب إلى البنك الأهلي السعوديّ؛ لأَنَّ عدن تشهد فوضىً وانتشاراً للعصابات ولأنهم لا يستطيعون توريدها إلى البنك المركزي في صنعاء، ولا نعلم لماذا لا يمكنهم إرسالها إلى صنعاء التي شهدت حيادية في مسألة صرف الرواتب حتى للمرتزِقة نظراً لاستفادة عوائلهم منها قبل نقل البنك إلى عدن، وعلى العموم مطلوب من الشعب أن يتبسّم أمام الهُــدنة؛ لأَنَّها إنسانية كما يقال.

وهذا لا يمكن أن يحدث؛ لأَنَّ القيادة بعد إثبات حسن النية والقبول بتمديد الهُــدنة أكثر من مرة على الرغم من المماطلة في تنفيذ بنودها وعدم تنفيذ بعضها اشترطت التوقف عن استغلال الهُــدنة في نهب إيرادات النفط اليمني واستخدامه بديلاً عن النفط السعوديّ الذي تم تخفيض إنتاجه بعد لقاءات أوبك بلاس وما دار، ففي ظل الأزمة العالمية اليمن الجريح أحوج ما يكون لتصدير النفط بالسعر الذي يناسبه إلى دول العالم التي تعاني من شحة في موارد الطاقة مثل فرنسا وألمانيا وحتى أمريكا التي حمّلت روسيا والسعوديّة السبب على لسان بايدن، وسرعان ما خرج عادل الجبير للتبرير وتوضيح الموقف للأمريكيين بشكلٍ يحط من قيمة المرء وما يُمَثِّل، ليتأكّـد للعالم أنها مُجَـرّد مسرحية لتهدئة روع الشارع الأمريكي الساخط من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.. المهم أن الشرط كان صرف رواتب أبناء الشعب اليمني من تلك العائدات التي تبلغ ملايين الدولارات، فرفض تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ؛ لأَنَّ صرف الرواتب يذهب بجهود الاحتلال أدراج الرياح، فما لهذا دخلوا اليمن ولا غيرها من البلدان كالعراق وسوريا، ولأَنَّ مِلَفَّ المرتبات يحرجهم ذهبوا للحديث عبر مرتزِقتهم عن إيرادات ميناء الحديدة التي لا تساوي مع إيرادات كُـلّ الموانئ اليمنية في الشمال والجنوب 20 % من تلك الإيرادات التي كانت تورد إلى البنك المركزي في صنعاء قبل نقل عمل البنك.

ومع ذلك تم فتح حساب في البنك المركزي بمحافظة الحديدة؛ مِن أجلِ عائدات الميناء لتجمع كُـلّ الإيرادات من النفط وكل الموانئ وتصرف الرواتب، لكنهم تعاملوا باستهزاء وتنصلوا عما تم الاتّفاق عليه وذهبوا بإيرادات النفط والغاز إلى البنك الأهلي السعوديّ، ومنه بالطبع نصيب للأمريكي الذي يزور الرياض من حينٍ لآخر مع زوجته ويعود منها بملايين الدولارات.

ومن ثم إذَا ما تم صرف رواتب أبناء الشعب اليمني الذين يتمركز حوالي 75 % منهم في المحافظات الحرة ستتحسن الأحوال المعيشية ويخسرون ورقة أُخرى من أوراق الضغط على صنعاء، وستتمكّن صنعاء من تشغيل المنشآت والهيئات ومختلف القطاعات وتتحسن البنية التحتية لليمن التي تم استهدافها أَسَاساً، وهكذا تذهب جهودهم طوال ثمانية أعوام بدون فائدة.

ولأنهم بين نارين، أولاً نار دفع مستحقات الشعب اليمني من خيراته وثرواته لا فضلاً ولا مكرمة منهم، وهذا ما ستحرص عليه القيادة.

وثانياً نار الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة التي أثبتت فاعليتها في المدة السابقة.. ولأنهم كذلك بين نارين ترنحت الهُــدنة ولم تمدد ككل مرة، لذا ذهبوا لحلحلة ملفات أُخرى كاستجداء من قبلهم للقيادة في صنعاء حتى تقبل التمديد، فملف الأسرى أكثر الملفات وضوحاً ومن أكثرها إنسانيةً تم عرقلته أكثر من مرة ولم تستطع الأمم المتحدة التي أشرفت على آخر اتّفاق أن تلزم الطرف الآخر بعملية التبادل، حتى أعلن رفض تمديد الهُــدنة كما هي، رأينا اللجان الفنية تتبادل الزيارات، وتحَرّك هذا الملف مجدّدًا.

وفي حقيقة الأمر هذا جيد لكلا الطرفين فالأسرى من الجانبين، بالإضافة إلى إمْكَانية استغلال هذا الملف غير المرتبط بالهُــدنة من عدمها كبوابة للنظر في بقية الملفات وأهمها الرواتب.

ومن بوابة الرواتب يمكن الحديث عن إيقاف العدوان ودفع التعويضات والخروج من اليمن، أما ما دون ذلك لا يفيد ولا تفيد تلك التصريحات الصادرة من قبل أعضاء مجلس الأمن مدفوعة الثمن؛ لأَنَّ اليماني سبق ووضع قراراتهم وتصريحاتهم في الأرض وداسها بأقدامه الطاهرة، ولكم مراجعة رسالة السيد القائد قبل أعوام، ومضمونها نحن لا يخيفنا لا مجلس الأمن ولا الدول العشر ولا أية قوة طاغية أَو مستكبرة؛ لأَنَّنا نحمل ثقافة ورؤية وروحية وعزيمة هيهات منا الذلة.

ونحن نرى أن النار الأولى المتمثلة في ذهاب جهود الاحتلال أدراج الرياح بتسليم الرواتب من عائدات النفط المنهوب، أهون عليهم من نار المسيَّر والباليستي، فأن يعيشَ الكل في رغيد العيش نوعاً ما أفضل من أن يعاني الكل نتيجة تعميم الأزمة.. وقد أعذر من أنذر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com