الشرعي واللا شرعي في قاموس أمريكا وأدواتها.. بقلم/ عبد القوي السباعي

 

قال تعالى: [مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ]، صدق الله العظيم، نجد في هذه الآية المباركة بيان لما يكنّهُ أهل الكفر والشرك والضلال والاستكبار في كُـلّ زمان ومكان لأهل الإسلام عامةً، من حقدٍ وبغضاء وكراهيةٍ لا مبرّر لها، كما نجد فيها بياناً للمسلمين يحذر من الاطمئنان إليهم والثقة بهم، وهي أَيْـضاً بُشرى بأن ما يبيتهُ هؤلاء لنا لن يضرنا ما دمنا معتصمين بكتاب الله.

ومصداقاً لهذه الآية الكريمة في واقع اليوم ينعكس من خلال الدور الأمريكي والبريطاني الرافض للهُـدنة والتهدئة التي تسعى صنعاء إلى انتزاعها وتحريرها من قيود توجّـهاتٍ تسعى لجعلها مطية لتحقّق أهداف وسياسات قوى الاستكبار في المنطقة، والتي برهنت على أنها فعلياً رأس العدوان على اليمن وأنها العدوّ الأصيل.

وما يدفع بالمتأمل الواعي للاعتقاد بهذا الأمر هي تلك الإحاطة المناقضة لنفسها والمتعارضة مع جوهر وأَسَاس القضية الخلافية لاشتراطات تجديد التمديد للهُـدنة، والتي تقدم بها العدوّ الأصيل “أمريكا وبريطانيا” إلى مجلس الأمن حول اليمن، إذ لا تعكس رفضهما للسلام الدائم فحسب، بل وفي تخليهما عن الموضوعية والحيادية، ورفضهما لأدنى استجابة لمطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة والتي منها صرف مرتبات الموظفين المنهوبة منذُ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى البنك الأهلي السعوديّ في جدة، وذلك ليس تفضلاً ولا منّاً من أحد، بل هي من ثروات وخيرات اليمن النفطية والغازية.

بالطبع هذا الأمر قد لا يبدو غريباً، إذ أن من الطبيعي أن عدوك لا يتمنى لك الخير، لكن أن يأتي التأييد ممن يتحدث باسم الوطن والوطنية هُنا يبدو الأمر غريباً، غير أن ثماني سنوات من عمر العدوان على اليمن قد أفرزت الكثير من التداعيات المختلفة وعلى كافة الأصعدة، خَاصَّة أن طبيعة هذا العدوان وهذه الحرب قد فرضت نمطاً غير اعتيادي في إطار التوصيفات ما بين الوطني واللاوطني، وبين الشرعي واللاشرعي، إضافة إلى ذلك الطابور الطويل العريض من المرتزِقة والمنتفعين والمختبئين خلف ستار الوطنية، ممن يقومون بممارساتٍ تبتعد أميالاً وأميالاً عن الوطنية جملة وتفصيلاً.

أحياناً قد يجد المرء المتتبع للشأن اليمني صعوبة في تحديد معالم الطريق؛ كون أمريكا ومعها بريطانيا باتت هي من تحدّد الشرعي واللاشرعي، هي من تؤكّـد على أن هذا المطلب أَو ذاك وطني أَو لا وطني، فإذا كانت المطالب والحقوق المنطقية والإنسانية والوطنية، المتمثلة بإنهاء العدوان والرفع الكامل للحصار، وفتح الموانئ والمطارات، وصرف المرتبات، لا تعتبرها أمريكا وبريطانيا وحلفائهم في الداخل والإقليم، مطالب مشروعة، وتعتبرها مطالب تعجيزية وغير وطنية وغير إنسانية، إلا أن الشعب اليمني عُمُـومًا يرى فيها الخيرية التي يأملها، كاستحقاقٍ إلهي عادل، تتويجاً لإيمَـانه وصبره وصموده وثباته طوال سنوات العدوان الماضية.

فلماذا تصرّ أمريكا وبريطانيا على الموقف الرافض لتمكين اليمنيين من هذا الخير الذي يُعد أبسط المطالب والحقوق الإنسانية والأخلاقية؟، لماذا لا تود لهذا الشعب أن يعيش كباقي الشعوب؟، على الرغم أنها تبدو بمسوح الحريص على السلام، وأنها لا تريد فتح جبهة عالمية قد تهدّد منابع ثرائها وتدفق طاقتها والمستمدة منه صدارتها وحداثتها، لماذا تظهر اليوم على أنها مستعدة للمجازفة بكل أوراقها والعودة بالأمور إلى المربع الأول من الحرب والحصار؟.

لا شك من أن أمريكا ومعها بريطانيا كانت تحاول فرض هُـدنة هي من يمسك زمامها، وفرض سلام مؤقت في هذه البقعة من العالم هي من تديره، غير أنها تفاجأت بإصرار غير عادي وثبات على المبدأ لا يمكن زحزحته، لذلك ترى في الرضوخ لمطالب صنعاء واستجابتها لهذه المطالب والحقوق هزيمة للعدو الوكيل في الداخل والإقليم، وبالتالي هزيمةً لها.

لكن الانتصار لهذه المطالب التي تراها الجماهير الثورية المتشبعة بالروح الوطنية العالية فكرياً وثقافيًّا، استحقاقاً لا رجعة عنه، وتقوم اليوم بتفنيد الحقائق وكشف الأقنعة الزائفة عن أدعياء السلام والوطنية معاً، وتعدهُ المشروع الجامع، والنابض في وجدان كُـلّ فردٍ من أبناء اليمن في الداخل والخارج، والذي تجسدت فيه كُـلّ معاني الوطنية الحقة والمواطنة الصالحة، والانتماء الأصيل لليمن، الأرض والإنسان.

لكن أن يأتي وبعد ما يقارب على الثماني سنوات من عمر العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي البريطاني الصهيوني، وما رافقها من قتل ودمار وخراب وتشريد وحصار وتجويع للشعب اليمني، لتسمع وتشاهد بعض الأدعياء الذين يقومون بإعادة وتحوير معنى الوطنية، وتوظيفها حكراً عليهم فقط، وصاروا يوزعون صكوكها على من يريدون، ويلصقون تهمة الخيانة بمن أردوا، استناداً لمعايير تتماشى مع أهداف تحالف البغي والعدوان، وسرد مفاهيم جديدة في قاموسها قلبت كُـلّ المفاهيم الوطنية والقيم الإنسانية المتعارف عليها رأساً على عقب.

اليوم من المؤسف حقاً أن نسعى إلى التذكير بالتعريف الحقيقي للوطنية وإلى التوصيف الدقيق للخيانة، بصورة منطقية وواضحة، والسبب أننا في زمن انقلبت فيه المفاهيم وسقطت فيه القيم وانهارت فيه المنظومة الأخلاقية، وأصبحنا نحتاج فيه أن نُعّرف المعرف ونشرح المسلم به؛ وذلك بسَببِ عمليات غسيل المخ والدماغ الذي حاول ويحاول تحالف البغي والعدوان أن يمارسه علينا، في ظل النفاق الاجتماعي والسياسي الإقليمي والدولي والأممي، الذي يطفو على السطح ملوثاً حياتنا اليومية.

وهي دعوة صادقة لكل سياسي عربي حر ولكل دولة وحكومة عربية يهمها أمنها واستقرارها ورفاهية شعبها إلى عدم الاعتراف بقاموس المفردات التي تحاول القوى العالمية فرضها عليهم، وعدم الاعتراف بأُولئك الذين باعوا أوطانهم بفتات الموائد، وعملوا على جلب التدخل الخارجي والاحتلال الأجنبي إلى بلدهم، وحملوا السلاح على وطنهم وأبناء جلدتهم، ووجهوا سهام حقدهم إلى كُـلّ مؤسّسات الدولة وبنيتها التحتية، والذين يمثلون اليوم في قاموس أمريكا وبريطانيا الشرعية والوطنية، ويحضرون المحافل الدولية، فاحذروا.. فاليوم هُنا وغداً عندكم، وفي بلدانكم.

واعلموا أن الوطنية والشرعية ما كانت يوماً ولن تكون مفردةً تعني الانسلاخ عن الهُــوِيَّة والحضارة والتاريخ، ما كانت تعني الانبطاح والخنوع لقوى الهيمنة والاستكبار الإقليمية والعالمية، وما كانت تعني الاستسلام والخيانةً والتواطؤ ضد اليمن وشعبه، ما كانت حياداً وسكوتاً عن الظلم والبغي والعدوان والفساد ونهب الثروات، ما كانت احتقاراً واستخفافاً وتغولاً على الشعب أكثر من سبع سنوات، ما كانت مُجَـرّد شعاراتٍ جوفاء تصدرها أشخاص مطعونة الوطنية قابعة في الفنادق العالمية الفارهة، وتنعم برفاهية العيش الرغيد وشعبها يكابد وطأت العدوان وجور الحصار.

الوطنية والشرعية الحقيقية تعني الحرية والسيادة والكرامة والعدالة الاجتماعية، الوطنية والشرعية تعني الدفاع المستميت عن شرف الأُمَّــة وكرامة الشعب وعزته، إنها العمل على تحرير الإرادَة والقرار وتحقيق الاستقلال والتحرّر من التبعية، إنها تطهير اليمن من باعة الأوطان وسماسرة الارتهان وأساطين الفساد، وعصابات السلب والنهب ومحاسبتهم، الوطنية والشرعية الحقة هي السعي الحثيث إلى انتزاع الحقوق المشروعة سلماً أَو حرباً، ومعالجة تبعات العدوان وجبر الضرر الذي أحدثته هذه الحرب، وإعادة الاعتبار لليمن الأرض والإنسان.

نقولها ونكرّرها مراتٍ ومرات، فلا تحالفكم يرهبنا ولا حربكم تخيفنا ولا هُـدنتكم تهمنا، فنحن للحرب أهله، وللسلم رحله، فإن عدتم عدنا وشوقنا لنحوركم يسابق رصاصاتنا، وإن انتهيتم فلا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com