ما بعدَ ثورة 14 أُكتوبر المجيدة..بقلم/ مالك الغنامي

 

ثورة 14 أُكتوبر نموذج مصغر لحتمية نهاية أي احتلال طالما أن هناك إرادَة على التحرّر وعزماً على المقاومة، وإصراراً على استعادة السيادة، ويقظة تردع أطماع المحتلّين، وتكاتف الجميع في تحقيق الاستقلال، ذلك هو ما يحقّق الانتصار ويدحر الاحتلال، ويكسب به الشعب عزته واستقلاله ويحفظ له كرامته وقيمه ومبادئه.

الاحتلال البريطاني لم يكن ليحصل لولا العملاء كما هو أي احتلال، لكن ما يدعونا للوقوف على الأحداث أن الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن كان تحت غطاء ما يسمى بالشرعية بعد الضغوطات التي جرت على السلاطين آن ذاك، فالتاريخ يعيد نفسه وتتشابه الأحداث ما بين 1839م عند احتلال بريطانيا لجنوب اليمن وبين 2015م عند إقدام تحالف العدوان بالحرب على اليمن لاحتلاله باسم الشرعية، وإعادة الأمل -المزعوم- الذي لم ينتج إلا الألم كما هو حال أي احتلال وعادة أي مستعمر ومحتلّ.

أطماعُ الغرب في اليمن لم تنتهِ عند تحرير الجنوب في ثورة 14 أُكتوبر 1963م بل تم السعي الحثيث للتخطيط إلى احتلال من نوعٍ آخر، تسع وخمسون سنة مرت بعد انتهاء الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن لكنه لم ينتهِ أمل الدول الطامعة والمستعمرة من العودة مجدّدًا لاحتلال اليمن، نظراً لموقعه الاستراتيجي -المعروف لدى الجميع- وثرواته الهائلة، وهذا ما جعل الدول الغربية تخطط في الاحتلال من جديد، تسع وخمسون سنة وهم يخططون ويصنعون لهم أذيالاً عربية مجاورة لتقوم بالدور نيابةً عنهم، تسع وخمسون سنة وهم يصنعون ويبنون لهم العملاء في الداخل، كُـلّ ذلك لتسهيل عملية الاحتلال الجديد، ليكون بأقل خسائر بشرية ومادية.

استطاعت الدول الغربية صناعة بعض الأنظمة العربية العميلة في المنطقة لتكون دمى تحَرّكها أينما أرادت وحسب خططها المرسومة في الاستعمار المتطور، نجحت الدمى من صناعة دمى أخرى داخل كُـلّ قطر عربي ومن هنا ظهر الارتزاق لتحقيق مطامع الاحتلال، وعندما وجد الاحتلال البريطاني قوة وتماسك اليمن بجميع طوائفه وقوتهم في دحره وطرده من جنوب اليمن، قرّر ما بعد ثورة 14 أُكتوبر العمل الكبير على التفرقة الطائفية والمذهبية والمناطقية مستخدماً سياسة “فرق تسد” -التي عمل عليها خلال احتلاله- في الأفكار والتوجّـهات والرؤى والقرارات والمنطلقات والمبادئ، ولبس الحق بالباطل، حتى ظن أن الساحة مهيأة له للاحتلال من جديد.

سنحت الفرصة لدول الاحتلال عبر أذيالها ومرتزِقتها ولفيفها للعدوان على اليمن حسب الخطة من خلف الكواليس لاحتلال اليمن في مارس 2015م، وبنفس السياق تحت مسمى الشرعية، لكن العجيب في الأمر وشر البلية فيه أن الاحتلال الجديد أتى باسم التحرير! وهذا يعتبر من أخطر أنواع الاحتلال على الإطلاق؛ لأَنَّه يحتل باسم المنقذ والمحرّر، ويقتل باسم رفع الظلم، ويحاصر باسم الإنسانية ويفرق باسم الوحدة، وينهب باسم مصلحة الشعب، وينتهك باسم السيادة، وهذه السياسة والتكتيك الجديدة للاحتلال.

العجيب والمضحك في الموضوع كيف يجرؤ من هم في أحضان المحتلّ على التحدث عن ثورة 14 أُكتوبر، وعن إنجازاتها وهم يعملون لصالح الاحتلال الجديد، وعن نتائجها وهم من ينفذون نتائج الاحتلال من الظلم والاستعباد والجرائم الوحشية، وعن نضالهم وهم يناضلون في سبيل أطماع المحتلّين في نهب الثروات ومقدرات الشعب ومقوماته الاقتصادية، وعن وفائهم وهم يخونون أنفسهم ووطنهم وأبناء شعبهم، وما نراه في المحافظات المحتلّة من انعدامٍ للأمن وإقلاقٍ للسكينة واختراقات واغتيالات واختطافات وجرائم أخلاقية ما ذلك إلا بعضٌ من نتائج العمالة والارتزاق والمساعدة للأعداء المحتلّين، فعلاً إنه لا وفاء ولا ذمة ولا دين ولا قيم ولا مبادئ ولا نضال ولا وطنية لمن وقف في صف المحتلّين يقاتل في صفهم ضد أبناء شعبه ووطنه وعشيرته، لكنهم مُجَـرّد أدوات ومرتزِقة سيتخلى عنهم المحتلّ كما هو تاريخ الارتزاق والخيانة عبر التاريخ، وقادم الزمن سيكشف ذلك.

ختامًا… كما وقف أبناء اليمن شعباً صامداً في مواجهة المحتلّين، وكما ثار وطرد المستعمرين عبر التاريخ، لا يزال هو كما عَهِدَه الغزاة شعباً وفيًّا ومقاومًا لا يقبل الاستعمار وسيمضي لتحرير كُـلّ شبر من اليمن، ويأبى إلا أن يكون شعباً حراً عزيزاً مستقلاً يتمتع بكامل السيادة مهما كلف ذلك الأمر من تضحيات ومعاناة في سبيل تحقيق الوحدة والحرية والكرامة والاستقلال، حتى لو خانه الكثير من الداخل ممن يدّعي الوطنية فهم شذاذ آفاق، ومرتزِقة رخاص لا قيمة لهم أمام الصديق والعدوّ، ولن يستقر اليمن إلا حراً عزيزاً موحداً ولن تستقر المنطقة إلا بذلك.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com