القرآنُ الكريـمُ كتابٌ عملي يتحَرَّكُ بحركة الحيـاة

 

المسيرة| هنادي محمد

  • ضمن سلسلة محاضراته “دروس من هدي القرآن الكريم” تحدّث الشهيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- درس (ملزمة): ﴿اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾، التي ألقاها عام 1422 هـ، وهي مقرّر هذا الأسبوع، حديثًا مهمًا حول ما يعنيه القرآن الكريم ككتاب هداية ونور وبصائر من رب العالمين، وفي كونه مباركٌ في نفسهِ ومباركٌ من يتبعه ويسير على نهجه ويستقيم عليه، ومن خلال عرضه لآياتٍ مباركات، أكّـد -عليه السلام- على ضرورة اتباعه لحاجتنا للعمل بما تضمنه من هدى وتوجيهات إلهية؛ باعتبَاره المصدر الأول والأخير للظفر برحمة الله، وأوضح عاقبة المعرضين عنه وحجم خسارتهم، وطرح تساؤلاتٍ تستنكر واقعنا كمسلمين في علاقتنا بالقرآن الكريم.

وفيما يلي: نصوص ما ذكرنا على لسان الشهيد القائد:

من سورة التوبة- آية (9).

 

الإيمَـان بالله ليس اعتقادًا بالقلب كما قيل عن أصحاب علم الكلام، بل هو ميثاقٌ بينك وبين الله، من مصاديقه اتباعك للقرآن الكريم

«نحن -أيها الإخوة- لو سألنا أنفسنا، وسألنا كُـلّ واحد منا: هل أنت مسلم؟ هل أنت مؤمن؟ هل أنت مؤمن بالله وبرسوله وبكتابه؟ هل أنت مؤمن بهذا القرآن العظيم؟ لأجاب كُـلّ واحد منا: نعم، ولما رضي أي واحد منا لنفسه أن يقال بأنه غير مؤمن بهذا كله، فإذا كانت هذه حقيقة نحن نقر بها فَـإنَّها ميثاق بيننا وبين الله سبحانه وتعالى: {وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، إذ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (المائدة: من الآية٧) هل أحد منا يمكن أن يقول: سمعنا وعصينا؟ لا، كلنا نقول، وكلنا نشهد على أنفسنا بأننا لا نستطيع أن نقول إلا سمعنا وأطعنا، إذاً بين أيدينا الكتاب الكريم، القرآن الكريم، وبين أيدينا في واقع الحياة أحداث كثيرة، هذا الكتاب الكريم يكشف عن حقائقها، ويكشف عن واقعها؛ لأَنَّه كما قال الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- فيه: ((فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم))».

 

قاعدة مهمّة: الاهتداء بالقرآن والتثقّف به

«لنعود بجدية إلى التمسك بالقرآن الكريم كما يريد الله سبحانه وتعالى منا، إذ يقول: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام: ١٥٥) لننظر هل القرآن الكريم له نظرة حول ما يحدث؟ هل له موقف حول ما يجري في هذا العالم؟ هل يريد منا أن نتحمل مسئولية ما؟ هل يريد منا أن نعمل عملاً ما؟ هل يريد أن يكون لنا موقف من كُـلّ ما يجري؟ من كُـلّ ما يحدث؟، كُـلّ ذلك في إطار قاعدة نريد أن نسير عليها جميعاً هي: أن نهتدي بالقرآن، وأن نثقف أنفسنا بثقافة القرآن الكريم، لنبحث الهدى من خلاله، ولندعو إليه، ولنسير على هداه باستقامة وثبات».

 

القرآن الكريم مباركٌ من يسير على نهجه

«فعندما يقول في كتابه الكريم: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام: ١٥٥) نجد في هذه الآية المباركة أنه وصف هذا الكتاب أنه هو الذي أنزله، هو الذي أنزله.. رحمةً منه بنا، هدايةً منه لنا، رعايةً منه بنا.. وأن هذا الكتاب كتاب كامل، فيه الهدى الكامل، فيه النور الكامل، لا ينقصه شيء، وأنه مبارك، مبارك من يسير عليه، مبارك من يهتدي به، مبارك من يتمسك به، مبارك في أثره في النفوس، وأثره في الحياة.. كُـلّ ما تعنيه كلمة: {مُبَارَكٌ} هي في القرآن الكريم، ومن خلال القرآن الكريم، ولمن يسيرون على نهجه تتحقّق على أعلى وأرقى مستوى».

 

من لا يتبعون القرآن: ما أبعدهم عن رحمة الله ومُسْتقرّها..!

«هذا الجزء من هذه الآية المباركة قول الله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عسى أن ترحموا، رجاء أن ترحموا، ليوحيَ للناس أن من لا يتبعون القرآن ما أبعدَهم عن رحمته، أن من لا يتقون الله في تفريطهم في اتباع القرآن ما أبعدهم عن رحمته، وأين رحمته؟ وأين مستقر رحمته؟ رحمته في الدنيا، ومستقر رحمته في الآخرة وهي الجنة، أليس في هذا نوع من التهديد؟ أليس في هذا إيحاء بخطورة الموقف؟».

 

القرآن الكريم كتابٌ (عملي)، تجميدهُ يجعلنا عُرضةً للضربات الإلهية فـي الاستبدال..!

«إذاً فهذا الكتاب الذي أنزله من عنده سبحانه وتعالى هو نزل من عند ملك، إله، مدبر، حي، قيوم، عليم، حكيم، سميع، بصير، رحيم، وهو كتاب عملي، كتاب عملي للحياة يتحَرّك بحركة الحياة، فأن تجمد أُمَّـة بين يديها القرآن الكريم هي ليست جديرة بحمله، هي أُمَّـة لا تتخلق بأخلاقه، هي أُمَّـة تنبذ القرآن وراء ظهرها، هي أُمَّـة تهجر القرآن، هي أُمَّـة جديرة بأن تعيش منحطة ذليلة مقهورة».

 

القرآن هو الخيارُ الوحيد ولا ثاني له للحصول على رحمة الله

«نحن لو سألنا أنفسنا هل هناك خيار آخر غير هذا لنحصل من خلاله على الرحمة من الله سبحانه وتعالى؟ نحن في هذه الحياة ليس بين أيدينا سوى القرآن الكريم هو ما يمكن من خلاله أن تتحقّق لنا الرحمة من الله سبحانه وتعالى أَو أن نرجو رحمته، هل هناك خيار آخر؟ هل هناك سبيل آخر؟ هل هناك كتاب آخر؟ هل هناك نبي آخر؟ هل هناك خيار ألا نقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؟ فإذا ما وقفنا بين يديه يوم القيامة، ماذا يكون الناس هناك ينتظرون؟ أليس كُـلّ واحد منهم يرى نفسه في أَمَسِّ الحاجة إلى رحمة ربه؟ وهو يرى جهنم أمامه لها زفير وشهيق، لقد أرشدنا الله -هنا في الدنيا- أنه لا خيار سوى هذا: {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}».

 

متى يجب أن تسأل من الله الرَّحمة؟

«فنحن يا من نسمي أنفسنا مسلمين، نسمي أنفسنا مؤمنين، نسمي أنفسنا أتباعاً للرسول وللقرآن ولأهل البيت أين نحن من هذه الآية؟ كُـلّ واحد منا يرجو أن يرحم، متى ترجو أن ترحم؟ بعد أن تتبع القرآن وتكون متقياً لله في أن تفرط في إتباعك للقرآن، هناك يمكن لك أن ترجو الرحمة من ربك، ما أكثر ما نقول، ويقول الناس جميعاً: [الله غفور رحيم، رحمة الله واسعة، عسى الله يرحمنا] ما هذه العبارات التي نردّدها كثيراً؟ هنا يقول لنا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام: ١٥٥)».

 

ما بين الإعراض والاتباع: ما هو موقفك من القرآن الكريمِ؟

«لو سألنا أنفسنا الآن -أيها الإخوة- عن موقفنا من القرآن الكريم أعتقد لا أحد منا يستطيع أن يجيب بأننا نتبع القرآن الكريم اتباعاً كاملاً، بل واقعنا واقع المعرضين عن كتاب الله، المعرضين عن ذكر الله، يجب علينا أن نستيقظ، يجب علينا أن نتنبه، يجب علينا أن نعود إلى القرآن الكريم فنتدبر آياته، نتأملها نتفهمها، نتدبرها بشكلٍ جدي، وبروحٍ عملية، وبشعورٍ بمسئولية».

 

الإعراضُ الحقيقي عن القرآن هو في “ميدان العمل”.

«ماذا يعني أعرض عنه؟ رمى به هناك؟! قد تكون معرضاً عنه وهو بين يديك، قد تكون معرضاً عنه وهو في جيبك، قد تكون معرضاً عنه وأنت تحفظ آياته آيةً آية عن ظهر قلب، أنت معرض عنه في ميدان العمل، معرض عنه لا ترى أن فيه الهداية الكافية، فأنت تبحث عن هدى من هنا أَو هنا، معرض عنه لا تقدر الهدي الذي بين دفتيه حق تقديره، فترى أن كَثيراً من شئون الحياة لم يتناولها ولم يهتم بها».

 

الإعراض: حملٌ ثقيل على صاحبه يهوي بهِ إلى النّـار

« {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً} (طـه: ١٠٠) أوزارٌ كثيرة {فإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً، خَالِدِينَ فِيه} (طـه: من الآية ١٠١) خالدين في عقوبة ذلك الوزر {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} حمل سيء، حمل مثقل، يجعلك تنحط وتهوي إلى أسفل درك في النار بإعراضك عن كتاب الله».

 

كلماتٌ من نـور

«لنقل لأنفسنا وللناس جميعاً من حولنا: يجب أن نستشعر أن علينا أن نستأنف حياة جديدة، وأن نقول لزمن اللا مبالاة، زمن اللا اهتمام، اللا شعور بمسئولية: يجب أن يولي».

والعاقبــةُ للمتَّقيـن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com