أُستاذ الفكر والفقه والاقتصاد الإسلامي بجامعة صنعاء د. خالد القروطي في حوار لصحيفة “المسيرة”: علماءُ الأُمَّــة قاطبةً ما عدا الوهَّـابية يحتفلون بالمولد النبوي وأهمُّ ثمار الاحتفال هو شَدُّ الأُمَّــة إلى الرسول والاقتدَاء به

 

المسيرة- حاوره منصور البكالي

قال أُستاذُ الفكر والفقه والاقتصاد الإسلامي بجامعة صنعاء، عضو رابطة علماء اليمن، الدكتور خالد القروطي: إن احتفال الشعب اليمني بالمولد النبوي هو ابتهاج وسرور بمن لا يغفلون يوماً ولا ليلة عن ذكره، مؤكّـداً أن علماء الأُمَّــة قاطبة يحتفلون بالمولد النبوي ما عدا الوهَّـابية.

وَأَضَـافَ في حوارٍ خاص مع صحيفة “المسيرة” أن أعداء الله من اليهود والنصارى والمنافقين، يعملون ليلَ نهارَ على فصل الناس عن الله، فصلِ الناس عن منهج الله، عن رُسُلِ الله وأنبيائه، ليتمكّنوا من السيطرةِ عليهم وإضلالهم وإذلالهم، داعياً إلى نَبْذِ الخلافات والفرقة بين المسلمين والتأسي بالرسول الأكرم في كُـلّ أعماله وأفعاله.

إلى نص الحوار:

 

– بدايةً أُستاذ خالد.. ما أهميّةُ الاحتفال بالمولد النبوي وإحياء هذه المناسبة بشكلٍ كبير في اليمن وما دورها في تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية المحمدية؟

بدايةً نؤكّـد لكم أن إحياء المولد النبوي الشريف يكتسب أهميتها من أهميّة ذكر وحضور رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في حياتنا وواقعنا، فنحن بحمد الله كيمنيين شعبٌ مؤمنٌ مسلم، ومن أول وأعلى وأهم مرتكزات الإيمَـان هو الإيمَـان بالله سُبحانَه وتعالى، وتوحيده والثقة به والاطمئنان إليه، والاعتماد عليه، وطاعته، والتوجّـه إليه سبحانه، ثم الإيمَـان برسله -صلوات الله عليهم أجمعين- تحقيقاً لقول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُـلّ آمَنَ بِاللّهِ وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أحد مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة285.

فضلاً عن كوننا أُمَّـةَ خاتم الأنبياء محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو القُدوة والأسوة التي أمرنا الله سبحانَه وتعالى بالإيمَـان به، ومحبته، وطاعته، والتأسي والاقتدَاء به، لنحظى بلقاء الله تعالى ورضاه ونصره وتأييده: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21.

واليمنيون لهم خصوصيةُ إيمَـانية لا يشاركهم فيها أحد، وهي أنهم أهلُ الإيمَـان والحكمة، وقد منحهم هذا الوسامُ العظيم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما أعلن للعالمين بأن: “الإيمَـان يمان، والحكمة يمانية”، وفي رواية: “والفقه يمان”، وفي رواية: “وأنا يمان”.

فبقدرِ أهميّة وقيمة ومكانة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حياتنا وواقعنا، تكونُ أهميّةُ إحياء مناسبة مولده الشريف، الذي كان رحمةً من الله تعالى للبشرية.

وتعبيراً عن المحبة الحقيقية الصادقة له، فالمحبة أمرٌ قلبي وشعورٌ نفسي، لا تعرف ولا تظهر إلا من خلال تصرفات وسلوكيات نقوم بها ونمارسها، فيعلم الآخرون أن هذا التصرف وذلك الفعل تعبير عن تلك المحبة.

كما أن هذه المناسبة محطة هامة في حياة كُـلّ مؤمن ومؤمنة، فمن خلالها وعبرها نتطلع إلى مراجعة واقعنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا، وضبطها، لتكون مثالاً حياً لواقع وسلوك وتصرفات المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- تهذيباً، وأخلاقاً، ورحمةً، وفاعليةً، وحركةً مُستمرّة على منهج الله، وجهاداً، وصلاحاً، وتربيةً، وإصلاحاً، وتعاطفاً، وتعاوناً.

إضافةً إلى أننا بإحيائنا لهذه المناسبة العظيمة ننفذ واجباً شرعياً، ونستجيب لأمرٍ إلهي، يقول الله تعالى لنا فيه: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس58، ولا يختلف اثنان من المسلمين على أن الفضل كُـلّ الفضل من الله تعالى تمثل في شخصية وبعثة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلينا، كما أنه الرحمة التي أرسله الله إلينا، ليكون رحمة ًعلى أمته ولها، ولنحظى برحمة الله الواسعة من خلاله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

– كيف تقيّمون احتفالاتِ الشعب اليمني بهذه المناسبة العظيمة رغم استمرار العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ للعام الثامن على التوالي؟

الموضوعُ أكبرُ من ذلك، فمن يعرف اليمنَ واليمنيين منذ فجر الإسلام وإلى اليوم، سيدرك تماماً مدى العشق والتعلق من هذا الشعب بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فألسنتهم لا يمكن أن يمر عليها يوم من أَيَّـام حياتهم إلا وتجدها تلهج بذكر رسول الله والصلاة والسلام عليه وعلى آله، إن سمعوا خبراً طيباً صلوا على النبي وعلى آله، وإن جاءتهم بشارة صلوا على النبي وعلى آله، وإن شموا ريحاً طيباً صلوا على النبي وعلى آله، وإن مرض لهم مريض صلوا على النبي وعلى آله استشفاء، حتى قال البعض متسائلاً عن حال اليمنيين مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:

يقولون عند الطيب يذكر أحمد  فهل عندكم من سنةٍ فيه تذكر

فقلت لهم لا إنما الطيب أحمد  فنذكره والشيءُ بالشيء يُذكَرُ

وبالتالي فما إحياءُ الشعب اليمني لهذه المناسبة الغالية إلا ابتهاجٌ وسرورٌ بمن لا يغفلون يوماً ولا ليلةً عن ذكره، وهذه دلالة واضحة على صدقه -صلوات الله عليه وعلى آله- حينما قال بأن: “الإيمَـان يمان”، وأنهم: “خيار أهل الأرض”.

ورفع ذكر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والاحتفال والتعلق الشديد وإظهار الفرحة به، قطعاً هو من ذكر ومحبة الله تعالى، والشكر له على نعمة إرسال هذا النبي إلينا، وإثباتاً لله ولرسوله وللمؤمنين بأنه مهما كانت الظروف والأحوال التي نحن عليها، فلن ننسى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولن نتنكر له أبداً، وسنكون كما كان آباؤنا الأوائل، ممن كان لهم فضل السبق والإيمَـان والجهاد والإيواء والنصرة والشهادة مع الله ورسوله، وفي مقدمتهم أسرة آل ياسر، وعبد الله بن قيس الأرحبي، وقيس بن مالك الهمداني، والأوس والخزرج أنصار الله ورسوله، ومن آمنوا برسالة منه -صلى الله عليه وآله وسلم-، حتى خر ساجداً لله تعالى مستبشراً قائلاً: “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إذَا جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن، كأنهم السحاب، هم خيار أهل الأرض”، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: “السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان”.

 

كيف تفسّرون استهدافَ هذه المناسبة من قبل الأنظمة السابقة والتعمد في إبعاد الناس عنها مقابل حرصهم بالاحتفال لمناسبةٍ أُخرى كعيد الحب وغيره؟

اللهُ سبحانَه وتعالى حينما أراد للبشرية الخير والسعادة والعزة والهداية والرحمة أرسل إليها عبر تاريخ البشرية رسلاً وأنبياء ليحقّق ذلك من خلالهم: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حجّـة بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء165، وحتى تكون البشرية على اطمئنان وثقة من اتباعهم، بين الله لها أن هؤلاء الرسل والأنبياء هم صفوة الخلق، اصطفاهم واجتباهم وأعدهم ورباهم وهداهم، وهو سبحانه من أحاط علماً بكل شيء، ومن له التدبير في كُـلّ شيء، ومن لا تخفى عليه خافية: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الأنعام87، {أُولئك الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام90، وأمر الخلقَ بالإيمَـان بهم وطاعتهم والسير خلفهم، ومن خلالهم وما جاؤوا به من عند الله ستحظى الأمم والبشرية بالعزة والسعادة والهيمنة والتمكين والحياة الطيبة.

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور55.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل97.

ولذلك فأعداء الله الذين قتلوا أنبياء الله، وكتموا الحق الذي جاء من عند الله، يسعون على مر التاريخ في الأرض فساداً، ابتداءً بالشيطان الرجيم، ثم بأعداء الله من اليهود والنصارى والمنافقين، يعملون ليل نهار على فصل الناس عن الله، فصل الناس عن منهج الله، عن رسل الله وأنبيائه، ليتمكّنوا من السيطرة عليهم وإضلالهم وإذلالهم.

ولذلك وواحدة من أساليبهم التضليلية هي السعي إلى فصلهم عن صراط الذين أنعم الله عليهم، أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم أجمعين.

ولذلك تأملوا حينما يقول الله عن نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} النور54، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} النور56، فطاعة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- تحقّق لنا الهداية، وتحقّق لنا الرحمة في واقعنا، فنهتدي إلى كُـلّ خير وفلاح وتطور ونجاح وعزة، وتحل علينا الرحمة باستجابتنا وتأسينا واقتدائنا به -صلى الله عليه وآله وسلم-.

بل الأمرُ أبلغُ من ذلك، فالقرآنُ الكريمُ يخبرُنا بأن الإيمَـانَ بالله ورسوله، والطاعة لله ورسوله ضمانٌ من الوقوع في حيل وألاعيب وأساليب المضلين: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أولياء وَلَـكِنَّ كَثيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} المائدة81.

ولذلك فأعداءُ الله وكما قال اللهُ عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً} المائدة64، لم يتركوا سبيلاً ولا مجالاً إلا ودخلوا من خلاله على أبناء أمتنا لفصلهم عن أعلام الهداية، من خلال الترويجِ لأعياد مبتدعة لا أصل لها، بل وتخالف منهج الله ورسله، كأعياد الحب، والحيوان، والشجرة، و… إلخ، أَو من خلال عملائهم من منافقي الأُمَّــة، ممن يصيبهم الجنون والهلع والفزع عند كُـلّ مناسبة وذكرى لله ورسله، فينبرون عبر منابرهم وقنواتهم بفتاوى التبديع والتضليل لكل من يظهر فرحته بمولد خير البشر، وسيد الأمم -صلى الله عليه وآله وسلم-، بل ولا يتورعون من ممارسة الكذب والدجل على المسلمين بأن هذه الأعياد والمناسبات يجري فيها من المنكرات ما لا يعلمه إلا الله، كذباً وإفكاً على الله ورسله، إلا أن الله خيب مساعيهم، ورد باطلهم، من خلال ما سطره في كتابه العظيم القرآن الكريم عندما قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الكوثر3، وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح4، فما عسى ما نقوم به ونظهره من مظاهر بهجة وسرور واحتفال واحتفاء بذكره -صلى الله عليه وآله وسلم- عند قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح4.

 

المولدُ النبوي الشريف ذكرى جامعة توحد كُـلّ أبناء الأُمَّــة الإسلامية بمختلف أطيافهم ومذاهبهم.. كيف يمكن استغلالها لتذويب الاختلافات وتقوية جسور الوحدة بين الشعوب الإسلامية؟

ما من شك بأن مكانةَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في فؤاد كُـلّ مؤمن ومؤمنة مكانة عظيمة وعالية، من موقعه -صلى الله عليه وآله وسلم- في الإسلام والإيمَـان، ومن ما أمر الله تعالى به في القرآن الكريم من الإيمَـان به وطاعته والاستجابة له ونصرته وتعظيمه وتوقيره والاقتدَاء به والسير على نهجه.

بل وله -صلى الله عليه وآله وسلم- المقام الثاني في الولاية بعد الله سبحانه وتعالى، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

والأمة الإسلامية في جميع بلدانها وأقطارها تفاخر بالإيمَـان به والانتساب إليه سلوكاً ومنهجاً واتباعاً، ولا خلاف حول ذلك ولا نقاش.

وعليه فلم يكن ولن يكون -صلى الله عليه وآله وسلم- قائداً لجماعة معينة، أَو رئيساً لحزب، أَو إماماً لمذهب أَو طائفة، إنما هو رسول الله إلى البشرية كافة فضلاً عن المسلمين، ورحمة للعالمين.

ولهذا فمن المهم والضروري استغلال هذه المقومات والعناصر في جمع المسلمين تحت رايته، ودعوتهم من خلاله إلى ما يجمع كلمتها ويوحد صفهم ويؤلف بين قلوبهم.

فهو رسول الله لنا جميعاً، نؤمن به ونصدِّقه، ونقتدي به، ونسعى للاقتدَاء به، ونحرص على التأسي به.

وسيرته وصفاته وسلوكه وواقعه ليس خفياً ولا غامضاً ولا بعيدًا، فالقرآن الكريم كتاب الله الحق قد جلى للأُمَّـة وللعالمين الكثير الكثير من ذلك، وما روي لنا من صحيح سيرته وشريف أفعاله وكريم أخلاقه، ما لا نختلف فيه ولا عليه.

وما من شك بأن الخلافَ والفرقة والتنازع والعداوات والبغضاء بين أبناء الأُمَّــة الإسلامية ليست مما دعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مما أمر به، ولا مما كان يمارسه ويفعله.

كيف وهو من وحّد القبائل العربية التي كانت تتنازع وتتقاتل وتتحارب على أتفه الأمور والأسباب، وجعلها مجتمعاً واحداً وأمة واحدة (المهاجرين والأنصار)، ووحد كُـلّ مؤمن ومؤمنة بجماعة (الأمة الإسلامية)؟!

ونحن بحكم إيمَـاننا إخوة، لنا حقوق على بعضنا، والتزامات تجاه بعضنا، وسلوكيات فيما بيننا، لا بُـدَّ من التزامها لتحقيق ذلك الإيمَـان، ونحن متفقون عليها جميعاً.

وهذه الأمورُ كفيلةٌ بإذابة كُـلّ الخلافات والتعصبات والتشنجات التي زرعها ويزرعها أعداء الله بين هذه الأُمَّــة.

 

تختلفُ مظاهرُ الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف من شعب لآخر.. كيف تقيمون مظاهر احتفاء شعبنا اليمني بهذه المناسبة العظيمة التي زاد زخمها خلال أعوام ما بعد ثورة 21 سبتمبر الفتية؟

إضافة إلى ما قلناه سابقًا من العلاقة القوية التي تربطنا برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من واقع إيمَـاننا، ومن واقع التاريخ المشرف الذي سطّره لنا آباؤنا مع الله ورسوله، ومن خلال ما اختصنا به من اختصاصنا بالإيمَـان والحكمة، فَـإنَّ أَيْـضاً ما نراه ونلمسه ونشاهده من تزايد مظاهر الاحتفال والفرحة والاحتفاء بذكرى ميلاده -صلى الله عليه وآله وسلم- نابع من:

  • الوعي الكبير الذي يحمله الشعب اليمني من خلال تمسكه بالله ورسوله وأهل بيت نبيه، فـالعودة الصادقة إلى القرآن، والربط المتواصل برسول الله، والاتباع الواعي لأهل البيت، والتولي لهم جميعاً، حصن شعبنا وأمتنا من أن تكون فريسة سهلة لأعدائها.
  • النتائجُ المثمرة والكبيرة التي حقّقها شعبنا بتوليه لله ورسوله وأهل بيته، في صموده أمام هذا العدوان والحصار العالمي، والتصدي له، والمواجهة التي أذهلت العالم كله، كانت من بركات العودة الصادقة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتدَاء به في مواجهته لكفار وطغاة العرب واليهود.
  • القيادة القرآنية والحكيمة المتمثلة في السيد القائد المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، الذي لا يترك فعاليةً، ولا حدثاً ولا مناسبةً إلا ويخرج على الشعب اليمني هادياً ومرشداً وقائداً له إلى الله وإلى الاقتدَاء والتأسي برسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ما رسالتكم لمن يتخاذل أَو يتكاسل عن إحياء مناسبة المولد النبوي أَو ربما ينجر وراء الدعوات القائلة بأنها “بدعة”؟

أقول له وبصراحة:

بأن اللهَ تعالى يقول: {النَّبِيُّ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفسهِمْ} الأحزاب6، ويقول سبحانه: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفتح9، فما معنى قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}، أليس معناها تعظِّموه وترفعوا ذكرَه؟

أَوَلسنا نتفق على أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- فُضِّلَ من الله علينا، ورحمة من الله بنا وبالعالمين، {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107، إذن فاسمع أمر الله تعالى قائلاً: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس58، هل تأملت: {فَلْيَفْرَحُواْ}، يفرحوا بماذا؟ {بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، لم يأمرنا بالفرحةِ بذلك فقط، بل أخبرنا سبحانه بأن فرحتنا بذلك {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم، قد قال لنا جميعاً: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين”.

وحينما سأله أحدُ الصحابة عن صيام يوم الاثنين، ما حكمه، أتدري بماذا أجابه صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال له صلى الله عليه وآله وسلم: “ذلك يوم لدت فيه”، فالسائل سأله عن حكم صيام يوم الاثنين، وكان يمكن الجواب عليه بأنه جائز أَو غير جائز، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم، قد أجابه بما هو أبلغ وأعم وأكثر فائدة لذلك اليوم، ليس على مستوى الصيام بل على مستوى أن الخير كُـلّ الخير في ذلك اليوم؛ بسَببِ ولادته صلى الله عليه وآله وسلم فيه.

 

وكيف يعرف الناسَ أنك قد أظهرت فرحتك؟

ما لم تكن بمظاهر البهجة والزينة والتواصل والتعاون والإنفاق والبذل والسخاء والعطاء والإيثار والمشاركة في رفع ذكره ونشر سيرته ودعوة الناس إلى التأسي والاقتدَاء به، وتربية الأجيال على ذلك كُـلّ عصر وأوان.

فلا تحرم نفسك ذلك، ولا تكن ألعوبة وأضحوكة بيد غيرك، ومعك خير هاد ودليل كتاب الله الكريم، وكن واعياً بصيراً، معظماً لنبيك صلى الله عليه وآله وسلم.

وها هم علماء الأُمَّــة الإسلامية قاطبة ما عدا الوهَّـابية يؤلفون ويشاركون في ذكرى الفرحة والاحتفاء بمولد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بجميع أطيافهم.

وأية بدعة تلك التي تشدك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجعلك تعظمه وتوقره وتفرح به، وتدعو الأُمَّــة إلى الاقتدَاء والتأسي به والسير على منهجه.

أو لم يقل الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} الأعلى9، ماذا نذكر، أليس بالله وبكتابه؟، أليس برسوله وبسيرته ومنهجه؟

وهل ما يقوم به المسلمون من مظاهرِ فرح وزينة وتعاطف وتراحم وتواسٍ، وصلوات ومحاضرات في ذكر رسولهم صلى الله عليه وآله وسلم، مما يغضب الله تعالى، أَو مما يغضب أعداء الله ورسله؟!

 

وجّه قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- خلال السنوات الماضية بأن تكون ذكرى المولد النبوي محطةً إيمَـانيةً مهمة للتزود بالأخلاق والقيم والأعمال القرآنية المحمدية، كـ”الاحسان والجهاد والإنفاق، والتقوى، واستشعار المسؤولية”.. ما مدى استفادة أبناء شعبنا اليمني من هذه المحطة؟

ما ذكرتموه في سؤالكم هو حقيقة التأسي والاقتدَاء برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو ما يحرص على التذكير به ودعوة الناس إليه السيد القائد -حفظه الله تعالى-.

لأن أبرز وأهم ثمار الاحتفال والاحتفاء بذكرى مولده -صلى الله عليه وآله وسلم- هو شد الأُمَّــة الإسلامية إليه، وتحقيق حرصها على الاقتدَاء به.

فرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما جاء مبلغاً عن الله تعالى، داعياً إليه، وكان من أعظم ما ميزه الله بوصفه له قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أنفسكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة128، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الجمعة2.

وقد جسد -صلى الله عليه وآله وسلم- تلك الأوصاف وغيرها في سلوكه وواقعه وعمله: جهاداً، وعزةً، وبذلاً، وعطاءً، ورحمةً، وحرصاً، وتزكيةً، وتعليماً، وتربيةً، وهدايةً.

بل كان هو نفسُه رحمةً كما وصفه الله تعالى، ولن يتحقّقَ حُبُّنا له، وإيمَـانُنا به، واتِّباعُنا له، وسيرُنا على منهجه، إلا متى ما حقّقنا في واقعنا ما تلاه علينا من آيات الله، وما علّمنا إياه من الكتاب والحكمة، فنزكو بذلك، واقعاً وأخلاقاً، ومنهجاً وسلوكاً.

فنكون أُمَّـة واحدة كما فعل هو -صلى الله عليه وآله وسلم- ونجح في توحيد القبائل المتصارعة في أُمَّـة واحدة ومجتمع واحد، ذابت فيه القوميات والعصبيات.

ونكون أنصاراً لله ورسوله كما صار أُولئك الذين اتبعوه وآمنوا به، وآووه ونصروه، وجاهدوا وبذلوا وأنفقوا معه.

وتصبح الرحمة فينا وبيننا جزءاً منا لا ينفصل عنا ولا ننفصل عنها: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} الفتح29.

كما كانت بين المهاجرين والأنصار، إحساناً، وعطاءً، وإيثاراً، وتواضعاً، ورحمةً، وشفقةً، وإخاءً، وحسن ظن، وإعانة، وهكذا في كُـلّ ما علمنا إياه وأرشدنا إليه لنكون أهلاً لاستحقاق الهداية والرحمة ولقاء الله تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} النور54، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} النور56، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21.

 

مع اقتراب مناسبة المولد النبوي الشريف تنشطُ وسائلُ إعلام العدوان ومرتزِقتهم ببرامج مفتوحة وتفاعلية تحاول النيل والاستهزاء من هذه المناسبة وممن يحيونها.. ما الهدف من وراء ذلك؟

هدفُهم فصلُ المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإبعادُهم عنه وعن التأسي به والاقتدَاء به والتخلق بأخلاقه.

ونتيجة هذا قطعاً فصلُهم عن القرآن، فصلُهم عن الله تعالى، عن كُـلّ القيم الأخلاقية والتربوية والإيمَـانية التي جاء بها صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذلك لاحظوا كيف أن الله بعد ما حذرنا من محاولات أعداء الله تعالى لفصلنا عن الله ورسله وكتبه، كيف أرشدنا بصيغة تحذيرية إلى أن من شأن المعرفة الحقيقية بالله وبرسوله أن تعصمنا من الضلال والغواية، وتحصننا من استهداف الأعداء: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} آل عمران101.

لذلك حرص ويحرص أعداء الله على فصلنا عن الله، عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فيتمكّنون من إضلالنا وإغوائنا، والتلاعب بنا، والسيطرة علينا.

ويجعلون لنا رموزاً من الغواة والمجرمين والطغاة والمستبدين، وتكون النهاية العبودية والذلة والمهانة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

تأملوا قول الله تعالى في جانب من جوانب الغواية والمعصية، وما هو العاصم منها: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أولياء وَلَـكِنَّ كَثيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} المائدة81.

فالإيمَـان بالله، الإيمَـان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، الوعي الكبير بالله برسوله بالقرآن، هو الحاجز للمؤمن من السقوط في ولاية وطاعة أعداء الله، وحيلهم ومكرهم وأساليبهم.

ولذلك حينما عرف الأعداء سر قوتنا، وعنصر صلاحنا وتطورنا وفلاحنا وهدايتنا، سعوا ولا يزالون بكل وسائلهم وأساليبهم الإعلامية والثقافية والاجتماعية والفكرية والعلمية إلى فصلنا عنها، وإبعادنا عنها.

 

قبل أَيَّـام وزير الخارجية الإماراتي يحتفل في تل أبيب بذكرى التطبيع مع كيان العدوّ الصهيوني، فيما علمائهم وخطباء مساجدهم ووسائلهم الإعلامية منشغلين بتحريض الناس على عدم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وبأنه بدعة، كيف تصفون هذه المفارقات العجيبة؟

الله سبحانه وتعالى ومن خلال كتابه العظيم القرآن الكريم قد أجاب عن ذلك، ووصف ذلك بقولها سبحانه: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أولياء وَلَـكِنَّ كَثيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} المائدة81.

فقد نفى عنهم الإيمَـان جملة؛ لأَنَّهم لو كانوا فعلاً صادقين في إيمَـانهم بالله ورسله لما حصل منهم ذلك.

وقال عنهم: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أولياء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} آل عمران28، فلم تعد لهم صلة بالله تعالى.

وفي سورة أُخرى صرح القرآن بأن هذه الفئة منافقة، والمنافقون مصيرهم معروف في القرآن وتعاليم الإسلام: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} النساء138، ولعل قائلاً يقول من هم هؤلاء؟ فيجيب القرآن الكريم بعدها مباشرة معرفاً لهم بأنهم: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أولياء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} النساء139.

 

برأيكم: ما أبرز أسباب ضعف وتشتت وتمزق الأُمَّــة الإسلامية وبعدها عن مصادر الهداية؟

ما يحرص عليه أعداءُ الله دائماً هو سعيُهم لفصل هذه الأُمَّــة والشعوب الإسلامية عن مصادر هدايتها التي من خلالها تهتدي وتفلح وتنتصر وتعز وتتمكّن وتستخلف وتحيا حياةً طيبةً.

وهذه المصادر هي ما بينها القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة المشهورة عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وتناقلتها صحاح الأُمَّــة وسننها ومؤلفاتها، وهي:

  • كتاب الله تعالى القرآن الكريم الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت42، بما فيه من الخير والنور والعزة والتعليمات والأحكام والتشريعات والأخلاق والقيم والمعاملات التي فيها وبها سعادة البشرية، ألم يقل الله تعالى عن كتابه: {إِنَّ هَـذَا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} الإسراء9.
  • أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام، ألم يقل سبحانَه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإيمَـان وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الشورى52، فتأمل قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
  • وعترتي أهل بيتي: الذين أورثهم الله تعالى الكتاب، والذين يكملون مسيرة الأنبياء والرسل في الأمم دعوة إلى الله، وهدايةً إليه، وعملاً بطاعته، وسعياً لتحقيق مرضاته.

وصحاح الأُمَّــة وعلماؤها يحفظون قولَ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الصحيح: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فَـإنَّ اللطيف الخبير نبأني بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض”.

بل أكادُ أجزمُ بأنه متواتر، حَيثُ قد قاله في أماكنَ متعددة، وروايات متعددة نقلتها كتبُ الأُمَّــة وأسفارها، ومن تلك الأماكن يوم الغدير بمحضر عشرات الآلاف من الصحابة، فضلاً عن يوم عرفة في حجّـة الوداع، “لن تضلوا بعدي أبداً”، “لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض”.

وذكرى المولد النبوي الشريف ما هي إلا دعوة للأُمَّـة بالعودة الواعية المستبصرة إلى المصادر الحقيقية القطعية لهدايتها وصلاحها وفاعليتها وعزها.

بل صرّحت الأحاديث الصحيحة بأن هذه المصادر عاصمةٌ لهذه الأُمَّــة من الضلال، تعصمها وتحميها وتحصنها من الغواية ومن استهداف أعدائها.

ولذلك فأعداء الأُمَّــة بذلوا كُـلّ جهد لفصل الأُمَّــة عن القرآن بروايات مكذوبة باطلة تناقض روح الإسلام وحقيقة الإيمَـان، ويقين القرآن.

فصل الأُمَّــة عن رسولها وأعلامها برموز تاريخية لم تقدم شيئاً، وهي أحوج إلى الهداية فضلاً عن أن تقدمها لغيرها، ورموز فنية إعلامية ساقطة هابطة منحلة، ورموز طاغوتية مستبدة وظالمة.

وبالتالي فالعودة الحقيقية الواعية الصادقة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من خلال ذكرى الاحتفال بمولده وتذكير الناس بسيرته ومنهجه وما جاء؛ مِن أجلِه، وما أرسله الله به، ما هو إلا عودة إلى تلك المصادر التي رسمها الله تعالى لهداية أمته، وحفظها وعصمتها.

 

كلمة أخيرة؟

أسألُ اللهَ تعالى أن يوفِّــقَنا للمساهمة وتحمُّلِ المسؤولية الفاعلة في رفع ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصدق الاقتدَاء والتأسي به صلى الله عليه وآله وسلم.

وأن يجمعَ هذه الأُمَّــة على محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسيرِ بوعي وبصيرة على منهجه.

وأن يوفِّقَ السيدَ القائدَ المجاهدَ إلى كُـلِّ خير، وأن يحميَ شعبَنا وأمتَنا من أساليب استهداف أعدائها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com