الأمنُ في ثورة 21 من سبتمبر.. لا عودةَ لزمن التراخي

القتلُ والتفخيخُ والتفجيرُ قبل الثورة كان يمارَسُ يوميًّا وكل مواطن كان يحمل رأسَه بين كفيه منتظر الموت في أية لحظة

المسيرة| عباس القاعدي

تحلُّ علينا الذكرى الثامنةُ لثورة 21 سبتمبر، والأجهزةُ الأمنية والعسكرية تفاجئ الشعب اليمني وتصدم العدوان بإنجازاتها الكبيرة التي تحقّقها كُـلّ يوم في إطار مهامِّها المقدَّسة في حماية الشعب، وترسيخ الأمن والاستقرار، بالاعتماد على الله أولاً، وبالاستناد إلى تجربة عملية كبيرة ورصيد حافل بالإنجازات لإفشال مساعي العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي.

وتتراكم هذه الإنجازاتُ في حين لا تزال الثورة مُستمرّة في معركتها المقدسة ضد الجماعات التكفيرية التي حوّلت المحافظات اليمنية إلى بيئة خصبة لها، وتربعت على هرم سلطة النظام السابق، ومارست جرائم الاغتيالات والقتل في كُـلّ شارع وحي ومدينة، وكان منتسبو الجيش والأمن يعجزون عن ارتداء بزتهم العسكرية الرسمية ورتبهم؛ خوفاً من الاستهداف والقتل، الذي طال المئات منهم؛ نتيجة انهيار الوضع الأمني، والاستهداف والتدمير الممنهج للجيش والمؤسّسة الأمنية من قبل الجماعات التكفيرية، سواءً بالاغتيالات والتفجيرات وغيرها.

وفي هذا الصدد، يرى الخبير العسكري زين العابدين عثمان أن ثورةَ 21 سبتمبر 2014م هي أعظم وأنقى ثورة من بين كُـلّ الثورات، وهي الثورة الوحيدة التي نجحت في قطع أيادي القوى الأجنبية والاستعمارية من اليمن، وأخرجت شعبنا اليمني -بفضل الله تعالى- من واقع الوصاية والتبعية للخارج والفوضى الأمنية التي كانت تعصف به، إلى بر الأمان وإلى الاستقلال والسيادة، وحقّقت إنجازات ونجاحات مذهلة بدءاً بالقضاء على جيوب الجماعات التكفيرية، ودك أوكارها في أرحب والبيضاء والحديدة ومعظم المناطق في المحافظات المحتلّة، فأمن المواطن واطمأن التاجر والمسافر، واختفت الجماعات الإجرامية ورحلت معها عمليات الاغتيال والتفجيرات من العاصمة صنعاء وبقية المحافظات.

ويؤكّـد عثمان في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن المجال الأمني والعسكري في اليمن قبل ثورة ٢١ سبتمبر كان في ذروة ضعفه وانهياره؛ بسَببِ سيطرة القوى الأجنبية على سدة الحكم والقرار، وكان اليمن يعيش على صفيحٍ ساخن من الانفلات الأمني والصراعات البينية الطاحنة بين أوساط المجتمعات أبرزها الثارات القبلية والمناطقة والطائفية، إضافة إلى حالة الفوضى الأمنية العارمة التي تسببت بها التنظيمات الإرهابية أيادي أمريكا “داعش والقاعدة”، إذ تلقى شعبنا أبشع أنواع الظلم والإجرام من هذه الجماعات، فلم يكن هناك شبر آمن في اليمن لم تصل إليه الفوضى، وقد ارتكبت هذه الجماعات أسوأ عمليات القتل والذبح والتفجيرات الانتحارية التي طالت كُـلّ شيء وحوّلت اليمن إلى كرةٍ من النار.

وعن إنجازات ثورة 21 سبتمبر وما حقّقته على الصعيد الأمني، يبيّن عثمانُ أن الثورةَ هي يوم عبور الشعب اليمني إلى الأمن والاستقرار، حَيثُ حقّقت إنجازات عظيمة تمثلت في تحييد وسحق الجماعات التكفيرية داعش والقاعدة وتطهير كافة المناطق والمدن اليمنية من تواجدها بشكلٍ نهائي، وحقّقت مكاسب استراتيجية أعادت لليمن ثقله ومكانته الإقليمية وحقّقت له نهضة كبيرة على الصعيد الأمني والعسكري ورصيد في الاستقلال والسيادة، وما نحن فيه اليوم من قوة وأمن واقتدار عسكري هو بفضل الله تعالى أولاً وثمرة من ثمار هذه الثورة المباركة.

ويواصل عثمان: استطاعت الثورةُ في ظل اهتمام وحرص القيادة الثورية والسياسية بناء منظومة أمنية واستخباراتية قوية وفعالة، لمواجهة الحرب الأمنية والاستخباراتية لدول العدوان، ووصلت إلى درجة التفوق على تلك الحرب التي يشنها العدوان ضد الشعب اليمني، وأصبحت المؤسّسة العسكرية والأمنية بعد ثورة 21 سبتمبر، ورغم استهدافها المباشر، حاضرة بقوة وفاعلية عالية في الواقع العملي، ويرتقي أداؤها نحو الأفضل يوماً بعد يوم، كما أن لها برنامجها المهم في البناء والتصحيح والتطوير، وترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في المحافظات الحرة، وحفظ النظام وسيادة القانون ومكافحة الجريمة وإفشال مؤامرات ومخطّطات العدوان لاستهداف الجبهة الداخلية، كُـلّ ذلك لم يأتِ من فراغ، بل كان نتائج عمل دؤوب ومتواصل في الإعداد وإعادة البناء والتدريب والتأهيل لهذه المؤسّسة الوطنية التي أصبحت اليوم أقوى وأكثر فاعلية في القيام بمهامها وأكثر نجاحاً.

ويشير إلى أن الإنجازات الأمنية للثورة لم تتوقف، حَيثُ يتم في كُـلّ يوم ضبط مرتكبي الجرائم علاوة على إفشال أكثر الجرائم في مهدها، وهذا ما يؤكّـد أن ثورة 21 سبتمبر رقماً صعباً على المستوى الدولي، ورغم العدوان والحصار المُستمرّ، أصبحت صنعاء وبقية المحافظات المحرّرة بعد ثورة 21 سبتمبر العظيمة تعيش في أمن واستقرار، لتصنع بذلك واقعاً مغايراً لما يحدث في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الاحتلال والتي أصبحت مسرحاً لجرائم الجماعات الإرهابية وقوى الاحتلال ذاته.

 

دورٌ تاريخي ومفصلي

وحول الأجهزة الأمنية ودورها في تثبيت الأمن والقضاء على الجماعات التكفيرية، يقول الخبير العسكري زين العابدين عثمان: إن الدور الذي لعبته ثورة 21 سبتمبر كان دوراً تاريخيًّا ومفصليًّا بمعنى الكلمة، فقد أخرجت شعبنا اليمني -بعون الله تعالى- من أدنى دركات الضعف والظلم والفوضى ومن تحت سكاكين داعش ومفخخات وتفجيرات القاعدة إلى واقع جديد من العزة والكرامة والوضع المستقر.

ويوضح عثمان أن دورَ الأجهزة الأمنية برز في رفع مستوى العمل الأمني بعد ثورة 21 سبتمبر، نتيجة الانتكاسات الأمنية التي ألقت بظلالها على مخرجات نشاطات هذه الأجهزة وعملها في ميدان البيئة الأمنية الداخلية قبل ثورة 21 سبتمبر، حَيثُ كانت العاصمة صنعاء والمحافظات مسرحاً للجرائم المنظمة وأجهزة الاستخبارات الدولية وملاذاً آمناً للعناصر الإجرامية التي كانت تمارس نشاطاتها وأساليبها المتنوعة، تجاه الشعب اليمني الذي فقد الأمل فيمن كانوا يسمون رجال الأمن من منتسبي الداخلية بفعل خيانة وألاعيب قيادات النظام السابق، حَيثُ تنوعت أساليب القتل من انفجارات مفخخة وعمليات انتحارية، ضد رجال الجيش والأمن، لتتطور إلى نصب الكمائن المسلحة للأطقم العسكرية، وكذلك استهدفت الجماعات التكفيرية المواطنين في الأسواق، والمساجد، والمستشفيات كما حدث لمستشفى العرضي وارتكبوا جرائمهم الوحشية فيه، وإسقاط الطائرات الحربية في شوارع العاصمة صنعاء واغتالت الشخصيات الهامة في هذا الوطن، واختطفت السياح، وجعلت من اليمن غابة وحوش في ذهن من يتابع أَو يسمع بأخبارها، والتستر على الجرائم من خلال حماية الأشخاص المجرمين بمُجَـرّد الانضمام إليهم، إلى اقتحام السجون وإخراجهم منها.

ويوضح أنه بعد ثورة 21 سبتمبر ليس كما قبلها، فالثورة سدَّت الفراغَ الأمني، رغم محاولة العدوان الأمريكي السعوديّ اختراقَ الجبهة الأمنية التي تصدت لهم بكل حزمٍ وصمودٍ في ظل القيادة الثورية الحكيمة ممثلة بالسيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- بمتابعته المُستمرّة والحثيثة والتي شهدت المؤسّسة الأمنية والعسكرية نقلات نوعية متواصلة ومتقدمة، حَيثُ أصبحت العاصمة والمحافظات المحرّرة خالية من الجرائم المنظمة بفضل الله ثم بفضل أبطال المؤسّسة الأمنية والعسكرية، الذين انطلقوا من موقع المسؤولية الدينية والوطنية تجاه وطنهم وشعبهم، فبذلوا كُـلّ غالٍ ونفيس دون أي مقابل فجاعوا ليشبع غيرهم وسهروا لينام سواهم قرير العين، مفترشين الأرض وملتحفين السماء.. لم يكترثون بالبرد والحر تاركين أسرهم ومنافعهم ومصالحهم وراءهم، ولم يتوقفوا عند تلك المعاناة بل استبسلوا وضحوا بأرواحهم ودمائهم؛ مِن أجلِ أن يحيا ويعيش الآخرونَ في أمنٍ واستقرار، فتصدوا لعناصر الفوضى والإرهاب مرسخين دعائم الأمن والاستقرار ومحافظين على الممتلكات العامة والخَاصَّة، ولهذا تراجعت –كما يقول عثمان- بعد ثورة 21 سبتمبر الكثير من الظواهر السلبية التي لازمت النظام السابق، أي ما قبل الثورة لسنينٍ طويلة من قبيل ظاهرة الفساد والثارات، واختفت تماماً ظواهر مزمنة من قبيل ظواهر السطو المسلح، وقطع الطرقات، وبراميل ما يسمى بالقطاعات والتقطعات، وحافظت الثورة الخالدة على مؤسّسات الدولة وعلى الممتلكات العامة والخَاصَّة، وهذا ما يتجسّد في حجم الجهود الأمنية التي بذلها رجال الأمن منذ ثورة 21 سبتمبر؛ للوصول إلى هذا المستوى الكبير من الإنجازات الأمنية لينافس اليمن الدول المستقرة في هذا العالم، رغم محاولات العدوان استهداف الأمن والاستقرار.

 

شواهدُ كثيرة

ولأن الجماعاتِ التكفيرية انتشرت بشكلٍ كبير في اليمن ونفذت عمليات التفجيرات والاغتيالات واستهدفت الشخصيات العسكرية والرموز الوطنية والمتنورين من أبناء الشعب اليمني ودكاترة الجامعات، وكانت تحظى بحماية القيادات السياسية والعسكرية في النظام السابق، يقول الدكتور في جامعة صنعاء، إبراهيم مفضل، إنه قبل اندلاع ثورة 21 سبتمبر تعرض الأكاديميون والكوادر المحسوبون على أنصار الله لعمليات استهداف إرهابية تركزت معظمها في المربع المحيط بجامعة صنعاء الجديدة، وذلك خلال الفترة من بدء أعمال مؤتمر الحوار الوطني وحتى اندلاع ثورة 21 سبتمبر 2014م، حَيثُ بدأت من خلال التحريض الواضح تجاه أنصار الله سواءً عبر ميكرفونات المساجد التي تديرها جماعات القاعدة وداعش أَو عبر المنشورات التي كانت توزعها أيادي الاستخبارات السعوديّة أَو في الغرف المغلقة.

ويوضح مفضل في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن تلك الجرائم بدأت باغتيال الشهيد الدكتور عبد الكريم جدبان ثم تلاها اغتيال الشهيد البروفيسور أحمد شرف الدين وتوالت بعد ذلك جرائم الإرهاب الوحشية والاغتيالات والتفجيرات، حَيثُ تم اغتيال الصحفي عبد الكريم الخيواني، ثم الدكتور محمد عبد الملك المتوكل ومحاولتا اغتيال الدكتورين إسماعيل الوزير والقاسم عباس وكوادر عسكرية وأمنية وسياسية أُخرى معظمها محسوبة على “أنصار الله”، إضافة إلى قيام الجماعات الإرهابية بارتكاب المجازر الوحشية والتي راح ضحيتها العشرات عبر التفخيخ كمجزرة التحرير والسبعين وبوابة كلية الشرطة وجرائم ذبح الجنود في حضرموت وشبوه وعدن، ومجزرة بوابة مجلس الوزراء، واختتمت بالجريمة الشنيعة في تفجيرَي مسجدَي الحشحوش وبدر.

ويرى مفضَّل أن الدولةَ في السابق لم تحَرّك ساكناً رغم تلك الجرائم بل كانت تبدو متواطئةً أَو راضية أَو مستسلمة أَو عاجزة بدليل عدم القبض على أيٍّ من مرتكبيها أَو منعها أَو الحد منها، فقد كان الإرهابيون يعملون في فضاءٍ مفتوح وبكل أريحية دون رادع أَو مانع وأصبح القتل والتفخيخ والتفجير ممارسة يومية وكل مواطن يحمل رأسه بين كفيه ينتظر الموت في أية لحظة.

ويؤكّـد الدكتور إبراهيم مفضل أن سيطرةَ الإرهاب والإرهابيين استمرت على الساحة اليمنية إلى يوم 21 سبتمبر 2014م، حَيثُ تم اقتلاعُه برؤوسه وجذوره تماماً، وفور اندلاع ثورة 21 سبتمبر افتضح جميعُ المشاركين والداعمين للإرهاب والإرهابيين، فتم اكتشافُ معامل التفخيخ وتحديد وملاحقة عناصر وفرق الاغتيالات ورؤسائها وقُبض على العديد منهم وفر آخرون، واليوم يتذكر الجميع كيف كان الوضع الأمني قبل 21 سبتمبر 2014م وكيف صار بعد ذلك؛ ولهذا أعادت بنا إنجازات اليوم الثورية إلى أحداث الأمس وجرائم الاغتيالات التي كانت تمارسها الجماعات التكفيرية.

ويواصل: واليوم وبشهادة الجميع اختفى الإرهاب والإرهابيون من صنعاء والمحافظات اليمنية الحرة، وأصبحت أفضل مكان آمن على مستوى العالم رغم العدوان العالمي والحصار وتجفيف الموارد، وكل ذلك بفضل ثورة 21 سبتمبر العظيمة التي أرست دعائم الأمن والاستقرار، ولا ينكر ذلك إلَّا ثلاثة: (إرهابي عاطل عن العمل الإرهابي، أَو ممول إرهابي عاجز عن الحركة، أَو محرض إرهابي حاقد حاسد مريض).

وبحسب مفضل لم يعد هناك جريمة تُقَيَّدُ ضد مجهول، ولم يعد هناك مجرم إرهابي قادر على النفاذ أَو الفرار بجريمته أكثر من 48 ساعة، بل وحتى أن تمكّن من الفرار فسوف يتم ملاحقته إلى مخبئه أينما كان وقد يتم إعدامه إن قاوم أَو رفض الاستسلام والشواهد كثيرة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com