رسائلُ “وعد الآخرة”: اليمن كقوةٍ جديدة منتصرة

– القيادة الثورية والسياسية تؤكّـد استحقاقات السلام المشرِّف وتلوحُ بمفاجآت بحرية

– العرض رسم صورةً تاريخية لهزيمة العدوان وصعود مشروع تحرير الوطن والمنطقة

– الإعلام الصهيوني يعكس تعاظم قلق العدوّ من الخطر اليمني على “إسرائيل”

المسيرة | خاص

مثّل العرضُ العسكري المهيب الذي احتضنته محافظةُ الحديدة تحت عنوانِ “وعد الآخر”، بروزاً صاخباً ومفاجئاً وغير مسبوق في حجمِه ونوعيتِه للواقع الجديد الذي بنته صنعاء تدريجيًّا وفرضته إنجازاً تلو الآخر على امتداد ثماني سنوات من الصمود والإعداد، وهو واقع النصر الحتمي، والدولة اليمنية المؤثرة إقليمياً ودوليًّا، والتي تقوم على أُسُسٍ نهضوية جامعة وراسخة لا تستطيعُ مطامعَ الاستعمار وأمواله وقوته المادية زعزعتها أَو إيقاف عجلتها، وقد تم تصميم العرض بعناية ليجسد هذا التحول بشكل دقيق، فكان المشهدُ تاريخيًّا بامتيَاز في دلالته وتوقيته ورسائله وكل مكوناته.

 

 

رسائلُ “المعركة الكبرى” والصراع الأوسع

اسمُ “وعد الآخرة” الذي أطلق على العرض العسكري، كان أكثر من مُجَـرّد عنوان جذاب، بل كان أقرب إلى توصيف لدلالات العرض ولهُــوِيَّة المشروع السياسي والعسكري والثقافي الذي يحمله، فالتسمية التي وردت في القرآن الكريم لتؤكّـد حتمية هزيمة الصهاينة، اختيرت لإيصال عدة رسائل للعدو “الإسرائيلي”، منها رسالة قطع الطريق أمام مطامعه وأحلامه في السيطرة على الساحل الغربي وباب المندب في إطار مشروع الهيمنة الذي يستهدف المنطقة والبحر الأحمر بشكل خاص، وهو ما كان العدوّ قد صرح به بشكل واضح خلال السنوات الماضية، فالحشدُ العسكريُّ وما تضمنته من استعراض لأسلحة جديدة نوعية وتشكيلات عسكرية متخصصة، كان تأكيداً عمليًّا على استعدادِ كامل لخوض معركة البحر والانتصار فيها.

والأمرُ لا يقفُ عند هذا الحد، فـ “وعدُ الآخرة” يتعلَّقُ بالمعركة الشاملة مع العدوّ الصهيوني، والعرضُ أُعِدَّ ليُظهِرَ بوضوح أن بناءَ القوة العسكرية اليمنية ومنها القوة البحرية يتم على مستوًى يكافئ اتساعَ وحجمَ هذه المعركة الشاملة، وهو ما يمتد من رسالة أكثر شمولاً وجّهها العرضُ بوضوح وهي رسالة “المشروع” الذي تحمله الدولة اليمنية الجديدة، والذي يشكّل العِداءُ للصهاينة والتحرّر من وصاية الغرب الصهيوني على المنطقة أَسَاساً جوهرياً فيه وهذا ينطوي على متغيرات سياسية وعسكرية عملية راهنة ومستقبلية بات العدوّ يدرك خطرها كما تشير تصريحاته المتكرّرة عن “التهديد” القادم من اليمن.

وقد أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الحوثي، بوضوح أن دعم القضية الفلسطينية من الأهداف الرئيسية لعملية البناء والتطوير للجيش اليمني ولقدراته الرادعة.

وتأتي رسائلُ “وعد الآخرة” هذه بعد أَيَّـامٍ من توجيه القوات المسلحة تحذيراً شديد اللهجة للعدو الإسرائيلي على خلفية إطلاقه شائعاتٍ تنطوي على نوايا لاستهداف البلد، وهو ما يعني أن المسألةَ ليست مسألة شعارات، بل ترتيبات سياسية وعسكرية مدروسة تترجم استعداداً حقيقيًّا.

ويبدو أن العدوَّ الصهيوني قد التقط هذه الرسائل بسرعة، إذ لفت العرضُ انتباهَ بعض وسائل إعلامه بشكل فوري، وأعاد الحديث عن “المخاطر” وَ”التهديدات” إلى الواجهة هناك، وطبعاً على جانب الحديث عن فشل تحالف العدوان والنتائج العكسية التي ترتبت على ذلك الفشل.

 

قوةٌ جديدةٌ منتصِرة

في تفاصيله، وجّه عرضُ “وعد الآخرة” الكثيرَ والكثيرَ من الرسائل الإضافية، بدءاً بكونه يأتي ضمن سلسلةِ عروض ضخمة وغير مسبوقة، أكّـد قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أنها أعدت لطمأنة الشعب اليمني، ولتوجيه إنذار واضح للأعداء، والشقّ الأول من هذا التأكيد لا يشير فقط إلى الوضع القتالي، بل إلى وضع اليمن الجديد كقوة صاعدة قهرت ظروفَ العدوان والحصار وشقت طريقها صعوداً نحو تحقيق أهداف المشروع النهضوي الذي كان يراد وأده وإجهاضه منذ البداية، وهو ما يعني بكلماتٍ أُخرى: حتميةَ النصر في المعركة مع العدوان.

“وعد الآخرة” كان التجسيدَ الأوضحَ لهذه “الطمأنة” فالحشد الكبير ومكوناته المتنوعة والكشف عن أسلحة نوعية، وظهور عدد كبير من قيادات الدولة والجيش، وحضور قائدِ الثورة الاستثنائي، والتوقيت، ومكان العرض.. كُلُّها معطياتٌ مهمة عندما تُجمَعُ معاً تشكل مشهد واقع جديد كليًّا، هو واقع هزيمة العدوان وسقوط “قوته” التي اعتمد عليها لإخضاع اليمنيين وإخافتهم، وهو واقعُ استعادة سيادة واستقلال اليمن، وبروز تأثيره الإقليمي والدولي، كأمر حتمي لم يعد الأعداءُ يستطيعون فعلَ أي شيء بخصوصه.

حديثُ قائد الثورة أثناء العرض جاء ملامِساً بوضوح لهذا المستوى الأعم من الإنجاز، وخُصُوصاً حديثه عن بناء الجيش اليمني وعقيدته ومشروعه الوطني الجامع ودوره المستقبلي العابر للحدود، إلى جانب حديثه أَيْـضاً عن تساقط أوهام العدوّ ومشاريعه الاستعمارية في البلد.

وقد جاءت الكثيرُ من الرسائل التي وجّهها رئيس الجمهورية مهدي المشاط أَيْـضاً من المستوى نفسه، وخُصُوصاً تلك التي سمى فيها محافظة الحديدة “حارس البحر الأحمر”، وأكّـد فيها أن اليمن لا يشكل خطراً على الملاحة الدولية.

باختصار، كان العرض مهرجاناً لتثبيت واقع الدولة اليمنية الجديدة التي لم يعد بالإمْكَان تجاوزها، والتي تتمسك بمشروع استقلال وتحرّر لا يعترف بالخضوع لأية ضغوط أَو مطامع خارجية مهما بلغ حجم القوى التي تقف خلفها.

 

الهُــدنة وعواقب فشلها.. معركة البحر

“الهُــدنة” كانت من المواضيع الأكثر حضوراً في رسائل العرض العسكري الأكبر، فـ “وعد الآخرة” هو جزء من سلسلة استعراضات لم يكن إجراؤها في وقت التهدئة مُجَـرّد مصادفة، بل كان مقصوداً لإعطاء العدوّ صورة واضحة عن خطأ تقديراته لموقف صنعاء من السلام، وعن استحالة الالتفاف على ثوابت المعادلة الوطنية، والجاهزية العالية لمواصلة المعركة.

لكن ما تميزت به رسائل “وعد الآخرة” بشأن الهُــدنة، إلى جانب وضوحها ومباشرتها، هو أنها وجهت في ظرف زماني ومكاني حساس، ومن قبل القيادة الثورية والسياسية في آنٍ واحد، وأمام حشد عسكري غير مسبوق.

ولذا فَـإنَّ تأكيدَ قائد الثورة على أن “العدوَّ اليومَ في مأزق حقيقي وورطة كبيرة” وتأكيد الإصرار على “منع الأعداء من احتلال بلدنا” ودعوة قوى العدوان “لاغتنام الفرصة ووقف العدوان بشكل كامل وإنهاء الحصار والاحتلال واستيعاب الدروس التي تبين استحالة تحقيق السيطرة على اليمن” كانت إنذارات واضحة بأن الهُــدنةَ المؤقتة إذَا لم تفض إلى السلام الفعلي الذي يضمنُ تحريرَ اليمن وسيادته واستقلاله، فلن تفضي إلا إلى تصعيد أبرز ملامحه استكمال تحرير المناطق المحتلّة.

بعبارة أُخرى، إن الهُــدنة اليوم هي فرصة لتحالف العدوان لتنفيذ متطلبات السلام الفعلي كاملة، وليس للمساومة عليها وإخضاعها لمصالح ورغبات العدوّ.

هذا ما وضّحته رسائل الرئيس المشاط، التي جاء فيها أن “الحقوقَ لا تُعطى بل تؤخذ” وأن “الأيّام القادمة ستكشفُ إذَا كان اليمن سيصنعُ السلام بالقوة”، مع التأكيد على أن “التهرُّبَ من التزامات الهُــدنة والعودة لحجز السفن يعرض الهُــدنة للخطر ويجعلها في مهب الريح”.

يُفهَمُ من هذه الرسائل أن القيادةَ الثورية والسياسية تضعُ العدوَّ أمام مفترق طرق قد تؤدي محاولة الالتفاف عليه إلى الوقوع في الطريق الخطأ، وأن الأمر لم يعد متعلقاً بإجراءات بسيطة ومقتطعة عن سياق الملف الإنساني، بل بالاقتراب من متطلبات السلام الفعلي والتوقف عن التعنت، وتأكيد هذا المسار خلال العرض العسكري يرفع مستوى حساسيته إلى مستوى أعلى، كما أنه يعطي لمحة مقصودة عن جانب من العواقب التي ستترتب على فشل الهُــدنة؛ لأَنَّ الحرص على جعل هذا العرض بالذات هو أكبر عرض عسكري، واستعراض تجهيزات وإعدادات المعركة البحرية إلى حَــدّ الكشف عن صواريخ جديدة لم تكن معروفة من قبل، يمثل تنبيهاً واضحًا إلى توجّـه “كسر الحصار” البحري الذي يتمسك به تحالف العدوان كسلاح رئيسي.

وحديثُ الرئيس المشاط حولَ “إجراء اختبارات ناجحة خلال الأيّام الماضية لأسلحةٍ بحرية جديدة” وتأكيد القدرة على “ضرب أية نقطة في البحر من أي مكان على الجغرافيا البرية”، كان ملفتاً بما يكفي لتوضيحِ جزءٍ من ملامح المرحلة القادمة من المواجهة في حال فشل الهُــدنة، وهي مرحلة ستواكب في حجمها ونوعها حجم ونوع مستوى الإعداد والقوة الذي وصلت إليه القوات المسلحة كقوة متعاظمة لمشروع تحرّري قد أثبت حتمية نجاحه وثباته، وهو ما ترجمه العرضُ العسكري بشكل جلي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com