التَّسليـمُ الإلهيُّ وفقاً للثقافةِ القرآنية

هنادي محمد

  • جَميعُنا يَعْرِفُ مصطلحَ (التسّليم)، ويرى بأنَّ معرفتَهُ واعيةٌ وصائبة، لَكن الواقع وطبيعة سير الناس وطريقة حياتهم يكشف أنَّ هناك فجوةً كبيرة في فهم المضمون السليم لـ (التّسليم)، المضمون الفعْلي الذي لا ينحصر على الاعتقاد القلبيّ الجازم الجامد والذي يُفْقد هذا المبدأ المهم قيمتهُ الكُبرى كأَسَاس تُبنى عليه حياة الإنسان وتستقيم..

ولِأهميّة الموضوعِ نبدأُ أولاً بتعريف مفهوم (التسليم) بحسب تعريفات الشهيد القائد – رضوان ربي عليه – المذكورة في دروس متنوعة من دروس رمضان جمعناها وأوجزناها كالتالي:

[والتسليم لله بمعنى أنه يخليك تنضبط، وتعرف كيف تسير على هداه، وَإذَا ما تزال عند نفس واحد هو يريد يقدم نفسه هو شخصيًّا، يريد.. يريد.. يريد يكون هو الذي يعرف هو، هو الذي لازم هو بطريقته، وأنه عبقري، وأنه.. وأنه، هذا الذي عانت منه الأُمَّــة إلى الآن، هذه الفكرة هي التي عانت منها الأُمَّــة إلى الآن، والدنيا ملان مجتهدين [ومفنقلين] وعباقرة، وما عملوا شيئاً، ولم يقدموا للأُمَّـة أي حَـلّ نهائيًّا.

التسليم لله معناه: أن تكون عارفاً بأنك عبد لله، لا تتكبر على الإطلاق، وتقبل هدى الله، تقبل كُـلّ ما جاء من جهة الله سبحانه وتعالى، لا تتكبر. {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الآخرة حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف:147).

التسليم بمعنى: أن الإنسان يكونَ معترفاً بأن الله هو إلهُه، ورَبُّه، ويعرف الله، يعرف نفسَه أنه عبدٌ لله مأمور، يجب عليه أن يهتدي بهدى الله، وأن يلتزم بهدى الله، أنه عبد لله بكل ما تعنيه الكلمة، يسلِّم، لا يأتي من جانبه أية خاطرة تساؤل أمام فعل من أفعال الله سبحانه وتعالى؛ لأَنَّ الإنسان قاصر، قاصر في مداركه، لا يستطيع أن يدرك بعض تصرفات البشر أنفسهم، ناهيك عن تدبير الله، وأفعال الله سبحانه وتعالى].

ومن خِلال عرضنا لمفهوم (التّسليم) لَرُبَّمـا أننا تفهّمنا أن منبعهُ هو “النّفس”، أي أنّهُ شعورٌ داخلي نفسي يعيشهُ الإنسان ويؤمن بهِ إيمَــاناً تامّاً، ولا يعني كونها حالة نفسيّة أن تُحسب كمشاعر ولاء فقط كما يُخيّل لنا جهلاً، يشرح المقصود الشهيد القائد قائلاً:

[والتسليم، أَو الشعور بالتسليم هي حالة نفسية، أنا من داخل من أعماق نفسي أقر بعبوديتي لله، وأسلِّم نفسي لله، وأقبل أي تشريع من الله، سواء توافق مع مصالحي، أَو خالفها، سواء توافق مع رغباتي، أَو خالفها، سواء انسجم مع كبريائي، أَو خالفها، أنا عبد لله، أسلِّم، هذا لا بد أن يكون منطلقاً من داخل مشاعرك، ثم تستقم {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}].

ويضيف: [التسليم لله سبحانه وتعالى إضافة إلى كونه حالةً نفسيةً عند الإنسان، هو حالة أَيْـضاً في الواقع يتجلى من خلال طاعة واتّباع وانقياد وتوجّـه وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله]. ‘الدرس الرابع عشر من دروس رمضان”.

وكقاعدة فِطرية لا خلاف عليها هي أنَّ: الواقع العملي للإنسان هو تجسيدٌ لعالمهِ النفسي الخفي، وإيمَــانياً على ذات القاعدة فَـإنَّ الواقع العملي يُترجِمُ الواقع الإيمَــاني، إذن فـ (التسليم) لا بدّ أن يكون عمليًّا ليتوافق مع المفهوم القرآني، ويؤكّـد ذلك الشهيد القائد بقوله:

[والتسليم لله هي قضية عملية، لاحظ المسلمين لله، صابرين، صادقين، قانتين، منفقين، مستغفرين، كلها أليست قضية عملية؟ {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} (آل عمران: من الآية19) لم يكن هناك تسليم لله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسلام} أي: التسليم له، الإسلام له أي: التسليم له، الخضوع له، قابلية ما وجهه به وما هداه إليه وشرعه له. تلحظ كيف يأتي من النفوس التي ليست مسلّمة لله {بَغْياً بَيْنَهُم} بعدما بين البيان الكامل {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}] ‘الدرس الثاني عشر من دروس رمضان’.

ولِأنَّ (التّسليم) قضية عملية يتبيّن للألباب الواعية أنّهُ أَسَاس الدين، فلا دينَ دون تسليم لله ولأوامره والامتثال لها يمكن أن يُقْبل مِنك، والعلاقة الوطيدة الوثيقة بين الدين ومبدأ التّسليم تتمثل في حقيقة وحتمية في أنَّ الدين هو الطريق للتسليم لله، وفي هذا السياق يقول – رضوان ربي عليه:

[أَسَاس الدين: التسليم لله. أن يكون الإنسان موطناً نفسه فعلاً أن يكون مسلماً لله ومطيعاً لله. وقد جاء في القرآن الكريم، حشد حشداً هائلاً جِـدًّا مما هو من قصص الماضين ما يتجلى من خلاله أهميّة التسليم أَو خطورة عدم التسليم. ] ‘الدرس الرابع عشر من دروس رمضان’.

[{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الدين يعتبر لهذا الاسم دِيناً، ويعتبر نعمةً إلهية، ويعتبر الالتزام به، تعتبر إقامته تسليماً لله سبحانه وتعالى، فدينه هذا هو الإسلام، أي هو طريق التسليم له سبحانه وتعالى، هو الذي بالتزامك به، باهتدائك به، بتطبيقك له تعتبر مسلِّما لله، ومستسلما أمام الله سبحانه وتعالى]. ‘الدرس الواحد والعشرون من دروس رمضان”.

وهذا الدّين الإسلاميّ الذي ارتضاه الله ديناً سماوياً أصيلاً، قام على منهجٍ قويم تضمّن تشريعات ربّانية توجب على بني البشر – أَو من يدين بهذا الدين – الالتزام بها والسير على الطّريق التي رسمها الله لعباده، وإلّا فستكون النتيجة هي سيادة العشوائية الكارثية التخريبية والاختلافات الرَّهيبة كنتيجة طبيعية لعدم التّسليم، وهنا حديث للشهيد القائد قال فيه:

[إذا لم يحصل تسليم يكون كُـلّ واحد يقدم نفسه، يريد أن يطلع نصف إله، أَو ربع إله، من عنده يشرع. هذا أَسَاس القضية: التسليم لله، إذَا كان الناس مسلِّمين لله فهو سبحانه وتعالى هو قد جاء بالهدى، وصراط مستقيم، وبينات واضحة، يتبعونه، لا يحتاجون إلى أي شيء آخر يتعبون أنفسهم فيه، لا بحث، ولا استنباطات، ولا ترجيحات، ولا رؤى متعددة، ولا شيء. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:163) المسلمين لله، {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُـلّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُـلّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} (الأنعام: من الآية164)؛ لأَنَّ من لا يقتنع بالمسألة هذه كأنه يعدل، يبحث عن أرباب آخرين، هذه القضية خطيرة، ] ‘الدرس السادس والعشرون من دروس رمضان’.

ومن المعلوم أنَّ منهج الله هو كِتابهُ المُنزل -القرآن الكريم -، والذي لا يحوي تشريعات وأوامر ونواهي فقط، وإنَّما يُقدّم هداية للعالمين (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة اﻷعراف 52]، وهذا الهدى العظيم ليس إلّا مظهر واحد من أبلغ مظاهر رحمة الله، ولِعِظم هُدى الله كانت وما زالت وستبقى رابطتهُ الوثيقة بالتسليم كوسيلة أولى لاقتطاف الثمار ولمس الأثر في تحقّق عملية الاهتداء على أكمَل وجــه، وفي هذا المقام المهم يوضّح الشهيد القائد علاقة التسليم بهدى الله قائلاً:

[التسليم يقتضي منك أن تعطي أهميّة لما يأتي من هدى الله، تعطيه أهميّة كبيرة، تتفاعل بجدية معه، وإلا فسيكون الإنسان معرضاً لأشياء خطيرة، معرضاً لأن يُضَل، ومعرَّضٌ لأن تأتي له ابتلاءات أَيْـضاً يَضِل بعدها. ] ‘الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان’.

وعلى ضوء النقطة السابقة التي تم التأكيدُ فيها على ضرورة أن يكون هناك تسليم لما جاء من الهدى وذلك بالتفاعل الجاد عمليًّا، مما يعني أنّ السبيل الأمثل والأول لِأُقيّم نفسي وأقيس درجة التسليم لدي هو عن طريق اعتماد معيار (الاتباع العملي) لقول الشهيد القائد الذي تطرّق إليه في الدرس الثالث عشر من دروس رمضان، حَيثُ قال:

[فدور الناس أَو تنتهي القضية بالنسبة للناس إلى التسليم المطلق لأمر الله سبحانه وتعالى{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} تدَّعون أنكم تحبون الله{فَاْتَّبِعُوْنِيْ} هذا مؤشر وعلامة للتسليم لله سبحانه وتعالى، وليس كُـلّ واحد من عنده من هنا ومن هنا فاتبعوني ليحببكم الله. الله قد جعل علامة التسليم له ومصداقية حبه أن يتبعوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم قال بعد:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (آل عمران: من الآية 32) اتباع طاعة قد يكون الإتباع فيه نوعٌ من الشعور بالقسرية بالكراهية بنوع من الثقل على النفس، لكن يجب أن يكون على هذا النحو: الإتباع لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) اتباع طاعة {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (آل عمران: من الآية 32) هذا الرسول وإن لم يكن منكم، وإن لم يكن من بني إسرائيل، الله هو الذي له الحكم والأمر في عباده، يجب أن تسلموا له].

وفي خِضمِّ حديثنا حول هذا موضوع، هناك حالة خطيرة قد يقع فيها الإنسان وجَبَ التَّنبيه لها وهي: أن الإنسان إذَا عبَدَ الله عبادة قاصرة، أي فيها خلل ما كرياء أَو غرور أَو معاصي، بمعنى تعبد على غير وعي وبدون بصيرة فهذا قد يعرضه لابتلاء ويسقطه، أي عبادة منصرفة عن قضية التّسليم، كمثال على ذلك: عبادة إبليس كانت عبادة يملؤها الخلل، اهتم أن يكون متعبّداً ولم يحرص خلال مسيرته الإيمَــانية الطويلة على أن تكون عبادة لها أثرٌ في نفسه، زكاءً وارتقاء وتسليماً مطلقاً لله وعندما جاء الاختبار رسب وسقط؛ لأَنَّه تناسى أنَّ العبادة عمل في عمق التّسليم وواحدة من مظاهره.

ولاستيعاب هذه القضية نعرض حديثاً مأخوذاً من الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان للشهيد القائد قال فيه:

[الشيء الطبيعي بالنسبة للإنسان إذَا كان مستشعراً التسليم لله، وانه عبد لله، أنه كلما كثرت عبادته لله، وكلما عظمت عبادته لله سبحانه وتعالى، كلما ازداد تسليمه. فالعبادة هي أَسَاساً عمل في عمق التسليم لله، وتجليات لتسليم الإنسان لله، لا تأتي العبادة لله على نحو كلما تعبد الإنسان لله كلما كبر عند نفسه، كلما كبرت نفسه عنده إلا عبادة من؟ الجاهلين، عبادة المغرورين؛ لأَنَّ الشيء الطبيعي أنه كلما كنت أكثر عبادة لله كلما كنت أكثر تسليماً لله. لاحظ هنا نبي الله موسى في اللحظة هذه، تلاحظ تسليماً مطلقاً، لم يلتفت لنفسه أنه نبي، أَو غير نبي، نفسه كعبد لله: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}، لم يقل في نفسه: قد أنت نبي كيف لا يغفر لك وأنت نبي! لا يوجد عنده الفكرة هذه، منقطع تماماً في التسليم لله، والذي يسيطر على مشاعره العبودية لله سبحانه وتعالى].

ويضيف: [كيفما كنت، لا تستطيع أن تشكل ضمانة لنفسك على الإطلاق. عندما تتعبد تتعبد، وكلما تعبدت لله بفرائض ونوافل، وأشياء من هذه، كلما رأيت نفسك تكبر وتكبر أنت عند نفسك هنا ستسقط إلى الحضيض، ستسقط إلى الحضيض فعلاً، تعبَّد لله وأنت في الطريق، لا يكن تعبُّد الفاسق؛ لأَنَّ كلمة فسق في اللغة العربية بمعنى: خرج عن الشيء، الخروج التلقائي، أَو الخروج المتعمد، أَو كيفما كان، الفسق معناه: الخروج عن الجادة، أَو الخروج عن الشيء الذي كان يجب أن يكون عليه. ]

ونظراً لِتسرّب الكم الهائل من الثقافات المغلوطة إلى واقع الأُمَّــة، فَـإنَّ النظرة الجاهلة اللاواعية إلى قضية الابتلاء – بحسب ما قدمتها أهل الضلال – بأنها مظهر من مظاهر رحمة الله للعبد المُبتلى وصورة لتجسيد الحب الإلهي؟!، كثقافة تتنافى تماماً مع قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[سورة الروم 41].

والثقافةُ القرآنيةُ فنّدت هذه القضية وبيّنت أنَّ الابتلاءات سنة إلهية حتى مع أنبياء الله لها نتائج سلبية قد تُسقط الإنسان فيُعاقب ويُخذل إذَا كان لديه نقصٌ في التسليم، بمعنى أن يكون فاسق أَو لديه اختلال سلوكي أَو نقص وعي أَو يكون قد قام بتجاوزٍ ما جعلهُ مستحقاً للعقوبة، ونتائج إيجابية تعود على من التزم وسلّم لله ولأمره وتدبيره، وهذا النوع من الابتلاء يسهم في بناء الإنسان فيعرف نقاط ضعفه ويعمل على تقويتها ويعرف مكمن القصور ويعمل على تداركه وتصحيحه، والمهم في هذا هو إدراك العلاقة بين التسليم والابتلاء كما فصّل ذلك وأنار بقصص القرآن بصيرة الخلائق الشهيد القائد قائلاً:

[هنا في قصة أصحاب القرية هذه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} (الأعراف: من الآية163)، قرية مطلة على البحر من قرى بني إسرائيل، أَو قرى فيها يسكنها بنوا إسرائيل. {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} (الأعراف: من الآية163)، يتعدون ما فرض عليهم في يوم السبت، أن لا يصطادوا السمك، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} (الأعراف: من الآية163) فوق سطح الماء، وقريبة إلى الساحل، الحوت تأتي أمامهم هكذا، {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف: من الآية163). هذه القضية تتجلى في داخل آيات القرآن أنها قضية خطيرة على الإنسان، وأنه في نفس الوقت يُقدَم داخل القرآن ما قد يجعل الإنسان بعيدًا عن ابتلاءات من هذه، منها هذه القضية: التسليم المطلق لله، والإيمَــان الواعي، واللجوء الدائم، والمطلق إلى الله، وإلا فقد تتعرض لابتلاءات وأنتْ عِنْدك أنكْ فاهم، ومؤمن تماماً، [ولو يأتي ما يأتي لن أتغير]، أليس بعض الناس قد يقول هكذا؟ [لو يجي ما يجي لما تحولت لو لو.. لما حصل كذا]!. هذه قضية لا تطمئن إلى نفسك على الإطلاق، لا تنقطع إلى نفسك، انقطع إلى الله]’ الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان’.

أخيراً: مطلوبٌ أن يكون الشيء الأَسَاسي هو أن يسلّم المؤمن ولا يتساءل أَو يستغرب لما يأتي من عند الله حتى لو لم يوافق هواه، وهنا كضرورة لا بد من الانقطاع إلى الله، بمعنى لا تثق بنفسك أنّك نبي أَو ولي أَو مجاهد ولا يمكن أن يؤثر فيك شيء، ولا يمكن أن تتزعزع، لا.. بل لا بد أن تنقطع إلى الله وتدعوهُ بالثبات والاستقامة أمام الابتلاءات وأمام الاختبارات والفتن التي تُسقط الإنسان إذَا كان تسليمهُ وارتباطه بالله ضعيف، أمّا إذَا كان مسلّم ويدعو الله بالثبات فَـإنَّ الله يثبّتهُ ويوفقهُ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [سورة محمد 17].

وإذا ما كان هذا الانقطاع لله مترسخٌ ولديه معرفة بحتمية تعرضه للابتلاء وللفتنة سيعينه الله على تلافيها وتداركها والخروج منها..، نترك الحديث الجوهري القيّم بهذا الخصوص للشهيد القائد:

[التسليم الإلهي يجب أن يكون هو الشيء المترسخ في ذهنيتك، ومشاعرك، وأقرب شيء في ذهنيتك أمام أية قضية تطرأ، أمام أي قضية تحصل. نبي الله موسى هنا كيف قال؟ {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} (الأعراف: من الآية155)، بسرعة، هذه الروحية ـ فعلاً ـ هي ماذا؟ روحية، أَو قل: منطق من يرسخ في نفسه التسليم المطلق لله، والإيمَــان بأن الهدى هو من عند الله، وأنه كإنسان يجب أن يكون واثقاً بالله، لا يثق بنفسه، إذَا انفرد مع نفسه، إذَا وثق بنفسه، وقال نحن.. أَو أشياء من هذه، يأتي وراءها أشياء أُخرى. فجاء تسليم من عند موسى بسرعة: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أنت وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (الأعراف: من الآية156). هذه قضية أَسَاسية بالنسبة للإنسان بشكل عام، سواء الأنبياء، العلماء، الأولياء، كُـلّ فرد من الناس يجب أن يكون دائماً يعرف أن أَسَاس أن يهتدي، وأَسَاس أن يحظى بعناية الله، ورعايته، أن يكون مرسخاً في نفسه التسليم لله، والتسليم الواعي، أنت مؤمن بأنه حكيم، إذَا يجب في كُـلّ فعل من أفعاله، تسمعه، أَو تراه، أن تؤمن بأنه حكمة، أن الله لا يفعل شيئاً إلا وهو حكيم، فتقول:{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أنت الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}] ‘الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان’.

أسألُ من الله الهداية والتوفيق والثبات، والعون والسداد والرشاد، وحسن الخاتمة بالاستشهاد.

والعاقبـةُ للمتقيـن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com