ابتكاراتٌ تقودُ إلى الاكتفاء.. الإبداعُ في زمن العدوان

المبتكر الصنعاني: مهما طال العدوان والحصار فلن يزيدنا إلا قوةً في المضي نحو التصنيع والاكتفاء الذاتي

المبتكران الحكيم والمحلة: نشاركُ بقدراتنا الابتكارية في بناء الأمن؛ مِن أجلِ تحقيق عزتها وكرامتها

المسيرة / أيمن قايد

لم يتمكّنِ العدوانُ الأمريكي السعوديّ من الوصولِ إلى تحقيق هدفه المنشود المتمثل في قتل طموح أبناء الشعب اليمني وتطلعاتهم، وعلى العكس من ذلك استطاع اليمنيون الخروج من واقعهم المؤلم، مستمدين العون من الله عز وجل في مواجهة العدوان بكل ما أوتوا من قوة، فظهر الإبداع في أبهى تجلياته، وتمكّن المخترعون اليمنيون من إيجاد الحلول المناسبة النابعة من رحم معاناة العدوان وحصاره الجائر.

وبعد مرحلة كبيرة من قتل للمواهب ومحاربة المخترعين من أبناء الشعب اليمني نتيجة تلك الوصاية التي كانت تفرضها قوى الهيمنة والتبعية، جاءت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014؛ لتلبي طموح الشباب الموهوب ولتعمل على دعمه وخلق بيئة مناسبة للإبداع والابتكار.

ووفقاً لتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، في دعم الشباب الموهوبين والاستفادة من الخبرات المحلية للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في التصنيع والإنتاج المحلي، فقد تم إنشاء الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وذلك وفقاً لقرار رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشّاط، في العام 2022م؛ بهَدفِ خلق بيئة محفزة وداعمة للتميز والإبداع والابتكار والبحث العلمي في مجال العلوم والتكنولوجيا، حَيثُ انطلق المبدعون في مختلف جوانب الحياة لإبراز مواهبهم وقدراتهم الإبداعية؛ بهَدفِ تخفيف معاناة المواطن اليمني والحد من إنفاق التكاليف الباهظة في العمل والتشغيل وذلك بطرق مناسبة وبأساليب متميزة وبسيطة.

 

ماكنةُ الحبوب الدوائية

وهناك زاويا عديدة الإبداع للعديد من الشباب والمبتكرين الطموحين، حاولت صحيفة “المسيرة” تسليط الضوء على أهم ابتكاراتهم والتي كان لها صدى واسع وكبير، فالمبتكر هشام أحمد الصنعاني، على سبيل المثال تمكّن من اختراع مكينة لتعبئة وتغليف الحبوب الدوائية، وهي مكينة مكتملة تحل محل المكينة المستوردة والتي عادة ما تكون باهظة الثمن، الأمر الذي يؤثر في ارتفاع أسعار الأدوية؛ نتيجةً لسعرها الباهظ مع أسعار قطع غيارها الباهظة وصيانتها الصعبة.

المبتكر هشام الصنعاني ومعه بعض من رفاقه يوضح طريقة عمل هذه المكينة التي تعمل على تعبئة وتغليف الحبوب الدوائية قائلاً: “في البداية تقوم المكينة بتشكيل الشريط الذي ستوضع فيه الحبوب ومن ثم تقوم بتعبئة الحبوب إلى الشريط عبر قمع دوار يتم تجميع الحبوب الدوائية فيه ومن ثم يتم تغليف الشريط بقصدير ويتم كبسه حرارياً ليكون مُحكم الإغلاق ومطابق للمواصفات والمقاييس ومن ثم يتم قص كُـلّ شريط لوحده عبر قالب قص.

وهنا نجد أن ثمة دوافع جعلت هذه المكينة محلاً للإنجاز، حَيثُ يقول الصنعاني إن الحصار الجائر من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا وحصار الموانئ والمطارات هو من أبرز الدوافع التي جعلته يخترع هذا الاختراع، إضافة إلى ذلك أسعار الأدوية المرتفعة في هذا الوضع المتدني الذي يعيشه المواطن اليمني، بالإضافة إلى أسعار مكائن التعبئة وقطع غيارها التابع لها مع قلة مصانع الأدوية في اليمن، هو الذي دفع المخترع هشام الصنعاني إلى ابتكار هذه المكينة ومعه فريقه الذي كان وراء تحفيزه وتشجيعه في اختراع الآلة وهم: محمد عبد الله القعود – ومحمد الوصابي – ومحمد خالد المخلافي.

وكما هي طبيعة الحال فَـإنَّ حجم العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا منذ ثمانية أعوام مع حربه الاقتصادية المدمّـرة قد خلفت الكثير من المعاناة على مستويات عدة إضافة إلى المعاناة السابقة؛ نتيجة تلك المؤامرات، لذلك لا بُـدَّ من وجود صعوبات تواجهُ المبتكر اليمني في الوقت الراهن، والتي منها السيولة المالية التي يحتاجها المبتكر في عمل المشروع والاختراع؛ كون ذلك يحتاج إلى رأس مال وورشات خَاصَّة كما يقول المخترع الصنعاني.

ومن ناحية أُخرى فَـإنَّ دور حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء في دعم المبتكرين قد تمثل في إقامة مسابقة وطنية للمشاريع والابتكارات وهو دعم يصفه المخترعون بالقوي والمحفز؛ مِن أجلِ إيصال الصوت والكلمة والاختراع إلى العديد من الناس، ومن الضروري دعم وتبني هذه المشاريع من قبل الدولة ولو بالمتاح، يقول المبتكرون.

ويوجه المخترع الصنعاني رسالة هامة لقوى العدوان وَالحصار على بلادنا، مؤكّـداً أنهم مهما طال الحصار لشعبنا ومهما طغيتم فهناك عقولٌ وأيادٍ يمنية قادرةٌ على الاكتفاء ذاتياً في كُـلّ المجالات وما زدتمونا إلا قوةً وخِبرةً ووعيًا، كما يخاطب كافة زملائه المخترعين قائلاً: “جاهدوا وناضلوا لتصلو لمبتغاكم وحتى إذَا لم تلقوا من يدعمكم كونوا دعماً وسنداً لأنفسكم أولاً”.

أما دور الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار فقد ظهر جلياً مؤخّراً وذلك في تكوين عدة أساليب وطرق لمنح الشباب المبدع فرصة في إبراز الموهبة والإبداع، وبهذا الشأن يتقدم المخترع الصنعاني بالشكر الجزيل لهذه الهيئة على ما بذلوه من جهد لإنجاح المسابقة الوطنية التي كانت بداية الانطلاقة، وتعريف الناس، كما أن الشكر موصول لحكومة الإنقاذ الموقرة على صمودها في وجه العدوان ومحاولتها في دعم المخترعين والمبتكرين.

 

فراطةُ الذرة

ويأتي منجز جديد واختراع جديد، للمبتكرين محمد طاهر الحكيم وزميله خالد مجاهد المحلة، اللذين توجّـها وعقدا العزم بعد توكلهما على الله وفي ظل القيادة الحكيمة، في المشاركة بقدراتهم الابتكارية في بناء الأُمَّــة؛ مِن أجلِ تحقيق عزتها وكرامتها، وذلك بدافع الشعور بالمسؤولية في بذل الجهد لمواجهة الأعداء وما يتربصونه بالجميع من خطط ومؤامرات، وعملوا على إيجاد الحلول للمجتمع اليمني وهم في عزم على منافسة الابتكارات الخارجية.

ومن هذا المنطلق يوضح المبتكر محمد طاهر الحكيم، آلية العمل لهذا الاختراع قائلاً: “الابتكار الذي قدمناه عبارة عن آلة زراعية متعددة الأغراض، فراطة ذرة شامية وقطاعة أعلاف في نفس الآلة، ووصفها المختصر كالتالي:-الحكيم اليماني للآلات المطورة ومكتوب عليها عبارة Made in Yemen صنع في اليمن، وأطلقوا عليها اسماً هو:- Rotary Disk.

ويجمع الابتكار بين فراطة الذرة الشامية وقطاعة الأعلاف في آلة واحدة تعمل بقدرة إنتاجية عالية تقدر بـ 1200 كجم/ساعة وبطاقة تشغيلية لا تزيد عن كيلو ونصف وات، أبعادها الحالية 50 × 50 سم بارتفاع 140 سم، وهناك إمْكَانية لتكبير حجم الآلة لغرض زيادة الإنتاجية أَو تصغيرها، حسب حاجة وحجم حيازة المزارع.

آلة بسيطة جِـدًّا، لكن ما يميزها أنها تعمل بنظام الطرد المركزي والجاذبية والدوران بالمحور الرأسي، كما تمتاز بعدم تكسير الحبوب، فهي تفصل الحبوب عن الأكواز بعناية فائقة تمنع التكسير حتى عن الأكواز.

أما فيما يخص وظيفتها في تقطيع الأعلاف أَو فرمها، فَـإنَّه يتم تغيير القرص (الصحن) الخاص بتقطيع الأعلاف، ويستخدم نفس الصحن مع حاجز التلقيم وزيادة السرعة لفرم الأعلاف، وتقطيعها بتنقيص السرعة، وأهم ما يميز الآلة إمْكَانية تشغيلها بأي محرك سواء بالوقود أَو بالكهرباء أَو بالطاقة الشمسية.

الابتكار دخل حيز التشغيل الميداني، وحصل على المركز الثاني في مسابقة مواد الابتكار، ومُقيّم من كبار أساتذة الميكاترونكس والميكانيك والهندسة الزراعية.

المبتكر محمد طاهر الحكيم يقول عبر صحيفة المسيرة: إن الدوافع التي جعلته يبتكر هذه الآلة عديدة أولها طلب الرضى من الله سبحانه وتعالى والعون وأن يقدم ابتكار ينفع المزارع اليمني ويسهل عليه ما يعانيه ويخسرُه من وقت ومال وجهد، إضافة إلى عدم وجود آلات مثل هذه؛ لأَنَّ الموجودَ نادرٌ وكثيرُ التكلفة وغالي الثمن ويكسرُ الحبوب.

ويضيف الحكيم قائلاً: إن الذي حفزنا وشجعنا للاختراع هو توجّـه القيادة الصادق للتحول إلى بلد مكتف ذاتياً، قوي عزيز مصنع، ومن خلال توجيهات القيادة للمجتمع بالتحَرّك، تحَرّكنا وبحثنا وكذلك قامت مؤسّسة بنيان التنموية بالتواصل معنا وتجميع فريقاً من المبدعين والمبتكرين والقيام بعدة أنشطه وتدريب وتأهيل ونزول ميداني وتجميع بيانات ومشاكل المزارعين وتحديد الأولويات وطرحها علينا وبعون من الله وتأييده وفضله علينا ونتيجة للتحَرّك الصادق للرجال الصادقين والواثقين بالله وجدت العديد من الابتكارات في المجال الزراعي ومنها الآلة الزراعية المتعددة الأغراض Rotary Disk آلة القرص الدوار.

فيما تكمن الصعوبات التي يواجهها المخترع الحكيم في عدم وجود ورشة متكاملة خاصه لتنفيذ الابتكارات مما يؤخر التنفيذ وتزداد التكلفة، إضافة إلى عدم وجود رعاية كافية للمبتكرين مما يجعلهم يحجمون عن التقدم ويدفعهم للتحول عن هذا الطريق إلى طريق آخرَ؛ بحثاً عن لقمة العيش.

ويوجه الحكيم رسالته لقوى العدوان قائلاً: نحن سننتصر بقوة الله فنحن أولو قوة وأولو بأس شديد ونحن شعب لا ينكسر ولا يهزم وما عدوانكم إلَّا حافز لنا لنتحول إلى بلد أقوى ومكتفٍ ذاتياً، فيما يخاطب زملائه المخترعين بقوله لهم: رسالتنا للمبتكرين من زملائنا هي بالتوكل على الله وبالثقة بالله والتحَرّك وفق توجيهات القيادة وعدم اليأس وعدم الاستماع للمثبطين، ساهموا في بناء الأمَّة.

ويقول للهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا وللحكومة بشكل عام: إلى متى يتم التأجيل في تنفيذ الابتكارات الناجحة وتمويلها؟ وإلى متى سيتم توفير ما يصرف في لقاءات واجتماعات ودراسات وأبحاث ونقاشات وصرفها في خطوط إنتاج للابتكارات الناجحة؟ هل على المبتكر تحمل جميع الأعباء لتنفيذ ابتكاره؟ هل على المبتكر مسؤولية إخراج الابتكار للواقع وهو لا تتوفر لديه الإمْكَانيات لإعاشة نفسه وعائلته؟ هل على المبتكر أن يقدم دراسة جدوى لابتكاره وأن يقوم بتصميم البروشورات الدعائية والتسويق؟

شاكراً صحيفة “المسيرة” على إتاحة المجال وتسليط الضوء على المشروع والابتكار.

 

خط إنتاج العسل

وفي وقت سابق كانت الصحيفة قد التقت بمبتكر آخر وهو المهندس حاتم إسحاق، وهو مخترع خط إنتاج فرز وتعبئة وتغليف العسل اليمني، والذي يعتبر الأول من نوعه في الوطن، وهو يجمع بين خمس مراحل في خط إنتاج واحد.

وهناك العديد والعديد من الشباب المبدعين الذين تميزوا باختراعاتهم رغم قلة الإمْكَانات إلَّا أنهم استطاعوا وضع بصمة مشهودة في خدمة الوطن والمواطن اليمني في مختلف مجالات الحياة، مؤكّـدين على مواصلتهم طريق الإبداع والتميز لينقلوا الصورة الحقيقية للرجل اليمني الذي لا تقهره أية قوة ولا تغلبه الظروف مهما كانت التحديات والصعاب.

وبهذا فَـإنَّ العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم لم يكن يعلم بأن اليمني الطموح سيجعل من هذا العدوان فرصة للابتكار وإيجاد الحلول لكافة المشاكل والتحديات، وهذه رسالة قوية مفادها أنه ومهما حاول العدوّ في تأجيج الأوضاع وخلق المعاناة، فَـإنَّ غباءه قد جره إلى أخذ الهزيمة والانكسار وإعلان الفشل، حَيثُ وقد هيأ للشباب اليمني ساحة ميدانية وحقول للتجارب العلمية والعملية وتحويل التحديات إلى فرص للإنتاج والظهور والتصنيع المحلي.

وكما شهدت السنوات الماضية في ظل العدوان والحصار الغاشم انتصاراً في الصناعة العسكرية، فَـإنَّ اليمنيين يمضون بخطوات ثابتة نحو التصنيع في كافة المجالات، وأملهم بالله كبير بأنهم سيصلون وبلا شك إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com