قضايا المجتمع وهمومُ الناس في زمن العدوان والحصار تتصدر المشهد ، “ألف لام ميم”.. المسرحُ يعودُ من جديد!

المسيرة| محمد ناصر حتروش

يُعتبَرُ المسرحُ أحدَ الفنون الثقافية ووسيلةً ناجعةً في صناعة الوعي لدى الجماهير المستهدفة؛ وذلك كونه يخاطبُ جموعاً غفيرةً من الجماهير، وَيخلقُ تفاعلاً مباشراً بين جمهور المسرح وممثليه، فمن خلاله يتم مناقشة مشاكل الشعوب ويحاول معالجة أخطاء المجتمع بأساليب فكاهية ودرامية غير مجرحة.

وعلى الرغم من الأهميّة القصوى للمسرح إلَّا أن ثقافتَه بدأت تتلاشى خلال السنوات الماضية، وذلك لعدة أسباب كالتطور التكنولوجي، وانتشار وسائل السوشيال ميديا وإهمال وزارة الثقافة لهذ النوع من الفن، كما يقول البعض.

وخلال الأشهر الماضية، برز المسرح (ألف لام ميم) كأول مسرح يقام بشكل مُستمرّ على مدى العام، ويناقش مسرح ألف لام ميم معاناة الشعب اليمني جراء الحصار والعدوان محاولاً زرع البسمة في شفاه شريحة واسعة من المجتمع.

ويؤكّـد القائمون على المسرح أنه سيستمر في أدائه، متطرقاً لأبرز مشاكل المجتمع، معتبرين توافُدَ الجموع الغفيرة للمسرح حافزاً معنوياً وسبباً جوهرياً للاستمرار في الأداء وتجاوز كُـلّ الصعاب.

 

المسرحُ يترجمُ معاناة الشعوب

ويُستخدَمُ المسرحُ لترجمة معاناة الشعوب على الجماهير، وتنمية وعيهم، وفي هذا الشأن يؤكّـد المخرج المسرحي قيس السماوي أن المسرح لا يتقيّدُ بحدود زمنية أَو تطور تكنولوجيا معينة؛ وذلك كون المسرح مواكب للتطور ومتنفس لكل الشعوب.

ويوضح السماوي في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن غالبية الجماهير تذهب باستمرار للمسرح دون ملل، بالإضافة إلى أن المسرح يخاطب جموعاً غفيرة من الجماهير ويستمعُ إلى أُطروحاتهم وملاحظاتهم ويستطيع الجمهور أن يلتقيَ بالفنانين المشاركين، وأخذ صور معهم في تلك اللحظة، فالمسرح لا غنى عنه بالتكنولوجيا مهما تقدمت وأصبحت شيئاً أَسَاسياً في حياتنا.

ويقول السماوي: إن المسرح لغة الشعوب وثقافتها المتعاقبة وهو الوجه الآخر لكل بلد يرتقي إلى مصاف الدول الأكثر وعياً وفكراً، كما أن المسرح بمثابة لغة لترجمة معاناة الشعوب ولمعالجة الأخطاء المجتمعية بأُسلُـوب نقدي ساخر دون التجريح أَو التصريح، واصفاً المسرح بالقول: وجود المسرح شيء مقدس لكل بلد تهدف من خلاله إيصال تراثها وثقافتها وعادتها وكذلك لغتها إلى باقي العالم وهو كما قلنا سابقًا المسرح متنفس الشعوب.

وتقام نهاية كُـلّ أسبوع عروض دائمة ومنتظمة لمسرحيات هادفة في العاصمة صنعاء على خشبة مسرح (أ ل م)، يشارك فيها كوكبة من نجوم الدراما باليمن، ويعالج قضايا مجتمعية بأُسلُـوب لا يخل من الكوميديا التي تعد عنصراً أَسَاسياً لجذب الجمهور.

وجاءت فكرة مسرح (أ ل م) من معاناة الشعب اليمني الذي يواجه عدواناً وحصاراً غاشماً للعام الثامن على التوالي، حَيثُ حاول كوكبة من المسرحيين استغلال ما لديهم من طاقات لجمع شتات الفنانين الذين كانوا ضمن الفئات التي تعرضت للضرر الكبير جراء العدوان والحصار على بلادنا.

وبحسب القائمين على المسرح، فإنهم يسعون إلى أن يكون المسرح مُستمرّاً، وعلى مدى خمس سنوات قادمة، لمعالجة قضايا اجتماعية، وإبراز معاناة المواطنين، بأساليب شيقة ومتنوعة.

ويقول مدير مسرح (أ ل م) نذير العريقي: “يُقال أعطني مسرحاً أعطِك شعباً مثقفاً، ووجودُ مسرح كوميدي توعوي يمثل أهميّة كبرى لأي مجتمع، فالمسرحُ له فوائدُ كبيرةٌ ومهمة للفرد والجماعة، فهو يُجسد الواقع بصورهِ المتعددة، ويتوصل إلى حلول لمشاكل المجتمع وَالمسرح أَيْـضاً يزيد نسبة الوعي بين الناس؛ كونه يتطرق إلى قضايا مختلفة بطريقه كوميدية سرعان ما تأخذ طريقها إلى قلوب الناس”.

ويضيف “من هنا جاءت فكرة إيجاد مسرح سُمي بمسرح (ألف لام ميم) نجمع فيه نجوم الكوميديا اليمنية، ونقدم أعمالاً مسرحية هادفة؛ ولأن المسرح في اليمن أصبح شبه منعدم وأصبح مسرحاً موسمياً ومناسباتياً، فإن وجد كان التحدي الحقيقي هنا هو تأسيس مسرح مُستمرّ في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا من عدوان جائر وحصار من قبل دول العدوان”.

ويؤكّـد العريقي أنه “بفضل من الله تعالى ورغم الصعاب نجح فريق مسرح (أ، ل، م)، واستمر بتقديم العروض المسرحية من بداية العام الجاري 2022 بشكل أسبوعي، مبينًا أن فكرة عرض المسرح تتكون من عرض كُـلّ أسبوع يقدم مرتين يومي الخميس والجمعة، وتم اختيارُ فترة ما بعد العصر؛ كون هذه الفترة تقريبًا مناسِبةً لأغلبية الناس”.

ويلفت العريقي إلى أن المسرحَ مثّل البدل المناسب لمجالس القات وأن تدشين المسرح جعل الكثير من الجماهير تتوجّـه إليه، الأمر الذي يثبت مدى المتعطش للمسرح، مردفاً بالقول: فاسمحوا لي من خلالكم أن أقدم التحية الخالصة والشكر لجمهورنا في المسرح العامل الأَسَاسي للنجاح وَالذي ساعدنا بشكل كبير للاستمرار وإن شاء الله ستستمر عروضنا ويستمر مسرح (ألف لام ميم) بتقديم مختلف العروض الكوميدية الهادفة حتى نهاية العام الجاري والأعوام القادمة.

ويجزمُ المديرُ التنفيذي لمسرح “أ، ل، م” بأن اليمن تمتلكُ أفضلَ الممثلين في المسرح وأن الكثير من أساتذة الممثلين من الرعيل الأول قدموا لنا أعمالاً مسرحيهً جماهيرية تُحترم وعلى أيديهم تتلمذ الكثير من نجوم اليوم.

ويشير إلى أنه في الفترة الأخيرة من الزمن وتقريبًا بداية الألفين قلَّ الاهتمامُ بالمسرح من جانب الدولة بشكل خاص، مما أَدَّى إلى عزوف الكثير من كبار الفنانين عن المسرح، لافتاً إلى أنه انعدمت الفرق المسرحية واستولى كثيرٌ من دخلاء المسرح على هذا الفن الجميل والراقي وخلال هذه الفترة تحول المسرح إلى اسكتشات قصيرة تقدم في الأعراس والمناسبات واقتصر على هذا فقط.

ومن أجل عودة المسرح إلى مكانته ورونقه يقول العريقي: “لا بد من تكاتف الجميع سواء من جانب الدولة أَو القطاع الخاص في دعم هذا الفن، ولكن قبل ذلك لا بد من وجود نية حقيقية من قبل نجوم اليوم على تأسيس المسرح والاستمرار فيه من خلال تقديم الأعمال المسرحية الهادفة التي تحترم الجمهور وتقدم مسرحاً حقيقاً يخدم المجتمع ويحتوي على كافة عناصر المسرح من فكرة نص وسيناريو وإخراج وتمثيل وموسيقى”.

ويضيف العريقي: “نحن نعمل حَـاليًّا على تقديم عروض مسرحية جماهيرية، ونحرص على أن تكون في مستوى يليق بالمسرح اليمني وبشكل مشرف يبدأ باحترام الجمهور وينتهي بمناقشة كُـلّ القضايا الاجتماعية التي تهم المجتمع بشكل عام”.

ويتابع: “ما زال لدينا الكثير من القصور والأخطاء، لكن هذا لا يمنعُ من أن نستفيد من هذه التجربة فقد عملت إدارة المسرح على إعداد خطة سنوية تعمل من خلالها على استمرار المسرح وتطويره إلى الأفضل بشكل إيجابي والاستفادة من كُـلّ الخبرات الموجودة مع طاقم المسرح وَأَيْـضاً الاستفادة من كُـلّ الإمْكَانات المتاحة لنا”.

ويصف العريقي “المسرح بالحي والأكثر تفاعلاً في تطوير الوعي وتنمية الثقافة”، معتبرًا المسرح الأكثر رصيداً في خدمة الثقافة؛ وذلك لما يحتويه من إمْكَانيات فنية وتقنية تجعل القائمين على المسرح يحقّقون أهدافهم.

ويشكر العريقي كُـلَّ وسائل الإعلام والإعلاميين الذي أعطوا المسرحَ جزءًا من تقاريرهم، مثمناً دور كُـلّ من ساهم ودعم وعمل على إنجاح هذا المشروع المسرحي وإخراجه للنور لتحقيق الأهداف المرجوة منه، و”أتمنى من الجميع زيارتنا وتشريفنا خلال عروضنا القادمة والمُستمرّة طوال العام بشكل أسبوعي يومَي الخميس والجمعة”.

 

المسرحُ أبو الفنون

ويقدم على خشبة المسرح عروضاً مميزةً، تلقى اعجاباً من قبل الجمهور، الذين يتوافدون نهاية كُـلّ أسبوع للمتابعة، معتبرين عودة المسرح إلى الواجهة خطوةً متقدمة لإحياء الفنون من جديد، وبالشكل الذي يلبي رغباتهم.

ويقول المواطن محمد سليم إنه ومنذ أن سمع بمسرح (أ ل م) يحرص على الحضور ومشاهدة المسرحيات، مُشيراً إلى أن الواقعَ تغيّر تماماً، وأن ما كان يعرض في السابق من كوميديا لغرضِ الضحك فقط، أصبح وعبر هذا المسرح مختلفاً، فالناس يضحكون ويعتبرون ويتألمون، ويخرجون بالفائدة الكبيرة، داعياً إلى الاستمرارِ في تقديم المسرحيات الهادفة، ومطالباً الحكومةَ بدعم هذه الكوكبة من الفنانين؛ كي يصل المسرح إلى التطوير المُستمرّ، كما يطالب بأن لا يقتصر المسرح على قاعة معينة، بل يجب أن تفتح الكثير من القاعات في صنعاء وغيرها؛ لأَنَّ المسرح رسالة هادفة ومن يتعلم الناس الكثير من القيم والعادات والتقاليد الهادفة والتوعوية.

من جانبها، تقول بدور زايد: إن المسرحَ يناقش الكثيرُ من القضايا ولا سيما في زمن الحرب والمتاعب والآلام، مشيرة إلى أن المعالجة المسرحية قد تكون جانباً مهماً في معالجة الجوانب النفسية المحطمة لدى الناس؛ بسَببِ العدوان، وأنها فرصة للاستماع لمواهب الشباب وعلى مدار الأسبوع، وليس في المناسبات فقط، معتبرةً المسرحَ هو أروعَ الفنون إلى قلبها، وهي تشعُرُ بسعادة لا نظير لها عندما تتابع هذه المسرحيات بشكل مُستمرّ، وتشعر بأن اليمن بدأ يستعيدُ عافيته ولا يمكن كسره على الإطلاق، مثلما أراد العدوانُ الأمريكي السعوديّ الذي سعى خلال السنوات الثمان الماضية إلى سحقه وتدمير كُـلّ مقومات الحياة، لكنه الآن يخرُجُ من بين الركام ليقول للمعتدي: إننا شعبٌ جبار لا يعرف طريقاً للاستسلام.

بدوره، يعتبر الفنان المسرحي والتلفزيوني أسعد الكامل المسرحَ أبا الفنون والوسيلةَ الأكثرَ تأثيراً لإيصال الرسالة؛ لما يميزه من كسر الحاجز بين الممثل والجمهور كون الرسالة تصل بشكل مباشر وبطرق متنوعة سواء عن طريق الكوميديا أَو التراجيديا وكل حسب العرض المقدم وطبيعته.

ويرى أسعد الكامل أن المسرحَ يخلُقُ تفاعلاً بين الجماهير والممثلين، ويمكن طرح وجهات النظر من قبل الجمهور المستهدف.

ويقارن الكامل بين المسرح والتلفزيون والإذاعات قائلاً: “جميعُ تلك الوسائل هامة ولكن ما قد يميّز الدراما التلفزيونية أنها تستهدفُ جمهوراً أوسع، وقد يناقش المسلسل أكثرَ من قضية من خلال حلقاته”، أما المسرحُ فهو يعرض فكرةً معينة ويخاطب الجمهور الحاضر إلَّا في حالة تم تسجيلُ المسرحية وتصويرها، فهنا قد تتوسع رقعة الجمهور بينما يعد المسرح أداءً من مشهد واحد لا رجعة فيه بمعنى في حال حدوث خطأ ما فما على الممثلين إلَّا أن يتلافوا الخطأ بحيث لا يشعر الجمهور بذلك، بينما الدراما التلفزيونية هي أسهلُ بكثير للممثل ويمكنه تكرار المشهد لأكثر من مرة.

ولا يقتصرُ عملُ مسرح (أ ل م) على عروض الممثلين والفنانين الكبار أَو أصحاب الخِبرة، وإنما يفسحُ المجالَ أمام الموهوبين المبتدئين، فيتم صقلُ مواهبهم ويتعلمون أبجدياتِ العمل المسرحي؛ لتكون فرصة للنهوض من جديد، وهي خطوة تشجّع على الاستمرار في هذا الطريق، وُصُـولاً إلى بناء مسرحي كبير لا يتوقف عند حدود العاصمة صنعاء بل يتعداه إلى المحافظات والقرى والعزل، ليكون المسرحُ مرافِقاً للفنون الأُخرى التي تنتصرُ للقضية اليمنية في مواجهة أعتى طواغيت الأرض الذين يتحَرّكون في كافةِ المجالات وبكافةِ الأساليب لسحق اليمنيين وهزيمتهم، حتى تتحقّقَ لهم السيطرةُ على مقدرات وخيرات هذا البلد.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com