دفاعُ اليمنيين عن الرسول والرسالة.. دروسٌ من الهجرة النبوية

العلامة مفتاح: المكافأةُ الربانية من الهجرة أن الله شرح صدورَ الأنصار لدينه وملأ قلوبَهم محبةً لرسوله

 

المسيرة – أيمن قائد

تُـعَــدُّ الهجرةُ النبويةُ محطةً تاريخيةً هامَّةً في حياة الإسلام والرسالة السماوية، فهي تُمَثِّلُ نموذجاً عظيماً في رفض الظلم والذل والعيش تحت هيمنة الطغاة والجبابرة.

ولأن الهجرة تحمل في طياتها دروساً عظيمة فقد تفرَّدَ اليمنيون بلحظة هامة في سجل التاريخ الإسلامي متمثلة بدورهم في نصرة الإسلام قبل وبعد الهجرة، لندرك عظمة اليمنيين منذ أول يوم صدع فيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بدعوة الإسلام إلى يومنا هذا، فقد برز دور قبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتين في نصرة الإسلام خلال هجرة رسول الله عليهم، وقد سماهم الله في القرآن بالأنصار ومدحهم في أكثر من آية.

ولكن من المتأمل أنه في الوقت الذي كان فيه كفار قريش بمكة المكرمة يشنون شتى أنواع الحروب والمؤامرات على الرسول والرسالة كان الأنصار من قبيلة الأوس والخزرج اليمنيتين في مقدمة المناصرين والمدافعين عن الرسول والرسالة.

وبما أن التاريخ يعيد نفسه، فَـإنَّ أحفاد الأنصار اليوم يتلقون أشد أنواع الحروب وأفتكها من قبل قرن الشيطان الذي خالف نهج الرسول وسلك طريق التطبيع مع اليهود أعداء الإسلام والأمة، ولهذا تعتبر الهجرة النبوية مقدمة لتكوين النواة الأولى للأُمَّـة الإسلامية المتحرّرة من سيطرة كُـلّ طواغيت الاستكبار، والتي بإمْكَان أبناء الأُمَّــة الإسلامية أن يستفيدوا من دروس الهجرة في مواجهة كُـلّ مساعي الأعداء من الكافرين والمنافقين.

وبهذا يؤكّـد العلماءُ والخطباءُ والثقافيون خلال هذه الذكرى أن من أهم دروس الهجرة النبوية التي يجب أن تستوعبها الأُمَّــة في هذه المرحلة الحرجة هو حتميةُ وضرورة الأخذ بالأسباب؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله، والمحافظة على الرسالة الإلهية، والتربية الإيمَـانية على تقديم التضحيات واسترخاص الأنفس في سبيل الله، والاستعانة بالله والأخذ بالأسباب اقتدَاء بالحبيب المصطفى -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- الذي أخذ بكل أسباب القوة والعزة والنصر، مشيرين إلى أن من أهم الدروس كذلك هو الوعي بأسس بناء الدولة العادلة التي أقامها رسول الله في المدينة، فقد أسس المسجد ليكون منطلقاً للقيادة ومركزاً لبناء الدولة إلى جانب مهام المسجد العبادية والفكرية والتعبوية والجهادية والتحريض على مواجهة الأعداء، ثم قام رسول الله بعقد وتوثيق عرى المؤاخاة والأخوة الإيمَـانية بين المهاجرين والأنصار، وحصن المجتمع المدني من مكر اليهود، واقتلع بذور الفتنة، وقضى على الثارات التي زرعها اليهود بين الأوس والخزرج.

ونجد أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- قد حث المسلمين في المدينة على الزراعة، وأسّس لنهضة زراعية حولت الأرض الزراعية في المدينة إلى أرض خضراء تعود بالخير والعطاء على المسلمين، ووصل اهتمام الرسول بالزراعة إلى مستوى كبير، في دلالة واضحة ورسالة هامة مفادها بأن الزراعة عامل مهم وركيزة أَسَاسية في بناء الدولة.

 

محطةٌ تربوية

ولأهميّة هذا الحدث في التاريخ الإسلامي، والدروس التي يمكن الاستفادة منها في هجرة الرسول محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- يوضح مستشار المجلس السياسي الأعلى، العلامة محمد مفتاح، أن ذكرى الهجرة النبوية المباركة من أعظم المحطات التربوية للأُمَّـة التي فيها نجدد إيمَـاننا ويقيننا بفرج الله وجميل صنعه مع الصابرين من عباده، وكيف تنتهي مرحلة المعاناة القاسية لله وفي نفس سبيله بالفرج العظيم، وكيف تكون عاقبة الصبر لله.

ويقول العلامة مفتاح في تصريح خاص مع “صحيفة المسيرة”: إن هذه المناسبة تذكرنا بقدوتنا الأعظم النبي الأكرم -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- الذي بذل كُـلّ وقته وحياته وراحته لرفعة دين الله وتنفيذ أوامره، مُشيراً إلى ترك الرسول لداره ووطنه وتركه كُـلّ ما يملك وذهابه إلى بلد بعيدة من أهله وأصحابه؛ مِن أجلِ إقامة دين الله وإبلاغ رسالته بكُلِّ ثقةٍ بالله واعتمادٍ عليه.

ويضيف أن المكافَأة الربانية من الهجرة النبوية هي شرح صدور الأنصار لدينه وملأ قلوبهم محبة له فآثروه والمهاجرين معه على أنفسهم وبذلوا الأرواح والمهج بين يديه، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ).

بدوره، يتحدث الناشط في الشؤون الدينية الدكتور يوسف الحاضري قائلاً: عندما توسع القرآن الكريم في التعاطي مع موضوع هجرة النبي من خلال تسليط الضوء عليها من جميع الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وغيرها فهذا عكس مدى عظمة وأهميّة هذه المناسبة للإسلام والمسلمين ليس في ذلك العصر وإنما في كُـلّ العصور جيلاً بعد جيل.

ويضيف الحاضري أن القرآن الكريم قد تحدث عن نفسية الظلمة الطغاة الذين لم ينفعهم وجود رجل عظيم بعظمة النبي محمد بينهم 13عاماً بل تطوروا في معاداته لدرجة أنهم اتفقوا على قتلة أي قتل النور قتل الحياة قتل الأمان قتل النجاة فأستبدلهم الله بقوم ليسوا به بكافرين بقوم لم يستمعوا له إلَّا مرتين في بيعتي العقبة الأولى والثانية وهم الأنصار قبيلتان يمنيتان فناصروه وآووه واستقبلوه لدرجة أنهم تخلوا عن القيادة وسلموه إياه من أول لحظات قدومه يعكس مدى تبوئهم للإيمَـان الذي وصفهم الله في القرآن الكريم وهذا ما يجب عليه أن نكون في مسار حياتنا أن نكتفي بمعرفة الحق ثم التضحية لأجله بكل ما نمتلك حتى بأرواحنا.

ويشير إلى كيفية تعاطي القرآن مع الهجرة من جانب الجهاد والنفير والتحَرّك وتحمل المسئولية وذلك عندما جاء الحديث عن مسيرة الهجرة: (إلَّا تَنْصُرُوْهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ)، متوسطاً للحديث عن النفير والاستجابة لذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)، وآية: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) ومنها نتعلم دروس التحَرّك دون الالتفات إلى أهدافنا الشخصية وإنما هدف استخلافنا في الأرض ضمن إطار (كلمة الله هي العليا) وغيرها من دروس كثيرة وواسعة.

 

تضحيةٌ وفداء

من جهته، يقولُ الناشطُ الثقافي حسين الحضراني: إن الهجرةَ النبوية تعد مرحلة تاريخية هامة في تاريخ الإسلام والرسالة المحمدية والتي من خلالها اتضح المناصرون من المنافقين والصادقون من الكاذبين، مُشيراً إلى دور اليمنيين في مناصرة الرسول والرسالة وتضحياتهم؛ مِن أجلِ رفعة وعزة الإسلام.

ويضيف الحضراني أن الإمام علياً -عليه السلام- جسد أسمى وأرقى معاني الاستبسال والتضحية والفداء حينما نام على فراش الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-.

ختامًا ليس بمستنكر ما نراه اليوم من بأس اليمنيين ووقوفهم في وجه أعتى الدول أمريكا وإسرائيل، ولمن يمثلها من كافة الدول الأجنبية والعربية، وخُصُوصاً الخليجية وعلى رأسهم السعوديّة التي تقود علينا أشرس عدوان عرفه التاريخ، فَـإنَّ كُـلّ المخطّطات الأجنبية قد فشلت مساراتها في أرض اليمن، وتكسرت أحجارها على أيدي المجاهدين في الجبهات، وجهود المخلصين من أبنائها، فهؤلاء هم أحفاد أُولئك الذين كان لهم دور بارز في كسر شوكة الكفر وأهله في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومُرورًا بالإمام علي -عليه السلام-، وإلى أئمة أهل البيت “ع”، وهكذا عبر السنوات المتعاقبة، وها نحن نراها تتجلى أكثر في هذا الزمان، حَيثُ أصبح اليمنيون هم من يغيرون موازين القوى، ويحرفون معادلة القوة في العالم كله.

وصدق النبي المصطفى -صلى اللهُ عليه وآله وسلم- عندما قال: “إذا اشتدت الفتن فعليكم باليمن”.

وعندما قال: “الإيمَـانُ يمان والحكمةُ يمانية”، “إني لأجد نَفَسَ الرحمنِ من قِبَلِ اليمن”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com