مع العَلَم القائد في وثيقة العهد: الإيرادات والموظفون

هنادي محمد

  • وصل -يحفظه الله ويرعاه- في الدرس إلى تنمية الموارد المالية، وما يتعلق بالخراج، وهو عنوانٌ يعبَّر به عن الإيرادات المالية من الإنتاج الزراعي، وَأَيْـضاً يعبر عن الأراضي التي سيطر عليها المسلمون ثم تصالحوا مع أهلها، على أن تبقى في أيديهم مقابل نسبة معينة من محاصيل تلك الأموال للأُمَّـة الإسلامية للنظام الإسلامي.

قال -عَلَيْهِ السَّـلَامُ-: (وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ): رؤية سياسةً استراتيجية رشيدةً وعادلةً، تمثل المصلحة الحقيقية للأُمَّـة، ويبنى عليها الخير، وفيما يركِّز عليه الولاة والحكومات نفسها فيما يتعلق مثلاً بالإيراد المالي أن يكون كَبيراً، هذه الرؤية تحقّق هذا الهدف، إضافة إلى هدفٍ له أهميّة كبيرة في واقع الأُمَّــة وفقاً لسياسة الإصلاح؛ بما يصلح القطاع الزراعي ويساعد على استمراريته وحفظه وتطويره، وللأسف الشديد تراجع اهتمام المسلمين حكوماتٍ وشعوباً بالإنتاج الزراعي، السياسات المعادية للإسلام والمسلمين لها دورٌ في ذلك من خلال الأنظمة والحكومات العميلة التي تعمل في سياساتها، وتعتمد في سياساتها ما يمليه عليها أعداء الأُمَّــة، والغفلة والتخلف التي سادت في واقع أكثر المسلمين على مدى قرونٍ من الزمن، فتجد الاهتمام بالجانب الزراعي بشكلٍ كبير في الغرب، والعمل على تطويره والتركيز على الأولويات فيه.

نظرة الآخرين إلى هذا الجانب، تعتمد على ركيزتين:

الركيزة الأولى: يعتبرونها أمناً قومياً: أي أنها من الضروريات الأَسَاسية لكي يكونوا دولاً وشعوباً قوية، وحرة، ومستقلة قادرة على مواجهة أعدائها، ومواجهة التحديات والأخطار.

الركيزة الثانية: يدركون أنها تمثل ثروةً ضخمة وذلك بحساب المصلحة المالية، والاقتصادية، والزراعة والإنتاج الزراعي من أهم الثروات الضخمة.

المسلمون اليوم وهم يعيشون أزمات عالمية، وتحديات متنوعة، يحتاجون– أكثر من أي وقتٍ مضى- إلى تصحيح سياساتهم فيما يتعلق بهذا الموضوع وإلا سيكونون ضحية لتقصيرهم وإهمالهم؛ لأَنَ له علاقة بالحرية والاستقلال والكرامة، والثبات على المبادئ والقيم يمثل بالفعل أمناً قومياً للأمم والشعوب، وضرورةً للحياة.

(لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ): الكل بحاجة إلى المحصول والإنتاج الزراعي في موارده المالية وكغذاء واحتياج ضروري لحياتهم.

(وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرض أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ، أَخْرَبَ الْبِلَادَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ):

هذه عناوين مهمة جِـدًّا للاهتمام بالجانب الزراعي، إذَا جئنا إلى الاهتمام بهذا الجانب، فمفتاحه، وأَسَاس النجاح فيه، وأول ما ينبغي أن نحسب حسابه هو: ضرورة العودة إلى الله “سبحانه وتعالى” بشكلٍ عملي، أن نسعى لإصلاح أمرنا وديننا وأنفسنا وأعمالنا، لترسيخ تقوى الله “سبحانه وتعالى” في سلوكياتنا واهتماماتنا، وفي عنايتنا فيما يتعلق بمسؤولياتنا والتزاماتنا الإيمَـانية والدينية والأخلاقية، هذا جانبٌ مهمٌ جِـدًّا، والعناية بإخراج الزكاة لنحظى برعاية الله “سبحانه وتعالى” وبركاته وواسع فضله، لنحظى بالغيث منه “سبحانه وتعالى” {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن: الآية16، ضمن هذا الرجوع العملي هناك.

هناك أربع مقومات زراعية أَسَاسية يمكن الاستفادة منها: أولها: “الأرض الصالحة للزراعة”: يتوفر في بلدنا مساحات شاسعة جِـدًّا، وفي بيئات متنوعة، ولا زالت أكثرها مهملة.

في البيئة أَيْـضاً (التنوع البيئي): يساعد على وفرة وتنوع المحاصيل الزراعية، وَأَيْـضاً التكامل في الإنتاج الزراعي، الأرض المتوفرة للزراعة بحاجة إلى استثمار واستغلال وعمل، مما يؤثر على العمل في الجانب الزراعي: توجّـه الكثير من سكان الريف إلى المدن، وتكدسهم فيها مما يؤدي إلى تعطيل الزراعة، وهي إشكالية كبيرة وخطيرة علينا كمجتمعٍ يمني.

عندما نأتي إلى موضوع الأرض الزراعية، من المشاكل التي نعاني منها فيما يتعلق بهذا الجانب، هو: توجّـه الكثير من الناس للعمران في الأراضي الزراعية؛ واجبنا كشعبٍ يمني أن نكون حكماء، ونتصرف برشد وحكمة في تنظيم شؤون حياتنا والتخطيط لها ونترك العشوائية؛ لأَنَها منافية للحكمة.

من المشاكل فيما يتعلق بالأراضي الزراعية: استغراق أكثرها بزراعة القات، والاستمرار على هذه الطريقة، والقات آفة ضارة، ولا ينبغي أن يكون التوجّـه والسياسة المعتمدة في البلد هي استغراق الأرض بزراعته؛ لأَنَه لن يفيد الناس في حال حدوث أزمات غذائية وحصار لن ينفعهم.

ثاني المقومات الزراعية الأَسَاسية: المياه، هناك مناطق كثيرة تتوفر فيها المياه، نحتاج إلى الحصول على الماء بشكلٍ كبير، بما يلائم ويناسب مستوى الاحتياج، وهو من ضروريات الحياة وعمودها، نحتاج إلى الرجوع إلى الله “سبحانه وتعالى”، والعناية باستثمار نعمة المياه، في هذا الزمن نحتاج إلى العناية بالحواجز المائية بشكلٍ كبير، بكل أشكالها، وهذا الجانب يحتاج إلى تعاون واهتمام كبير رسمي وشعبي، ومطلوب استثمار نعمة الأمطار في مواسمه، وكذلك العناية بالري الحديث؛ لأَنَ السقي بالطريقة القديمة فيه استهلاك وهدر للماء بشكل كبير،. أَيْـضاً الاستفادة من الطاقة الشمسية؛ لأَنَ الكثير يعانون من مشكلة الديزل في توفير المياه، كذلك طاقة الرياح في بعض المناطق، ووسائل أُخرى معاصرة يستفاد منها في هذا الجانب.

ثالث المقومات الأَسَاسية للزراعة: ”الأسمدة والمكافحات“: يَستَورِد البلد أسمدة من الخارج بمبالغ كبيرة، من المفترض أن يكون هناك استفادة بشكل أوسع وأكبر من الأسمدة الطبيعة، وَأَيْـضاً إنتاج الأسمدة والمكافحات في البلد بجودة أفضل، وكلفة وغرامة أقل، مع الأخذ بعين الاعتبار المحاذير.

رابع المقومات الأَسَاسية للزراعة ” الوسائل“: لأنها تساعد على القدرة الإنتاجية واليسر والإنجاز والسرعة، والكلفة، أقل بكثير من العمل اليدوي، البعض منها يمكن صناعته في البلد.

من الأشياء المهمة فيما يتعلق بصلاح الإنتاج الزراعي والزراعة: العناية بالجودة وسلامة المحاصيل الزراعية، أثناء العمل، وفي طريقة العمل، وأثناء الجني، وأثناء القطاف والحصاد، بحسب المحصول الزراعي، هذه مسألة مهمة.

من الأشياء المهمة لصلاح الجانب الزراعي ”ضبط الكلفة وترشيدها‟:

لأن البعضَ من المزارعين يعمل بطريقة عشوائية، فتكون الكلفة المالية على العمل كبيرة، أَيْـضاً العناية بالتسويق الزراعي بدءاً في البلد ثم خارجه لما يصبح كذلك فائضاً عن احتياج الناس، هذا الموضوع لا بُـدَّ فيه من اهتمام رسمي وشعبي، وَأَيْـضاً ضبط الاستيراد الخارجي؛ حتى لا يضرب المنتج والمحصول الزراعي المحلي، هذه المسألة تحتاج إلى وعي من التجار، واستشعار للمسؤولية.

مما يصلح الزراعة، من أهم ما يصلحها، هو: العناية بالإرشاد الزراعي وإرشاد المزارعين: وذلك بتقديم المعلومات الضرورية لهم، لإصلاح الزراعة، لمعالجة المشاكل والآفات التي يواجهونها.

أيضاً العناية بالتعليم في الجانب الزراعي: لأَنَ التعليم في هذا الجانب كان ضعيفاً في المراحل الماضية جِـدًّا.

من أهم ما يصلح الجانب الزراعي، ومن أهم متطلباته وضرورياته: العمل على إنتاج البذور محلياً، وكذلك المشاتل؛ لأَنَ إنتاجها أمر ضروري.

مما ينعش الجانب الزراعي ويصلحه، هو: العمل على إنتاج وتصنيع وتحويل المحاصيل إلى معلبات، وعصائر ونحو ذلك:

يعني العملية الإنتاجية للمحصول الزراعي من خلال المصانع، هذه مسألة مهمة جِـدًّا، وواسعة، والاستثمار فيها مهمٌ جِـدًّا.

من الأشياء المهمة التي ستنهض بالقطاع الزراعي: “الجمعيات التعاونية والاستثمارية في الزراعة”: لأَنَ القدرة المالية الفردية هي محدودة لدى أكثر الناس، ليس عندهم قدرة تمويلية للإنتاج في الزراعة، وتطوير الجانب الزراعي وتقويته.

إلى جانب الثروة الزراعية النباتية، هناك ثروة مرتبطة بها، وهي توأمها، وهي” الثروة الحيوانية”: ذات أهميّة كبيرة جِـدًّا؛ لأَنَها ثروة للناس في غذائهم، وثروة مادية، وتوفير لشيء ضروري لحياة الناس وقوتهم ومعيشتهم، إلى جانب ذلك الاهتمام بإنتاج الأعلاف.

الاهتمام بالطب البيطري مسألة مهمة جِـدًّا، والعناية بالصناعة والإنتاج في إطار ذلك.

(وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرض أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ):

لا يكون همك فقط الحصول على الإيرادات المالية، اعمل على تطوير القطاع الزراعي، والإنتاج فيه الزراعي، وستتوفر الإيرادات.

(لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ، أَخْرَبَ الْبِلَادَ): تتعطل؛ لأَنَها عملية استنزاف، أخذ للأموال وفرض لضرائب وغرامات من دون نتيجة.

(وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا): لأَنَه يتعامل بظلم، فيتسبب بعقوبة إلهية عاجلة منها ضرب البنية التحتية.

(فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا، أَو عِلَّةً، أَو انْقِطَاعَ شِرْبٍ، أَو بَالَّةٍ، أَو إحالة أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَو أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ): إن شكو ثقل؛ بسَببِ غرامة أَو كلفة مالية، أَو حدثت لهم علّة في محصولهم الزراعي، أَو لم يتوفر لهم ماء، أَو لم يحصل مما كان يعتمد على المطر، أَو فسدت النباتات والبذور؛ فالمطلوب منك هو التخفيف عنهم، (خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ): لأن مما تحرص عليه أن يبقى هذا القطاع مُستمرّ.

(وَلَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ): لا يصعب ويثقل عليك أنك قدمت لهم تسهيلات، فهو يعود عليك حتى على مستوى تزيين ولايتك، أنك ناجح في أداء مسؤوليتك، ولهذا أهميّة كبيرة، نَهَضَت البلاد في عهدك.

(مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ): لأنهم سيرتاحون لك فيثنون عليك وقيمك الإيمَـانية.

(وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ): أنت سترتاح بانتشار العدل فيهم.

(مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ)

أنت ستستفيد لاحقاً من قوتهم.

(وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ): مع مكسب كبير، وهو: العلاقة القوية ما بين المسؤولين والشعب، وما بين هذه الفئة من أبناء الشعب (المزارعين).

(بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ، وَرِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ، احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أنفسهُمْ بِهِ): يكونون سنداً في الظروف الصعبة، في مواجهة تحديات وخطورة كبيرة من الأعداء؛ أحياناً قد يشعر المزارع أنه محارب من بعض المسؤولين، السياسة الخاطئة لها تأثيرات سيئة جِـدًّا، تضر بهذا المجال.

(فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ): البنية الاقتصادية التحتية تمثل سنداً كَبيراً للمجتمع والدولة، في مواجهة التحديات والأخطار والحصار والحرب والمجاعة، ومواجهة ظروف معينة يمكن أن يعتمد عليها.

(وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأرض مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهِ): تدهور الجانب الزراعي وخرابه؛ بسَببِ فقر وظروف أهله.

(وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أنفس الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ): إذَا كان هم الولاة والمسؤولين كله في جمع المال؛ فهذه سياسة خاطئة جِـدًّا.

(وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ): لأَنَ البعض من المسؤولين يرى المنصب وسيلة للحصول على مكاسب.

(وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ): عدم اعتبارهم بالمتغيرات والظروف الكبيرة التي تحصل كعقوبة من الله “سبحانه وتعالى”.

في هذا الدرس رؤًى مهمةٌ جِـدًّا في الاهتمام بالجانب الزراعي، وتحقيق الأهداف المتعددة والمهمة منه، كالإيرادات الضخمة، والبنية القوية التحتية، وتوفير الاحتياج الضروري للناس، إلى غير ذلك.

 

معاييرُ اختيار الموظفين والكُتَّاب

(ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ): الكُتَّاب: هم الإداريون، والعاملون في المكاتب، وأمناء السر الذين يكونون في أعمال في محيط العاملين والمسؤولين الأَسَاسيين.

ودورهم مهمٌّ جِـدًّا؛ لأَنَّهم يمثِّلون حلقة الوصل بين المسؤول وبين الناس؛ فالخلل من جانبهم يمثِّل إشكاليةً كبيرةً في واقع العمل.

(فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ): ما يتصل بأمور مسؤوليتك، اختر من يديرها ممن تعرف فيه التقوى، والإيمَـان، ومكارم الأخلاق، والاستشعار العالي للمسؤولية، والفهم الصحيح للعمل، وحسن الإدارة والأداء… إلى غير ذلك مما يتناسب مع موقع المسؤولية.

(وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأخلاق): في إطار مسؤوليتك، ما يتضمن معلومات حسَّاسة أَو خططاً فيها ما يتعلق بالاستعداد للتصدي للأعداء، ومما يؤدي تسربها إلى خلل في العمل نفسه، اختر لهذه المهمة أجمعهم لمكارم الأخلاق وللمواصفات الإيجابية.

(مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَأٍ): من تعتمد عليه، وتقرِّبه منك في إطار مسؤوليتك المباشرة في أي مجال من المجالات لا بُـدَّ أن تلحظ فيه الجوانب الأخلاقية والإيمَـانية والقيمية، حتى لا يحدث عنده فقداناً للاتِّزان النفسي ويصاب بجنون العظمة، يتصور أنه أصبح إنساناً عظيماً جِـدًّا، ومهماً جِـدًّا، ثم ينظر إليك بالنظرة القاصرة والسلبية، فيقابل تكريمك واحترامك وتقديرك واعتمادك عليه بقلة الأدب والإساءة والاحتقار والطغيان.

(وَلَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ): لا يكون من النوع المهمل المستهتر فبغفلته يقصّر فيما ينبغي إيصاله إليك من تقارير العاملين والمسؤولين الذين تتابع أعمالهم في إطار مسؤوليتك.

(وَإصدار جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي عَنْكَ): معاملاتك يجب أن تصلك وتنقل عنك بشكل وطريقة صحيحة دون زيادة أَو نقصان أَو إهمال أَو تفريط.

(وَلَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ): يكون متقناً في تحرير العقود والمعاملات والالتزامات، ويعرف كيف يصيغها، ويقدمها بشكلٍ منظم وسليم وصحيح.

(وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إطلاق مَا عُقِدَ عَلَيْكَ): يكون قديراً في متابعة التنفيذ والإنجاز فيما تضمنته تلك الالتزامات، وقديرٌ على معالجة ما يدخل فيها من إشكالات.

(وَلَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ): معرفة الإنسان بقدر نفسه وحدود صلاحياته ومسؤوليته والتزامه أمرٌ مهمٌ في أداء المسؤوليات والنجاح فيها، والحد من الاختلالات فيها، وضبط الأداء العملي، هذه مسألة مهمة جِـدًّا.

(فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ): جهله سيؤثر تجاهك، وتجاه الآخرين والناس.

(ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ): لا تكفي التقديرات والتخمينات وحسن الظن في مسألة المسؤوليات والمهام العملية المرتبطة بالناس والحق والعدل، مسألة مهمة جِـدًّا.

(فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ -وفي بعض الروايات (يَتَعَرَّضُونَ)- لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ، وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأمانة شَيءٌ): البعض من الناس يتقنون التظاهر بالصلاح، ويقدمون أنفسهم بطريقة معينة، بحيث ترى فيهم أنهم فعلاً جديرون بأن تعتمد عليهم في إطار مسؤولياتك المباشرة؛ فلا هم ناصحون، ولا هم أمناء؛ والنصيحة والأمانة هي الأَسَاس في الاختيار؛ لذلك لا تكتفي بالتقديرات والتصورات والفراسة وحسن الظن المبني على ما لاحظته من ظاهرهم وخدماتهم التي يقدمونها، ومن لفتهم لنظرك إليهم بشيءٍ من الاهتمام.

(وَلَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ): اعتمد على الاختبار بتجاربهم السابقة، بمهام عملية محدّدة ومحدودة، وفي أحوال مختلفة، كحالة الغضب والرضا واليسر والعسر، كيف هو عندما يكون معنياً في تنفيذ مهمة، أَو في تقدير موقف.

(فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأمانة وَجْهاً): أحسنهم أثراً في الناس، في نطاق مسؤوليته، الذي يؤدي مختلف مهامه العملية بكل أمانة، مؤتمن على الإمْكَانات وإنجاز العمل واهتمامه به، وعلى طريقته في أدائه.

(فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ، وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ): أنك صادقٌ ومخلصٌ مع الله “سبحانه وتعالى” ومع الناس، وبذلت جهدك في حسن الاختيار لأجل أداء المسؤولية كما ينبغي، بما يرضي الله “سبحانه وتعالى”.

(وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُـلّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ): الإنسان كلما كبرت مسؤوليته، كلما احتاج إلى من يعينه من الناس، لا يستطيع هو بمفرده أن يستوعب كُـلّ التفاصيل والأمور، وأن ينجز كُـلّ الأشياء دفعةً واحدة، يحتاج إلى من يعينه في تنظيمها وترتيبها واختصارها وتقريبها، وفيما بعد في إنجازها ومتابعتها.

(لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا): يمتلك القدرة، لا يضعف، فيهمل، أَو يقصر، نتيجة ضعفه؛ لأَنَّها كبرت المسألة عليه، أكبر من قدرته النفسية والإدارية والمعرفية.

(وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا): يمتلك القدرة تجاه المسائل الصعبة والكبيرة في ذلك الموضوع والمجال والملف، يقدر على استيعاب التفاصيل ونظمها وجمعها، لا تتشتت وتضيع، فيؤدي دوره بشكلٍ فاعل وإيجابي؛ فيكون معيناً حقيقيًّا.

(وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ): لا ينبغي التغافل عندما تلحظ قصوراً أَو تقصيراً أَو عدم كفاءة أَو سوءاً أَو خللاً خطيراً، أَو إهمالاً كَبيراً، أَو جوانب سلبية معينة من أحد ممن هم في إطار عملك ومسؤوليتك من الأعوان، وهم حلقة الوصل بينك وبين الناس، لا تتغافل، احرص على إصلاح ذلك، ومعالجته والاهتمام به؛ لأَنَّ هذا يتصل بمسؤوليتك وعملك المباشر.

ويفترض أن يكون هناك تفقد بشكل منتظم، متابعة، ملاحظة، سعي للارتقاء بهذا النوع من المعنيين والمسؤولين، ليكونوا بالمستوى المطلوب، الاهتمام بهم إيمَـانياً، أخلاقياً، كذلك فيما يتعلق بمجالات عملهم، والارتقاء بهم، على مستوى التأهيل مما يرفع مستواهم، يُحَسِّن أداءهم، فيكون لذلك الأثر الإيجابي في إنجاز المهام، وإنجاز الأعمال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com