الدرسُ القاسي للعدوان.. الدريهمي بوابةُ النصر الكبير!

المسيرة | عباس القاعدي

تكتسبُ مديريةُ الدريهمي أهميَّةً استثنائيةً في العمليات العسكرية؛ باعتبَارها البوابة الجنوبية لميناء ومدينة الحديدة، وتبعد 20 كيلومتراً فقط عن مركز المدينة، وتعتبر ضمن المناطق الساحلية المتصلة مع المخاء غربي تعز، كما تحتل الدريهمي بحكم موقعها الاستراتيجي، مكانة متقدمة في أهداف دول العدوان الأمريكي السعوديّ الرامية من خلالها إلى احتلال محافظة الحديدة والساحل الغربي.

وتؤكّـد التقارير الدولية أن السيطرةَ العسكرية لمدينة الدريهمي تعني السيطرةَ الكاملة على ميناء ومدينة الحديدة، التي تحاول دول العدوان السيطرة عليها عبر مدينة الدريهمي؛ حتى تتمكّنَ من قطع الشريان الاقتصادي والبحري على الشعب اليمني من خلال السيطرة على الميناء الذي يعد ثاني أكبر الموانئ اليمنية؛ ولذا فَـإنَّ مدينة الدريهمي تعد بمثابة الخط الدفاعي الأول عن الحديدة، والتي تعد بدورها نافذة بحرية مهمة لصنعاء، إذ لا يمكن لأحد حكم صنعاء من دون السيطرة على ميناء الحديدة، الذي يدخل منه حوالي 70 % من واردات اليمن التموينية، كما أن العدوان يسعى للسيطرة عليها؛ نظراً لموقعها الجغرافي المطل على البحر الأحمر، ولاستحواذها على ميناء الحديدة الهام.

ويمكن القول إن مَن يستطيع أن يثبّت مدينة الدريهمي كقاعدة عسكرية، فهو يستطيعُ بطبيعة الحال، أن يفتح جبهات في أماكنَ متعددة: (المنظر، قطع الشريط الساحلي، والتحيتا)، حَيثُ تحقّق الرؤية والرماية باتّجاه الحديدة؛ ولهذا كان العدوان يسعى إلى السيطرة على منطقة الدريهمي وتحويلِها إلى قاعدةٍ عسكرية؛ كي تكون منطلقاً لكل جبهات الساحل الغربي.

 

ضربةٌ قاضية

وبحكم الموقع الاستراتيجي لمديرية الدريهمي، فقد اتجه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة لكسر الحصار المفروض على المدينة، وَمثّل تحريرُها الضربةَ القاضيةَ لخطط العدوان في الوصول إلى مدينة الحديدة، والوصول إلى بناء خطوط دفاعية قوية يتم الانطلاق منها لتنفيذ عمليات عسكرية نوعية من شأنها تغيير ملامح المعركة في الساحل الغربي بشكل عام.

وبعد مرور 397 يوماً على فك الحصار عن الدريهمي، انسحب مرتزِقة العدوان من الساحل الغربي، وأخرجوا ما تبقى من قواتهم، في ظل حالة من اليأس، بعدما أدرك العدوّ أن قواته ستحاصر وستصبح غنائم للمجاهدين.

ولهذا فَـإنَّ معركة الدريهمي، وعلى النقيض تماماً من المزاعم والدعايات المكثّـفة والزائفة، كانت أكثر معركة نموذجية لجهة إثبات مدى وأهميّة وفاعلية الانسجام والتكامل بين الجيش واللجان الشعبيّة والقيادة الثورية والسياسية والحضور المباشر من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله-، وهو ما انعكس في العمل العسكري والاحتواء السريع والحاسم لتحرير المدينة رغم المعاناة، وإفشال مخطّط الوصول إلى مدينة الحديدة ومينائها وقطع الإمدَادات وفرض الحصار على الشعب اليمني.

وبخصوص سيناريو السيطرة على مدينة الدريهمي الاستراتيجي، وبحسب التحقيقات فَـإنَّ السيطرة الفعلية على الدريهمي تعني السيطرة على الحديدة، كما تعني تحوّلاً جوهرياً في موازين القوى على الأرض لصالح المسيطر عليها، وستكون منعطفاً هاماً في مسار الحرب، ولهذا استطاع المرابطون من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة صد وهزيمة دول العدوان ومرتزِقتها في “الدريهمي” بصمودهم الأُسطوري، وأصبحوا هم من يحدّد أُسلُـوب المعارك مع العدوان ويفرض رؤيته عليه عبر السيطرة على الطرق الرئيسة والهامة والاستراتيجية، وبهذا الانتصار العظيم في الحديدة والدريهمي، استطاع الجيش أن يجعل العدوان يقدم تنازلات حقيقية والرضوخ للسلام والسيطرة على مركز صناعة القرار في اليمن، وما يحدث اليوم من مفاوضات إلَّا ثمرة ذلك.

 

سيناريو خاص بتهامة

ويؤكّـد متابعون وسياسيون بخصوص السيناريو الخاص بالحديدة والشريط الساحلي الممتد من ميدي إلى عدن أن العمليات العسكرية التي شنتها دول العدوان ومرتزِقتها على الحديدة تمت بإعداد وتخطيط وإشراف بريطاني وتدخل أمريكي؛ بهَدفِ السيطرة على الشريط الساحلي الغربي وإنشاء محافظة جديدة.

وحول مشاركة الولايات المتحدة في معركة الساحل الغربي تؤكّـد المعلومات أن الأطماع الأمريكية حاضرة في الساحل الغربي والجزر منذ بداية العدوان على اليمن وفق سيناريو خاص بالحديدة والشريط الساحلي الممتد من ميدي إلى عدن.

وبحسب المعلومات، فَـإنَّ المخطّط المعد من بريطانيا وأمريكا في السواحل اليمنية الغربية، يهدف إلى تشكيل محافظة جديدة باسم محافظة “الساحل الغربي” بداية من قرية “الطائف” بمديرية الدريهمي وحتى باب المندب ومناطق من محافظتي تعز وإب، والهدف منها حماية المصالح البريطانية الأمريكية في الجزر والسواحل اليمنية الغربية.

وكانت مصادر عسكرية كشفت عن خطة إماراتية لتقسيم محافظة تعز وإنشاء إقليم “المخاء” على سواحلها المطلة على البحر الأحمر، حَيثُ يتم فصل الريف الغربي للمحافظة ومحوره “مديرية الحجرية” ليكون ضمن إقليم “المخاء” الممتد من باب المندب مُرورًا بذو باب وموزع والوازعية، وُصُـولاً إلى مدينة المخاء غرباً على البحر الأحمر.

 

الدريهمي تاريخياً

ونظراً لاحتلال مديرية الدريهمي التي تبلغ مساحتها 695 كلم مربع، تحتل موقعاً متميزاً على شاطئ البحر الأحمر وبساحل يمتد لأكثر من 15 كم، وثلاثة شواطئ من الشمال إلى الجنوب هي: (شاطئ القضبة، شاطئ رمال، شاطئ الطائف).

وبحسب المراجع التاريخية فَـإنَّ ذلك أكسبها أهميّة استراتيجية دفاعية عن الساحل الغربي والحديدة، حَيثُ بنيت فيها القلاع عبر فترات متعاقبة بدءاً من الدولة العثمانية التي شيدت العديد من القلاع لصد الهجمات البرتغالية والإيطالية والإنجليزية التي كانت تحاول احتلال الدريهمي والمناطق الساحلية، بالإضافة إلى أن الإمام يحيى بن حميد الدين أنشأ بعض القلاع وذلك لصد هجمات قبائل الزرانيق عن منطقة الطائف بالدريهمي، فانتشرت فيها العديد من القلاع البحرية التاريخية كمنظومة متكاملة من التحصينات الدفاعية، والرقابية؛ لأَنَّها بنيت على ربوات عالية للتحكم في الأرض المحيطة بها والمدن التي تشرف عليها كما تتميز بتحصينها من الداخل والخارج.

ومن أهم هذه القلاع قلعة الدريهمي: وهي قلعة أثرية قديمة تقع غرب مدينة الدريهمي وتبعد عن الحديدة بحوالي (20 كيلو متراً)، وَيرجع تاريخ بناؤها إلى فترة التواجد العثماني الأول في اليمن وتستخدم حَـاليًّا مقراً لإدارة المديرية.

وقلعةُ الطائف: تقع في منطقة الطائف جنوب غربي مدينة الدريهمي المشهورة باسم قلعة أحمد فتيني جنيد، ويرجع تاريخ بنائها إلى فترة الوجود العثماني لليمن، وثم تجديدها عام 1341هـ وتتميز بضخامة مبانيها ومرافقها، حَيثُ تحتوي على طابقين من الجهة الشمالية والشرقية وثلاثة طوابق من الجهة الغربية ولها بوابة كبيرة من الجنوب، ويوجد بها المدفع التركي وهو أحد الآثار القديمة الموجودة فيها، وهي من أجمل وأقرب القلاع الموجودة في الدريهمي، كما تمتاز بقربِها من شاطئ الطائف.

قلعة قضبة (قضية) تقع في منطقة قضبة على الطريق إلى مدينة الدريهمي، وتعود إلى فترة التواجد العثماني الثاني في اليمن، تم تشييدها في حقب تاريخية مختلفة، وكان آخر تجديد لها أَيَّـام حكم الإمام المرحوم يحيى بن محمد حميد الدين سنة 1347هـ أبان حربه مع قبيلة الزرانيق، فبنيت بمواد بناء محلية وذلك باستخدام الطوب الأحمر المحروق- الآجر- ومسقوفة بجذوع الأشجار، ما ميزها بطراز معماري فريد.

 

الأهميّةُ الاستراتيجية لمدينة الحديدة

وبحكم موقعها الاستراتيجي الذي مكنها من التأثير الدائم على الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، يؤكّـد سياسيون أن محافظة الحديدة وميناءها تحتلُّ مكانة متقدمة في أهداف دول العدوان الأمريكي، حَيثُ تقع المحافظة في المنطقة السهلية لساحل تهامة الذي يمتد من مديرية اللحَّية في الشمال إلى مديرية الخوخة في الجنوب بطول حوالي 300 كم، ويضم عدداً من الموانئ الاستراتيجية كميناء الحديدة وميناء الصليف وميناء رأس عيسى النفطي الواقع شمال مركز المحافظة، كما توجد بها أكثر من 20 جزيرة أهمها: جزيرة كمران وجزيرتا حنيش الكبرى والصغرى؛ ولهذا تسعى السعوديّة منذ عقود للسيطرة على محافظة الحديدة التي تعتبر ضمن الخارطة السياسية والاقتصادية.

وحول أحداث الساحل الغربي ومديرية الدريهمي والتي تعرضت لحصار قوى العدوان السعوديّ الأمريكي خلال العامين 2018م – 2020م، تؤكّـد تحقيقات دولية بأن دول العدوان وعلى رأسها السعوديّة والإمارات، كانت تقف خلف المعركة وتتبناها بشكل رئيس، حَيثُ تسعى إلى إحكام سيطرتها على كافة الشريط الساحلي الممتد من باب المندب إلى ميناء الصليف القريب من حدود السعوديّة، والبالغ طوله 2500 كم مربع والذي يضم عشرة موانئ بحرية و200 جزيرة، وعلى كُـلّ المناطق الساحلية.

ولهذا تظل الحديدة لليمن، كمنفذ بحري هي الأقربُ والأكثر أهميّة لصنعاء، طريقاً لكل احتلال عرفه البلد منذ الاحتلال الحبشي (575) وحتى مغادَرَة العثمانيين اليمن في عام 1918م، إذ لا يمكن لأحد حُكْمَ صنعاء من دون السيطرة على ميناء الحديدة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com