نعمةُ المطر من وجهةِ نظر الشهيد القائد

المسيرة| هنادي محمد

  • اللهُ -جَلَّ شأنُهُ- أنعَمَ وأسبغَ على عبادهِ بنعمٍ معنوية ومادية لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وكُلُّ نعمِهِ التي تمنن بها لم يعطِها زُخرفًا أَو بصحيح العبارة لم يجعلها دونَ فائدة، بل سخّرها لنستفيدَ منها في عِمارةِالأرض والحياة.

ومن نِعَمهِ -جلّ شأنهُ- نعمةُ ”الغيث“ الذي يبدو لدى بعضِ البشر طقساً يستمتعون به فيرتاحون بزخاته ويتبللون به وانتهى الموضوع إلى هنا، يغفلون فوائدَه وما يؤدّيه من عمل بأمر الله، وَأَيْـضاً المخاطر والآثار الكبيرة لانقطاعه وإن كان بطبيعتهِ موسِميًّا.

في هذا السياق، سنرتشف من معينِ فكر الشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ونظرته حول هذا الموضوع.

 

 * آثار انقطاع نعمة المطر:

{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ} (البقرة: من الآية٢٢) ونحن نرى كيف تكون حالتنا متى ما قَلّت الأمطار، تجف النفوس، تغلظ الطباع حتى داخل الأسرة الواحدة، الجيوب نفسها والخزائن تتعطل وتجف، لدرجة أن تصبح زوجتك منتظرة للكلمة القاسية منك متى ما قالت: نحن بحاجة كذا وكذا.. تكثر الهموم، تذبل حتى الأبدان تهزل؛ لأَنَّه لا يوجد تغذية، الكماليات، الأشياء الكثيرة من كماليات الحياة التي تبدو في مراحل معينة متى ما كان عند الناس فلوس تبدو وكأنها ضرورية [تصفِّر] عليها واحدة واحدة، ما عدا ذلك الشيء الضروري ويصبح هو نفسه ما زال يشكل عبئاَ كَبيراً عليك.

متى ما حصل مرض تعتبر مصيبة تحتاج إلى أن تبحث عمن يسلفك [فلوس] حق مشوار سيارة، وحق علاج، وحق أشياء من هذه. تقسو القلوب، بل أحياناً يصل الحال إلى أن يحصل جفاَء فيما بين الناس مع بعضهم بعض فلا أحد يعطف على أحد وكل واحد همه أن يقبض ما تبقى لديه لحاجاته الضرورية ولا همَّ له بالآخرين. أما عندما تأتي تكلمه في ظروف كهذه عن واجبات أُخرى جهاد في سبيل الله، إنفاق في سبيل الله، وتعظه قد لا يلتفت إليك، ذهنه مشغول بحاجاته الخَاصَّة، فترى كيف يؤثر الجفاف ونقص الأمطار يؤثر عليك في كُـلّ شيء حتى فيما يتعلق بأخلاقك ودينك، قد يؤثر حتى فيما يتعلق بكرامتك، قد ينطلق كثير من الأسر يتسوّلون. أليس كذلك؟ قد يصل بك الحال إلى أن ـ وأنت تبحث عن سُلْفَة من الفلوس لحاجاتك الضرورية ـ أن تعطي [مشهد] سند بيع على [جربة] على مكان هو من أعز الأماكن لديك ومن أحسن ممتلكاتك التي ما تزال بحوزتك.. ألم يحصل كهذا؟. حصل كهذا. نرى كيف نحتاج أحياناً ويحتاج الناس في كثير من المناطق إلى الماء فيصل قيمة الخزان الماء إلى نحو ثلاثة آلاف ريال وخمسة آلاف ريال، خزان صغير، قد لا يكون فيه أكثر من متر بخمسة آلاف ريال. ثم تبقى ثيابنا متسخة، ونتوضأ لا نسبغ الوضوء، ثيابنا تبدو غير نظيفة، علاقاتنا داخل البيت تتوتر.

معرفة الله _نعم الله_الدرس الثاني.

 

* حالةُ الاستبشار النفسي الناتجة عن نزول الأمطار وما سيتوفّرُ منه على المستوى المادّي:

ثم انظر عندما يأتي المطر، وكم يبقى المطر؟ أحياناً عشرين دقيقة، خمسة عشر دقيقة، ثلاثين دقيقة، ساعة على الأكثر وترى خلال بضع الساعة هذه على منطقة واسعة كم يترك من الأثر، الناس يتطلعون من السطوح ومن نوافذ المنازل يفرحون بالرعود، وكما قال الله في آية أُخرى قال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الروم: ٤٨). كيف الاستبشار عندنا.. عبارات الاستبشار في بلادنا؟ {إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} كُـلّ واحد تغير.. تغير البرنامج، وتغير حركة الشريط في ذهنه من هموم هم بعد هم وهو يواجه متطلبات الحياة واحدة بعد واحدة {إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أصبح يرى بأنه إنشاء الله سيحصل لنا ثمر كذا سينتج القات، أصبح يحسب حساب كم سيربح من القات، كم ستكون [جَنْوَة البن]؟. كم سيحصل من [الحَبّ؟]. كُـلّ بلد على حسب ما عندها من الثمار فسيسدد دينه، وسيشتري إنشاء الله سيارة لابنه، وسوف، وسوف.. والأسرة داخل البيت نفوسهم تتحول إلى نفوس طيبة وسليمة وتعامل حسن، والناس كذلك يتحولون في تعاملهم مع بعضهم البعض إلى تعامل بلطف، وينتهي ذلك الجفاء الذي كان سببه الجفاف وكثرة الهموم {إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. ثم تعال حاول أن تنظر إلى ما توفر للناس من خلال هذا المطر الذي أنزله الله في ربع ساعة أَو نصف ساعة كم سيطلع.. ملايين.

عندما يأتي مطر على منطقة مثل هذه المنطقة وفيها قات كثير، وكل واحد انطلق يقطف فيكون الناتج أن فلاناً باع بمِئة ألف، وآخر بمائتين ألف، وآخر بخمسين ألف فلان كذا كذا.. تعال اجمع كم سيبيع أصحاب تلك المزارع؟ ستكون ملايين، ملايين تطلع، من ساعة واحدة أَو من نصف ساعة من المطر الذي أنزله الله من السماء.. أليست هذه نعمة كبيرة؟

معرفة الله _نعم الله _الدرس الثاني.

 

* عدم تقدير نعمة المطر ووجوب مقابلة الإحسان بالإحسان لتفادي الوصول إلى حالة الكفر بالله:

لو أتى شخص ودخل السوق ومعه كيس من الورق فيه خمسمِئة ألف، وفي حالة شدة الناس فيها، وبدأ يوزع الفلوس وينثرها فوق رؤوسهم، سيعتبرون هذا إنساناً كريماً، إنساناً عظيماً، فيكون نصيب هذا مِئتين ريال وهذا ثلاثمِئة ريال وهذا خطف له خمسمِئة ريال، وهذا [مَزّق] مِئة وهو والآخر متجاذبان لها، سنعتبره إنساناً كريماً. الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل المطر في ساعة واحدة حصلنا من خلال نعمة من نعمه العظيمة التي أنزلها علينا على ملايين، ثم ترى كَثيراً من الناس لا يتذكر هذه النعمة ولا يقدِّرها، متى ما جمع فلوس ورجع للقرآن الذي قال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} هو يخاطبك فافهم يقول لك ذلك عندما تكون الفلوس في [الشمطة] ارجع إلى الآية {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لماذا الآن قِدِك بِتْقَلِّبْ وَجْهك؟ ألم تكن هنا تستبشر، والآن يقول لك: هات، أنفِقْ في سبيلي، هات قُرضة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} (البقرة: من الآية٢٤٥) أخرج الزكاة، فتراه يتثاقل ويقلب وجهه، ولم يعد يريد أن يحضر مجلس إرشاد أَو يسمع [شريط] يتحدث عن هذه الأشياء. ألم يتغير وجهه الذي كان مستبشراً عندما نزل المطر؟. هو يرى بأنه جاءه هذا من قبل الله سبحانه وتعالى ولم يقل بأنه هو الذي أنزل المطر.. وأنا الذي نصبت سلماً إلى السماء درجاته حوالي ستة آلاف درجة فصعدت فثقبت السحابة بـ [الماصورة] وخرج لي ماء فأين حق السُلَّم؟ وأين حق كذا، هل الناس يعملون هكذا؟ حتى يقول الواحد لن أعطي شيئاً.. أعط القليل في سبيل من أعطاك هذا الكثير وهو نفسه سيرجع إليك. لاحظ كرم الله ورحمة الله ينـزل من السماء ماء فتستبشر وترى جيوبك تمتلئ بالأموال وشمطتك وبيتك فيه مصاريف ثم يقول لك: أنفق في سبيله وما ستنفقه هو سيخلفه عليك، ولكن لم نعد نثق بالله، ومن أين هذا الذي في يدك إلا منه، ثم ما ستنفقه في سبيله هو سيعود على مصلحتك أنت، وعلى مصلحة العباد الذين مصلحتك جزء من مصلحتهم، ثم على الرغم من هذا يضاعف لك الأجر العظيم {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أموالهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُـلّ سُنْبُلَةٍ مِئة حَبَّةٍ} (البقرة: من الآية٢٦١) رحمة واسعة يعطينا شيئاً بسهولة ويطلب منا أقل قليل ويعدنا بأنه سيخلف علينا أكثر مما سنعطي ويعدنا بأنه سيعطينا الأجر العظيم عليه ويعدنا بأن ما أنفقناه في سبيله هو أَيْـضاً في مصلحتنا نحن، أليست هذه من مظاهر رحمته الواسعة؟ إنه في الواقع حتى ولو لم يعط حسنة واحدة لكان الإنسان يحكم من باب المروءة والمعروف بأنه يجب عليه أن يعطي أكثر مما سأله إلهه في مجال طلب منه أن ينفق فيه، لو لم يعط بعدها ولا حسنة واحدة وحتى ولو لم يخلف بشيء، أما هو فقد وعد بأنه سيخلف عليك أكثر مما أعطيته. ثم يكتب لك أجراً مضاعفاً على ما أعطيت.. أليس هذا تفضلاً؟ أليس هذا كرماً؟ عندما نتأمل فعلاً الإنسان يخجل أمام الله لو تتأمل هذه الآيات بصدق، وتعرف من خلال حياتك الأزمات التي تمر بها عندما تقِلُّ الأمطار ثم تعرف من خلال هذه الآيات عظم نعمة الله عليك وعلى كثير من أمثالك من الناس كيف ستندفع إلى الخشية منه والتعظيم له والإجلال له والحب له، {إِنَّ الْإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية٣٤) ظلوم لا يقابل الإحسان بالإحسان، كفار لا يشكر نعمة ولا يقدر نعمة تأتيه من إلهه. {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ} أي ولقد كانوا {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} (الروم: ٤٨ – ٤٩) كانوا من قبل مُيَئِّسِين واجمين قلقين تصل الحال أحياناً إلى أن يعتقد الناس أنه ربما لن ينـزل مطر فقد يبست حتى [عروق الزِيَل] والقات والبن قد تساقطت أوراقه.

فأحياناً في نفس اليوم وفي ساعة من آخر ساعات ذلك اليوم يأتي مطر غزير في لحظة واحدة {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} متحسرين ما زالوا متحسرين متضجرين.

معرفة الله_نعم الله_الدرس الثاني.

 

* كيفيةُ الاستقامة على الطريقة:

وبعد أن عرّجنا قليلًا على مقتطفات الشهيد القائد حول نعمة المطر وعلمنا أهميته في معالجة نفوسنا وواقع حياتنا الخَاصَّة والعامّة، يجب أن نهتم بصلاة الاستسقاء ومتطلباتها التي تتقدمها كالاستمرار في الذكر والتسبيح والاستغفار وإصلاح النّفس وتغييرها إلى ما يجب أن تكون عليه بالالتزام بما وجّه به الله -جل شأنه- في كتابه الكريم والعمل بهداه والاستقامة عليه، ونختم بقول الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في الدرس الخامس من سلسلة دروس معرفة الله:

{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن: ١٦) أليس هذا وعداً إلهياً؟. لماذا لا تعمل الحكومات على أن تستقيم على الطريقة وأن تعود بشعوبها إلى الاستقامة على الطريقة، والتي منها أن تستقيم وتقف على الاستقامة في مواجهتها لأعداء الله سبحانه وتعالى؟ لا تتمثل استقامة الطريقة في صلاة الاستسقاء، ولا في الدعاء إلى الله، ونحن لا نعمل لدينه شيئاً، لا نعمل في مجال إصلاح عباده ومحاربة المفسدين في أرضه أي عمل.

والعاقبـةُ للمتَّقيـن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com