ضيفُ الله مغلي -أحدُ المكبِّرين الأوائل- في حوار مع صحيفة “المسيرة”:

المسيرة | حاوره أيمن قائد

مضى أكثرُ من عشرين عاماً على انطلاق شعار الصرخة في وجه المستكبرين والذي هتف به الشهيدُ القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- ومعه ثلة من المجاهدين الأوائل عام 2002م.

لقد كانت بداية المكبرين الأوائل صعبة جِـدًّا؛ نظراً للانزعَـاج الكبير من قبل السلطة الحاكمة آنذاك من الشعار، حَيثُ كانت تتلقى الأوامر من البيت الأبيض؛ لإسكات هذه الأصوات الثائرة الحرة، والزج بها في غياهب السجون لتعانيَ الأمرَّين جراء التعذيب الوحشي الذي لا مبرّر له.

ويعد المجاهد ضيف الله مغلي وإخوانه من أوائل المكبرين الذين صدحت حناجرُهم بالصرخة في الجامع الكبير بصنعاء، غير آبهين بترهيب السلطة، أَو ما ينتظرهم من عذاب وتنكيل في سجن “الأمن السياسي” بصنعاء، فكانوا كالجبال الشامخة، لا يهابون شيئاً طالما أن توجّـههم هو في سبيل الله.

صحيفة “المسيرة” التقت بالمجاهد ضيف الله المغلي وأجرت معه هذا الحوار.

 

– في البداية لو تحدثونا عن بداية الانطلاقة، وما الذي دفعكم للتوجّـه إلى الجامع الكبير بصنعاء للصرخة هناك رغم علمكم أن العاقبة ستكون السجن في الأمن السياسي والذي اشتهر آنذاك بالقمع وأعمال التعذيب الوحشي؟

بدايةُ انطلاقتي -في الواقع- كانت بإيمَاننا الكبير وقناعتنا بالمشروع القرآني الذي أطلقه قائد المسيرة القرآنية الشهيد حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله عليه-، حَيثُ كنا ثلاثة إخوة، وكنا نستمع إلى المحاضرات التي يلقيها الشهيد القائد، ونستشعر ما يعانيه، وما يتألم بشأنه، نتيجة الطغيان الأمريكي، وما يفعله الأمريكيون والإسرائيليون ضد الإسلام والمسلمين في كُـلّ بقاع العالم آنذاك، ودور الحكام العرب والمسلمين الخانع في المواجهة، والذل والخضوع والاستسلام لهؤلاء اليهود الذين وصفهم الله بأنهم ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

فالشهيد القائد لم يأت بجديد، وإنما ذكّرنا بما قال الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه الكريم: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)، فقال رضوان الله عليه: “لو لم يكن لنا إلا أن نصرخ بهذه الكلمات التي استخلصها من كتاب الله والتي لم يتمنوِّها وهي: الله أكبر “وكبروا الله تكبيرا”.. الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل “قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ”، (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ).. اللعنة على اليهود (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) النصر للإسلام (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، فكانت بداية انطلاقتي بعد أن سبقني اثنان من إخوتي إلى الصرخة في الجامع الكبير وسُجنا، وكانت أهم الدوافع للذهاب للصرخة في الجامع الكبير، الفضل كُـلّ الفضل للشهيد القائد حسين -رضوان الله عليه- هو من أرشدنا وعلّمنا ما نواجه به أعداء الإسلام والمسلمين، وقال: “لو لم يكن لنا إلا أن نصرخ في وجوههم بهذا الشعار فهو أقل القليل بما يعملون ويحيكون من دسائس ومؤامرات وكراهية للعرب والمسلمين”.

بعدها توجّـهنا إلى الجامع الكبير للصرخة والهتاف بشعار البراءة ونحن ندرك ونعلم بأننا سنسجن ولم نكن نقاوم؛ لأَنَّنا وجدنا كُـلّ ما قد أخبرنا به الشهيد القائد من السجن والابتزاز وغيره، فقد سلمنا لله وللسيد من أول خطوه انطلقنا فيها فكانت رعاية ورحمة الله لنا من أول ما صرخنا عظيمة وموفقة رغم تلك الابتزازات والتهديدات التي لم نعهدها حتى من آبائنا.

 

– كيف كانت المعاملة داخل السجن؟ وكيف كنتم تواجهون تلك المعاملات؟

كانت المعاملةُ سيئةً للغاية، ومنها الضرب واللطم واليأس من الخروج، والازدحام في الغرف، وتقليل الأكل، ومحاصرة حتى من الحمام عزكم الله.

ومن أهم المعاملات التي كانوا يركزون عليها التفريق والزنازن الانفرادية لوحدك، فكانت رعاية من الله للفرد الذي يريد أن يذكر الله، ويحفظ القرآن، يطلب من الله أن ينقلوه إلى الانفرادي.

فقد واجهنا كُـلّ هذه المعاملات بانشغالنا بذكر الله والصلوات وحفظ القرآن الكريم، فكانت رعاية الله ولطفه وعنايته مرافقة لنا في كُـلّ مكر مكروه، وأرادوا إذلالنا به من ضغوط للتعهد والتهديد بالقتل والتجويع.

يا أخي لم أقدر أصف لك تلك الرعاية العظيمة من الله يعني بكل ما تعنيه العظمة من الله سبحانه.

 

– هل كانت هناك وساطات لإخراجكم؟ وكيف كان رد الشهيد القائد لتعذيبكم في السجن وكيف كان رد أهاليكم وأسركم؟

الوساطاتُ كانت عديدةً: منها ما تريد أن نتعهَّدَ، ومنها كفالات، ومنها تجارية، ومنها وهي الأقرب نتعهد بأنفسنا ويخرجوننا، لكن قد سمعنا من الشهيد القائد السيد حسين -رضوان الله عليه- أنهم سيقولون لنا نتعهد بعدم “الصرخة” في أي مكان، وهم سيخرجوننا وهذه لم تكن حتى بأيديهم، فعندما أرسلنا إلى الجامع الكبير القصد للصرخة والهتاف بشعار البراءة في وجه أمريكا وإسرائيل فلم يفهمها أذنابهم من العملاء، لكن فوجئنا بتبيين واضح من أحد السجناء الجدد الواصلين، فقال لنا: إن السيد حسين يبلغكم سلامه، وإن عليكم أن تنادوا فيما بينكم بصوت مرتفع: “من سجنكم يا شباب” والآخرون يردون: “أمريكا وإسرائيل”.

وهذا كان شعارُنا في السجن، ليفهم أعداؤنا أننا لم نعتبر عدونا إخوتنا من العملاء المنفذين أوامر الأسر والسجن والمعاملات السيئة.

وهنا كانت نظرة ثاقبة عند السيد حسين -رضوان الله عليه- لا ننسى أن عدونا الأَسَاسي هي أمريكا وإسرائيل، وأن لا ننشغل بعداوة أذنابهم وننسى رأس الثعبان.

فرأينا رد هذه الكلمات بعد ساعة من هتافنا بها، وقال العاملون على السجن: “نحن الذين سجناكم وليست أمريكا و”إسرائيل”، وهذه وصلت إلى أعداء الله وأغاظتهم”.

وزاد تعاملهم إلى الأسوأ في القيود والكلابش والزنازن والانفرادي والتعليق بالأيدي والضرب.

ومع كُـلّ هذا كانت رعاية الله موجودة حتى أن أحد السجانين لنا كان يقول لنا: “هذه أوامر من فوق”. فقلنا لهم: نحن نعرف من عدونا وقد أخبرناكم فأنتم إخوتنا، وهذا بحد ذاته كان يعلمهم دروس من أفراد المسيرة القرآنية.

 

– ماذا عن بعض المحطات الخالدة في السجن التي لا تزال عالقة في الذهن؟

كان من أنصع المحطات الخالدة في السجن، هو أننا تمكّنا من حفظ القرآن الكريم، وأن الله منحنا فهماً وعلماً لما نحن عليه، رغم أننا دخلنا ولم نعرف أن هذه ستكونُ مسيرةً عظيمةً إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه، ولم نعرف أن هذا السيد رجل إلهي إلا أنه عالم، وهذا مما شدَّنا إلى كتاب الله والارتباط والولاء لله ورسوله وأهل بيت رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.

 

– كيف كان التعامل مع بعضكم البعض، وكيف كان تعامُلُكم مع الأحداث التي جرت في غيابكم في السجن؟

كان تعامُلُنا مع بعضنا بعضاً أعظمَ من إخوتي من أبي، ولم يحصل ذلك التعامل والأخوة بيني وبين إخوتي مثلما كانت بين السجناء.

وكانت تأتي الأحداثُ والأخبار ولم نصدق حتى جاء إلينا بعضُ الأسرى من الحرب.. كانت مؤلمةً جِـدًّا أنباءُ الحرب علينا وعلى أهلنا المستضعفين، وخَاصَّةً عندما علمنا باستشهادِ السيد حسين -رضوانُ الله عليه-.

حينها ذكرنا بعضُ الإخوة في السجن أن السيد لم يربطْنا به شخصيًّا، وإنما ربطنا بكتاب الله، وتذكّرنا قول الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، وتوكلنا على الله ولم يوهن صبرنا أي شيء.

 

– كيف كان خروجُكم من السجن؟

كان خروجُنا من السجن قد بشّرنا به من قبل السيد الشهيد حسين -رضوان الله عليه- سنخرج بنصر الله، وانتظرنا ذلك اليوم حتى تحقّق ذلك الوعد بفضل الله سبحانه وتعالى.

 

– ما الذي عملتم بعد السجن وكيف كانت معنوياتكم؟

بعد خروجنا من السجن توجَّـهنا إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- بعد ما كانت ألطافُ الله تشدنا إليه، ونحن لا زلنا في السجن، فكان نِعم العوض من الله؛ لكي نعرفَ أن اللهَ لا يُضِيْعُ صبرَنا وعملَ أي عامل منا ومن كُـلِّ من هو معه، فكانت المعنوياتُ جهاديةً قرآنية، ومسلِّمون للسيد عبد الملك.

 

– حَـاليًّا.. كيف تجدون صدى شعار الصرخة في المراحل السابقة وَبالأخص في هذه المرحلة التي نمر بها؟

كلنا نعلم أن صدى الصرخة في ذلك اليوم كان “تخفيًا وهروبًا” حتى من أهلك وسجون، حتى أن بعض الإخوة يتبرؤون منهم أهلم ويخوّفونهم ويقولون لهم: “سيقتلوننا ويعذبوننا؛ بسَببِكم ويجب أن تسكتوا وتصمتوا عن الهتاف بالشعار”، وكما هي الكلمة المعتادة عند أهل البلاد “لا تتقاربوا إلينا لا تكلفوا علينا”.

 

– رسالتكم لمن يحاول محاربة شعار الصرخة ويقلّل من تأثيره وصداه ويقول: أين أمريكا منا، أَو كهذه العبارات؟

لا عُذْرَ للجميع أمام ما يعملُه أعداءُ الله اليوم، ولا خوف ولا قلق، فقد بيّنت الصرخة بعد كُـلّ هذا الصبر والعناء والعدوان الذي سفك دماء الأبرياء ظلماً وعدواناً أن التراجُعَ عن هذا المشروع القرآني هو من المستحيل، وهي دعوةٌ هنا للمتذبذبين في هذه المرحلة، والذين في قلوبهم مرض لنؤكّـدَ لهم أن شعارَ البراءة من أعداء الله والمتمثل في الصرخة قد وصل صداه إلى أنحاء العالم، وهذه نعمة من الله، فقد كنا في الماضي لا نحلمُ برفع أصواتنا ضد أعداء الله (أمريكا وإسرائيل)، واليوم وبفضل من الله تنطلقُ الصرخة في كُـلّ مكان، وعبر القنوات والإذاعات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى نطاق واسع جِـدًّا، ونعلنُها بكل فخر واعتزاز، ويشاركنا في ذلك إخوتُنا الأحرارُ في الخارج، وكل هذا الفضل يعود بعد الله عز وجل إلى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي –رضوانُ الله عليه- والذي قدّم روحَه الطاهِرةَ؛ مِن أجلِ عزة هذه الأُمَّــة وحريتها وإعلاء كلمة الله، وهو أَيْـضاً لكل الشهداء منذ انطلاقة هذه المسيرة وحتى اليوم الذين قدموا أرواحَهم الطاهرة رخيصةً في سبيل الله، ولم يضعُفوا أَو يهزموا أمامَ جبروت العدوان، فكان ثباتُهم وإيمَانهم وصدقهم وتوليهم لله وللرسول وآل بيته الأخيار يصنعُ لنا العزةَ والكرامة في الدنيا والآخرة.. وسيعلمُ الذين ظلموا أيَّ منقلَبٍ ينقلِبون.

 

– كلمة أخيرة تودون إضافتها؟

في الأخير نقولُ لإخواننا من المجاهدين والشعب اليمني: (اللهَ اللهَ فيما بذله السابقون، اللهَ اللهَ في آبائنا وإخوتنا من الشهداء لا نخُنْ دماءَهم وما قدموا؛ مِن أجلِ هذه المسيرة المباركة، ونعاهدهم بالله أننا سنمضي رافعين شعارنا وبراءتنا من أعدائنا، حتى نهلكَ دونه، وهذا نهجُنا من القرآن الكريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهُ أكبر.

الموتُ لأمريكا.

الموتُ لإسرائيل.

اللعنةُ على اليهود.

النصرُ للإسلام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com