الشهيد أبو يونس العويري.. غيضٌ من فيض العظماء المجسِّدين لحب الجهاد بإخلاص

المسيرة: خاص

في حضرة الخالدين العظماء، وفي مسيرة عطائهم وتضحياتهم، نستلهمُ معانيَ الوفاء والإخلاص والصدق مع الله في الانطلاقة، إنهم الشهداءُ وإنهم الخالدون العظماء من باعوا أنفسهم رخيصةً في سبيل الله وفي سبيل عزة وكرامة وحرية الوطن، جاهدوا في الله حق الجهاد ولم يخافوا في الله لومة اللائمين، بل صدعوا بالحق في زمن الكذب والتضليل وأمروا بالمعروف في زمن المنكرات ونهوا عن المنكر في زمن المتغيرات.

ولكل شهيد حكايةٌ وليست كأية حكاية من الحكايات وإنما امتلأت بالذكريات والعمل الدؤوب في سبيل الله وانبثقت صفحات مشرقة وخالدة.

إنه الشهيد عبد الجبار عبد الله جابر العويري واسمه الجهادي أبو يونس وهو من أبناء محافظة صعدة – مديرية بني معاذ – منطقة المصنعة.

لن نستطيع أن نعطي الشهداء حقهم مهما كتبنا عنهم، فيكفيهم عزة أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين ومستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم، بعد أن سجَّلوا مواقفَ أُسطورية في الجهاد ودافعوا عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم وحقّقوا انتصاراتٍ عظيمةً اندهش وانذهل لها العالَمُ بأكمله.

 

نشأةُ الشهيد وجانبٌ من صفاته:

تربَّى وترعرع الشهيد بين أفراد أسرته في بني عوير بمحافظة صعدة، ودرس الشهيد في مدارس المنطقة حتى تخرج من الثانوية العامة، بعدها التحق بعددٍ من المعاهد العلمية في محافظة صعدة، وكان قدوته أهل البيت -عليهم السلام- اكتسب حبهم وكان مخلصاً لهم.

كما كان الشهيد كريماً يحب المساكين ويعطف عليهم، كثير المرح مع الناس جميعاً كبيرهم وصغيرهم، وكان يحب القراءة والعلم ويسعى لمعرفة الحقائق.

وكان من أبرز الصفات التي اتصف بها الشهيد هي الصدق والشجاعة وبعد انطلاقته الجهادية تميز الشهيد بحسم الأمور والمواقف والدقة في التخطيط والتنفيذ للعمليات العسكرية، وتنفيذه للمهمات الموكل بها.

 

أعماله الجهادية:

كان الشهيد رجلاً شهماً غيوراً على أُمته وعلى كرامتها، انطلق منذ وقت مبكر كرجلٍ من رجال الله وشارك في العديد من المعارك والحروب برفقه المجاهدين العظماء، حَيثُ كان شُجاعاً سديداً في تخطيطه.

تولى مهامًّا كثيرة وخُصُوصاً في حرب دماج والقطعة وكذلك تحرير عمران ومعارك صنعاء وبعدها تعز ونزل بحملته إلى عدن ونكّل بأعداء الله وحسم الكثير من المعارك ثم رجع إلى جيزان واقتحم الخطوط الأمامية للعدو ثم رجع إلى الجوف، ونكل بأعداء الله حتى نال الشهادة فسلام الله عليه.

 

شهادة أهله ورفاق دربه:

يقول أهلُ الشهيد عبد الجبار العويري: إنه عُرِفَ بطيبة قلبه وحُرقته على دين الله، والشجاعة وحب القتال منذ الصغر، وكان يحب العلم والمعرفة ومعرفة الحقائق، وكان يحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأهل بيته وكذا التزود من علمهم وشجاعتهم.

أبو يونس -رحمه الله – كان يداً ضاربةً نكَّل بأعداء الله أيَّما تنكيل وكان شديدَ الحب لله ورسوله والإمام علي وقيادة المسيرة القرآنية.

وهنا يحكي بعضٌ ممن عرفوه ولازموه ومنهم المجاهد أبو عبد الملك المؤيد والذي قال عن الشهيد أبي يونس العويري: “إنه أحد المجاهدين والقادة العظماء والنماذج الذي يُحتذَى بهم في الالتزام والجهاد والتحَرّك في سبيل الله ونصرة المستضعفين”.

ويقول المؤيد: ما عرفناه عن الشهيد العويري أنه من السباقين في الالتحاق بالمسيرة القرآنية، كما كان له الدور الكبير في مواجهة أعداء الله وأعداء هذا المشروع العظيم “أمريكا وإسرائيل” وعملائهم، فكان نموذجاً في الصبر وفي المسارعة والمرابطة في جبهات القتال، كما كانت له المشاركة في مواجهة أعداء الله في جبهات عديدة: حرب دماج وعمران وفتح صنعاء ومحاربة التكفيريين في أرحب، كما كان له دور كبير في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم، متنقلاً من جبهة إلى أُخرى في عدن ولحج وتعز وجيزان والجوف ونهم وصرواح وغيرها.

ومع هذا كان الشهيد عبدالجبار العويري نموذجاً في التسليم والثبات، شجاعاً وحراً، عرف قيمة هذا المشروع العظيم وعرف ما عليه من مسؤولية، متمسكاً من مبادئه التي تعلمها من هذه المدرسة القرآنية من أخلاقها وقيمها، لا يخشى إلَّا من الله سُبحانَه، مصدِّقاً بوعود الله التي وعد بها عبادَه المؤمنين في كتابه، فكَانَ من المجاهدين الصادقين المخلصين العمليين، فكَثيراً كان اختلاطه مع أفراده، فسلامٌ من الله عليه وعلى سائر الشهداء العظماء.

فيما يقول المجاهد كميل أبو علياء: إن الشهيد العويري كان القائد المخطّط والأول في مقدمة الصفوف والقُدوة لأفراده، وكان يتمتع بنظرة عسكرية واسعة وبعيدة ولديه القدرة في التخطيط العسكري والإداري بكل جِدٍّ واهتمامٍ وكان ناجحاً في كُـلّ المهمات والأعمال الجهادية التي توكل إليه من القيادة ولا يدخل أية معركة إلَّا بعد الاستطلاع والدراسة لها وحسابه لكل شيء، وكان هذا يشكل له النجاح في كُـلّ المهمات.

ويذكر كميل أن الشهيد العويري كان قائداً رحيماً بالأفراد محباً لهم ومحسِناً إليهم، تأثر به كُـلّ من حوله وكل من يعرفه، وكان غير هيَّابٍ ولا مرتابٍ من لقاء القوم فكان لا يعرف الخَوفَ إطلاقاً، بل واثقٌ بالله كُـلّ الثقة، وكان مما يشتهر به الشهيد في معاركه بالشجاعة والإقدام والمعنويات العالية.

أما المجاهدُ عبد العالم المتوكل فيقول عن الشهيد عبدالجبار العويري: إنه قائدٌ عظيمٌ وفارسٌ كبيرٌ ومحنك، معروفٌ بالشجاعة والإقدام والهيبة التي عرفناه بها، هيبة احترام وإجلال وإكبار ومواقفه كثيرة جِـدًّا، يمتازُ بالذكاء ورجاحة العقل والخطط الحكيمة والموفقة، وهذا ما عرفناه عن الشهيد في دمَّاج سواء في حالات الدفاع أَو الهجوم ومن دماج إلى عمران، وبعد أن كان مشرفاً على مجاميعَ بسيطة يرتقي إلى متابعة وضع كبير جِـدًّا، ويراهن عليه في أهم الجبهات وأسخنها ويدير المعركة بجدارة فائقة من ذيفان وحتى بيت الحمودي ومن على مشارف مدينة عمران وحتى بني ميمون وإلى غيل همدان وبني مؤنس، يتابع مجاميعَه ومشرفي القوى ويعقد الاجتماعات الطارئة؛ كون الجبهة مُستمرّةً والأحداث ساخنة لا يهدأ له بال بكل عزيمة لا تلين وحتى في نهار رمضان وإلى أن قُتل القشيبي وسقطت عمران بيد المجاهدين، حينها لم يفكر الشهيد في الاستراحة بل تحَرّك في المجال الآخر (الجانب الثقافي العام) يحُثُّنا على الاختلاط بالمجتمع واستغلال المجالس العصرية والمساجد وخطب الجمعة، وعقد الاجتماعات وتحريك المجتمع بما فيهم المشايخ وبالذات مشايخ ضروان، حَيثُ أثّر فيهم بشكل كبير، وتحَرّك كُـلُّ مشايخها وفتحوا بيوتهم ومجالسهم للمجاهدين وكانوا نعم العون، آووا ونصروا وبذلوا ما بذلوا… وهكذا استمر بتلك الوتيرة حتى شارفنا دخول صنعاء.

فكان الشهيد على استعدادٍ كَبيرٍ للدخول للمرحلة الكبيرة والواسعة، وقد وزَّع المجاميع في وادي ظهر وشملان وطيبة وغيرها من الأماكن، وكلهم معنويات عالية خَاصَّة بعد تطهير عمران، وبعد اغتيال اثنين من المجاهدين في وادي ظهر قرية القابل من قبَل صالح عامر -سكرتير علي محسن- لم يكتفِ العدوّ بما عمل بل عزز برتل عسكري متجه من الفرقة حتى وصل شملان وبكل عنجهية ولكن بفضل الله كُسرت شوكة المعتدي وكان مجاميع الشهيد عبدالجبار العويري أولَ من صدوا الهجوم وكسروا شوكة الباغي المعتدي، حينها لم يتوقف المجاهدون بل دحروهم وهجموا على العدوّ حتى شارع الثلاثين، وُصُـولاً إلى الفرقة، وكان الشهيد العويري على رأس مجاميعه بَإقدام منقطع النظير حتى كتب اللهُ النصرَ والفتحَ المبين.

ويواصل عبد العالم حديثه بالقول: إن الشهيد عبدالجبار العويري أولَ من توجّـه إلى المحافظات الجنوبية بتوجيه من الأخ القائد أبو يونس -يحفظه الله-، والذي كان يراهن عليه في كُـلّ المهمات؛ نظراً للمهمات التي كان يقوم بها الشهيد بكفاءة عالية، ثم تحَرّك الشهيد بالرغم أن الكثير من مجاميعه تعرضت للكمائن واستشهد منهم من استشهد إلَّا أنه لم يأبه بذلك، وواصل تقدمه برفقة الشهيد أبو أحمد محضة -رحمة الله عليهم جميعاً- وبتنسيق مُستمرّ حتى وصلوا عدن.

وكان الشهيد لم يؤثر فيه الجو وحرارة الصحراء ولا التصعيد، وبكل ثقة واجه المهام رغم تشتت الجبهات المعني بمتابعتها، وبعد الحرب في عدن وتعز طلب منه الأخ أبو يونس بالتوجّـه إلى جيزان، وفي جيزان كذلك كابد مرارة العناء في سبيل الله بكل رحابة صدر، ومن صعب إلى أصعب، ومن ثم من جيزان إلى الجوف إلى آخر جبهة شارك فيها الشهيد وحال بجهوده وعطائه دون ما أراده العدوُّ من محاولة السيطرة على الجوف آنذاك، حتى وصل نبأُ استشهاده في الجوف بعد حياة عظيمة قضاها مع الله وفي سبيله بذلاً وتضحية واستبسالاً قَلَّ نظيرُه، وبنى بتلك النفسية العظيمة الكثيرَ من أمثاله وَما زالت بصماته ماثلةً وملموسة فيهم حتى اليوم وستبقى إلى ما لا نهاية إن شاء الله، فسلامٌ من الله على هذا الشهيد العظيم وعلى سائر الشهداء الابرار.

 

وصية الشهيد:

كان الشهيدُ يوصي رفاقَ دربه بأن يلتزموا حُبَّ أهل البيت -عليهم السلام- والالتزام بتوجيهات قيادة المسيرة القرآنية، وعدم التخلِّي عن الجهاد وضرب أعداء الله في أي مكان بكل قوة وحزم.

كما أوصى الشهيد رفاقَ دربه بالصبر في أوقات الشدائد، وكان يقول: ما ضاقت إلا وتفرج، والوثوق بنصر الله وتأييده لعبادة المستضعفين.

 

قصة استشهاده:

لكُلِّ رجلٍ فدائي قصةٌ بطوليةٌ تُرْوَى وحكايةٌ أُسطوريةٌ تجسَّدُ في نهاية المطاف، وحكاية استشهاد أبي يونس العويري حينما اشتدت المعاركُ في مديريات الجوف، وخلال المعارك تحَرّك الشهيد مع عدد من المجاهدين كـ تعزيز إلا أن القصف الهستيري لطيرانِ العدوان السعوديّ الأمريكي على الطريق، جعله يتحَرَّكُ من طريق أُخرى وعرة حينها استهدف الطيرانُ موكبَه فأُصيبت السيارة وانقلبت فاستشهد حينها فسلامُ الله على روحه الطاهرة، وعلى سائرِ الشهداء العظماء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com