من بين أكثر من 30 ألف مريض بحاجة للسفر: 100 حالة مرَضية وصلت الأردن و600 حالة تنتظر رحلات القاهرة التي لم تأتِ بعد..

المسيرة: إبراهيم العنسي

المأساةُ ليست بفقدان الأمل لعشرات الآلاف من المرضى ينتظرون أن ترحَلَ بهم الأقدارُ للسفر عبر مطار صنعاء؛ لتلافي ما تبقى من بصيص الأمل بالنجاة والشفاء في رحلة علاج، وربما الإنسانية نعت نفسها في محيطنا العربي منذ أمد فلم يعد من التراحم إلا اسم للتوظيف الكلامي ولا واقع له.

كلُّ سنوات الحصار وشدتها لم تشفع لمرضى اليمن أن يسمح لهم بالسفر للعلاج واليوم بعد استئناف خجول لرحلات مطار صنعاء هناك مِئة مريض سافر وعشرات الآلاف ينتظرون في طابور طويل طويل إن حالفهم حظ فيما تغيبُ الأممُ المتحدة ولافتاتُها الإنسانية عن المشهد، فما تبقى من رحلات الهُدنة التي انتهت وما بدأت إلا برحلتين أَو تزيد قليلاً أما طابور المرض فيعُجُّ بأصوات الأنين.

وفي هذا السياق، كان لصحيفة “المسيرة” جولة ميدانية للتعرف –عن كثب– عن الوضعِ الإنساني الموعود برحلات أممية وهمية حتى اللحظة.

 

بصيص أمل لمحتاج “الإشعاعي”

الحاجُّ عبدالله المدري، مُصابٌ بسرطان الغدد الليمفاوية ويعاني من تفاقم المرض بعد أن عجز عن الحصول على جرعة علاج إشعاعي؛ نتيجة منع دول العدوان من دخول مواد العلاج الإشعاعي.

يقول أحد أقاربه عبدالله سنهوب: إنه ينتظر منذ سنوات فتح مطار صنعاء على أمل السفر ولو ببصيص الأمل، لكن مراوغات تحالف العدوان منع فتح مطار صنعاء لسنوات والتلاعب بحياة الناس الذين يمثلون حالة إنسانية بحتة جعلت خياراته محصورة في التردّد على مركز الأورام السرطانية بصنعاء والاكتفاء بالدعاء بعد أن سدت الأبواب.

ويضيف: خبر فتح مطار صنعاء لبعض الرحلات من صنعاء إلى الأردن كان بمثابة شيء عظيم تلقاه الحاج عبدالله، لكنه تفاجأ أن الرحلات المسموح بها محدودة للغاية فيما المرضى من أمثاله بعشرات الآلاف، فأي حظ سيحالفه إن أتى من مقاعد سفر تعد بأصابع اليد ولرحلتين كُـلّ أسبوع لا أكثر؟!

ويحدوهم الأملُ أن ينظُرَ العالَمُ إلى أنهم يجسدون حالة إنسانية خالصة تبحث عن حقها في الحياة كحق كفلته التشريعات ونصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، متسائلين: لما لا يكون هناك رحلات تخصص للمرضى شبيهة بالجسر الطبي ولو على حسابهم الخاص، مثل الحاج عبدالله يقول هكذا وأكثرية تتمنى أن يأتي جسر طبي جديد فلا مالَ لهم لعلاج ولا حظَّ لهم حتى اليوم لسفر خارج البلاد لإنقاذ أرواحهم التي نال منها المرضُ كما نال من أجسادُهم.

 

انتظار يفاقم المعاناة

عبدالرحمن أبو ديالا، الطفلة ذات السبعة أعوام وقصة المرض التي تنتظر سفر إلى وجهة محدّدة تناسب وضع هذه الأسرة المادي والحاجة الملحة الشديدة للسفر اليوم قبل الغد فإذا كان تحالف العدوان قد سمح بكم رحلة عبر مطار صنعاء إلى الأردن لكنه قد أخل بجزء من المتفق عليه حول مغادرة رحلات طيران اليمنية إلى القاهرة.

أبو ديالا وكثيرون مئات ينتظرون بفارغ الصبر لفتح رحلات صنعاء -القاهرة، فهو في سباق مع الوضع الذي يزداد سوءًا لابنته كما كان لابنه من قبل، الابنة ذات السبعة أعوام التي تعاني من التهاب وتآكل مفصلي تفاقمت حالتها خلال سنتين بشكل كبير فشرايين التروية التي تقطعت سببت تيبس في مفصل ساقها وهذا التيبس كان سبباً في نمو جانب من جسدها على حساب الجزء الآخر الذي توقف عن النمو، هذا ما فاقم حالتها ليشكل ضغطاً على عمودها الفقري، وحاجتها لعملية طارئة، وإلا ستصاب بشلل تام مع استمرار وتزايد الضغط على عمودها الفقري.

تكاليفُ العلاج الباهظة في الأردن جعلت خياراتِ أبو ديالا محدودةً فلا خيار لديه كما يقول إلا بالسفر إلى مصر أَو الهند فالتكلفة أقل بكثير وظروف المعيشة أيسر إذَا ما قورنت بخيار العلاج في الأردن، بانتظار تدشين رحلات إلى القاهرة على أحر من الجمر مع تأكيده عجزه عن السفر عبر مطار عدن أَو سيئون فابنته ديالا لا تحتمل مشاق سفر طويل يبدأ بحجّـة وينتهي بعدن أَو حضرموت.

 

100 حالة مرضية فقط سافرت والهُدنة على وشك الانقضاء

رئيسُ اللجنة الطبية العليا، الدكتور مطهر الدرويش، قال: إن وضعَ هذه الحالات وغيرها بالآلاف صعبٌ للغاية في أكثر من جانب، فالرحلات لم تستأنف كما كان ينبغي ومن تم سفرهم من الحالات المرضية لم يتجاوز 100 حالة مرضية في الرحلتين المنفذتين مع العلم أن الرحلات كانت فقط للأردن ولا حديث عن رحلات مصر القاهرة حتى اليوم رغم أن الاتّفاق كان يتحدث بوضوح عن رحلات صنعاء القاهرة وصنعاء عمان.

ويضيف الدرويش: “ومقابل هذا هناك ما يقارب 600 حالة مرضية تنتظر فتح خط صنعاء القاهرة للمغادرة فيما المتبقي على انتهاء الهُدنة أَيَّـام قلائل والمفترض أن تكون 800 حالة مرضية مستعصية قد غادرت في 12 رحلة طيران بوجهتي القاهرة والأردن بحسب اتّفاق الهُدنة وهذا ما يتطلب تعويض الرحلات السابقة على الأقل تجسيداً للجانب الإنساني في إطار المتفق وإن كان الظرف وكثرة الحالات المستعصية المسجلة وغير المسجلة لدى اللجنة الطبية العليا يتطلب فتح الباب لسفر المرضى عبر مطار صنعاء وإن كان على حسابهم الخاص مع التذكير أن هناك ما يتجاوز 32 ألف حالة طبية صعبة تنتظر السفر تتنوع ما بين حالات الأمراض السرطانية وأمراض القلب والجلطات والفشل الكلوي والقرنية وأمراض الأطفال”.

ويتابع الدرويش: وإن حصل واستؤنفت رحلات القاهرة مع صنعاء دون تعويض الرحلات السابقة فلن يتجاوز عدد المسافرين المِئة مريض مع الأخذ في الاعتبار سفر مرافقي المرضى بصحبتهم لتظل محدودية الرحلات عائقاً كبيراً أمام حاجة المرضى الماسة للسفر وإلى جسر طبي جديد أَو استئناف الجسر الطبي المعلق منذ سنوات الذي تحججت منظمة الصحة العالمية بتوقفه لغياب الدعم المالي.

ويُذَكِّرُ الدرويش بإحصائيات من تستلزم حالاتهم السفر والذي لا مبرّر لمنعهم من السفر عبر مطار صنعاء كجانب إنساني يجب أن يدعمه العالم، ويشير إلى أن هناك أكثر من 2000 حالة مسجلة ضمن الطابور الطويل للمرضى وجميعها مطابقة لمعايير السفر للعلاج ناهيك عما تزخر به المراكز والمستشفيات بالعاصمة والمحافظات من أعداد كبيرة سجلت لأجل السفر للعلاج في الخارج ضمن برنامج الهُدنة المعلنة.

ويؤكّـد أن هناك أكثرَ من عشرة آلاف حالة مصابة بالأورام السرطانية، متقدمة ومتفاقمة وَ3000 حالة تشوهات ولادية قلبية، مُشيراً إلى أنه كُـلّ عام تزداد نسبة المواليد من هذه الشريحة؛ بسَببِ الحرب وجميعها بحاجة للسفر، إلى جانب 5000 حالة فشل كلوي قابلة لزراعة الكلى ويعانون من شح مستلزمات الغسيل الكلوي وَ500 حالة فشل كبدي نهائي تستدعي زراعة كبد، مع وجود 2000 حالة تشوهات وتقرحات بقرنية العين بحاجة لزراعة القرنية بالإضافة إلى ما يزيد عن 10000 حالة تشوهات في الأطراف والأعضاء الأُخرى؛ بسَببِ القصف العشوائي على الأحياء المدنية والمنشآت ويحتاجون للعلاج في مراكز عالية الاختصاص لإعادة تأهيلهم وجلهم من الأطفال والنساء.

 

ماذا عن تعويض رحلات اتّفاق الهُدنة؟

يقول خالد الشائف -مدير مطار صنعاء الدولي-: إن من سافروا من المرضى وذويهم يظل عدداً محدوداً رغم تخصيص 50 % من مقاعد الرحلات التي تمت الاثنين والأربعاء الماضيين.

وإذا كان الاتّفاق يؤكّـد على تسيير رحلتين في الأسبوع، أي 16 رحلة جوية عبر مطار صنعاء، فَـإنَّ فارقَ الرحلات التي عطّلها تحالف العدوان تقارب 12 رحلة منذ بدء الهُدنة، وهذا يستلزمُ تعويضَ تلك الرحلات فيما تبقى من أَيَّـام الهُدنة، وهي أقل من عشرة أَيَّـام.

ويرى الشايف أنه كان لازماً تخصيصُ رحلات يومية إنسانية تخُصُّ شريحة المرضى تتبناها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أَو أن يترك المجال مفتوحاً لهؤلاء المرضى للسفر للعلاج على حسابهم الخاص ضمن اتّفاق يفصل رحلات الطيران القائمة عن الرحلات الإنسانية، مطالباً المنظمات الدولية والعالم الحر للدفع بهذا الاتّجاه لمساعدة مرضى الحالة المستعصية والأمراض المزمنة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com