تعــز في المعادَلة الوطنية!

 

عــبدالله عـلي صبري

ليس سراً القولُ إن مستقبلَ السِّــلْمِ الاجتماعيِّ في الـيَـمَـنِ مرهونٌ بدور تعز في المعادَلة السياسية التي يُرادُ لها أن تتشكَّلَ على إيقاعٍ طائفيٍّ بعد أن ترسَّخت ثنائية التجزئة على أساسٍ جهوي بين أبناءِ الشمال وأبناء الجنوب للأسف الشديد.

وبالتالي فإن احتدامَ العُـدْوَان والمعارك في ومِن حول تعز، غيرُ منفصلٍ عن المخطّطات الإجرامية التي تدفعُ نحوَ شرذمة وتجزئة المجزَّأ، وصَبّ الزيتِ على النار في ما يتعلق بالحساسيات المناطقية والمذهبية بين أبناء البلد الواحد.

وقد كان اللقاءُ الذي جمع مؤخراً بين نخبةٍ من أبناء تعز برئيس اللجنة الثورية العليا شفّافاً إلى الحدّ الذي سمح بمناقشة المخاوفِ من مصير تعز وأبنائها إذَا ظلّ عقلاؤها مغيَّبين عن الأدوار الوطنية التي اضطلع بها آباؤهم في الماضي القريب من تَأريخ الـيَـمَـن الحديثِ والمعاصر، عندما كانت تعزُ مشعلاً للحركة الوطنية في عُموم البلاد، وحاضنةً لمختلف التيّارات السياسيّة على تضادّها وتناقضاتها.

وقد كان خطابُ الأستاذ محمد علي الحوثي أمامَ أبناء تعز حافلاً بالرؤى الوطنية التي يمكنُ البناءُ عليها باتجاه لملمة الجبهة الداخلية، وتوحيد الصفّ الـيَـمَـني من جديد، على أساس من التسامُح والتعايش والقبول بالآخر، بعيداً عن غَلَبَةِ القُوَّةِ من أَيّ طرف كان.

ومما لفت انتباهي في الخطابِ أن الحوثي أكّد بأن السلاحَ ليس حلاً، ولا يمكنُ إلغاءَ الآخر بالعُنف وبالقوة، مستشهداً بالحروب الستّ التي شُنَّت على صعدة، وأدّت إلى نقيضِ أهدافها تماماً، حيثُ أصبحت جماعةُ الحوثي – أَنْصَـار الله- قوَّةً شعبيةً كاسحةً، برغم أنها كانت مجرد أقلية مستضعفة، حين شن النظامُ السابقُ عُـدْوَانَه عليها وعلى أبناء صعدةَ في 2004.

الحوثي أشاد في خطابه أَيْــضاً بمكَانة تعز الثقافية وبدَور نخبتها الكُفؤة والمؤهلة، إضافةً إلى الأدوار البطولية لأبنائها ومقاتليها في جبهات التصدّي والصمود، وقد كان محقاً في تقييمه الذي قد يغيب عن أذهان البعض في ظلّ الصخب الإعلامي المتزايد حول حصار تعز، فلولا انخراط أبناء تعز والتحاقهم بالجيش واللجان الشعبية، لَكان الغُزاةُ والمرتزقة قد تمكّنوا من احتلال تعز كما فعلوا في عدن، وعليه فإنه مهما ظهر في الواجِــهَة من سياسيين وإعلاميين تعزيين منخرطين في العُـدْوَان على الـيَـمَـن، فهذا لا يُلغي حقيقةَ أن غالبيةَ أبناء تعز كانت وستبقى إلى صفِّ الوطن.

وقد كان رئيسُ اللجنة الثورية محقاً وذكياً عندما ربَطَ بين المثقف والقبول بالآخر، فالإنسانُ المتعلمُ والمؤهَّــلُ هو الأقدَرُ على استيعابِ المختلِفِ والتعايُشِ معه، في ظلّ قواسمَ مشتركةٍ، وإلا تصبح الثقافة هنا مجرد ادعاءٍ يدحَضُه الواقع. وإذا كانت للسياسيين حساباتٌ تجعَلُ أحدَهم يصبح مؤمناً ويُمسي كافراً بالوطن، فإنَّ المثقفَ الحقيقي يظلُّ على اتّساقٍ مع المبادئِ والثوابتِ التي تجمَعُه حتى بالمختلفين عنه في الموقع السياسي، ويغدو الوطنُ في ظلِّها أسمى المقدَّسات.

من تعز الحالمة نتطلعُ إلى انتصارٍ كبيرٍ لشعبنا يدحَرُ الغُزاةَ والغُلاةَ والطغاةَ، وبقدر ما تكونُ تعز حاضرةً في المعادَلة الوطنية، بقدر ما تكونُ وَحدة واستقرار الوطن في الشمال وفي الجنوب.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com