الرؤية الاقتصادية للشهيد الصمّـاد.. معالجاتٌ من واقع المسؤولية

المسيرة| عباس القاعدي

أدرك الشهيدُ الرئيس صالح علي الصمَّاد في فترة قصيرة من توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى، أن الحربَ الاقتصاديةَ التي يَشُنُّها العدوانُ الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني أكثرَ خطورةً من العدوان العسكري؛ ولهذا كانت الحربُ الاقتصادية ومعالجاتُها تتصدَّرُ أولوياتِ اهتماماته وتوجّـهاته، حَيثُ كان مدركاً وواعياً لخطورة الهيمنة الاقتصادية وأهميّة الاعتماد على قدرات اليمن وإمْكَانياته الاقتصادية والبشرية والطبيعية التي يسعى العدوان للسيطرة عليها، الأمر الذي جعله يدعو في بعض خطاباته إلى تحرير الاقتصاد اليمني وأن لا يظل تحت سيطرة قوى الاستعمار والهيمنة الاقتصادية الكبرى.

وفي هذا الشأن وبالتزامن مع ذكرى استشهاد رجل المسؤولية الشهيد الرئيس الصماد، نستعرض بعضاً من المعالجات والحلول التي وضعها الشهيد وطموحاته في بناء اليمن المتحرّر اقتصاديًّا وتنموياً، حَيثُ تؤكّـد التقاريرُ أن الشهيد الصماد حمل على عاتقه خلالَ توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى مشروعَين وطنيين، الأول خاص ببناء الدولة وفقاً للمعايير المؤسّسية التي تضمن الخروج عن الوصاية الخارجية، والثاني: مشروع المواجهة والدفاع عن الأرض والعرض.

 

رؤيتُه الاقتصادية

ولأن مشروع بناء الدولة واستمراره مرتبط بالمشاريع الوطنية والتنموية وعلى رأسها الاهتمام بالمجال الاقتصادي والأمن الغذائي وتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي، والمشاريع الدوائية، وزيادة الكفاءة المالية العامة ومواجهة التحديات الاقتصادية بالمزيد من الثبات والصمود، يجب أن نتطرق في سياق التقرير التالي إلى التوجّـه الاقتصادي الإنتاجي للدولة والذي يعد جوهر رؤية الرئيس الشهيد صالح الصماد، الذي أكّـده تحت شعاره “يد تحمي ويد تبني”، والذي يقضي بضرورة الاهتمام بالإنتاج الزراعي والصناعي، وُصُـولاً إلى الاكتفاء الذاتي، موجهاً الحكومة بالقيام بما يلزم؛ مِن أجلِ الوصول إلى هذا الهدف، وعدم الركون إلى الخارج.

ومن أجل تجاوز الروتين المعتاد لمواكبة التحديات، وتعزيز الصمود والعمل على ترسيخ الوعي الاقتصادي، يؤكّـد الشهيد الصماد على تشجيعِ الجانب الزراعي للاستفادة من أرض اليمن الطيبة في توفير القدر الأدنى من الاكتفاء الذاتي، والعمل بوتيرة عالية في هذا المجال، بالإضافة إلى الدور الذي ينبغي أن يقوم به القطاع الخاص في سبيل تعزيز الوضع الاقتصادي والخدمي، بالتعاون مع الدولة في مختلف القطاعات، منها القطاع الزراعي الذي يعد الركيزة التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني في أي بلد؛ ولذلك كانت نظرة الشهيد الرئيس نحو الارتقاء بالقطاع الزراعي وزراعة الحبوب بمختلف أنواعها إلى جانب المحاصيل الأُخرى تحظى بأهميّة كبيرة في خطط الرئيس الشهيد؛ ولذلك وجه حكومة الإنقاذ بتوفير التسهيلات التي يتطلبها القطاعُ الزراعي وسرعة معالجة كُـلّ المشكلات والتحديات التي تواجه مزارعي المحافظات المحرّرة وفي مقدمتها محافظة الحديدة.

وشدّد على أهميّة الوعي بضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يمثل حاجة رئيسية ملحة وأَسَاسية لحياة أي شعب يريد أن يعيش بكرامة واستقلال، مُشيراً إلى أن محافظة الحديدة واعدة لأن تكون رافداً للاقتصاد الوطني، وتجعل الجميع يشعر بالأمل في استعادة القطاع الزراعي لحضوره الكامل في حياة الشعب اليمني.

وبخصوص القطاع السمكي فَـإنَّه لم يغب عن الشهيد الرئيس، حَيثُ له أهميّة كبيرة في رفد الاقتصاد الوطني ومما تنبه إليه هو توجيه الحكومة بسرعة دراسة إلغاء تصاريح الصيد الأجنبي بالمياه الإقليمية اليمنية، كما وجّه أَيْـضاً بتقييم الأضرار الناجمة عنها وإحلال برامج تطوير مدخلات وتقنيات الصيد للصيادين اليمنيين ودعوة القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال محلياً وبشكل مباشر ضمن مشاريع الاستثمار الوطني.

 

الهيمنةُ السعوديّة

وحول الأزمة الاقتصادية التي فرضها العدوان السعوديّ من خلال نقل البنك المركزي إلى محافظة عدن المحتلّة، يقول الشهيد الرئيس الصماد في أحد خطاباته: إن العدوان ترافق معه حصار بحري وبري وجوي منع أبسط مقومات الحياة من الدخول إلى الشعب، كما استخدمت فيه كُـلّ الوسائل والأساليب القذرة التي فاق النظام السعوديّ فيها الشياطين، كان أخطرها نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدنَ وما ترتب عليها من معاناة وصلت إلى كُـلّ بيت وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي الصعب نتيجة انقطاع المرتبات، مؤكّـداً أن هذه المعاناة لم ولن يتحملها شعب من شعوب الأرض وقاساها وتحملها شعبنا اليمني بكل صبر وتحَدٍّ، مدركاً أن الكرامةَ والعزة لن تأتيَ بالتمني، بل بتحمل أصناف المعاناة في سبيل تحقيقها، وهذه المعاناة لا تغيب عن أولوياتنا لبذل أقصى الجهود لرفعها عن شعبنا، سواء من خلال تحسين أداء المؤسّسات لتوفير المتاح والممكن من الرواتب أَو تقديم المتاح من الخدمات وإصلاح الأوعية الإيرادية، أَو من خلال تعاطينا الإيجابي مع أية فرص للسلام.

وفي هذا الصدد، كان الشهيدُ الصماد قد تلمَّسَ خطرَ الهيمنة السعوديّة اقتصاديًّا ودورها في ضرب الإنتاج الوطني اليمني رغم ما تكتنزُه الأرضُ اليمنية مع خيرات فلزية ومنتجات زراعية عالية الجودة، وفي هذا الإطار ومن منطق الإحساس بالمسؤولية ونقد التجربة اهتم الرئيس الصماد كَثيراً باستلهام تجارب الشعوب التي واجهت تحديات استعمارية وكانت لها تجارب مقاومة ناجحة، وعلى سبيل المثال قال الرئيس الشهيد صالح الصماد في كلمته بمناسبة الذكرى الأولى لتشكيل المجلس السياسي الأعلى: “إننا جميعاً علينا مسؤولية كبيرة أن ندرك المؤامرة التي يُراد تمريرها على شعبنا، وأن معاناة شعبنا وتضحياته كانت وستكون سواء وقفنا ضد العدوان أم استسلمنا، وأنه ينبغي علينا تقييم عام (سنة) من أداء المجلس وثمانية أشهر من أداء الحكومة للاستفادة من الإيجابيات وتلافي الأخطاء والسلبيات، وأن نعد رؤى ناضجة تعمل على تحسين الأداء وتلبية مطالب الشعب، وأمامنا كثير من التجارب على مستوى المنطقة والعالم، فدول وصلت إلى نقطة الصفر ثم أعادت النظر في سياستها والتفتت إلى واقعها وانتعشت في ظل صراعات كما يعيشها شعبنا هناك فيتنام وكوبا وماليزيا وغيرها”.

 

اغتيالُ وطن

وعلى الرغم من أن فترةَ رئاسته للمجلس السياسي الأعلى جاءت في أشدِّ الظروف وأصعبِها على الإطلاق، من حَيثُ القدرة الاقتصادية للبلاد على مواجهة وتلبية المشاريع الخدمية المرتبطة بالمواطن؛ بسَببِ العدوان الذي أثّر بشكل عام على كافة مناحي الحياة، إلَّا أن جهودَ الرئيس الشهيد نجحت وقام بافتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية والتنموية والخدمية في المحافظات الحرة؛ ولهذا فَـإنَّ الرئيس الشهيد الصماد استطاع بحنكته القيادية ونظرته الثاقبة لمجمل التطورات والأحداث التي تمر بها بلادنا في ظل العدوان والحصار أن يضعَ خططاً وأولويات لقيادة مسار البلد على جميع المستويات منها المستوى الاقتصادي، فمن شعاره الخالد (يد تنبي ويد تحمي) تحَرّكت أجهزة الدولة وتفاعل الجماهير مع رؤى ومشروع الرئيس الصماد لبناء الدولة المدنية الحديثة ليذكرنا جميعاً رجل الدولة الأول الشهيد الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي.. رئيسان استطاعا أن يخلِّدا ذكراهما في أنصع صفحات التاريخ ولم يكن أمام المتربصين باليمن قديماً وحديثاً (آل سعود) إلا أن خططوا ونجحوا في اغتيال أعظمِ قائدَين في تاريخ اليمن المعاصر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com