السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثانية:


أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

اللهم اهْدِنا، وتقبَّلْ منا، إنَّك أنتَ السميعُ العليم، وتُبْ علينا، إنك أنتَ التوَّابُ الرحيم.

نواصلُ الحديثَ عن العنوان الأَسَاسي: التقوى، الذي هو الهدفُ العمليُّ والثمرةُ العمليةُ من وراءِ صِيامِ شهرِ رمضانَ كفرضٍ عظيمٍ، وركنٍ عظيمٍ ومُهِمٍّ من أركان الإسلام، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: من الآية183].

تحدَّثنا بالأمس عن أهميّة التقوى، وعن بعضٍ من مجالاتِ التقوى، ولأهميّةِ التقوى في القرآنِ الكريم، فهي العنوانُ الرئيسيُّ الذي يلي الإيمَـانَ، يلي عنوانَ الإيمَـان، بعده عنوان التقوى، فنجدُها في القرآن الكريم تتكرّر، وتتضمَّنُ في كثيرٍ أَيْـضاً من المواقع في القرآن الكريم الحديثَ عن مواصفات المتقين، وعن ثمارِ ونتائجِ التقوى في عاجِلِ الدنيا وفي آجِل الآخرة، فالحديث عن التقوى في القرآن الكريم حديثٌ واسع، وحديثٌ مفيدٌ ومُهِمٌّ؛ ولذلك نجد أنَّ التقوى ركيزةٌ أَسَاسية تتفرع عنها المواصفات الإيمَـانية، فالتقوى هي ثمرةُ الإيمَـان الواعي ونتاجه، وتتفرع عنها المواصفات الإيمَـانية التي تجسد التزام الإنسان عمليًّا في مسيرة حياته في كُـلّ مجالات الحياة، فالحديث عنها حديثٌ مُهِمٌّ، واستيعاب ذلك أَيْـضاً هو شيءٌ مُهِمٌّ.

يأتي في القرآن الكريم الحديثُ عن التقوى، الحديث عن التعريف بها، عن علاماتها، عن مواصفات المتقين، عمَّا يترتب على التقوى من نتائج عظيمة مهمة للإنسان، والعنوان في أَسَاسه بما يعنيه من وقاية الإنسان من الشرور، وقاية الإنسان من الأخطار، وقاية الإنسان من الهلاك، وقاية الإنسان من عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، هو يدل -بحد ذاته- على أهميته.

من أهم ما يتعلق بالتقوى: أنها أَسَاس لقبول الأعمال الصالحة، لقبول الأعمال الصالحة، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: من الآية27]، كلنا نعي وندركُ أهميّةَ الأعمال الصالحة؛ لأَنَّنا ننال من خلالها رضوانَ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ لأَنَّنا نحقّق لأنفسنا من خلالها الخير في الدنيا والآخرة، ويقترن بذلك ما وعد الله به من الأجر والثواب، وما للأعمال الصالحة من فضلٍ وأثرٍ إيجابيٍّ مُهِمٍّ في نفس الإنسان، في واقع حياته، ثم ما يتحقّق له من وراء ذلك، وعادةً ما يكون العنوان الرئيسي لذلك هو: عنوان الأجر والثواب، وما نحصل عليه من جانب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” فيما وعد به.

ونجدُ في القرآن الكريم الحديث عن الوعد الإلهي، الذي يرغِّبُ الإنسانَ إلى حَــدٍّ كبير في فعل العمل، وفي القيام بالعمل؛ لأَنَّه يدركُ ما سيحصلُ عليه من خلال ذلك العمل، فالإنسانُ هو المستفيدُ من وراء ما يعمل من الأعمال الصالحة، أمَّا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” فهو غنيٌّ عنا، وغنيٌّ عن أعمالنا، وكما يقول اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ}[فصلت: من الآية46]، فالإنسانُ هو المستفيدُ، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}[العنكبوت: من الآية6]، هو المستفيد هو، وهو المحتاج إلى أن يعملَ هذه الأعمال التي فيها نجاتُه، فيها فلاحُه، فيها فوزُه، فيها ما يتحقّقُ له ما يرغبُ به ويحتاجُ إليه من الخيرِ لنفسه في الدنيا والآخرة، وفيها ما يسمو بنفسه، فيها ما يحقّقُ لنفسه الكمالَ الإنساني، فيها ما يحقّقُ لنفسه على المستوى المعنوي، ما يرغبُ به، ما يأملُه، ما يحتاجُ إليه، وكذلك الرعاية الإلهية الواسعة، التي تشمل الجوانبَ المادية والمعنوية، هذا على المستوى الشخصي.

ثم على المستوى المجتمعي، كمجتمعٍ يتحَرَّكُ على أَسَاس من الإيمَـان، والتقوى، والعمل الصالح، والسعي لمرضاة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وأن تكونَ له صلتُه بالله، الصلة الإيمَـانية التي يحظى من خلالها بمعونة الله، برحمة الله، بتوفيق الله، بالنصر من الله، بالعون من الله، بالرعاية الواسعة الشاملة من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فالأعمالُ الصالحة التي نعملها، والتي عادةً ما نتجه إلى عملها ونحن نؤمِّل ما وراءها من الخير، ما وعد الله به عليها من الثواب، ما يترتب عليها من النتائج، قبولها مرهونٌ بالتقوى، بهذا التأكيد في القرآن الكريم: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

فالإنسان قد يعمل في مسيرة حياته، وبالذات في ظل الانتماء الإسلامي، في ظل انتمائنا للإسلام كمجتمعٍ مسلم، نتجه لفعل الخير هنا وهناك، والكثير من الناس قد يتجه لفعل الخير في مجال معين مثلاً، وقد لا يكون ملتزماً بتقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، قد يكون ممن يصرُّ على الاستمرار في معاصي، في ذنوب، البعض حتى في جرائم معينة، وهو يظن أنه قد فعل هناك البعض من أعمال الخير، من أعمال الإحسان، من الأعمال الصالحة، وأنه سيحظى بالأجر، سيحظى بالثواب، سيحظى بالعفو الإلهي، مع إصراره، ومع استمراره على انتهاك حرمات الله، وتجاوز حدود الله، وإصراره على ذنوب ومعاصي معينة، وهذا كَثيراً ما يحصل، وبالذات أنه أحياناً يُسنَدُ بثقافةٍ خاطئة، وبمفاهيمَ خاطئة، تسهل للبعض أن ينحو في مسيرة حياته هذا المنحى، يكتفي بأن يعمل أحياناً الأعمال الصالحة، أن يتحَرّك في إطار القيام ببعضٍ من الشعائر الدينية والشكليات العملية، ويستمرّ في اتّجاه آخر في أعمال سيئة، أَو في مواقف سيئة، في مواقف يخدم بها الباطل، يتجند من خلالها في صَفِّ الباطل، يسعى من خلالها لسيطرة الباطل، أَو يحمل ولاءات باطلة، ولاءات لأعداء الله، ولاءات لأعداء الإسلام والمسلمين، ارتباطات تخدمهم ضد أمته، ضد دينه، جوانب كثيرة يمكن أن يكون الإنسان من خلالها بعيدًا عن التقوى، لا يلتزم بالتقوى، لا يتقي اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، تحدثنا بالأمس عن أن التقوى تشمل الالتزام تجاه ما أمرنا الله به، من مسؤوليات، وأعمال، وما يتصل بذلك، وَأَيْـضاً تتعلق بالحذر مما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه، من المناهي والمحرمات، يشمل ذلك الجوانب السلوكية، الجوانب التي تتصل أَيْـضاً بالمواقف، والولاءات… وغير ذلك، لا تتجه فقط تجاه جانبٍ واحد.

الإنسان قد يتحسر كَثيراً عندما يكون ممنياً لنفسه بأنه يعمل البعض من الأعمال الصالحة، وأن هذا كافٍ في أن يفوز بما وعد الله به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من الخير، والثواب، والجنة، والرضوان، وأنه بذلك قد أمَّن مستقبله الآتي الأبدي عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وقد ضمن لنفسه النجاة، البعض حتى يحمل في نفسه حالة وكأنه من المتأكّـدين والقاطعين قطعاً بأن تلك الأعمال التي يقوم بها كافية، في أن يحظى بمرضات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وبعفوه، وبجنته، فيتعامل على نحوٍ من الاستهتار، والتهاون، واللامبالاة، تجاه ما يصرُّ عليه ويستمر فيه من الأعمال السيئة، وهذه مسألةٌ خطيرة، قد يأتي الإنسان يوم القيامة مفلساً، ليس له رصيدٌ من العمل الصالح، ليس له أي أجر، أي ثواب على ما قدم من أعمال صالحة، لماذا؟ إما؛ لأَنَّها لم تقبل من الأَسَاس، لم تقبل من الأَسَاس، من البداية، أَو أنه أحبطها؛ لأَنَّه لم يلتزم بالتقوى، كانت قد قبلت، ثم أتى منه من الأعمال السيئة التي أصرَّ عليها واستمر عليها ما أحبط به عمله ذلك، عمله ذلك من صلاة، من صيام، وأعمال أُخرى، البعض حتى قد يكون من ضمن أعماله أعمال تصنف في إطار الجهاد في سبيل الله، أَو الإنفاق، أَو الإحسان، أَو فعل الخير، جوانب كثيرة قد يكون الإنسان أمَّل أن يكون قد حصل -على الأقل- من خلالها هي على الأجر والثواب.

والله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يقول في القرآن الكريم: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان: الآية23]، هذا أمر رهيب جِـدًّا، الأعمال التي يعولون عليها أنه ربما يكون لهم من خلالها أجر وثواب وحسنات، أَو تكون سبباً لنجاتهم يوم القيامة، لعتق رقابهم من النار، للفوز بما وعد الله به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عباده المؤمنين المتقين، ولكنهم يجدون كُـلّ تلك الأعمال التي يؤملون أنها ستصنف في عداد الأعمال الصالحة، الأعمال المرضية المقبولة، فيجدونها لا قيمة لها، لا أجر عليها، لا فضل لهم عليها؛ لأَنَّها أحبطت أَو لم تقبل من الأَسَاس، {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، هباءً كالغبار، كضوء الشمس الذي يدخل من النافذة وفيه ذرات من الغبار، يعني: لا قيمة له، لا أثر له، لا إيجابية له، وفعلاً حتى في واقع الحياة لا إيجابية للعمل الذي لا يقترن مع التقوى، فعلاً لا يترك أثره في نفس الإنسان، في مشاعر الإنسان، وبالتالي في أعمال الإنسان واستقامة أعماله، فالمسألة مهمةٌ جِـدًّا، هذا من أهم ما يتعلق بالتقوى.

الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أَيْـضاً يضرب لنا مثلاً مهماً في القرآن الكريم عن إحباط العمل، عندما قال “جلَّ شأنه”: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُـلّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: الآية266]، هذا أَيْـضاً في الإحباط؛ لأَنَّ الإنسان إما أنه مُصِرٌّ على المعاصي، على الذنوب، على الأعمال السيئة، وهو يعلم أنها أعمال سيئة ويصر عليها، فما أتى منه خلال ذلك من الأعمال الصالحة لا يقبل منه.

أو أنه أتْبَعَ فيما بعدُ العمل الصالح، قد كان في مرحلة من المراحل يعمل الأعمال الصالحة، وهو ذلك الإنسان الذي يرجع إلى الله، لا يصر على ذنوبه، على خطيئاته، يتوب منها، يتدارك نفسه من أي زلة، ويرجع إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لكنه فيما بعد عمل أعمالاً سيئة أصرَّ عليها، وأحبط بها كُـلّ أعماله تلك، وقد تكون المسألة خطيرةً عندما تكون مثلاً إحباطاً لأعمال عظيمة، أجرها كبير، فضلها عظيم، مثلاً: الجهاد في سبيل الله، فعل الخير بكله مجالات الإحسان الواسعة، التي تقدم فيها الخدمة للناس من حولك بنيةٍ صادقةٍ وطيبةٍ ومخلصةٍ لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ووفق التعليمات الإلهية، فالمسألة تكون خطيرة على الإنسان.

أو مثلاً بعد عمرٍ طويل، عمرٍ طويل من الأعمال الصالحة، والتوبة، والرجوع إلى الله، فإذا بالإنسان في مرحلة من المراحل يتجه اتّجاهاً آخر؛ مِن أجلِ هوى النفس، والبعض أَيْـضاً؛ مِن أجلِ هوى النفس إما في رغباتها وشهواتها، وإما فيما يتعلق بحالة الغضب لدى الإنسان والانفعال، أَو بحالة المخاوف التي تؤثر على البعض من الناس، فتدفعهم نحو الانحراف.

أيضاً عندما لا يأتي العمل الصالح بنفسه طبقاً لتعليمات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، العمل الصالح يرتبط بالتوجيهات الإلهية، في أصله، وفي كيفيته، أن تعمله وفق توجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتعليماته “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، مطابقاً لأمر الله وتوجيهاته، وقد لا يقبل منك أصلاً؛ لأَنَّه شابه من الخلل، شابه من المخالفات ما أحبطه، فتكون يوم القيامة من المتحسرين، من النادمين، عندما تجد أن تلك الأعمال التي أمّلت أن تكون مقبولةً منك أنك ستؤجر عليها، لم تؤجر عليها، ولم تحسب لك، لم تحسب لك في عداد أعمالك الصالحة، فهذه مسألةٌ مهمةٌ جِـدًّا تبين لنا أهميّة التقوى، كما قال الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

أيضاً يتجلى من خلال التقوى قيمة التوجيهات الإلهية، وأهميتها، وفائدتها، توجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” وأوامره لنا ونواهيه، هي كلها لمصلحتنا نحن، فوائدها لنا، ما أمرنا الله به؛ ففيه الخير لنا، ويتحقّق لنا من خلاله نتائج مهمة، ومصالح حقيقية، وما نهانا عنه؛ ففيه ضرٌّ علينا، شرٌّ علينا، مخاطر علينا، وأضراره ونتائجه السيئة هي تؤثِّر علينا نحن؛ أمَّا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” فلن نضره بشيءٍ من أعمالنا السيئة.

فعندما نلتزم بالتقوى، فنعمل ما أمرنا الله به، ننهض بمسؤولياتنا التي حمَّلنا الله إياها، فنحن سنرى قيمة ذلك، أثره، نتائجه في مسيرة حياتنا، في واقع حياتنا، في كُـلّ المجالات، يعني: توجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، توجيهات الله التي تتعلق بالجوانب الاقتصادية في حياتنا، ستظهر آثارها ونتائجها في الواقع الاقتصادي في حياتنا، وفي معيشتنا، وتأتينا مع ذلك البركات والخيرات؛ لأَنَّ لها ثمرة مباشرة، إيجابية مباشرة لكل توجيه من توجيهات الله، لكل أمرٍ من أوامر الله، له أثر جيد مباشر، وله نتيجة أَيْـضاً إضافية فيما يأتي من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من البركات والخيرات، وما يتحقّق به للإنسان على المستوى الشخصي وللمجتمع الذي يتحَرّك وفق توجيهات الله كمجتمع، وهذا ما نلحظ أهميته تجاه كثيرٍ من الأمور التي فرَّط فيها مجتمعنا المسلم، فكان لتفريطه فيها الآثار السيئة، والخسائر الكبيرة في واقع مجتمعنا المسلم.

عندما نأتي مثلاً إلى ما أمر الله به من توحد المسلمين، من اجتماع كلمتهم، من الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من السعي لإقامة القسط، وإقامة العدل، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا المسؤوليات الجماعية: من التعاون على البر والتقوى، أن يكونوا مجتمعاً يسوده الحق، ويسوده العدل، يسوده الخير، أن يكونوا أُمَّـة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، عندما فرَّطوا في هذه المسؤوليات الجماعية المهمة والكبيرة، فرَّطوا في الجهاد في سبيل الله، وفرَّطوا في أن يعدوا ما يستطيعون من القوة، أن يبنوا أنفسهم كأمةٍ قوية، كما قال الله لهم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، كم كانت الخسائر الكبيرة لمجتمعنا المسلم، خسائر رهيبة جِـدًّا، حوَّلت واقع هذه الأُمَّــة إلى واقعٍ ضعيف، يسوده الضعف، تسوده الفرقة، يسوده الشتات؛ وبالتالي يتمكّن أعداؤها من الإضعاف لها أكثر، من السيطرة عليها، من المؤامرة عليها، من الظلم لها، من الاضطهاد لها، من الاختراق لها.

عندما نجد جوانب كثيرة تتعلق بالسعي لأن تكونَ هذه الأُمَّــة أُمَّـةً مهتدية، مستنيرة، مستبصرة، واعية، على هدىً من الله، مهتديةً بآيات الله، تمتلكُ من خلال نور الله الوعي الكبير والكافي، تتحصَّنُ بالهدى تجاهَ كُـلّ أشكال الضلال والباطل، عندما فرَّطت في ذلك؛ كيف كانت الآثار السيئة والرهيبة في انعدام حالة الوعي لدى الكثير من أبناء مجتمعنا المسلم، وكان لذلك آثارٌ خطيرة ونتائجُ خطيرةٌ جِـدًّا على واقع أمتنا بشكلٍ عام.

ولكن لأَنَّ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” هو أرحم الراحمين، فالمسألة لا ترتبط دائماً بالجانب الجماعي للأُمَّـة بكلها، يعني: الوعد الإلهي فيما يتعلق بالتقوى، ونتائجها، وثمارها الطيِّبة، لا يتوقف على أن تستجيب الأُمَّــة كُـلّ الأُمَّــة، من كُـلّ أبنائها، من كُـلّ مناطقها وبلدانها، إذَا تحَرّكت من داخل الأُمَّــة ولو أُمَّـة، بل حتى على المستوى الشخصي، هناك ثمار ونتائج طيِّبة، لكن هناك بالتأكيد مسؤوليات جماعية، تأتي النتيجة فيها على المستوى الجماعي، فإذا تحَرّكت أُمَّـة، أَو مجتمع معين من داخل الأُمَّــة، فهو بالتأكيد سيحصل على ما وعد الله به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

مما في القرآن الكريم مما يتحدث عن عظمة التقوى، عن إيجابياتها فيما يتحقّق بها للإنسان من رعايةٍ إلهية عجيبة، ويتحقّق بها للمجتمع كمجتمع، المجتمع الذي يستجيب، يتقي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في التزاماته العملية، في مواقفه، في ولاءاته، في نهوضه بمسؤولياته، في استجابته الكاملة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ماذا يترتب على ذلك؟ يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق: 2-3]، هذه الآية المباركة من أهم الآيات التي تبين لنا عظمة التقوى، بل إنها تقدِّمُ ما هو مُغرٍ جِـدًّا، وجذَّابٌ إلى حَــدٍّ كبير، يجذبنا نحو تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فقد تضمّنت وعداً من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي لا يخلف وعده، وعداً عظيماً، وعداً مهماً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ}، هذا على المستوى الشخصي وعلى المستوى الجماعي، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ} أي شخص، وكذلك أي مجتمع، أي أُمَّـة تتجه على هذا الأَسَاس: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ}، يتق الله في التزاماته العملية، يتق الله فيما يعمل، يتق الله فيما يقول، يتق الله في النهوض بمسؤولياته، يتق الله فيلتزم بأوامر الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، يتق الله فيجتنب المحرمات، لا يعتمد على ما نهى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنه، ويرى أنه من خلاله سيتوصل إلى ما يبتغيه لنفسه، إلى ما يريده لنفسه، فيرى فيه وسيلة العمل التي تحقّق أهدافه، أَو تحقّق رغباته، يحذر من ذلك، فيتقي الله، ويتجه وفق أوامر الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من منطلق الثقة بالله، أنَّ الله لن يخذله، لن يتركه، أنَّ الله سيحقّق له النتائج التي وعد بها، سيفي بوعده له.

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، مخرجاً من كُـلّ ضيق؛ لأَنَّه في مسيرة الحياة قد تضيق بك الأمور، قد تتصعب عليك الأمور من جوانب كثيرة، تتعقد الأمور على المستوى المعيشي مثلاً، تعيش ظروفاً صعبة، ولكن لتطمئن أنها مرحلية، أَو على مستوى أوسع، مثلما هو حال تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في النهوض بمسؤولية الجهاد في سبيل الله، والسعي للتحرّر من سيطرة أعداء الله، والسعي للاستقلال كأمةٍ مؤمنةٍ، تتحَرّك وفق توجيهات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فيتكالب عليها الأعداء بالعدوان، والحصار، والمؤامرات الكثيرة، فينتج عن ذلك كثير من المتاعب، والظروف الصعبة، والتحديات الكبيرة، وتضيق الأمور على المستوى المعيشي، على المستوى الاقتصادي، وتتعقد على المستوى الميداني، فتجد الأُمَّــة نفسها في وضعيةٍ صعبة، تقدِّم الشهداء، تعاني، لها جرحى، تعاني من الحصار، تعاني من الضائقة في المعيشة، فالبعض قد يتأثر نتيجةً لذلك، ويصل إلى حالة اليأس، وانعدام الأمل، وكأن المسألة تستمر على ذلك النحو بلا نهاية، وكأنه ليس هناك أية انفراجة تأتي، فهذا على المستوى الجماعي.

وأحياناً حتى على المستوى الشخصي، البعض من الناس تجربته العملية فيما يعانيه، وهو يتجه اتّجاه الحق، يتجه على أَسَاس تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في مواقفه، في التزاماته، في أعماله، في تصرفاته، حتى في شؤون معيشته، وفي بيعه وشرائه، وقد يتصور أنَّ البعضَ الآخر يتوصلون من خلال انفلاتهم، وعدم التزامهم، وتلعباتهم، وأساليبهم السيئة، وأساليبهم التي هي معصية لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وخروجٌ عن التقوى، أنهم يتوصلون إلى تحقيق نجاحات لشؤونهم المعيشية، ولظروف حياتهم، فقد يضيق، وتضيق حاله، وتضيق نفسه، ويستاء، ويفقد الأمل، ثم قد يدفعه ذلك إلى ألَّا يصبر، ألَّا يواصل التزامه ومشواره على أَسَاس من تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهذا قد يدفع به إلى أن يتجه لفعل ما يفعله الآخرون؛ فيخسر في نهاية المطاف.

في طريق الحق تحصل المعاناة، لا نتوقع أنها لا تحصل، ولكنها معاناة يترافق معها يسر، كما قال الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5-6]، ويكون لها في نفس الوقت آثار إيجابية حتى على المستوى التربوي.

طريق الحق هي طريقٌ يسلك فيها الإنسان مشوار حياته ومسيرة حياته وفق تعليمات الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ونحن في هذه الدنيا في دار الاختبار، في ميدان مسؤولية، لسنا في عالم الجنة، الذي هو عالمٌ كله راحة، ليس فيه أي منغصات، ليست فيه أي متاعب، ليست فيه أي معاناة، ليست فيه أي مشاق، ولا نتوقع عن الحالة الإيمَـانية وحالة التقوى أنها حالةٌ يسير فيها الإنسان مدللاً، تكون طريقة الرعاية الإلهية له ألَّا يحصل له أي معاناة، ولا أي مشاق، ولا أي متاعب، ولا يواجه أية مخاطر، ولا… لو كانت الأمور على هذا النحو؛ لكان كُـلّ الناس متقين، ومؤمنين، وصالحين، لو كانت المسألة مسألة دلال، رعاية فيها دلال، لا يحصل للإنسان أية معاناة على الإطلاق، ولا يواجه أي مخاطر، ولا يواجه أية شدائد، بل تتحقّق الآمال والرغبات على أعلى مستوى من دون أي تعب، ولا أي تضحية، ولا أي مشاق، ولا أية مخاطر؛ لكان كُـلّ الناس متقين، لكان كُـلّ الناس متقين، يتجهون للتقوى، والإيمَـان، والعمل الصالح.

نحن في هذه الحياة في ميدان مسؤولية، في ميدان اختبار، وتحصل المشاق، وتحصل المتاعب بشكل اعتيادي في حياة الناس، حتى في كُـلّ مجالات حياتهم، وعادةً ما يكون المهم لدى الإنسان هو ما وراء ذلك من نتائج، فمثلاً: عندما نأتي إلى الفلاحين (المزارعين)، هو يدرك أنَّ الزراعة، وأنَّ الفلاحة، وأنَّ العمل في الزراعة فيه متاعب، فيه مشاقّ، لكنه ينظر إلى النتيجة، إلى ما يتحقّق له من وراء هذا المجهود، إلى ما تثمره هذه المتاعب، ما يحصل عليه من وراء ذلك، فيستطيب متاعبه؛ لأَنَّها متاعب مثمرة، ويستطيب جهوده، بل يفتخر بجهوده، أنها جهود أنجزت، حقّقت نتائج، كان لها ثمرة مهمة، ويرتاح بذلك، حتى وهو يعمل، حتى وهو يتعب، حتى وهو يعاني، حتى وهو يتصدى للمشاق، هو يتذكر، يتذكر -من خلال أحياناً تجارب ماضية- ما قد تحقّق له، ما قد نتج نتيجةً لذلك؛ فيزداد عزماً، وعندما يصل إلى النتيجة المرجوة، يرتاح، يشعر بالراحة، التاجر… الناس في مختلف مجالات حياتهم وأعمالهم، عادةً ما يتجهون على هذا الأَسَاس.

فكذلك في مسيرة العمل الصالح والإيمَـان والتقوى، ما يحصل من مشاق، أَو متاعب، أَو مخاطر معينة، يكسب الإنسان من ورائها ما يهوِّنها، ما يبسِّطها، ويأتي حتى معها اليسر من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” كما وعد، الآثار الإيجابية، لكن مع توطين النفس على الصبر، مع العزم على الاستمرارية، ثم يأتي من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” التدخل الكبير والرعاية الواسعة في نهاية المطاف، فتنفرج الأمور، وانفراجات كبيرة.

فالصعوبات مرحلية، مع الأعمال هي صعوبات مرحلية، يعقبها انفراجات، يعقبها من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ما يحقّق به النتائج العظيمة، والآثار الطيبة، وَإذَا قارنا في طريق الحق، في طريق الإيمَـان والتقوى ما فيها من مشاق وصعوبات، مع البديل الآخر، الذي هو اتّجاه بعيدًا عن التقوى، الاتّجاه البعيد عن التقوى فيه صعوبات، فيه مخاطر، فيه عسر، فيه خسائر كبيرة، فيه أسوأ وأقسى وأشد عناءً مما في طريق الإيمَـان والتقوى، وعواقبه الخسران المبين، عاقبته في الآخرة جهنم، عواقبه في الدنيا الخسران.

اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” سمَّى طريقَه باليسرى، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل: الآية7]، هي اليسرى مقارنةً بالطريق الآخر، الطريق المنحرف عن الإيمَـان والتقوى والعمل الصالح، والاستقامة وفق منهج الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، الطريق الآخر سمَّاه بالعسرى، فمسألة المشاق والصعوبات والمتاعب تحصل، وهي مرحلة، وأحياناً يكون فيها أَيْـضاً أسباب لتقصير معين، الإنسان مثلاً يتجه على أَسَاس من الإيمَـان والتقوى، ولكنه يقصر في بعض الأمور، يقصر في مستوى الأداء، في مستوى الاهتمام، في مستوى الالتزام، فيكون لتقصيره ذلك أَيْـضاً آثار سلبية تؤثر عليه نوعاً ما، أَو أحياناً حتى في الموقف الواحد، يقصر الناس، يحصل بعض من الشدائد، من المعاناة، لكن مع التزام التقوى والإيمَـان تنفرج، هذا وعدٌ إلهيٌّ عظيم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: من الآية2]، مهما ضاقت بك الأمور، مهما تعقدت، مهما اشدت الصعوبات، فهي ستنفرج حتماً، فلينطلق الإنسان بثقة، فلينطلقْ بثقة واطمئنان، وليسعَ إلى أن يحقّق في واقعه التقوى على المستوى الكامل؛ لأَنَّ القصور أحياناً يسهم في المزيد من الضيق.

{وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: من الآية3]، هاجس الرزق يأتي أحياناً كهاجس كبير، الهاجس المعيشي والمعاناة المعيشية تؤثر على الناس، وتضغط على الناس، وهمها يقلق الكثير من الناس فيبعدُه عن التقوى:

  • التقوى في موقف: أن يقف موقف الحق الذي يرضي اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.
  • أو على مستوى المعاملات: التقوى في المعاملات، حتى في معاملات البيع والشراء، والأعمال المعيشية والاقتصادية.
  • أو على المستوى السلوكي بشكلٍ عام: فيؤثر على الإنسان إما مخاوفه، وإما أطماعه، قلقه على مسألة الرزق، ضغط الحالة المعيشية على نفسه، على واقعه، وَأَيْـضاً الأطماع لدى البعض، التي تدفع بهم إلى أن يتجاوزوا، إلى أن يقفوا موقف الباطل، إلى أن يخونوا الحق، إلى أن يتجهوا الاتّجاهات الباطلة، إلى أن يعملوا الأعمال السيئة، إلى أن يغشوا في معاملاتهم، إلى أن ينهبوا الحرام، أن يأخذوا الحرام… إلى غير ذلك.

فيأتي الوعد من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى بالرزق حتى من حَيثُ لا يحتسب الإنسان المتقي لله، بالتأكيد لا يعني هذا أنه يرزقه من حَيثُ يحتسب، إنما يعني: من حَيثُ يحتسب، ومن حَيثُ لا يحتسب، حتى من حَيثُ لا تتوقع، أنت عليك أن تأخذ بالأسباب، عليك أن تواصل مشوار حياتك، أن تنهض بمسؤولياتك، أن تؤدي واجباتك، وأن تثق بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

{وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: من الآية3]؛ لأَنَّ الإنسان أحياناً قد يكون ضمن حساباته قد وصل إلى مستوى المشكلة، إلى مستوى العائق والخط المسدود، من حَيثُ حساباته، وتقديراته، وأساليبه، ووسائله المتاحة، ضاقت من هنا، وضاقت من هناك، وتعقدت من هنا، وتعقدت من هناك، فيفرِّج الله من حَيثُ لا تتوقع، ويأتي من حَيثُ لا تتوقع، فتنفرج الهموم، تنفرج الأمور، هذا يشجع الإنسان على المستوى الشخصي، والمجتمع كمجتمع أن يثق بالله، ألَّا ييأسَ إذَا مرَّ بضائقه، إذَا مرَّ بمعاناة، مثل ما هو حال شعبنا تجاه الحصار الذي يعانيه من تحالف العدوان، المهم هو أن نأخذ بالأسباب، المهم هو أن نعمل في إطار التقوى، أن نجد في إطار التقوى، والانفراجات تأتي من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: من الآية3]، من يتوكل على الله؛ لأَنَّ التوكل أَيْـضاً مرتبطٌ بالتقوى، فهو يثق بالله، ويعتمد الله، ويثق بوعد الله أنه سيتحقّق، وأن الله لن يخذله، مهما كان حجم التحديات والصعوبات، فهو يبقى واثقاً بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ومواصلاً لتقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فالله حسبه، كافيه، كافيه، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء: من الآية45]، كفى بالله معيناً.

اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” الذي إذَا توكلت عليه هو كافيك، وهو معينك، وهو ناصرك، وهو الذي يتولى رعايتك فيفرِّج عنك، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}[الطلاق: من الآية3]، فما أراد الله أن يمضيَه أمضاه، ما أراد أن ينفذه نفذه، فهو القادر على تحقيق وعده، وإنجاز ما وعد، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق: من الآية3]، جعل لكل شيءٍ من الأمور، على مستوى الأرزاق والآجال، على مستوى النتائج للأشياء، على مستوى التأثيرات للأشياء، على مستوى النتائج للأشياء، كُـلّ شيءٍ له قدر معين، كُـلّ شيءٍ مضبوط بمعيار الحكمة الإلهية، فالأمور في سيطرة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لا تخرج عن سيطرته أبداً، يقول أيضاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق: من الآية4]، ييسر ما تعسر، مثلما قال في آيةٍ أُخرى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق: من الآية7]، ويأتي باليسر أحياناً ليترافق مع العسر، فتنفرج آفاق وأبواب إذَا اغتلقت أبواب، كما قال “جلَّ شأنه”: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، وكما قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5-6]، فهنا تكون هواجس العسر، العسر في الحالة المعيشية، العسر في الظروف العملية، ظروف عملية فيها صعوبات، فيها عسر، فليطمئن الإنسان بتقوى الله “سبحانه تعالى”، وبالسعي للكمال في التقوى، يعني: أحياناً قد تضيق الأمور أكثر لإغفال جوانب من تقوى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، جوانب عملية فيها وقاية من كثيرٍ من الشرور، من كثيرٍ من المعاناة، فعندما يتجه الناس للأخذ بالأسباب وتكامل التقوى، يأتي من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” التيسير لأمورهم، فبعد العسر يأتي اليسر.

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ}[الطلاق: من الآية5]، سيئات ما قبل، والسيئات التي تأتي على نحو الزلات، فيتوب الإنسان منها، ويرجع منها إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}[الطلاق: من الآية5]، يُعَظِّم له الأجر الكبير، فيحصل على مكاسب كبيرة من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، تتجلى في رعايته في عاجل الدنيا، وما أعده لك في آجِل الآخرة من جنته ورضوانه.

هكذا نجد أن التقوى هي الخيار الصحيح، لصلاح حياتنا، لانفراجة همومنا ومضائقنا ومعاناتنا، بها صلاح حال الإنسان في عاجل الدنيا وفي آجِل الآخرة.

نكتفي بهذا المقدارِ..

نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يتقبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَاْمَ وَالقِيَاْمَ وَصَالِحِ الأَعْمَالِ، وأَنْ يرحَمَ شهداءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ ينصُرَنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com