هُدنة أخيرة .. بقلم/ مرتضى الحسني

هُدنةٌ لمدة شهرين أعلنتها الأمم المتحدة ابتدأت صباح الثاني من أبريل غُرَّةَ رمضانَ المبارك سبقتها ضرباتٌ عسكرية عنيفة لأهداف استراتيجية وحساسة في المملكة السعوديّة وتهديدات لاذعة أطلقها السيد القائد في خطابه عشية الاحتفال بسباعية الصمود الوطني.

الهُدنة ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة فهي تاليةٌ لهُدنتي مايو وديسمبر 2015 وَأبريل 2016 وَديسمبر2018 أَو ما يسمى اتّفاق ستوكهولم التي كانت مربوطةً بالحديدة فقط؛ لذلك فَـإنَّ الشك والحذر يضربان قلبها؛ نظراً لبراعة طرف العدوان في الكذب وخرق الاتّفاقيات المبرمة.. إلا أن الأخيرة قد تختلفُ لأسباب أَو لأُخرى عن السابقات.

أولاً: تجميع السعوديّة قبل الهُدنة لدواشينها المرتزِقة بالرياض تحت مسمى مشاورات الرياض يمهد لشيءٍ وشيك الحدوث -قد لا يعجبهم- يقي الرياض شرور دوشنتهم، بمعنى أنّ الرياض افتدت نفسها بصحن كبسة شبه أخير؛ لأَنَّه من البداهة أن نتائجَ المشاورات ستكون ترجمةً فعلية لما يتناسق مع أهواء الرياض.. ثم توجّـهت سراً إلى مسقط للتفاوض مع وفد صنعاء المقيم هناك والهُدنة واقعياً جاءت من هذه المفاوضة.

ثانياً: استهداف اليمن لأرامكو النفطية بجدة السعوديّة بشكل قوي لم تستطع السعوديّة تغطيته فجعلها في موقف العجز أمام شعبها والعالم وقلب قوتها المتبجحة بها أمامهم ضعفاً يستحيلُ إضمارُه، وَأَيْـضاً تأكيد السيد القائد على استهداف السعوديّة وبخَاصَّة الأهداف الحساسة وبلسانٍ لاذع والمملكة تعي جيِّدًا كلامه؛ لأَنَّ أفعاله تبرهن أقواله والسنين السبع السالفة خير شاهدٍ على ذلك.

منذُ سبع سنوات ونحن نصيحُ بأعلى صوتنا ونطالبُ بفصل المِلف الإنساني عن العسكري أَو حتى على الأقل تقديمه لكن ذلك لم يزدهم إلا تعنتاً وتشديداً في الحصار إلا أن هذه المرة جعلتهم يخففون حدتهم ويتراجعون ولو بشكلٍ خفيف من جهة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ولو جزئياً -وهذا حقنا وليس كرماً أَو فضلاً منهم- مما يوحي برضوخٍ واستسلام غير معلَنٍ للرياض لصالح صنعاء، علماً أنها جاءت بعد ساعات من انتهاء وقت المبادرة التي أطلقها الرئيس المشاط من صنعاء.

أيضاً تزمينُ الهُدنة بحلولِ رمضان الذي يلجُ ومعه هموم ومعاناة وأوجاع الشعب من آثار الحصار والعدوان ثم عنونتها بالإنسانية يؤكّـد أنّ المقترح أمريكي بامتيَاز؛ لِما فيه من براعةٍ في التلاعب السياسي، وهذا يذكرني بمعنى لإحدى مقولات بوش في عام 2001-التي أوردها ديفيد كين في كتابه حرب بلا نهاية- نحن بحاجة لخلقِ شيءٍ إنساني بمناسبة رمضان من إغاثة أَو غيرها مما يُمكِّن الأمريكيين من ربط الإغاثة بجمع المعلومات حول القاعدة وطالبان، وإن رفضت طالبان فهي تنتهك مبادئ الإسلام.. هذا مع العلم بأنّ طالبان ليست إلا صناعة أمريكية وذريعة لغزو أفغانستان، ولكن اليمن ليست أفغانستان وأنصار الله ليسوا طالبان.. لذلك فَـإنَّ هذا يجعل الشك كثيفاً ويجب أخذ الحيطة أكثر.

عُمُـومًا صميل السيد عَقَّلَ السعوديّة وَروّضها على تقبل الحلول، والهُدنة دليلُهُ فإن تمّت كان بها وإن رجعت المملكة إلى طيشها سيعود الصميل من جديد.

الهُدنة تمضي وما زالت في بدايتها والستون يوماً حُبلى بالمفاجآت: إما المواصلة أَو النقض، ولكن الشيء الأكيد أن استمرار حرب السعوديّة علينا والقبول بالهُدنة معقودٌ بناصية المصلحة الأمريكية، فيا ترى هل لجوء المملكة للهُدنة يوحي بأنها إرادَة أمريكية للتخفيف عما يثقل كاهلها حَـاليًّا والتفرغ لمواجهة الدب الروسي في أوكرانيا أم لا؟

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com