شهر رمضان.. أهمّيتُه وآثارُه من وجهة نظر القرآن والأعلام

المسيرة| هنادي محمد

الإنسانُ وهو يعيشُ في هذهِ الدّنيا المليئة بالمغريات وزخرف العيش، إلى جانب ذلك يبرز الشيطان لهُ كعدوٍ أول مبين، مهمتهُ التي يكرّس كُـلّ جهدهِ ووقتهِ تتلخص في عملية إغواء هذا الكائن والعمل على إسقاطهِ إلى هاوية الضلال ليتلطّخ بأوساخ المعاصي ومساوئ الذّنوب.

الشّيطانُ الرَّجيم يشاء أن يكون البشر جميعهم جندًا له ومن أوليائهِ وحزبه لينتهي مصيرهم في الأخير إلى الخسارة الكبيرة، والوبال الوخيم، والعذاب العظيم، في مقابل هذه الإرادَة الشّيطانية، لم يترك الله -جَلَّ شأنُه- عباده بمفردهم يخوضون معركتهم بمفردهم وهو من سمّى نفسه “الرّحمن” ووصف ذاتهُ بـ “الرحيم”، بل هداهم إلى سُبل النجاة والهداية والفلاح بأن أنزل إليهم دستورًا شاملًا لم يفرط فيه من شيء وهو “القرآن الكريم”، بل وأوجد لهم فُرَصاً عديدة للفوز برضوانهِ وجنّته، واجتناب سخطه وعذابه التي من شأنها إذَا ما استغلها الإنسان أن تفشل كُـلّ محاولات الشيطان في استزلاله، ومن هذهِ الفرص وأهمها “شهر رمضان المبارك”، شهر الله الأعظم، يقدّمه كمنحة سنوية في خضم تقلبات عبده وتعثراتهِ المتكرّرة، محطة تربوية متكاملة، بيئة إيمَانية تسمو فيها الرّوح وتزكو النفس وتتهذب وتتجلّد وتتربى على مكارم الأخلاق.

موسمٌ من مواسمِ الله وأحد أشهرهِ الحُرم ويأتي بمقام دورةٍ تدريبية ترويضية للذات لتخرج منها بمخزونٍ معنوي إيمَاني، ونفسية مملؤة بالهدى يتمكّن الإنسان -فيما بعد- لحسن الأداء والالتزام بمختلف مسؤولياتهِ في دائرته الشخصية وفي إطار مهامه ضمن أمّته.

وهنا لنا وقفات رمضانية مهمة مع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- يجب أن نلتفت إليها..

 

– أهميّة شهر رمضان تتمثّل بنزول القرآن فيه

في الآيات التي ذكر الله فيها تشريع الصيام ذكر بالنسبة لشهر رمضان أنه الشهر {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: من الآية١٨٥) ويدل على عظمة القرآن الكريم وأهميته أن يكون الشهر الذي أنزل فيه هو موضع عبادة، هي تعتبر ركناً من أركان الإسلام وهي الصيام.

بمناسبة نزول القرآن في شهر رمضان أصبح شهر رمضان شهراً مقدساً وشهراً عظيماً وهذه الأهميّة، أهميّة القرآن الكريم هي تتمثل في أهميّة وعظمة البينات والهدى التي هي مضامين، وهي الغاية من إنزاله، والبينات والهدى هي في الأخير لمن؟ للناس، فيدل على الحاجة الماسة، الحاجة الملحة بالنسبة للناس، حاجتهم إلى هذه البينات، وهذا الهدى، أن تكون الفريضة التي فرضت في هذا الشهر العظيم هي الصيام، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، يدل على أن هناك علاقة ما بين الصيام، وما بين القرآن الكريم من حَيثُ أن ما في القرآن الكريم من البينات والهدى، أن الالتزام بهذه البينات والهدى، أن القيام بالدين على أَسَاس هذا القرآن العظيم يحتاج من الإنسان إلى أن تكون لديه قوة إرادَة، وكبح لشهوات نفسه، وترويض لنفسه على الصبر، وعلى التحمل.

فالصيام له أثره في هذا المجال، في مجال ترويض النفس؛ لأَنَّك في أثناء نهار شهر رمضان تكبح شهوات نفسك، وتعود نفسك الصبر، والتجلد، والتحمل، تعود نفسك أنك أنت الذي تسيطر عليها، فمن المهم جِـدًّا بالنسبة لنا عندما نصوم في شهر رمضان، عندما نصوم أن يستشعر الإنسان هذه الغاية من شرعية الصيام، يستشعر أنه يتجلد، ويتصبر، ويتحمل، ليعلم نفسه، يعلمها أنه هو الذي سيسيطر عليها بناءً على توجيهات الله، بينات الله، هدى الله، تعود نفسك أنت الذي تقهرها، وتخضعها لهدى الله وبيناته. ‘الدرس التاسع من دروس رمضان’.

 

– رمضانُ فرصةٌ لترويض النفس

لا يكون شهر رمضان ندخل إلى هذا الشهر بعفوية، ونخرج دون أن نحسس أنفسنا بأننا قد قهرناها، من خلال نهار شهر رمضان، عندما نحس بالجوع، عندما نحس بالعطش نقول: لا، أليست هذه عملية تسلط على النفس؟ نوع من الترويض للنفس، وللجسم بكله على الصبر؟؛ لأَنَّه هكذا بالنسبة للقرآن الكريم، بالنسبة لبينات الله وهداه، يحتاج من الإنسان إلى أنه يخضع نفسه في مجال الاستجابة لها، والالتزام بها، والقيام بها، وهي تعتبر فترة قصيرة بالنسبة للسنة، شهر واحد من السنة كلها تعتبر فترة قصيرة، ولهذا شرع أَيْـضاً على سبيل التطوع صيام أَيَّـام أُخرى، كصيام الست الصبر، وصيام الثلاث البيض من كُـلّ شهر، إضافة إلى أن الصيام كما يذكر الأطباء له فوائد كبيرة من الناحية الصحية، ومعنى هذا أن دين الله يتناول بناء الإنسان من كُـلّ جهة.. إن في تشريعات الله ما الهدف منها أَو من أهدافها، الجانب الصحي بالنسبة لجسم الإنسان، والجسم الصحيح، والجسم السليم، أَو نقول: الصحة، وسلامة الجسم هي أَيْـضاً هامة في مجال الالتزام بهدى الله، في مجال العمل في سبيل الله، في إقامة دين الله. ‘الدرس التاسع من دروس رمضان’.

 

– أثر الصيام النفسي وفرصة الدعاء

الصيام له أثر فيما يتعلق بصفاء وجدان الإنسان، وذهنيته، ويحس الإنسان في شهر رمضان، أليس الناس يحسون وكأنهم أقرب إلى الله من أي وقت آخر؟ هذه فرصةً للدعاء، تلاحظ كيف أن الصيام مهم فيما يتعلق بالقرآن الكريم، القرآن الكريم مهم فيما يتعلق بمعرفة الله حتى يجعلك تشعر بالقرب من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

إذَا فمن الإيجابيات الكبيرة له: أن تلمس في نفسيتك صفاء لذهنك، مشاعرك مشاعر دين، مشاعر قرب من الله، أن تدعو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (البقرة: من الآية١٨٦)، هذه من النعم العظيمة لا يحتاج الإنسان أولاً يبحث عن جهاز اتصال، يبحث كم الرقم التابع للسماء الفلانية، أَو تحتاج إلى أن تصعد إلى أعلى قمة من الجبال تدعوه، أينما كنت، وفي أية وضعية كنت فهو قريب منك، هذه من الأشياء التي ينفرد بها المؤمنون، ينفرد بها المؤمنون عندما يكونون بالشكل الذي ينقطعون عن تولي أي طرف آخر إلا تولي الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومن أمر بتوليهم في سبيل توليه، أَو كمظاهر لتوليه؛ لأَنَّ الناس يتولون من هو قريب منهم، من ليس هناك حجاب فيما بينه وبينهم، من يسمعهم في أي مكان كانوا، وفي أية وضعية كانوا {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} (البقرة: من الآية١٨٦). ‘الدرس التاسع من دروس رمضان’.

 

– كيف نتعامل مع القرآن في شهر رمضان

أدرس المصحف في شهر رمضان بتأمل، وترتيل، وتدبر، أفضل مِن تقرأ خمسة، ستة مصاحف، [والترسل، وعندما ذكره الله سُبْحَانَهُ من ناشئة الليل] يشير إلى الأوقات التي يكون الذكر فيها، والتلاوة يكون لها أثر أكثر بالنسبة للإنسان، ففي ذلك ما يقول تعالى لرسوله، صلى الله عليه وآله: {وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيْلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ الَّليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً، إِنَّ لَكَ فِيْ النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيْلاً} [المزمل: ٤ – ٧]، يقول سُبْحَانَهُ: إن لك في النهار مهلًا وتمهيلًا، ناشئة الليل كأنها أول الليل، يكون واحد في وقت صفاء ذهنية، ووقت فراغ، وفي نفس الوقت ما قد هو قريب أن يكون فيه نوم، يأتيه النوم، فكفى بما وصفت لكم بهذا بياناً ودليلاً. ‘الدرس السابع من دروس مديح القرآن’.

أسأل من الله الهداية والتّوفيق والثبات، والعون والسداد والرشاد، وحُسن الخاتمة بالاستشهاد، والعاقبـةُ للمتّقيـن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com