لمن الشرعية اليوم..؟

مصطفى أحمد

 

تحت مخطط كسر معادلات التاريخ، كإعاقة لمسيرة المستقبل والطيح بمكونات الحضارة الكبرى، شنت المملكة حربًا إجرامية على اليمن، في محاولة لتفعيل عمليات انتقام كبيرة على الشعب الأعزل ليقوم بالضغط على القوى المناهضة لها والتنصل منها أو حصارها سياسيًا أو سحب الشرعية الشعبية عنها. وقد دخلتها دون أن تمتلك بنك أهداف خاصًا بها، ومع جهل مطبق بالذي ينتظرها.

لقد كان قتل المدنيين اليمنيين قاعدة أهداف ثابتة للحرب التي شنتها المملكة وحلفها الأرعن، وأبدا لم يكن”قتل الأبرياء” خطأ في عملياته الإجرامية، لأنه دون الأبرياء، تبدو اليمن في حصارها كوكبًا من الفضاء لا يعرف عنه العالم شيئًا، ودون استهداف الأبرياء لا شيء تفعله المملكة في اليمن.
لكن المعارك لا تفهم بمجرياتها فقط، بل بالمعنى السياسي الذي نعطيه نحن لها، بمعنى أننا و آل سعود  مختلفون في معنى “الصمود”، ومعنى”النجاح الحربي” أو العسكري، كما نحن مختلفون في معنى”السلام” ومعنى “العدالة” ومعنى “الإرهاب”، ومعنى”الاحتلال” والشرعية الأخلاقية والدولية.
تحاول المملكة، وبالأخص منذ الإعلان عن توجهها نحو وقف عاصفة الحزم وبداية إعادة الأمل، رسم صورة انتصار، رغم تعريفها لأهداف عامة فضفاضة، ورغم جهدها في خفض سقف التوقعات منذ البداية. كما أنها تحاول حصار كل مديح أو إعجاب يأتي من قبل أي خبير أو صحافي بصمود الشعب اليمني وجيشه ولجانه الشعبية وعملياته النوعية في الأراضي السعودية و قدرته التنظيمية على السيطرة الأمنية، ويتم تحجيم التعامل مع نجاح المقاتل اليمني خلال تصعيد الاحتجاجات السلمية، بإبداع طرق للمواجهة القتالية.
وتنسى قوى العدوان ميزان الفشل العسكري، وأن المقارنة العسكرية بين المحتل والمدافع غير متناظرة، بمعنى أن متطلبات النجاح العسكري للمملكة كدولة صاحبة أكبر عادات وأكبر مشتروات للسلاح في العالم برغم تحالفها العشري وتطويع المرتزقة إلا جانبها، لم تتماثل متطلبات النجاح العسكري للجيش اليمني ولجانه الشعبية كل تلك الإمكانيات، فإبداعات أدواته البسيطة في ظروف حصار إجرامي جعلت منه نجاحاً كبيراً.
كما تتعامل المملكة بغباء مطلق مع تعريف مكون “أنصارالله وصالح” كمليشيا، وتتجاهل بغباء متعمد مدى التلاحم بين هذا المكونات وبين شعبها المطالب بحقوقة، لتعزو ببلاهة بؤس الحياة في تعز، بـ”مليشيا صالح والحوثي” وليس بمخطط الموت البطيء الناجم عن حصار العدوان !
مقابل نجاح الجيش واللجان الشعبية في دحر قوات التحالف ومرتزقته، وفي قدرتها على التلاحم مع شعبها والعمل على الدفاع عنه، وفي قدرتها التنظيمية،
– هل كان أحد يتوقع منها أكثر من ذلك؟ مثلا، التغلب على السعودية عسكريا؟
– يقع نجاحها الأهم، والمختلف في نقطة جوهرية: أن ما كان قبل العدوان لن يكون بعدها، وأن هنالك فرصة لتغيير إستراتيجي حقيقي لصالح الشعب اليمني وقضيته ومطالبه العادلة. فالإنجاز الأهم في هذه المعركة، هو الوصول لمفترق طرق يستطيع أن يعيد وينقل نوعيًا القضية إلى المركز كقضية وطنية وشرعية شعبية.
نقطة التحول هذه ممكنة، لأن القوة العسكرية اليمنية نجحت في كسر قواعد وبديهيات سياسية لم يستطيع العدوان فرضها على شعبنا اليمني وعلى الثورة اليمنية لحوالي عقود من الزمان، والمملكة العربية السعودية أدركت هي الأخرى أننا أمام نقطة تحول، وأن ما كان قبل العدوان لا يستطيع أن يكون بعده، وأن الهدف الاستراتيجي السعودي السابق وهو “العودة إلى الوضع القائم”، أو معادلة “الهدوء مقابل الهدوء”، لم يعد مجديا، وأنها لم تعد تستطيع العيش تحت “الخطر الدائم والمستمر للمقاتل اليمني”، فبدأت فوراً بنقل المعركة من المستوى العسكري للمستوى السياسي، دون أن تنسى في الطريق تورية فشلها العسكري المدعوم بالدعم اللوجستي من قبل الامريكان، ورسم صورة نصر تستند على “ضرب مواقع استراتيجية” و”إلحاق ضربة كبيرة في قوة الجيش اليمني وقدرته على إنتاج صواريخ قد تهدد أراضية ودولته”.
لقد أوصل الشعب اليمني المملكة اليوم إلى الاعتراف بأنها تحتاج”لهدف سياسي”، ولخلق “آفاق سياسية جديدة” و”خيارات سياسية جديدة”.
لكن مع نفسية المحتل المتغطرسه، يبقى يبحث عن كل الخيارات السياسية، إلا تلك الواضحة وضوح الشمس والمتعلقة بحقوق هذا الشعب، ويستمر في البحث عن خيارات يوحيها له “الموالون”.
ويعول المحتل على قدرته في تحويل واقع “الحكومة الشرعية”، بعد أن لم يستطع إثباتها، كوسيلة لإضعاف المكونات السياسية المناهضة له، استنادًا لنصيحة خرقاء الأنظمة الخاضعة.
بالتالي تخرج المملكة من فشل عسكري متوهمة أنها تستطيع تحويله إلى نجاح استراتيجي، ويلخص بعض محلليهم أنه رغم “الأهداف المحدودة التي وضعتها لنفسها خلال المعركة، إلا أنه خلقت ظروفاً لبلورة وضع استراتيجي جديد في اليمن”، وأن هذا الوضع الاستراتيجي يعتمد على الشرعية الدولية لضرب الإرهاب من جهة، وعلى “الأصدقاء الامريكان” من جهة ثانية. أما الوضع الاستراتيجي الجديد فيتلخص في تحييد القوى اليمنية وضربها سياسياً، تحت مطلب “فك حصار تعز”، وهذا كان صلب تفاهمات سابقة تريد بها المملكة ورقة ضغط أمام الأمم المتحدة .
هذا السيناريو، نابع من سوء فهم للواقع السياسي الجديد الذي أنتجه المقاتل اليمني وجيشه، والذي يفرض على أي قوى التعاطي معه، من باب حقوق شعبه، وليس من باب مخططات قامعه، وإلا فإنها تكون تنتحر سياسيًا.
تتعامى دول العدوان عن حقيقة أنه لا صمود من دون هذا شعب، وأن نجاح الجيش اليمني ولجانه الشعبية هو في تلاحمه مع أحلام وآلام شعبه، وأن العدوان لا يحارب “الحوثيين وصالح” فحسب ،بل يحارب شعباً كاملاً يمثل مقاتليه أحلامه وأمانيه في التخلص من هذا الكهنوت.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com