عدسات قذرة وقذائف قاتلة .. بقلم/ صدام القفيلي

ونحن في نهاية العام السابع من الاعتداء العسكري والحصار الظالم الذي تمارسه دول تحالف العدوان على بلدنا منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥م، ما نزال نطالع في مختلف المواقع الإلكترونية والمواقع الإخبارية صورة طفل أرهقه البحث عن بقايا طعام في مكب للنفايات.

وأُخرى لطفلة منهكة من انتظار دورها لتعبئة صفيحة مياه للشرب أمام أحد خزانات المياه المنتشرة بالشوارع والتي تغطيها ملصقات الشعار الخاص بإحدى هيئات منظمة الأمم المتحدة، وصور أطفال يغسلون سيارات فارهة أَو يمسحون زجاجها، وعشرات الصور لنساء يجمعن الحطب للحصول على نار تمكّنهن من إعداد وجبة لأطفالهن.

نطالع مئات الصور لهذا وتلك من هنا وهناك مما يتداوله جهابذة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن عصروا مخزونهم اللغوي لتوصيفها بأقوى المصطلحات والتعبير عن قساوة الوضع الذي يعانيه أصحاب تلك الصور وتنسخها عشرات القنوات الفضائية لعرضها والتباكي عليها بواسطة تلك المذيعة المتبرجة التي تبدأ جلسة اللطم والعويل بدموعها الملطخة بطن من مساحيق التجميل والمختلطة بأطقم زينتها التي كلفت القناة آلاف الدولارات وما أن تنهي دورها في تلك المسرحية المقيتة حتى ترتسم على وجهها ابتسامة صفراء توحي بالملل والخبث فتذهب مهرولة لإصلاح ما فسد من مكياجها ولسان حالها يردّد “ما لي وهؤلاء”..

أنا شخصيًّا لم أعد أتأثر بتلك الصور ولا بتلك الكلمات المنمقة المليئة بفيض من المشاعر الكاذبة ولا بدموع التماسيح التي تذرفها تلك المذيعة ليس لشيء إلا لأَنَّها أصبحت واقعي وحالتي التي ألفت التعايش معها منذ أولى سنوات العدوان والحصار الجائر المفروض على بلدي اليمن، فجميع من في تلك الصور هم أهلي وحكاياتهم التعيسة هي حياتي اليومية فذلك الطفل هو طفلي أَو طفل أخي أَو طفل صديقي أَو أحد أطفال جيراني وتلك المرأة البائسة هي إن لم تكن أمي أَو زوجتي أَو أختي فهي بالتأكيد إحدى قريباتي أَو جارتي وذلك الرجل المسن الذي يتمنى الموت كُـلّ لحظة لعدم تمكّنه من الحصول على جلسة غسيل للكلى هو أبي أَو أبٌ لأحد ممن حولي.

ملايين اللحظات المؤلمة والمأساوية التي تقتلع قلوب البشر من تحت الضلوع أسى وحسرة ووجعاً لم وَلن تتمكّن عدسات الكاميرا من التقاطها “والحمدُ لله” ولن يتسنى لأصحاب تلك العدسات المزايدة والمتاجرة بها.

منذ مدة انتشرت صورة أحد الأطفال وهو يغسل سيارة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة تداولتها عشرات المواقع الإلكترونية وأفرغ الناشطون والمثقفون ما في جعبتهم لتوصيفها وَفي ذات المواقع تجد صوراً وتقارير عن أعمال فرق الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وهي توزع مساعدات غذائية في ذات الشارع الذي كان الطفل يغسل فيه تلك السيارة وتقرأ عبارات الشكر والثناء عن تلك الأعمال.

في ذلك كله لم يتبادر إلى ذهني وصف لحالة التناقض والزيف تلك سوى خلاصة الرواية التي يشير إليها بعض المؤرخين بمقولة تم توجيهها لإحدى ممتهنات البغاء والدعارة التي كانت قد امتلكت من مهنتها الكثير من بساتين الفاكهة وكانت تتصدق من محاصيلها بسخاء فقال لها أحدهم “يا مهدية الرمان من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي” فكانت تلك المقولة أقل ما رأيته مناسباً ليكتب شعاراً على سيارات الأمم المتحدة وناقلات توزيع مساعداتها المتزلفة.

بمرور سنوات البؤس والألم والمعاناة يتزايد ضوء فلاشات الكاميرات التي ليست أقل قبحاً من نيران البنادق ووميض انفجارات القذائف التي تتساقط على رؤوسنا كُـلّ يوم منذ سبع سنوات ويكبر حجم مجلدات العبارات الجوفاء المقروءة والمسموعة لوصفها والتباكي عليها والتي لو اجتمعت في مقال واحد أَو نشرة أخبار واحدة فلن تعكس حقيقة وواقع لحظة أسى وحزن واحدة مرت بها أسرة يمنية.

خلال سبع سنوات آلاف الأبرياء سفكت دماؤهم بدم بارد وملايين البشر تتزايد معاناتهم؛ بسَببِ الحصار الظالم مهما كتبت كُـلّ أقلام العالم وصورت حجم معاناتهم كافة عدسات مصوري الدنيا لما عكست واقع ألم نتجت عن قطرة دم واحدة أراقتها تلك القذائف اللعينة التي أسقطتها طائرات الموت على أطفال ونساء ورجال أسرة واحدة فأنهت سنوات مضت من حياتهم وتركت ألمًا وقهرًا لا يمكن وصفه ولن تداويه سنوات طويلة قادمة من حياة كُـلّ من يحبهم أَو يعرفهم وهي كذلك بالنسبة لتلك الأسر التي تستمر معاناتها وَتتفاقم مأساتها ألمًا وجوعًا نتيجة عجزها عن توفير احتياجات أفرادها الأَسَاسية من الغذاء والدواء وفي أبسط صورها كُـلّ ذلك حدث وما زال يحدث نتيجة عدوان وحصار يمارسه مجرمون سفاحون صمت عن فعلهم دول ومنظمات كان يفترض بها أن تسجل موقفاً جاداً لمواجهتهم ووقف أعمالهم الإجرامية تجاه اليمنيين وَالتي لم يسبق أن شهد لها العالم مثيلاً منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.

في المجمل فَـإنَّ حالة الألم ومشاعر الحزن وحجم المعاناة التي فرضتها قوى القهر والقتل والدمار ومؤسّسات الاتجار بالسلاح والبشر لن تعكسها صورة التقطها مصور ولا كلمات دونها ناشط أَو كاتب أَو مثقف.

لعنة الله على المعتدين الظالمين، والخزي والعار للمنافقين والمرتزِقة..

والعاقبة للمتقين..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com