نص خطاب الرئيس المشاط بالذكرى الـ 7 للصمود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأطهار وارض اللهم عن صحابته المنتجبين وبعد.

 

أيها الشعب اليمني الكريم

يطل علينا يوم الصمود الوطني في ذكراه السابعة معلنا بذلك اكتمال سبعة أعوام من عظيم الجهاد وجميل الصبر والثبات، ومفتتحًا على ذات الطريق عاماً ثامنا ملؤه التوثب والإعداد والاستعداد لخوض مرحلة جديدة واستثنائية من العمل المقدس الذي لن يتوقف -إنْ شاءَ اللهُ- إلَّا ببلوغ السلام المشرف لكل يمني ويمنية، وبما يضمن إنجاز الاستحقاقات الوطنية الكبرى المرتكزة بطبيعتها على يمن عزيز ينعم بكامل سيادته واستقلاله.

لقد واجهت بلادنا وما تزال عدوانًا غاشمًا كشف عن بشاعة المعتدين وإصرارهم على الجريمة المنظمة والممنهجة؛ بهَدفِ تركيع اليمن الكبير، وشعبه العزيز ولولا الله ثم صمودكم لكانت الأمور أكثر سوءا وأعظم خطرا، لذلك كان هذا الصمود ضروريا؛ لأَنَّه لم يكن لنا كبلد وشعب سوى خيارين لا ثالث لهما، فإما أن نصمد ونعاني ونضمن بذلك يمنا عزيزا في المدى الاستراتيجي، أَو نستسلم ونعاني أكثر وأكثر، وفوق ذلك يستمر اليمن حديقة خلفية وجدارا قصيرا ومسرحا للتدخلات التي لا مستقبل معها ولا دولة ولا اقتصاد ولا جيش ولا سيادة ولا آمال ولا طموحات ولا دور ولا مكانة في المستقبل، وهو أَيْـضاً صمود أُسطوري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ لأَنَّنا كلنا نعرف ظروف اليمن في ذلك التوقيت القاتل الذي اختاره المعتدون بما يشير إليه من انقسامات سياسية وعسكرية ومن تحديات وصعوبات أمنية واقتصادية، ومن واقع متردي في جميع المجالات بشكل عام، كنتاج طبيعي لعقود طويلة من وصاية وهيمنة الخارج، وتبعية وارتهان الأدوات ليصبح شعبنا أمام واقع لا يطاق، وفي غمرة هذا الواقع الصعب والموروث أصلًا، يأتي هذا العدوان الغاشم مستندا إلى تحالف عريض من الدول الكبرى والامبراطوريات المالية والإعلامية وكبريات الأجهزة الاستخباراتية والجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة، ومسنودا بخونة الأوطان والمرتزِقة من داخلنا اليمني ومن مختلف بقاع الأرض، ومسنودًا أَيْـضاً بغطاء دولي وتواطؤ أممي حصن دول العدوان من أية مساءلات أَو إدانات أَو ضغوط حقيقية، الأمر الذي جعل هذه الدول تخوض حربا عدوانية شاملة ومفتوحة على أقسى الممارسات الوحشية، وعلى أقذر سياسات العقاب الجماعي مرتكبة بحق اليمن وأبناء اليمن أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية على الإطلاق.

وطوال سنين الصمود والمواجهة وجدنا أنفسنا وشعبنا أمام عدوان بغيض يحاربنا في كُـلّ التفاصيل، ويستهدفنا في كُـلّ مقومات الحياة مع خذلان إنساني واصطفاف عالمي محبط ومؤسف للغاية.

 

أيها الإخوة والأخوات..

لقد كان مُجَـرّد اتِّخاذ قرار المواجهة والتصدي – في ظل هكذا واقع وأمام هكذا مشهد – ضربا من ضروب الشجاعة المُعَبِّـرة عن إيمَان شعبنا وأصالته وضميره الحي، فكل شيء كان من اللحظة الأولى مصمما بشكل دقيق ومدروس لسحق الإرادَة اليمنية، وتقويض الصمود اليمني في غضون أَيَّـام أَو أسابيع، لكنكم بفضل الله وعونه صمدتم صمود الجبال الراسيات، وفضلتم الموت وقوفا كالأشجار حتى لا يسجل التاريخ أنكم قصرتم في الدفاع عن كرامتكم أوعن دينكم وبلدكم ومستقبل أجيالكم، وها أنتم بحمد الله تقفون اليوم على عتبات العام الثامن، وتدقون شواطئ النصر الكبير، بإرادَة لا تنثني وعزائم لا تعرف الوهن، وبهامات لم ولن تنحني إلا لله، فكنتم بهذا الصمود الأُسطوري آية في الإيمَان بالله وفي التوكل عليه والثقة فيه، وآية أَيْـضاً في عشق الأوطان وفي الثبات على المبادئ، وأصبحتم بحق مصدر الإلهام الأول لكل المظلومين، وعنوان الصبر الجميل في هذا العالم.

أيها الشعب اليمني العزيز

لقد استدعى صمودكم العظيم الكثير من العمل والجهد، والكثير من السهر والتعب، والمكابدة والعناء، والدموع والأوجاع والتضحيات، لكن هذا الصمود أكسبكم في المقابل مكاسب كثيرة وهي على المدى الاستراتيجي مكاسب لا تقدر بثمن، لقد حماكم من معاناة أكبر وأخطر، ووضع أقدامكم على طريق الحق والتحرير والتحرّر، وعلى طريق الاستقلال الحتمي، وبه ومن خلاله أعدتم الاعتبار لليمن، وأودعتم للأجيال رسالة مجد، ومشروع دولة يمنية حقيقية، وبنيتم جيشا كَبيراً ومدرباً ومجرباً ومقتدراً -إنْ شاءَ اللهُ- على حماية المكاسب وإنجاز الاستحقاقات الوطنية الكبرى، وإلى جانبه بنيتم أَيْـضاً جيشا كَبيراً من رجال الأمن القادرين على حماية السكينة العامة وإنجاز المهام وإحباط كُـلّ المخاطر الأمنية والمخطّطات الإجرامية، وبهذا الصمود ضربتم كُـلّ الأسقف الزمنية للعدوان، ووضعتم تحالف المعتدين أمام حالة من الانكشاف الكبير؛ سواء على المستوى القيمي والأخلاقي، أَو على مستوى المشروع والهدف والوسيلة والسياسة والرهان، وضربتم مشروع الوصاية والحديقة الخلفية في مقتل.

وفي أكناف صمودكم سقطت كُـلّ سياسات التضليل والتشويه والتحريض، وتلقى تحالف الإثم والعدوان من الخيبة والفشل ومن التشظي والاستنزاف والضربات والدروس ما يكفي لجعل تكرار العدوان على اليمن في المستقبل أمرًا صعبًا، وبهذا يكون صمودكم قد حمى بلادكم وأجيالكم لمئات السنين القادمة، وفي ظل صمودكم العظيم، تلاشت أَيْـضاً ثقافة الهزيمة النفسية وكل الثقافات المغلوطة، وتبلورت ثقافة الاعتماد على الله والاعتماد على الذات اليمانية، واختفت في مجتمع الصامدين مظاهر الفرقة والثارات والصراعات القبلية والحزبية والمذهبية والمناطقية، وتخلقت حالة غير مسبوقة من التكاتف والتكافل والتعاون والتكامل، وحالة متميزة من الوعي الكبير صقلت المعارف والقدرات، وراكمت التجارب والخبرات، وصنعت بالفعل شلالا لا يتوقف من القادة الشباب والكفاءات والطاقات الخلاقة، ومنحت جبهتنا الداخلية حاجتها من الصلابة التي حصنتها من كُـلّ الاختراقات والمؤامرات الخارجية، والتي تحطمت معها في الداخل كُـلّ مجاديف السباحة المعاكسة لتيار الشعب الصامد، ووطن المقاتلين والشهداء، وفي أكثر من مرحلة ومنعطف رأينا كيف كانت رهانات العدوّ الخارجي وأحلام الفارغين والذيول تنهار تباعًا أمام وهج الوعي، وزخم الوفاء والأوفياء للمبادئ.

 

أيها الإخوة والأخوات..

لقد أعاد شعبنا اليمني العزيز بصموده وتضحيات أبنائه صياغةَ المفاهيم، وأصبح اليوم يمتلك الرؤية الثاقبة والإبصار النافذ، ولم يعد في مقدور الخارج أبدًا أن يخدع شعبنا تحت أي عنوان براق، أَو ادِّعاء زائف، كما لم يعد بإمْكَانه أن يحدّد للإنسان اليمني مفاهيمه للقيادة والحكم والإدارة، وكل هذه المكاسب والمعاني المرتبطة بالصمود هي في الواقع كُـلّ ما يحتاجه شعبنا من خصائص القدرة وتخصيب الإرادَة المطلوبة للعبور نحو الدولة اليمنية المنشودة.

ومن هنا يتجلى السبب المنطقي لاحتفائنا بهذا اليوم فنحن لا نحتفي بالحرب، وانما نحتفي بصمودنا وبهذه المعاني والمكاسب المرتبطة بهذا الصمود، الذي يمثل اليوم شاهدا حيا على عناية الهية حقيقية، وعلى حكمة قائد الثورة المباركة، وعلى عظمة شعبنا وبسالة مقاتليه، الأمر الذي يجعل من هذا الاحتفاء صورة من صور الشكر لله، الذي امدنا بالعزم والثبات، وهدانا لأن نكون في الموقف المحق والصحيح، وعصمنا بفضله من الانزلاق في دروب الخيانة والارتزاق والضياع، في دروب الظلم والمعصية والظلم مع قتلة الأطفال والنساء.

نحتفي بالموقف المشرف لشعبنا وجيشنا ولجاننا وكل يمني ويمنية، وبما حافظنا عليه من أخلاق، فنحن والحمدُ لله لم نعتدِ ولم نبتدئِ الحرب، ولم نتعجل الرد، ومارسنا حقنا في الدفاع بكل شرف، ونفاخر اليوم باننا واجهناهم بمسؤولية أخلاقية، فأكرمنا الأسير وعالجنا الجريح وعفونا عن العائد التائب، ولم نفجر في الخصومة رغم فجورهم فيها، فهم لم يعادونا هونا، لقد اسرفوا في التنكر لكل القيم، واسرفوا في القتل واهدار الدم من الطفل إلى الكهل، حتى لا تكاد توجد فئة من فئات مجتمعنا إلَّا ونالها ما نالها منهم، في مبالغة عدائية لا تلوي على شيء مما يجمعنا بهم، حتى رجال السلام والحوار لم يسلموا، وحتى الاسرى والجرحى والمرضى والمسنين والمعاقين، بل حتى مقابر الموتى واضرحة الشهداء نالها ما نالها من الاستهداف، ما يؤكّـد بالفعل أنهم يتعاطون تعاطي من قرّر الابتعاد عن السلام، وعن خطوط العودة والتلاقي والله المستعان.

إنني أكتفي بهذا القدر من المشاركة في يوم صمودكم وأترك لكل حملة الأقلام وأرباب السياسة والإعلام مهمة استكمال البحث والقراءة في تفاصيل ودلالات هذا اليوم الوطني الكبير.

 

وأختم بالآتي:

أولاً – تحية إجلال وإكبار لشعبنا الصامد بكل فئاته ومكوناته وبكل أبنائه وبناته، وهي موصولة لسيدي قائد الثورة والصمود السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ولكل العلماء والمثقفين والسياسيين والأطباء، وتحية خَاصَّة لأبطالنا الشهداء والجرحى والمرابطين في الثغور، ولأسرانا خلف القضبان، وكل منتسبي القوات المسلحة والأمن، وسائر مؤسّسات الدولة، ولكل شركاء النضال والصمود من قبائلنا الوفية ومشايخنا الكرام، وكل النخب والأحزاب، وجميع الشرفاء والأحرار من رجال ونساء اليمن في الداخل والخارج.

ثانيًا – أؤكّـد بأن هذا الصمود بكل ما ارتبط ويرتبط به من تضحيات وآمال وطموحات ومكاسب مستقبلية، هو ملك الشعب كُـلّ الشعب وهو اليوم أمانة في عنق كُـلّ يمني ويمنية، والحفاظ عليه مهمة مقدسة تقع على عاتق الجميع، ونحث الجميع على النهوض بها على اكمل وجه، ونحذر من مغبة المساس أَو النيل من هذا الصمود؛ باعتبَاره شرف اليمن الذي لن نفرط فيه، ولن نتهاون في مهمة صونه وحمايته بكل الطرق والوسائل وعلى نحو حاسم وصارم، وحيال شعب كريم صنع كُـلّ هذا الصمود يشرفنا بأن نكون على الدوام خداما مخلصين لكل الشرفاء من أبنائه وبناته على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ومناطقهم.

ثالثًا – في ما يتصل بموضوع السلام نؤكّـد حرصنا على السلام، ونعتبره الغاية القصوى والهدف الأسمى من كُـلّ ما نجترحه من قتال ونضال، وندعو خصومنا في تحالف العدوان وَالمجتمع الدولي إلى التعاطي مع ملف السلام في اليمن كموضوع مقدس، والابتعاد عن الزيف والادِّعاءات والمزايدات، والتوقف عن كُـلّ المواقف والممارسات والأساليب المعيقة للسلام، ونرى في الحصار وحجز سفن الوقود -وحرمان الشعب اليمني من ابسط الحقوق الإنسانية والقانونية، إضافة إلى السعي المُستمرّ لإدانة حقنا في الدفاع، والإصرار على شيطنة موقفنا الوطني بما يمثله من شعب ومجتمع وتاريخ وفكر وهُــوِيَّة وجغرافيا، وإطلاق التوصيفات الجوفاء والحمقاء– نرى في كُـلّ ذلك أعمالًا غير ضرورية، وتتناقض مع مقتضيات ومتطلبات السلام، ومع مبدأ بناء الثقة، ناهيك عن كونها تنطوي على إساءة مُستمرّة للشعب اليمني العزيز، ونعتبرُ كُـلَّ ذلك سببًا مباشرًا في إطالة أمد الحرب وعرقلة السلام، يتحمل مسؤوليته كُـلّ من المجتمع الدولي وتحالف العدوان على نحو متضامن ومتزامن، وفي هذا السياق وحرصًا منا على السلام ندعو الجميع إلى الكف عن هذه الأساليب التي لا تخدم السلام، والالتفات بدلا عن ذلك إلى المداخل المنطقية والعملية لصناعة السلام، وإلى الانفتاح على مطالبنا المحقة ورؤانا المنصفة، وهي مداخل ومسائل واضحة وسهلة لمن يريد السلام ولا تنطوي على أي تعجيز أبدًا.

رابعًا: وبما أن العام الثامن من صمود الشعب اليمني سيكون لاشك حافلا بالمفاجآت والتحولات وبالأعمال الدفاعية النوعية، فَـإنَّنا قبل كُـلّ ذلك نرغب في تدشينه بدعوة صادقة إلى خطوات عملية تبني الثقة، وتنقل الجميع من مربع القول إلى مربع الفعل والعمل؛ مِن أجلِ سلام حقيقي، نفعل ذلك طمعا في السلام وحقن الدم وإبراء للذمة وإكمالا للحجّـة، وأملا في أن ثمة عقلاء في الجانب الآخر يدركون مخاطر الاستمرار في عدوانهم وطبيعة المتغيرات من حولهم.

 

ومن هذه المنطلقات الخيرة نقدم مبادرتنا على النحو التالي:

  • نعلن بشكل أحادي تعليق الضربات الصاروخية والطيران المسير وكافة الاعمال العسكرية باتّجاه المملكة العربية السعوديّة برًّا وبحرًّا وجوًّا لمدة ثلاثة أَيَّـام، ونؤكّـد استعدادنا لتحويل هذا الإعلان إلى التزام نهائي وثابت ودائم في حال أعلنت والتزمت المملكة السعوديّة بإنهاء الحصار ووقف غاراتها الجوية على أراضي الجمهورية اليمنية بشكل نهائي وثابت ودائم.
  • نعلن وقف المواجهات الهجومية في عموم الجبهات الميدانية لمدة ثلاثة أَيَّـام، ونؤكّـد استعدادنا لتحويل هذا الوقف إلى التزام نهائي وَمُستمرّ ودائم في حال أعلنت المملكة السعوديّة سحب جميع القوات الخارجية للتحالف من أراضينا ومياهنا اليمنية، والتوقف التام عن دعم ميليشياتها المحلية في بلادنا.
  • نؤكّـد بأن تعليق العمليات الهجومية يشمل جبهة مأرب، وبخصوص هذه الجبهة نعيد إلى الواجهة ما تضمنته مبادرة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين وننتظر الرد عليها بالإيجاب؛ باعتبَارها مبادرة واقعية ومنصفة للجميع وفي حال تم ذلك نؤكّـد استعدادنا للإعلان الفوري عن دخولها حيز التنفيذ.
  • نعلن استعدادنا التام للإفراج عن كافة أسرى التحالف الموجودين لدينا بما فيهم شقيق هادي وأسرى المليشيات المحلية، وكل الأسرى من الجنسيات المتوفرة في قبضتنا مقابل الإفراج الكامل عن كافة أسرانا الموجودين لدى التحالف بمختلف مكوناتهم، وندعو المبعوث إلى ترتيب الإجراءات وتيسير تبادل الكشوفات والاتّفاقات التنفيذية دفعة كاملة أَو على دفعات وبما يضمن الإفراج الكلي عن كافة الأسرى من الجانبين.

تحيا الجمهورية اليمنية – الرحمة للشهداء – الشفاء للجرحى – الحرية للأسرى – النصر لشعبنا اليمني العزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com