العقدُ الفريدُ في زمن الإعلام

 

مرتضى الحسني

عشرُ سنواتٍ مذ وُلدتْ فيه قناةُ المسيرةِ الفضائيةِ، عشرُ سنواتٍ ليست قليلةً أَو عابرةً خُصُوصاً في زمنٍ متزاحمٍ بالأحداثِ الهامةِ والمفصليةِ، ومليءٍ بالأفكار والرؤى المزروعةِ بشتى أنواع الأيديولوجيات المستهدِفةِ لكلِّ العقولِ والأبصارِ على المستويين الداخلي والخارجي.

عقدٌ من الزمنِ مرّ منذُ بدأت فيه المسيرةُ -القناة- بالسيرِ ولم تسِرْ وحيدةً بل انتقت الكلمةَ الصادقةَ لتلازمَها حتى تلازمتا الأقوال والأفعال وتنادمتا الصدقَ حتى شُبهتا بِندماني جذيمةَ بأنّهما لن تتصدعا.

كانت فكرةً في البدايةِ ثم رسمتها رؤيةُ حكيمةٌ فصيّرتها جسماً ينقصُهُ روحُ الإمْكَانياتِ والحريةِ في القولِ في بلدٍ يحفّهُ تكميمُ الأفواهِ وتعتيمِ الأبصارِ وتقييدِ الأسماعِ وحجبِ الحقيقةِ عن المجتمعِ المُتفشي فيه سوطُ الاستبداد وصوتُ التشويهِ والضلالِ، التشويهُ المصّوَبِ كلُّهُ نحو المسيرةِ القرآنيةِ، والضلالُ الموجهُ كلُّهُ صوب حرفِ الناسِ عن القرآن والمشروعِ الذي يقودُ الناسَ إليه، ولكن مع كُـلّ هذا تعاضدت الجهودُ وتكاتفت العزائمُ لتنفخَ الروحَ في ذلك الجسمِ وخالقةً لكيانٍ اسمهُ قناةُ المسيرةِ الفضائيةِ من بيروتَ بتاريخ 2012/3/23.

دخلت القناةُ بحرَ الإعلامِ وأبحرت بينَ أمواجِ الفضائياتِ المتلاطمةِ، تكابدُ عناءَ النشأةِ والشحةِ وانعدام الخبرةِ، إلا أنها جعلت الصبرَ شراعَها والثباتَ على الموقفِ مجدافيها وبالعزائمِ روّضت الأمواجِ الشديدة، وذلك نتيجةٌ لجعلِها المصداقية تسابيحاً لها والحقيقة فروضاً تُصلُيها في محرابِ الكلمةِ الصادقةِ وغاية سامية تتعبّدُ فيها بإعادة حُلّةِ الثقة التي خلعتها الأبواق المرجفةِ والمزيفةِ للأقوال، وَأَيْـضاً كانت المنبرَ الوحيدَ للمشروعِ القرآني تصدحُ به في كُـلّ أصقاعِ الأرض ومفندّةً لجميعِ الحججِ الواهيةِ التي أنفقت طاقاتِها لطمرِ هذا المشروعِ العظيم وناشرةً لتلك المظلومياتِ التي عانى ويعاني منها هذا المشروعُ وحمَلتُه.

من أواخرِ العامِ 2014 وأثناء ثورة الواحد والعشرين من أيلول كانت المسيرة صوت الثورة الأول وفمِها الذي يتلو آمال الشعب ومآربه في التحرّر من الوصاية، وناقلة للصورة الجلية عن جرائم السلطة الجائرة آنذاك بحق الثوار السلميين حتى أتى عدوان شذاذ الآفاق المشبوع بمليارات الدولارات في كُـلّ المجالات لا سِـيَّـما منها الإعلامي والذي اعتمد فيه على إمبراطوريات إعلامية تابعة له أَو أنشأها أَو اشترى من يخالفه أَو يحاول مخالفته، فوقفت المسيرة أمام كُـلّ ذلك، حَيثُ تكاد تكون الوحيدة التي واجهت فحاكت الواقع الحقيقي وجلّت الحقيقة الميدانية وصدحت عاليًا بالمظلومية المرة التي نتجرعها وشهداءها شهودٌ على ذلك، وبرغم كُـلّ هذا والمحاولات الكثيرة لإسكاتها إما بالحجب أَو بالإغلاق أَو بالقصف وأكثر إلا أنها استطاعت أن تفهرس اسمها في أول قواميس الفضائيات والإعلام.

عقد فريد في زمن الإعلام ولدت وترعرعت فيه المسيرة اجترحت فيه النجاح غصباً عن كُـلّ التحديات ولم تعد قناة فقط بل تنامت إلى شبكة إعلامية متكاملة تقاوم وتصدح وتعمل بكل تفانٍ وإتقان، تمضي قُدُماً إلى ما يشاء الله لها أن تكون، تواجه الباطل بالحقيقة والزيف بالواقع واللا منطق بالمنطق، جوهرها صدق الكلمة وهدفها كشف الحقائق ومطلبها زرعُ الوعي القرآني المنشود بين الناس وعينها صوب التقدم نحو القمة والحفاظ عليه، ولتكون صوت من لا صوت له، ومنبر من لا منبر له.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com