الكيانات الوظيفية المطبِّعة والكيان الصهيوني.. من يخدم من؟ ومن يحمي من؟!

 

إبراهيم محمد الهمداني

إن قراءةَ العلاقات المتشكلة علنا -في الآونة الأخيرة- بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة، هي بالفعل علاقات مشبوهة، ومحاولة تمريرها تحت مسمى “التطبيع”، تنطوي على مغالطات فكرية كبيرة، وشيطنة معرفية مخادعة، حَيثُ ينتحل مفهوم “التطبيع”، ما ليس له مفاهيمياً، في توصيف العلاقة المزمع إقامتها، بين الكيان الصهيوني – الغاصب المحتلّ – ومحيطه العربي الإسلامي، التي لم تكن ولن تكون علاقة طبيعية في يوم من الأيّام، حتى يمكن القول “بتطبيعها” وضرورة إعادتها إلى طبيعتها السابقة، أَو القول إنها قد عادت إلى طبيعتها الأصلية، بعد تجاوزها ما طرأ عليها من انحراف، وقد واستعادت سياقها العلائقي الطبيعي، الذي يفترض أن تكون عليه، وتبقى في إطاره بين الطرفين، وهو ما يشكِّل تناقضا جذريا حادا، مع طبيعة التموضع الوجودي للكيان الصهيوني الغاصب، وحقيقة تصوره وأيديولوجيته الإمبريالية، القائمة على ثقافة المحو والإلغاء المطلق للآخر، بما يتنافى مع محمولات التوصيف العلائقي لمدلولات التطبيع، في سياقه المفاهيمي الأصلي، الذي أصبح مفرغا تماماً من قدرته التعبيرية على التوصيف الدقيق للحالة العلائقية الراهنة، وهو ما جعل التلقي الجمعي/ الشعبي، يرفض هذا المفهوم/ التطبيع، ويضعه في سياق القياس الدلالي، حسب ما تحمله الدلالة الإيحائية، الناتجة عن التناظر اللفظي والتركيبي، مع مفاهيم ذات صلة مثل التبديع والتكفير والترويع والتطبيع.

إذن يمكن القول: إن الوضع الحاصل، لا يعدو عن كونه انتقالاً بالأنظمة الحاكمة، الداخلة ضمن دائرة التطبيع عامة، والخليجية خَاصَّة، من دور التواطؤ الخياني السري، إلى الممارسة العلنية، لدور الخادم المخلص للسيد الصهيوني الغاصب، وهو الدور الذي رسمته لها – سلفا – الماسونية والصهيونية، عبر المندوب السامي البريطاني، حين كانت بريطانيا العظمى، تمنح البلدان المستعمرة أوهام الاستقلال، وحق حكم نفسها بنفسها، في صورة أنظمة/ كيانات أسرية حاكمة، تحمل مسميات عربية وتدعي الانتماء إلى الإسلام، لعبت دور المندوب السامي البريطاني بامتيَاز، وسعت إلى إكمال ما تبقى من مخطّطات بريطانيا العظمى الاستعمارية، مستهدفة الشعوب أرضًا وإنسانًا، في ثياب الزعيم المخلص، والحاكم الوطني الشريف، المدافع عن شعبه ووطنه.

استطاعت بريطانيا تجديد دورها الاستعماري، من خلال كيانات الأنظمة الحاكمة، التي قامت بإنشائها وإعدادها – سلفا – على كافة المستويات، لتصبح كينتونات استبدادية قمعية صغيرة ومتوسطة وكبيرة، تحت مسمى أنظمة ملكية أَو سلطنات أَو مشيخات أَو إمارات، ذات طابع استبدادي قمعي، تمنح الحاكم حق الملكية المطلقة، لكل ما يقع ضمن نطاق حكمه أرضا وإنسانا.

وليس أدل على ذلك أكثر مما فعله (ابن سعود)، حين أطلق قرار عبودية شامل، وحكم تبعية مطلقة، على نطاق جغرافي واسع، وعشرات الملايين من البشر، فارضا عليهم الانتساب القسري إليه، فأصبحت الأرض/ الجغرافيا بفعل الهيمنة سعوديّة، وأصبح الإنسان سعوديًّا، جنسيةً وهُــوِيَّةً وانتماء، وعلى ذات النمط من تكريس التبعية الجمعية، للملكية الخالصة للحاكم، سعت بقية الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج، وأخواتها في المنطقة العربية والإسلامية عُمُـومًا، في تنفيذ الرؤية التسلطية الفردية للحكم، الخَاصَّة بالملكة الأم -ملكة بريطانيا العظمى- في تموضعها السلطوي الملكي الفردي المطلق، وتمركزها الاستعماري الاستبدادي، ضمن مواضعات الأمومة والملك والعظمة، الأمر الذي جعل تلك الأنظمة الخليجية الحاكمة، عبارة عن نُسخٍ مشوهة، تتصنَّع عظمة الملك، وهي حديثة عهد به، وتدّعي الحق المطلق والملكية الخَاصَّة، وهي منقطعة النسب، مجهولة الأصل، فاقدة الانتماء، وتمارس أبشع صور التسلط والهيمنة والديكتاتورية والقمع، بحق شعوبها، وهي أعجز من أن تخيف شاة، أَو تقود بعير، بدون مساعدة وحماية ورعاية ومساندة وتوجيه الحليف البريطاني، ثم وريثه الأمريكي، الذي استحق إرث الوصاية الاستعمارية، على تلك الكيانات الوظيفية، والجديد الذي جاء به الزعيم الأمريكي إلى المنطقة، هو تمثيل مسرحية رعاية الحقوق والحريات، بالشراكة مع تلك الأنظمة الفردية المستبدة، فكان للشعوب حق الحياة، على النمط الذي يقرّره الأمريكي/ الوصي الاستعماري، وكان للفرد حرية التعبير والاعتقاد، وُصُـولاً إلى الكفر بالله، والتمرد عليه، والاعتراض على مشيئته، لكن ليس من حقه -أبداً- رفض ظلم الحاكم، أَو إبداء اعتراضه على السياسة الاستبدادية، كما أن من حق الشعوب ممارسة حقها الديمقراطي والمشاركة في الحكم، ولكن ليس في المملكة السعوديّة وأخواتها، وإن كان ولا بُـدَّ، فبالقدر الذي يسمح به ويحدّده الوصيُّ الأمريكي، بما لا يتجاوز المراسيم الشكلية، وبذلك أصبحت الحرية مُجَـرّد تمثال أصم، غاضب متجهم الوجه، مخيف الملامح، يعلوه تاج خنجري الأطراف، وفي يده مشعل تتوقف منه النيران، ربما لتلتهم من ينادي بالحرية، وإلا فما علاقة كل ذلك الإرهاب البصري، بمعاني الحرية التجريدية، وما يجب أن تكون عليه في واقع الممارسة، أم أن تلك هي الحرية على الطريقة الأمريكية؟.

هناك أكثر من سبب يجعل تلك الأنظمة الخليجية الحاكمة، فاقدة الشرعية، ساقطة المشروعية، يوجب على الشعوب التحَرّك لإسقاطها، والتحرّر من هيمنتها وديكتاتوريتها، وكما سبق وأشرنا، فَـإنَّ نشأتها برعاية بريطانيا -ذراع الصهيونية والماسونية- ثم انتقالها إلى كنف الوصاية الأمريكية -الذراع الأُخرى للعدو الصهيوني- قد جعلت منها كيانات وظيفية -كما يعرفها المفكر الموسوعي عبد الوهَّـاب المسيري- يوكل إليها القيام بمهام ووظائف شتى، لا يمكن لغالبية أعضاء لغالبية أعضاء المجتمع الاضطلاع بها، لأسباب مختلفة منها أن هذه الوظائف قد تكون مشينة…، وليس هناك من دور مشين، أكثر من التمرد على الأوامر الإلهية، ومخالفتها علناً، وَخيانة الدين والأمة الإسلامية، والسعي نحو تمكين عدوها منها، وتدنيس مقدساتها، وتحريف دينها، ونشر الفساد والرذيلة جهاراً نهاراً في أوساطها، الأمر الذي يؤكّـد كون تلك الأنظمة العميلة، كيانات دخيلة طارئة، لقيطة علمانية حلولية، لا شرعية لحاكميتها، فاقدة لأدنى القيم والأخلاق والمبادئ والإنسانية، بشهادة انغماسها في دورها الوظيفي الخياني، القمعي الاستبدادي الاستعماري، وما تبريرها للارتماء في الحضن الصهيوني، بشعارات السلام والتعايش، والعلاقات الثنائية، والمنافع والمصالح المشتركة المتبادلة، إلّا وهم وزيف، وكذبة كبرى، رضخت لها شعوب الخليج، تحت سلطة القمع والقتل المجاني، ولكن لم تصدقها، ولم يعد خافياً على أحد، أن التطبيع مَـا هو إلّا إعلان القبول بالتبعية المطلقة للكيان الصهيوني المحتلّ، ودعم وتبني ورعاية وإنجاح مشاريعه الاستعمارية في المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية، وخيانة الأُمَّــة والدين الإسلامي، تحت مسمى الحرية الشخصية، وحق القرار السيادي.

رغم فشل مشاريع صفقة القرن الأولى والثانية، في توطين الكيان الصهيوني الغاصب، في المجتمع العربي والبيئة العربية الإسلامية، إلّا أن تلك الكيانات الوظيفية في الخليج والسعوديّة، لم تتحرج من تهافتها المخزي، إلى غضاضة في إعلان تبعيتها المطلقة، وتسليمها وخضوعها الكامل لرغبته، واستعدادها الدائم لتنفيذ توجيهاته وأوامره، معلنة بين يديه الطاعة العمياء، ولذلك لم تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر وحرب الإبادة والحصار المطبق، بحق أبناء الشعب اليمني، بتهمة محاربة المد الفارسي، وإعادة اليمن إلى الحضن العربي، وهي تهمة لم تتجاوز كونها كذلك، وعذر أقبح من ذنب، وحجّـة داحضة في اليمن، وقائمة على تلك الكيانات الوظيفية المتصهينة، التي يجب استعادتها من الحضن الصهيوني، واقتلاع وجوده من المنطقة العربية بأكملها.

إن مسارعة الكيانات الوظيفية (السعوديّة والإمارات والبحرين) إلى إعلان التبعية للعدو الصهيوني المحتلّ، على مرأى ومسمع من جميع الشعوب العربية الإسلامية، في ظل صمت علماء المسلمين، والهيئات الدينية المختلفة، وبذلك التهافت المخزي، يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك، أن العدوان على اليمن – في صيغته التحالفية الإجرامية – لم يكن إلّا بعض ذلك الدور الوظيفي المنوط بتلك الكيانات، ويمكن القول إن تزامن (التطبيع/التبعية) في سياق العدوان على اليمن قد تمخض عن النتائج الآتية:-

١- كَشَفَ حقيقة دور ومشروع تحالف العدوان، إزالة مخاوف الكيان الصهيوني من قوة اليمن المتصاعدة.

٢- منح الكيان الصهيوني صفة اللاعب السياسي رسميًّا، وشرعنة تحَرّكاته العلنية في المنطقة.

٣- إنشاء محور التطبيع مقابل محور المقاومة.

٤- اعتماد الكيان الصهيوني استراتيجية التحالفات الأفقية، مع الكيانات المطبعة؛ كَونها أقدرَ على دمج الكيان الصهيوني في العمق الجيوسياسي والاجتماعي والثقافي، من تلك التحالفات الرأسية، القائمة على دعم ومساندة القوى الكبرى

– التحالفات الأفقية:- ميدان تطبيق نظرية الوجود الصهيوني المحتلّ في كُـلّ المنطقة العربية.

– التحالفات الرأسية:- تمثل الجانب النظري للوجود الصهيوني في جغرافيته المغلقة (فلسطين المحتلّة).

٥- تفعيل التحالفات الأفقية، لتخفيف الضغط والسخط الشعبي الموجه نحو القوى الكبرى (التحالفات الرأسية) ولفت الأنظار عن تحَرّكات وجرائم الحلفاء والإمبرياليين.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com