عملية البحرية اليمنية.. ودليل “سان رينو” بشأن النزاعات في البحار

القانون الدولي:

(السفينة المساعدة كُـلّ سفينة، بخلاف السفينة الحربية، تملكها القوات المسلحة لدولة ما أو توضع تحت مراقبتها وحدها، وتستخدمُها الحكومة لأغراض غير تجارية لمدة محدّدة)

(يجوز ضبط السفن المعادية، سواءٌ أكانت تجارية أو غير تجارية وبضائعها خارج المياه الحيادية دون ضرورة الزيارة والتفتيش مسبقاً)

(تدمير أية سفينة تجارية ضبطت للعدو كتدبير استثنائي، إذَا حالت الظروف العسكرية دون الاستيلاء عليها أَو إرسالها للحكم عليها كغنيمة للعدو)

 

قانون الملاحة البحرية:

يجوزُ استهدافُ السفن التجارية عندما تتحول إلى أهداف عسكرية في إحدى هذه الأحوال:

أ) قيامها بأعمال حربية لحساب العدوّ.

ب) عملها كسفينة مساعدة للقوات المسلحة المعادية، بنقل جنود مثلاً أَو بإمدَاد سفن حربية بالمؤونة.

ج) إسهامها بأية طريقة أُخرى إسهاماً فعالاً في العمل العسكري، بنقلها معدات عسكرية.

 

المسيرة| علي الدرواني

كانت العمليةُ التي نفذتها البحريةُ اليمنية، بالاستيلاء على سفينة الشحن، أمس الأول، في المياه الإقليمية اليمنية، خطوةً صادمةً للعدو، مثّلت قراراً جريئاً، بما تضمنته من الدلالات الهامة، والتي أشار إليها كثيرٌ من الخبراء، أمس على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة، حَيثُ مثلت تحولًا نوعيًّا في مسار الصراع على أعتاب دخول العدوان عامه الثامن لصالح الجيش اليمني واللجان الشعبيّة، لا سِـيَّـما أن هذه العملية حصلت رغم انتشار مجموعة كبيرة من القطع البحرية المتعددة الجنسيات التي تشارك في العدوان وفرض الحصار البحري على الشعب اليمني ومراقبة حركة السفن على أنواعها بدقة، بالإضافة إلى ما تعكسه العملية من قدرة عملانية للبحرية اليمنية على التوغل في عمق المياه الإقليمية اليمنية ومحاصرة سفينة بهذا الحجم ومن ثم اقتيادها إلى مكان آمن في ميناء الصليف على ساحل البحر الأحمر.

هذه الدلالات أثارت صدمة كبيرة لدى تحالف العدوان، فتغييرُ قواعد الاشتباك البحرية، يضاف إلى تغييرها في البحر والجو، ويظهر، إلى جانب القدرة العملانية لتنفيذ هكذا عمليات، القدرة الاستخباراتية، في رصد وتتبع هذه السفينة، وبالتالي اختيار الوقت والمكان المناسب للتنفيذ.

تحت تأثير الصدمة، صدر بيانٌ عن تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي، تضمن بعض المغالطات، والتي مهما كانت فَـإنَّها لم تصمد أمام الواقع بعد نشر مقاطع الفيديو للسفينة روابي التي كانت تحمل علم الإمارات، وما تحمله من معدات عسكرية متنوعة، بين المدرعات وناقلات الجند، والأسلحة الرشاشة والذخيرة، وأجهزة الاتصالات العسكرية.

في البيان طغت لغة الاستعلاء السعوديّة المعتادة مطالبة بإخلاء سبيل السفينة فورًا، متذرعاً بما سمّاه انتهاك مبادئ القانون الدولي الإنساني، ودليل سان ريمو بشان النزاعات في البحار، مشدّدًا على ادِّعاء أن السفينة التي كانت تحمل العَلَم الإماراتي، هي سفينة شحن، لنقل معدات طبية.

الوضعُ القانوني لسفينة روابي وِفْــقاً لدليل سان ريمو:

وبالعودة إلى الدليل الذي أعده عددٌ من القانونيين الدوليين والخبراء البحريين الذين دعاهم المعهدُ الدولي للقانون الإنساني للاجتماع، بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار من سنة 1988 إلى سنة 1994. وأشرف على إعداده فريقٌ من الخبراء في القانون الدولي والملاحة البحرية، واعتُمد النَّصُّ في يونيو/ حزيران 1994.

هذا الدليل كان واضحًا في التشديد في الفرع الثاني منه على حق الدفاع عن النفس، وأوضح التدابير المتبعة أَثناء النزاع في الحروب والأمور التي يجب مراعاتها، أَثناء تنفيذ الهجوم على الأهداف العسكرية، بعد تعريفات واضحة لطبيعة تلك الأهداف، وفي الفرع الخامس، يمكن اعتبار السفينة روابي وِفْــقاً للفقرة (ح): سفينة مساعدة للسفن الحربية، حَيثُ تنص على: (السفينة المساعدة كُـلّ سفينة، بخلاف السفينة الحربية، تملكها القوات المسلحة لدولة ما أَو توضع تحت مراقبتها وحدها، وتستخدمها الحكومة لأغراض غير تجارية لمدة محدّدة) فالسفينة روابي إذن كانت تحت تصرف القوات المسلحة السعوديّة، وتقوم بمهمة نقل عسكرية، وتكون وِفْــقاً للفقرة 40، من الدليل هدفًا عسكريًّا، حَيثُ تنص الفقرة: (تنحصر الأهداف العسكرية في الأعيان التي تسهمُ، من حَيثُ طابعها أَو موقعها أَو الغاية منها أَو استعمالها إسهاماً فعلياً في العمل العسكري، ويوفر تدميرها الكلي أَو الجزئي أَو الاستيلاء عليها أَو تحييدها في هذه الحالة فائدة عسكرية أكيدة).

لم يتوقف دليل سان ريمو في تشريع الاستيلاء على السفينة روابي، عند هذه النقطة، بل يجوزُ استهدافُ السفن ووِفْــقاً للفرع الرابع، الفقرة 60، التجارية عندما تتحول إلى أهداف عسكرية في إحدى هذه الأحوال:

أ) قيامها بأعمال حربية لحساب العدوّ.

ب) عملها كسفينة مساعدة للقوات المسلحة المعادية، بنقل جنود مثلاً أَو بإمدَاد سفن حربية بالمؤونة.

ز) إسهامها بأية طريقة أُخرى إسهاماً فعالاً في العمل العسكري، بنقلها معدات عسكرية مثلاً.

ومن الواضح أن روابي قد جمعت كُـلّ تلك الشروط وفقدت أية حماية، وتحولت إلى هدف عسكري، يتاح استهدافه بهجوم أَو الاستيلاء عليه كغنيمة.

وحتى على افتراض صحة ادِّعاءات تحالف العدوان بان روابي هي سفينة تجارية، كانت تحمل مستشفى ميدانيًّا، فَـإنَّ دليل سان ريمو، قد أوضح في الفرع الثالث من الجزء الثالث، الفقرة 52، (إذا خالفت سفينة من أية فئة أُخرى من السفن التي تستثنى من الهجوم أحد شروط استثنائها المنصوص عليها في الفقرة 48، فَـإنَّه لا يجوز الهجوم على هذه السفينة إلا:

أ) إذَا لم يكن بالإمْكَان تحويل طريقها أَو احتجازها،

ب) إذَا لم يكن هناك أي سبيل لممارسة المراقبة العسكرية.

ج) إذَا كانت الأحوال التي لا تحترم فيها السفينة القواعد خطيرة بما فيه الكفاية، لكي تصبح أَو يمكن أن تعتبر بصورة معقولة هدفاً عسكرياً).

مصيرُ السفينة روابي:

كانت النصوص المنقولة سابقًا من دليل سان ريمو، تؤكّـد على مشروعية الاستهداف أَو الهجوم على السفينة روابي، في حال عدم التمكّن من الاستيلاء عليها، بعد استيفاء كُـلّ الشروط، وانتفاء كُـلّ الموانع، وتحوُّلِها إلى هدفٍ عسكري، ويبقى هنا أن ننقُلَ الفقرةَ 135، المتعلقةَ بالضبط والاستيلاء على السفن التجارية، (يجوز ضبط السفن المعادية، سواء كانت تجارية أَو غير تجارية، وبضائعها خارج المياه الحيادية، دون ضرورة الزيارة والتفتيش مسبقاً).

وهذا هو الأمر الذي تم تطبقه بالفعل، وأصبحت السفينة في قبضة البحرية اليمنية، ووصلت بسلام إلى مراسي ميناء الصليف، وأصبحت في حكم غنيمة الحرب، وِفْــقاً للفقرة 138، ونصها: (يتمثل ضبط أي سفينة تجارية في الاستيلاء عليها كغنيمة. وَإذَا حالت الظروف العسكرية دون الاستيلاء على السفينة في البحر، جاز تحويل وجهتها إلى منطقة مناسبة أَو إلى ميناء مناسب لاستكمال ضبطها. وكحل بديل للضبط، يجوز تحويل أي سفينة تجارية عن وجهتها المعلنة).

وبهذا تكون السفينة الآن تحت تصرف القوات المسلحة اليمنية، يجوزُ لها فيها كُـلّ تصرف، بناء على الفقرة 139، والتي تجيز (تدمير أية سفينة تجارية ضبطت للعدو كتدبير استثنائي، إذَا حالت الظروف العسكرية دون الاستيلاء عليها أَو إرسالها للحكم عليها كغنيمة للعدو) مع التأكيد على (الحفاظ على الوثائق والأوراق المتعلقة بالغنيمة)، وكذلك (صون الأمتعة الشخصية لركاب وطاقم السفينة بقدر الإمْكَان).

كُلُّ هذه المواد والنصوص تؤكّـدُ مشروعيةَ العمل اليمني في الاستيلاء على السفينة التي كانت ترفَعُ علَمَ الإمارات، وهي دولةٌ مُعاديةٌ بطبيعة الحال، وكانت السفينة تقومُ بأعمال مساعدة للسفن الحربية، وتم اغتنامها أَثناء قيامها بنقل عتاد عسكري خطير، وَأَيْـضاً أَثناء وجودها في المياه الإقليمية اليمنية، ويتبين أن كُـلَّ الإجراءات تتوافق مع القوانين الدولية، ولا تنتهك أيَّا من قواعد دليل سان ريمو، وتسقط كُـلُّ ادِّعاءات العدوان.

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com