الشَّهادةُ مِسك الخِتام

 

أفنان محمد السلطان

من سُنن الله في الكون ورحمتهِ الواسعة أن رسم للنّاس طريق واضحة وأعطاهم المّنهج الذي إذَا ساروا عليه يُوصلهم إلى الخيرِ والفلاح، فالإنسان يعيش على حقيقةٍ حتمية وهي الموت وأن الإنسان لا بُـدَّ وأنهُ سيرحل من هذهِ الدنيا التي لا أفراحها دائمة ولا أتراحها زائلة، فهو أمام خيارين إما انتظار الموت حتى يأتي إليه وهو يلهو ويلعب في هذهِ الدنيا ولم يحسبْ حسابه لهذه اللحظة الحتمية، وإما أن يُعد العُدة للقاءِ هذا اليوم ويسلك طريق مختصر للفوزِ والنجاة وهو طريق الشهادة والتحَرّك في سبيل الله فيستثمر موته بل وعلى العكس فإن سلكت هذا الطريق وقُتلت فيه يجعلك من الخالدين الذين لا يكونون في عِداد الموتى بل يبقون أحياء يُرزقون عند مليكٍ مُقتدر.

إن الشهادة في سبيل الله التي تجعل من الإنسان خالداً نورانياً فيتسلل هذا النور خلاياه البشرية ليشع ضياء الهداية في قلبه وتعمل جميع جوارحه في طاعة الله، فالشهادة شيء عظيم لا تحتويها المعاني أَو تحصرها تعبيرات الكُتاب ولا يسعها أوراق وسطور الكُتب أَو فلسفة الفلاسفة، هي وسام شرف وعزة وكرامة؛ لأَنَّها منحة إلهية جعلها الله لخَاصَّة أوليائه الصادقين في زمن الزيف والثابتين في زمن التراجع، الذين تركوا دُنياهم الغَرور لأجل جنة دائمة النعيم والسرور.

فالشهادة تقتضي من الإنسان خوض تجارة مع الله بنودها الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالمال والنفس، فهذه تجارة ربانية رابحة لا تبور أَو تكسد، فليست مثل التجارة الدنيوية التي تحتمل الخسارة أَو الربح فينطلق النّاس فيها بدافع كسب المال، بل التجارة الربانية ينطلق نحوها المؤمنين المتقين وفق منهج إيماني وقيادة قرآنية فيبذلون كُـلَّ غالٍ ونفيس في سبيل أن يقبل الله تجارتهم بدافع كسب مَـا هو خير الدنيا والآخرة، المكسب الكبير والعظيم رضوان الله والجنة فشتان ما بينهمّا.

وعلى دروب الشهادة والتضحية وطريق الجِهاد نجد الشُهداء النموذج الراقي والقُدوة الحسنة الذين باعوا أرواحهم الزاكية لله وجاهدوا وضحوا فربحت تجارتهم وتجاوزوا البوار والخسارة، فحظوا بالخلود واستبدلوا هذه الأجساد الطينية بأجساد الخلود يؤتون رزقهم في كُـلّ حين قال تعالى ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)).

فمن يريد حياة أبدية عليه أن يستشعر مسؤولياته التي خُلق مِن أجلِها، فهو خليفة الله في أرضه وليعمر الأرض بتقوى الله وهديه ليمكنن لهُ الله في دينه، وليسير في درب الشُهداء الذين بنوا لبنة من العزة ولبنة من الكرامة في صرحِ الإسلام الشامخ، الذين شيدوا أمجادًا ببطولاتهم الحيدرية وتضحياتهم المجيدة، الخالدون في أعماقِ القلوب، الذين لم يُنسوا من ذاكرة التاريخ، فهُم أحياء فينا ما حيينا يعودون مع كُـلّ انتصار وفتح، ومن يُريد حُسن الخاتمة فليطلب الشهادة فهي والله مسكُ الخِتام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com